سندت جائزة "المامونية" الأدبية للكاتبة والصحافية الفرنسية-المغربية ليلى سليماني عن روايتها "في حديقة الغول" الصادرة عن دار "غاليمار" للنشر. وكافأ هذا الاختيار الجريء قصة حول إدمان امرأة على تعاطي الجنس خارج حياتها الزوجية. في مقهى باريسي شهير بالدائرة الثالثة حيث يلتقي الأدباء الذين يصنعون الحدث خلال كل دخول أدبي جديد، والصحافيون الذين يسعون إلى محاورتهم، وجب الإصغاء بتأن لصوت الكاتبة الفرنسية المغربية ليلى سليماني الهادئ. هي شابة في الثلاثين من عمرها، ذات ابتسامة مشرقة وكلام واثق، وصاحبة رواية "في حديقة الغول"! التي تسرد بكل واقعية ودون زيف جحيم امرأة تدمن على الجنس خارج أطر الحياة الزوجية. موضوع جسور، هكذا وصف الكتاب عند تسليم ليلى سليماني الأسبوع الماضي في مراكش جائزة "المامونية" المغربية التي تمنح منذ ستة سنوات لأعمال أدبية مغربية مكتوبة باللغة الفرنسية، وهي المرة الأولى التي تنالها امرأة. وحرصت لجنة التحكيم بالإجماع على تكريم ليلى سليماني في أول عمل أدبي لها "لجرأتها في التطرق إلى موضوع نادر، تم تناوله خصوصا بقلم امرأة مسلمة أسلوبها مميز وملمة بالتحليل النفسي". امرأة مسلمة، لم تكن ليلى لتستعمل هذه العبارة للتعريف بنفسها. فهي تفضل القول إنها باريسية وغير متدينة. لكن ليلى سليماني ولدت وكبرت في الرباط فتعترف "شئت أم أبيت أبقى في المغرب "امرأة" و"مسلمة". لذلك أتحمل مسؤوليتي عندما أكتب عن الحياة الجنسية في بلاد تحرم فيها المثلية والعلاقات الخارجة عن الزواج، ففي ذلك نوع من المجازفة". مدمنة على الجنس على غرار مدمن على المخدرات لا علاقة ل "في حديقة الغول" مع الروايات الرومنطيقية-الإباحية المبتذلة. فالجنس الذي تطرحه ليلى سليماني قاتم وحزين، وسخ وموجع. والشخصية الرئيسية، أديل روبنسون، مدمنة على الجنس ومهووسة على غرار المدمنين على المخدرات. حياة البورجوازية تعذب أديل ويقتلها الروتين ويخيفها المستقبل، فتلجأ بهدف نسيان حاضرها إلى تعاطي الجنس مع أي كان وأينما كان دون البحث عن اللذة أو الحنان. حالما يغادر زوجها، وهو طبيب مختص في أمراض المعدة، إلى العمل، تعمد أديل، وهي صحافية مختصة في السياسة الدولية، إلى فتح باب حياتها الموازية للعابرين بحثا عن "هذا الشعور السحري عند الاقتراب من الحقير والفاحش، من الانحراف البورجوازي وبأس الإنسانية". لم تعد أديل تستطيع أن تفكر في شيء غير ذلك. تستيقظ وتشرب قهوة قوية المذاق في سبات البيت. تقف في المطبخ متأرجحة بين قدم وأخرى، وتدخن سيجارة. تحت الدوش تنتابها رغبة في أن تخدش نفسها، أن تمزق جسدها نصفين. تضرب رأسها على الحائط. تود لو تكسر جمجمتها على البلور (…) لا تبغي أن تكون غير جماد وسط الخلق، فأن تمتص وتفترس وتلتهم كاملة، وليقرص ثديها وليعض بطنها. تريد أن تصير دمية في حديقة غول"... هذا ما جاء في الفقرات الأولى من الكتاب. اختيار لجنة تحكيم "المامونية" لرواية ليلى سليماني كان جريئا خصوصا وأنه قبل أشهر، منع فيلم "الزين الي فيك" للمخرج المغربي نبيل عيوش حول عاهرات مراكش من العرض في البلاد "نظرا لما تضمنه من إساءة أخلاقية جسيمة للقيم الأخلاقية وللمرأة المغربية ومس صريح بصورة المغرب" حسب السلطات. لم يفلت "في حديقة الغول" من الرقابة فحسب، بل لاقى ترحيبا من القراء المغربيين. فتوضح ليلى سليماني "عندما قدمت الكتاب، كان الناس منفتحين جدا وتحركهم روح الفضول. فالمغربيون شغوفون بالجدال وسئموا النفاق والتابوهات التي تلقي بظلالها على بعض المواضيع وخصوصا الجنس". أن نكون مغاربة لا يحتم علينا الكتابة عن الجمال وكثبان الرمال من جهة أخرى، تعترف ليلى أن "الأمر كان معقدا أكثر لو كانت شخصية الرواية مغربية أو تعيش في المغرب. فسلطات الرباط تعتبر أن صياغة شخصية مغربية، حتى في عمل أدبي من الخيال، تضطلع بمسؤولية عن صورة المرأة المغربية". لكن إذا لم تختر ليلى شخصية مغربية، ليس بسبب تفادي الرقابة بل توقا "لشكل جامع". فتقول الكاتبة وهي تنفر مسائل الهوية التي تستدرج دائما للحديث عنها "عندما تنشر امرأة مغاربية شابة روايتها الأولى، يذكر الإسلام والهوية والمغرب العربي والهجرة... أردت أن أظهر أن مغاربيا يعيش في فرنسا يحيط أيضا بثقافة عالمية جامعة وليس مجبرا على ذكر كثبان الرمل والجمال والمساجد !". ولدت ليلى عام 1981 في الرباط من أم ذات أصول فرنسية وجزائرية ومن أب مغربي، وأهدت روايتها لوالديها وتقول إنهما "متحرران جدا". وتضيف "كان والدي يحبان الكتب فنشأنا على تربية تعتبر أن الحرية والجرأة أساسيتان". درست ليلى سليماني في المعهد الثانوي الفرنسي في الرباط ثم في معهد العلوم السياسية بباريس وفي المدرسة العليا للتجارة (مع اختصاص في الإعلام). عملت خمس سنوات في مجلة "جون أفريك" ثم استقالت لتتفرغ للكتابة، وصرحت ليلى سليماني أن قضية دومينيك ستروس كان في 2011 هي التي ألهمتها لكتابة رواية "في حديقة الغول". وأوضحت الروائية "شاهدت هذه الصور لرجل شاحب ومنكسر، وهذا ما جعلني أتساءل: كيف يمكن لرجل تحكم إلى هذا الحد في حياته ووصل إلى أعلى درجات مهنته أن يخسر كل شيء بسبب مسألة جنسية". ثم سريعا ما فرضت فكرة أن تكون الشخصية امرأة، فتقول سليماني "أحب النساء اللاتي لسن بطلات، للقطع مع شخصيات الأمهات الشجاعات. تهمني شخصيات النساء السلبيات".