أرى يوميا مراهقين في صراع مستمر مع آبائهم وكأنهم أعداء، حيث تقول الأم مثلا: "بْلْعاني كَيْديرْنا الضَّدّْ". ويقول المراهق: مَكَيْفْهْمونيشْ وْكَيْتْعامْلوا مْعَيا بْحالْ كَيْكْرْهوني". وكلما حاولت أن أفهم أكثر ما يقع في هذه العلاقة النزاعية، أسمع للآباء ثم للمراهقين في الحصة نفسها وتكون شكواهم على شاكلة هذا المثال: - الآباء: كانْ كَيْقْرا مْزْيانْ وْكَيْسْمْعْ لْكْلامْنا. وْدَبا مَبْقِناشْ كَنْعْرْفوهْ، كَيْديرْ غي لي قالو راسو، مَكَيْبْغيشْ يْخْدْمْ الفروض، كَيْنْعسْ مْعْطّْلْ وْكَيْدْوّْزْ الوقت كُلّو عْلى التيليفون، وْالى هْدْرْنا مْعاهْ كَيْتْعْصّْب وْيْغْوّْتْ عْلينا وْيْبْقى سادّْ عْليه". - المراهق رداً على أبويه: "هَدْشّي ما كايْنْشْ، كَنْخْدْمْ الفروض دْيالي وْهُما كَيْبْغِوْني الوقت كْلّو َغي نْقْرا. وْكَيْنْتَقْدوني في كُلْشِي، لْباسي، شْعْري، صْحابي، وْمَكَيْفْهْمونيشْ كاعْ وْيْنْكْرو عْليّا ديما وْغي لْغْواتْ وْالسّْبّانْ وْشِي مْرّاْت كَيْضْرْبوني". بطبيعة الحال لا أحد يكذب رغم تناقض شكايات الطرفين، لأن أوجه النظر مختلفة حول سوء الفهم القائم بين المراهق وأبويه، وهذا راجع إلى أسباب عدة. 1. أهم خصوصيات دماغ المراهق "لا يفعل شيئا عن قصد" دماغ المراهق لا يناهز دماغ الراشد لأنه ما زال في طور التكوين، وقد تمتد مرحلة نضج الدماغ إلى سن الخامسة والعشرين. منطقة الدماغ المختصة بتنظيم المزاج ليست ناضجة بعد: نرى مزاج المراهق يتغير بسرعة مع اندفاعات سلوكية تتجاوز حجم المشكل الذي يواجهه. منطقة الدماغ المختصة بتنظيم الوقت وإسقاطه في الزمان ليست ناضجة بعد؛ نراه لا يُسيِّر وقته جيدا ولا يستطيع التوفيق بين وقت المرح ووقت الجد في فروضه. الدماغ صمٌّ: الانتقاد والصراخ يجعل دماغه أصماً لكلام الآباء حيث لا يُدرك شيئا من حديثهم. منطقة الدماغ المختصة بتقييم المخاطر عند القيام بشيء غير ناضجة: نراه يُعرِّض نفسه لبعض الأخطار مثل طريقة قيادة الدراجة النارية وعدم استعمال الخوذة، ورغم الحوادث الخطيرة التي يتعرض لها، يُعيد تكرار السلوك نفسه. تطور الملايين من الخلايا العصبية: ولكن إذا لم يستغلها ويشغلها المراهق في مجالات عدة، تموت بعد حين وتندثر ولا تبقى سوى الخلايا المشغلة. وهنا نجد أهمية ممارسة الرياضة والفنون والموسيقى والإبداع بشكل عام، والتبادل الثقافي والفكري بين ومع المراهقين. 2. تغيير العلاقة بين الآباء والمراهق المراهق لم يعد طفلا، بل هو في مرحلة التحوُّل إلى شخص راشد ومسؤول عن نفسه، وينتظر من أبويه أن يتغيرا أيضاً ويطورا تعاملهما معه حسب متطلبات سنه. المراهق في حاجة لمن يشجعه على تقوية قدراته للوصول إلى استقلاليته العاطفية، وينتظر من أبويه أن يرافقاه في هذه المرحلة عوض أن ينتقدانه ويمطراه بالتوبيخات. وهنا نرى أهمية البحث عن تطوير طرق المرافقة عند الآباء والبحث عن خصوصيات المراهق بدون أن نقتصر على أن المراهقة مجرد أزمة هرمونية فقط، بل تغيير سلوكه ليس خطأ منه بقدر ما هو أمر يَتحتَّم عليه المرور به ولا يستطيع الفرار منه. فإذا لم يُحضر الآباء طرقا تربوية متناغمة مع مرحلة المراهقة، سيقوم النزاع والصراع ويرى المراهق أن والديه لا يفهمانه، وبطبيعة الحال سيوجه قِبلته إلى خارج المنزل بحثا عمّن سيساعده ويرافقه، وهكذا مع الأسف يتعرض إلى تجارب لا تُحمد عقباها في أغلب الأحيان. 3. غياب تهييئ نسيج الحوار والاهتمام بشؤون المراهق مع الأسف يغيب تهيئ مرحلة المراهقة أثناء مرحلة الطفولة، حيث يجب الحوار والمشاورة مع الطفل ونسجُ علاقات سليمة مبنية على الاحترام المتبادل والحق في التعبير بكل حرية. وخلال هذه المرحلة، يتقرب الآباء من أبنائهم ويمنحونهم وقتا كافيا من اللعب والاهتمام بكل ما يدور في عالمهم، سواء الأمور التي تتعلق بدراستهم أو بأصدقائهم وحتى ألعابهم، وكذلك مشاكلهم وصعوباتهم في علاقاتهم مع أقرانهم وحتى مع الكبار. وهكذا ننسج علاقة مبنية على السهولة في الحوار وثقافة الإصغاء إليهم واحترام آرائهم مع مساعدتهم على تعلم النقد وتنمية ثقتهم في أنفسهم. وبالتالي يسهل علينا الاستمرار في تطويرها مع دخول الطفل في طَورِ المراهقة؛ بحيث يجد المراهق أن هناك مرجعية هامة يتَّكل عليها في خوض تجربته الانتقالية خلال مرحلة المراهقة، ويرجع بسهولة إلى أبويه ليشاركهما في كل صعوباته ويجد آذان صاغية له مع الثقة الكاملة في الوالدين. وبطبيعة الحال رغم غياب هذا النسيج التواصلي، تبقى كل الفرص أمام الوالدين لربط علاقة سليمة مع المراهق من خلال التقرب إليه والاهتمام بما يدرس وبما يجري في حياته اليومية بدون أي نقد أو توبيخ أو تجريح، بل مرافقته للوصول إلى إدراك ما يواجهه من صعوبات والتعلم من تجاربه. ونجد المراهق في حاجة ماسة للأُذن الصاغية بدون التسلط عليه بإصدار النصائح والحِكم. *خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي