تثير المراهقة قلقا كبيرا لدى الآباء، هي مرحلة يطبعها في أغلب الأحيان الصراع والتوتر بين الآباء والأبناء، والذي يزيد من حدته غياب وعي لدى المربين بخصوصيات هذه الفترة، وأيضا بسبب أخطاء ارتكبت في مرحلة البناء، أي مرحلة الطفولة، فكلما كان البناء متينا وتأسس على التواصل والتفاعل وحضور الوالدين "بجودة" خلال الوقت الذين يقضيانه مع الأبناء، كلما كوّن المراهق مناعة ضد مختلف المشاكل التي قد تعترضه في المراهقة كما تشرح سعيدة بنكيران الاختصاصية في علم النفس الإكلنيكي والعلاج النفسي، التي تجيب في الحوار التالي على عدد من الأسئلة التي تشغل بال الآباء. 2m.ma: ينتقد المراهق والديه ومحيطه، لماذا وهل هو أمر طبيعي في هذه المرحلة العمرية؟ بالفعل، يمر المراهق بفترة ينتقد فيها أبويه، لأنه عندما كان طفلا كان أبواه بالنسبة إليه هما النموذج، وهو معطى يتغير في المراهقة، ولا يبقى ذلك النموذج، لأن المراهق بصدد تكوين شخصيته، حيث تصبح له أذواق وميولات مختلفة عن أبويه، لذلك ينتقدهم ويبحث عن كل الأمور السلبية، وهو أمر طبيعي. المشكل هو عندما تزداد حدة ووثيرة هذا الانتقاد، يعني أن المراهق غير راض على أي شيء، وأيضا عندما يعبر عن آرائه بطريقة عنيفة، أو عندما يهدد بالانقطاع عن الدراسة أو مغادرة المنزل إذا عارضه أبواه، في هذه الحالة، لا نتحدث عن الانتقادات العادية التي تكون في هذه المرحلة، ولكن عن اضطراب في السلوك. 2m.ma: ما هي الحدود التي يمكن للآباء أن يسمحوا فيها لأبنائهم بهذه الانتقادات؟ يجب أن يكون ذلك في حدود الاحترام، بحيث لا يكون هناك تجريح وكلام يقلل من قيمة الوالدين، يعني أن لا يكون هناك تجاوز للحدود على أساس أن المراهق يجب أن يعرف الخطوط الحمراء التي لا يتجاوزها في علاقته مع والديه وحتى مع الآخرين منذ الطفولة، والواقع أن تصرفات المراهق هي نتيجة المحيط الذي ترعرع فيه، فإذا كان هناك خلل في التربية فإنه يظهر في مرحلة المراهقة، لذلك نجد كثيرا من الآباء يتساءلون لماذا أصبح ابني عنيفا، في حين أن المشكل بدأ في مرحلة البناء، في الطفولة، وظهر في المراهقة لأنها مرحلة حساسة تحدث فيها تغيرات نفسية وجسدية للمراهق. 2m.ma: لماذا يشعر المراهق أن لا أحد يفهمه؟ هذا أمر طبيعي، لأن المراهق يمر بفترة صعبة، فهو لم يعد طفلا، وفي نفس الوقت ليس راشدا، يحاول أن يكون مثل البالغين، لكنه لا ينجح لأنه لم يصل بعد إلى تلك المرحلة، كما أنه يحاول أن يبني نظرته الخاصة للعالم، وفي هذه المحاولة يشعر أن لا أحد يفهمه، وكلما غاب الحوار والتواصل في محيط المراهق، كلما زاد هذا الإحساس عند المراهق 2m.ma: يعني إذا تأسس التواصل في المحيط الأسري منذ الصغر، فإن المراهق لن يكون لديه هذا الإحساس؟ سيساعد هذا الأمر كثيرا حتى لا يكون الإحساس بعدم الفهم كبيرا، لكن من جهة أخرى، من الضروري أن يكون الآباء على علم بخصوصيات مرحلة المراهقة، لأن عدم وعيهم بالتغيرات التي تحصل لابنهم يعمق الهوة بينهم وبينه. 2m.ma: لماذا يميل المراهق إلى العزلة؟ العزلة هي أيضا مسألة عادية جدا في هذه المرحلة العمرية، فالمراهق الذي يبقى ملتصقا بوالديه ولا يترك مسافة معهم، هو أمر غير صحي، لأن ذلك يعني أنه غير قادر على الانفتاح على العالم الخارجي، علما أن بعض الآباء ينزعجون عندما يبتعد ابنهم قليلا ويعتقدون أنه لم يعد يحبهم كما في السابق، الأمر لا علاقة له بالحب، كل ما هناك أن المراهق يحتاج إلى هذا الانعزال لبناء ذاته وأن بعض الآباء يرفضون لا شعوريا أن يكبر أبناؤهم. الخلاصة هي أن المراهق إذا كان يأخذ فقط وقتا أكبر مع نفسه، فهذا طبيعي، أما إذا بالغ في العزلة ولم يعد يرغب في تناول الطعام مع الأسرة أو الكلام مع الديه، فهذا غير مقبول، ويجب أن نبحث عن الأسباب. 2m.ma: يزداد اهتمام المراهق بمظهره الخارجي خلال المراهقة؟ نعم، لأن التغيرات النفسية والجسدية التي تطرأ عليه، ربما تجعله غير واثق من نفسه، فيركز على الاهتمام بمظهرة الخارجي بحثا عن هذه الثقة، وأيضا كي يثبت نفسه أمام المجموعة التي ينتمي إليها، وهنا يجب على الآباء أن لا يحكموا على المراهق ويكونوا قاسين عليه، فعوض أن يهينوه ويقمعوه أو يقدموا له نصائح أو انتقادات، يجب عليهم أن يحاول فهمه ومرافقته وفتح قنوات الحوار معه حتى يستعيد ثقته بنفسه، فإذا لاحظ الآباء مثلا أن اهتمام ابنهم بمظهره خارج الحدود المقبولة، كأن يقضي ساعات أمام المرآة ويؤثر ذلك عليه وعلى دراسته، فآنذاك ينبغي استشارة الاختصاصي. من جهة أخرى، قد لا يتفق بعض الآباء مع تسريحة شعر أبنائهم أو طريقة لباسهم مثلا، وهنا أنصحهم أن يكونوا مَرِنِين لأن الصدام مع المراهق لا يعطي نتيجة، إذا كان أمورا بسيطة، سيجربها وسيملّ منها، وإذا كنا غير موافقين يجب أن نتحاور معهم فإما أن يقنعونا أو نقنعهم لأن القمع والعقاب غير مُجْديين. 2m.ma: هل يجب أن نملأ كل أوقات فراغ المراهق؟ ليس بالضرورة أن نملأ كل وقت الفراغ، يمكن أن نترك له أوقانا يشعر فيها بالملل، لكن من المهم أن تكون لديه أنشطة موازية يكون فيها إبداع كالرسم والمسرح أو أنشطة رياضية ومسابقات، وكلها يمكن أن تشكل أحد طرق الوقاية من المشاكل التي ربما يقع فيها المراهق. 2m.ma: المراهق تكون لدية تساؤلات حول الحياة الجنسية، كيف نجيب عنها؟ مع غياب التربية الجنسية في المدارس، من الأفضل أن نتحدث مع أبنائنا في هذا الموضوع قبل سن المراهقة، حيث تشرح الأم لابنتها بعض الأمور المتعلقة بالعادة الشهرية، وكيف يولد الإنسان مثلا، ويقوم الأب بنفس الأمر مع ابنه، وكلما كانت العلاقة جيدة مع الأبناء وفيها حوار، كلما طرح المراهق الأسئلة التي تدور بذهنه، وهي أسئلة يطرحها الطفل حتى قبل المراهقة، المهم أن نجيب على كل المعلومات التي يريد ابننا معرفتها ونعطيه وقتا ونشرح له أن الحياة الجنسية هي جزء من حياة الإنسان ونقدم له هذه المعرفة على أنها طبيعية.