كيف يكون طفلي واثقا من نفسه؟ سؤال بات يشغل حيزا مهما في تفكير الآباء، يعرفون أهميته في بناء الشخصية، لكنهم قد يخطئون في وضع الأساس السليم لهذا البناء، فما معنى الثقة في النفس؟ وكيف أربي طفلا واثقا من نفسه؟. سنسلط الضوء على هذا الموضوع رفقة الدكتور محسن بنزاكور، المتخصص في علم النفس الاجتماعي، في الحوار التالي: 2m.ma: يتحدث الناس دائما عن أهمية الثقة في النفس ودورها في بناء شخصية الطفل، فما معنى أن أربي طفلا واثقا من نفسه؟ ينبغي أن نميز أولا بين إثبات الذات والثقة في النفس، فإثبات الذات يأتي من خلال ما نسميه تراكم النجاحات، بينما الثقة في النفس هي بداية لإثبات الذات، وهي سلوك يجعل الإنسان يتصرف بطريقة أفضل ويفكر في نفسه ويدافع عن مصالحه، لكن بدون خوف مرضي أو قلق، يعني أن يكون صادقا مع نفسه بحيث لا يعطي الصورة الذي يريدها الآخر أو أن يخاف من الصورة التي قد ينظر بها الآخر إليه. وهنا تأتي مسؤولية الآباء في تعليم ابنهم كيف يعبر عن أفكاره ومشاعرة بكل طلاقة ودون خوف، لأن مصدر الخوف هو عدم الرضا، وهو ما ينتج عنه إعطاء صورة غير حقيقية، وبالتالي لا يثبت الطفل ذاته لأنه غير واثق في نفسه. 2m.ma: ما الذي ينبغي أن ينتبه له الآباء؟ نحن نردد دائما أن "اللسان ما فيه عظم"، وننسى أن الطفل يتلقى ما يتلقاه من خلال التواصل، فإذا نعتّه بوصف مُشين ثم قلت له كلاما جميلا، فإن النعت السلبي الذي وصفته به هو الذي سيترسخ في ذهنه لأنني جعلته يقتنع أنه دون المستوى ولا يفهم، لذلك يجب أن ننتبه ونحن نبني ثقة الطفل بنفسه للكلمات التي نتفوه بها، وأيضا للإشارات وتعابير الوجه، ومن جهة أخرى، لا يمكن أن نعطي الطفل الثقة في نفسه إذا أنشأناه في جو لا تتاح له فرصة التعبير واتخاذ القرار وتحمل المسؤولية.. 2m.ma: مثلا عندما أصرخ على طفلي وأصالحه لاحقا، هل أؤثر على ثقته بنفسه؟ نعم، لأن الطفل والإنسان يُبنى في الأزمات والمشاكل الذي تعترضه، في الأوقات العادية نحن نقلد فقط، مثال بسيط جدا، الطفل يقلد في الأكل، لكنه عندما يخطئ في الطريقة يأتي دور الآباء فإما أن يبنوا الثقة أو يحطموها، فإن عولج هذا الموقف بالصراخ، فإنه يدمر الثقة بالنفس، لأن الطفل لا يهتم بسلوكه وكيفيه تصحيحه، بل يركز على ردة الفعل ويتعلم الخوف 2m.ma: اعتمدت التربية في السابق على الصراخ والضرب والمقارنة، ومع ذلك يقول عدد ممن تربى بهذا الأسلوب: ما الذي حصل لنا لقد "أصبحنا رجالا ونساء واشتعلنا وأسسنا بدورنا أسرة"؟ أولا، هناك اختلاف بين الأجيال، وإذا عمت نفس الظروف تكون مقبولة، إذا لم يكن الأمر كذلك تبدأ المقارنة، في ذلك الوقت، كانت تلك هي الطريقة السائدة في التربية وقبلها الناس، لكن هذا لا يعني أنها كانت سليمة، لأنها خلقت أزمات خطيرة في بناء الشخصية لازلنا نعالجها لحد الآن، وعندما يقول لك شخص ما إنه لم يحصل له شيء نتيجة هذه التربية، فلأنه غير واع بالأمر، وإلا كيف يكرس نفس السلوك في جيل آخر 2m.ma: لكن الناس أصبحوا يعلمون أن ذلك النموذج في التربية لم يعد صالحا، لذلك يكرّسون كل جهدهم حتى يحصل أبناؤهم على أفضل تربية ويحرصون على بناء الثقة في النفس، وعندما لا يصلون إلى النتيجة المرجوة يطرح السؤال: أين الخلل؟ المشكل أن الآباء لم يفرقوا بين بناء الثقة في النفس و"الفشوش"، هناك فرق كبير بين أن أبني الثقة في النفس عند طفلي، وبين أن أعلمه قلة الأدب وتجاوز الحدود، بناء الثقة الذي نتحدث عنه يعني أن يبقى الطفل متوازنا أمام المعضلات والمشاكل التي تواجهه، أعطينا مثالا بسيطا حول الأكل، وقد تكون صعوبات لها علاقة بمستقبله الدراسي، بعلاقته مع الشاشات، وغيرها من الأمثلة، المهم أن المشكل عندما يحصل يجب أن يعرف الطفل الخطأ، وأن يتأكد أن وقوعه لا يفسد علاقة الحب التي تربطنا به، ثم ننتقل، بدون صراخ أو كلمات نابية إلى تصحيح الغلط من خلال تشجيع الطفل على إيجاد الحل، وإذا لم ينجح نعطيه البديل، وعندما لا يمتثل نمُرّ للحرمان بطريقة عقلانية وحسب سن الطفل. 2m.ma: لنفرض أننا كآباء لم نكن على وعي بهذه الأمور، وكنا نعتمد على أساليب تربوية خاطئة، هل يمكننا إعادة الاشتغال على بناء الثقة بالنفس عند أبنائنا؟ أكيد، لأن الإنسان لديه القدرة على التأقلم، أي يكون في وضع ويتحول إلى وضع آخر، فمثلما أبني الطفل، أحرص أيضا على بناء علاقتي معه، لذلك فالصدق ضروري، ولا عيب في أن أقول لابني إن طريقتي في التعامل كانت خاطئة، وأقدم اعتذاري وأدعوه لفتح صفحة جديدة، أما إذا كان طفلا صغيرا دون الست سنوات، فيكفي أن أغير سلوكي معه دون الحاجة إلى تفصيل في المنهجية. 2m.ma: تعتبر المراهقة مرحلة صعبة على الآباء والأبناء على حد سواء، فهل إذا بنبت الثقة في النفس بشكل صحيح، تظهر النتائج أم أنها تبقى مرحلة هشة في جميع الحالات؟ إن بناء الثقة في النفس يبدأ بصورة الطفل عن نفسه l'image de soi ، بالنسبة للمراهق، تنتقل الصورة على الذات إلى مرحلة حساسة وهي الصورة على الجسد، وإذا لم يكن واثقا في هذه الصورة، يبرز ذلك في سلوكه، من خلال لباس معين أو قصات شعر "غريبة" وغيرها من السلوكات 2m.ma: ألا يمكن أن نجد مثلا فتاة واثقة من نفسها، ولا تقبل التغيرات التي تحصل في جسدها خلال فترة المراهقة؟ الذي لا يكون راضيا عن نفسه ولا يقبل هذه المرحلة، هو من لم يتهيأ لها، وبالتالي ثقته في نفسه كانت ضعيفة. والمراهِقة التي لا تقبل صورتها يعني أننا من خلال بناء العلاقة مع الجسد، أعطيناها صورة مثالية للجسد، وليس عن جسدها هي، وبالتالي لم تتعامل معه ولم تقبله، وتخيلت جسدا آخر ليس لها، لذلك عندما تصل إلى مرحلة المراهقة تنفر من جسدها، ونحن في المغرب لدينا مشكل كبير في العلاقة مع الجسد، لأننا ندمر الثقة في النفس بعدم اشتغالنا عليه. إذن، فالبنسبة لهذه المراهِقة، الحقيقة هي جسدها الذي يجب أن تتقبله كما هو، بل وأن تحبه. 2m.ma: هذا يعني أن سلوك المراهق هو انعكاس للصراع الذي يعيشه في هذه المرحلة العمرية ليس صراعا، هو مسألة الكيفية التي بنينا له علاقته مع الجسد، لأن الثقة في النفس تبنى من خلال العلاقة مع الجسد، مع الآخر، مع الأفكار، فالمراهق يبني أفكاره في هذه المرحلة، ومن الواجب ألا نسخر منها حتى لا تتأثر ثقته بنفسه، بل على العكس، يجب أن نناقشها معه، فإما أن نقنعه أو يقنعنا، يجب أن نفتح نقاشات في كل المواضيع حتى عندما يتعلق بالجنس أو ببعض التساؤلات الوجوديه التي يطرحها المراهق حول الله سبحانه وتعالى، هذا الأمر يدفعه للبحث حتي يجد الحجج ووسائل الإقناع وهذا أمر يعزز ثقته بنفسه 2m.ma: لتعزيز الثقة في النفس عند أطفالهم، يلجأ بعض الآباء قدر المستطاع، وأحيانا فوق طاقتهم لتوفير ما يطلبه ابنهم حتى لا يشعر أنه أقل من أقرانه أو "باش مايتعقدش" كما يقولون، فهل عندما أوفر لطفلي ما يراه عند أقرانه أكون قد حللت المشكل؟ بداية لا وجود للعقد النفسية في المصطلح العلمي، هناك تسميات موضوعية، إما اضطراب أو اكتئاب أو غيرها، وبالنسبة لتعويض النقص، نعم يجب أن لا يشعر الطفل به، ولكن كيف أتصرف إذا لم تكن لدي الإمكانيات، إذن يجب أن أشرح لابني أن الإحساس بالنقص قد يكون إيجابيا ومحفزا للوصول إلى ما حرم منه، وأفتح معه حوارا ليفهم الواقع ويتقبله، لأن المعيار ليس ما هو عند الآخر، ماذا لو كان هذا الآخر على خطأ، هل أتبعه؟ 2m.ma: أعطيك مثالا حول الهواتف النقالة التي باتت "حلم" كل الأطفال، كيف أتصرف مع الطفل إذا كان يرى أن كل زملائه في القسم لديهم هاتف؟ يجب أن أعتمد على المعيار العلمي، وهو السن الذي يمكن أن أشتري فيه هاتفا لابني، فإذا لم يصل إلى هذا السن، فسيكون خطرا عليه وعلى شخصيته، والأخطر أن امتلاك هذه الهواتف أعطانا جيلا قلقا لا يعرف عن العلاقات الاجتماعية إلا الشيء القليل، جيلا مدمنا مع تراجع في المستوى الدراسي، وبدل أن تكون التكنولوجيا وسيلة لربح الوقت وقع العكس. 2m.ma: لنفرض أن لدي الإمكانيات لاقتناء أفضل الهواتف، لكنني ضد فكرة امتلاك الطفل لهذه الوسيلة في سن مبكرة، لكن ابني يبكي ويطالبني باستمرار بهاتف على غرار أقرانه؟ إذا كان الطفل يبكي لأجل الحصول على الهاتف، فهذا يعني أن العلاقة بيني وبينه غير متوازنة، هناك خلل في البناء وليس في الهاتف، لماذا لا يمكن أن يكون ابني متوازنا من الناحية النفسية إلا إذا كان يشبه الآخرين 2m.ma: يعني إذا كان واثقا من نفسه، حتى ولو امتلك كل أقرانه هاتفا، سأنجح في إقناعه إذا طلب من أن أشتريه له؟ هو سيكون مقتنعا، لأنه يرى أن حصول الطفل على الهاتف قبل سن معينه خطأ، وبالتالي عندما أبني طفلا على أن يكون تابعا، فمعناه إذا سرق أقرانه، هو أيضا سيسرق، ولا يمكن أن أبرر الأمر بأنه إذا عمّ هان، هذا غير مقبول في التربية، هناك أمور يجب أن نتميز فيها 2m.ma: أعتقد أننا لا نعرف ما نريده من أبنائنا أنا أطرح السؤال بطريقة أخرى، ما هو تصورنا لمفهوم "وْلْدي"، نعم هو ابنك، لكنه ليس ملكا لك تفعل به ما تشاء، وأنت أيضا لست ملكا له، بل تربطكما علاقة مبنية على ما هو حق وما هو واجب. يجب أن يعرف الآباء لماذا اتخذوا قرار إنجاب طفل، فهل بمفهوم الأنانية والتملك، أم لبناء إنسان متوازن قادر على تحمل المسؤولية الفردية والمجتمعية، وشتان بين الهدفين 2m.ma: ربما من وجهة نظر الآباء هم يبنون إنسانا كيف يمكن أن أبني إنسانا وأنا أعتبره ملكية، أو أكون أنا ملكا له بحيث أسعى حتى لا يُحرم من الأمور التي حُرمت منها 2m.ma: بالنسبة للأم أو الأب، هما يقدمان أفضل ما لديهما؟ خطأ، لا يريد ابنك أن تفعل ذلك 2m.ma: وما الذي ينتظره منا أبناؤنا؟ أبناؤنا يريدون أن نحرص على بناء شخصيتهم بحيث تكون متوازنة، وقادرة على اتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية، وعلى فهم وضع معين واتخاذ موقف من هذا الوضع، لذلك يجب أن نعرف مسؤولياتنا تجاه أبنائنا.