وضع الحدود من الركائز الأساسية في التربية التي بدونها لا يستقيم البناء السليم، هي أساسية منذ سنوات الطفل الأولى، تساهم في توازنه وتساعده لاحقا على العيش والاندماج في المجتمع. فرغبات الطفل لا تنتهي، وتلبيتها لا تخدمه، ومن هنا أهمية وضع الحدود التي ينبغي أن تكون واضحة ومرفقة بالشرح والتوضيح. الاختصاصية في علم النفس الإكلنيكي والعلاج النفسي سعيدة بنكيران تسلط الضوء على هذا الموضوع في الحوار التالي. 2m.ma: ما المقصود بوضع الحدود في التربية؟ الحدود هي كل تلك المسائل التي يجب أن يتعلمها الطفل والتي لا ينبغي له أن يتجاوزها لأنها تساعده في جميع مراحل حياته على أن يكون متحضرا وأن يعيش في المجتمع، لأن الطفل بطبيعته يريد أن ينفذ كل رغباته وكل ما يخطر على باله، ولا تكون لديه كوابح، فبالنسبة إليه لا بد أن يحصل على كل ما يريد. ولكن، كي ينمو الطفل بشكل متوازن، يجب أن يتعلم الالتزام بحدود معينة، وهي مهمة يؤطرها الآباء، وبالتالي، فالأب والأم، ومن خلال تصرفاتهم وإرشاداتهم وكلامهم مع الطفل، وأيضا بالصرامة اللازمة دون اللجوء إلى العنف، يضعون الحدود التي تعتبر من الاحتياجات الأساسية للطفل على غرار الحب والأمان، والتي نادرا ما نتحدث عنها. 2m.ma: كيف يمكن وضع حدود للأطفال؟ يجب أولا أن يكون الأبوان واعيين بضرورة وضع الحدود، لأن عددا كبيرا منهم يدلل أبناءه ويلبي كل رغباته حتى يكون سعيدا كما يعتقد، وهذا خطأ، الحدود أساسية في التربية. مثال بسيط: عندما يريد الطفل تناول كميات كبيرة من الحلوى علما أنها تشكل ضررا على صحته، هنا يجب أن يمنعه الآباء بصرامة حتى وإن دخل في نوبة بكاء. ومن جهة أخرى، ينبغي أن لا نتجاوز بدورنا حدودنا نحن مع الطفل حتى نكون قدوته، فلا نضربه مثلا ونطلب منه ألا يضرب الأخرين. هناك أيضا نقطة أساسية وهي أن الممنوع أو المسموح به يجب أن يكون متفقا عليه من الطرفين، إذ لا يمكن أن يسمح الأب بشيء وتمنعه الأم والعكس صحيح. 2m.ma: ابتداء من أي سن يمكن أن يفهم الطفل الحدود؟ الطفل ابتداء من 3 سنوات، يمكن أن نضع له الحدود، ونقول لا على الأمور التي تشكل خطرا عليه ونكرر ذلك عدة مرات، وشيئا فشيئا بعرف الطفل الحدود، وابتداء من 6 و7 سنوات، يعرف الطفل أهم الحدود التي لا ينبغي له أن يتجاوزها. * المراهقة.. مرحلة التقلبات والصراع وسوء الفهم. إجابات لأسئلة تشغل بال الآباء في هذا الحوار * طفلي يشاهد صورا وأفلاما إباحية.. كيف أتصرف؟ (حوار) * تعِبتُ من عقاب طفلي ومازال يكرّر نفس الخطأ.. البديل الذي تقدمه التربية الإيجابية لتصحيح سلوك الأطفال (حوار) 2m.ma: كيف ينبغي أن يتعامل الآباء إذا لم يمتثل الأبناء وأصروا على تجاوز الحدود؟ إذا تجاوز الطفل الحدود يجب أن يعاقب، والعقاب ليس هو الضرب أو العنف، يمكن أن نطلب منه الجلوس في غرفته حتى يفكر في الأمر الذي قام به، ثم نشرح له، الحدود تقتضي أن نشرح له لماذا منعناه ولماذا لا نسمح له بفعل أمر ما، على أن وضع الحدود يجب أن يكون بشكل واضح، فلا أمنعه مرة من ضرب الآخرين وفي مناسبة أخرى أظهر له أن الأمر لا يخلق مشكلا. وإذا أصر الطفل على تجاوز الحدود نتجنب العقاب العنيف، وقد نحرمه من شراء لعبه يريدها على سبيل المثال، ولكن لا نحرمه من الأمور الأساسية كالأكل ولا نضعه في غرفة مظلمة. 2m.ma: ما هي عواقب وخطورة عدم وضع الحدود في التربية؟ العواقب وخيمة، لأن الطفل يبيح لنفسه كل ما يريد وقد يصبح خطيرا على نفسه وعلى المجتمع، يمكن أن يكون عنيفا وألا يتقبل الإحباط، حيث إن تقبل الإحباط هو من بين أهداف وضع الحدود، وغياب هذه الأخيرة قد يطور لدى الطفل مع مرور الوقت اضطرابات نفسية في الصغر وحتى في الكبر، وقد تتأثر علاقاته مع الأخرين ومع نفسه وأيضا قدرته على التأقلم. أشير إلى أن غياب الحدود ليس سببا رئيسا في الاضطرابات النفسية، وإنما قد يساهم، عندما يتفاعل مع عوامل أخرى، في ظهور اضطرابات نفسية. 2m.ma: معلوم أن المراهقة هي من المراحل الصعبة التي يمر منها الطفل، هل يكون هناك تمرد على هذه الحدود؟ إذا كان الامر كذلك كيف يمكن أن يتصرف الآباء؟ فعلا، قد يكون هناك تمرد على بعض الحدود خلال مرحلة المراهقة، ولكن إذا اكتسب الطفل بشكل بناء الحدود أثناء الطفولة، لن تكون هناك مشاكل كبيرة في المراهقة، في حين، يمكن أن يتمرد إذا أخد الحدود بشكل عنيف. عموما، كلما كان الحوار والتواصل حاضرين أصلا داخل الأسرة، كلما كانت هناك إمكانية مناقشة المسائل التي يعارضها المراهق أو يراها بشكل آخر. 2m.ma: ماذا لو لم يكن هناك اتفاق بين الوالدين حول الحدود نظرا لاختلاف التربية والوسط الذي نشأ فيه كل طرف؟ بالنسبة للوالدين، من الضروري أن يكون توافق بينهما على نفس الحدود، لأنه إذا غاب هذا التوافق لن تكون للطفل مراجع موحدة وأساسية وواضحة للحدود التي لا ينبغي أن يتجاوزها، ويبقى التفاهم بين الطرفين من العناصر الأساسية في التربية البناءة. 2m.ma: كيف يمكن أن يرى الطفل مسألة الحدود وهو يقارن نفسه مع أطفال غير ملزمين بأي حدود أو قواعد. المثال الذي أقدمه هو الأطفال الذي يمكنهم الحصول على الهواتف والشاشات دون رقابة أو وقت محدد، في الوقت الذي أضع فيه انا لطفلي قواعد وحدود للتعامل مع هذه الوسيلة؟ المشكل غير مطروح إذا كان الطفل يعيش في أسرة فيها بدائل، لا نمنع عنه الشاشات دون أن نشرح له ونتحاور ونتواصل معه، وفي نفس الوقت نقضي معه أوقاتا ممتعة للرسم أو للنزهة أو غيرها من الأنشطة... هكذا يتعلم الطفل البديل عن الهواتف والشاشات ويعرف قيمة الأوقات التي نقضيها معه، ويتحصن من الشاشات حتى وإن توفر عليها أقرانه. بهذه الطريقة يصبح لدى الطفل قاعدة من الحب والأمان، ولديه حياة غنية بالأنشطة التي يقوم بها رفقة والدية، إلى جانت أنشطة أخرى موازية كالرياضة، المسرح، وغيرهما، والتي تبعده عن الشاشات وتجنبه خطر الوقوع في الإدمان.