المعاناة داخل السجون تؤثر على حياة سلفيين بعد مغادرتهم السجن .. الدليل رسالة الحلوي عن أسباب رحيله للجهاد في سوريا بعد مضي قرابة شهر على التحاقه بالمجاهدين في سوريا، وضعت زوجة أنس الحلوي، الناطق الرسمي السابق باسم اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين، رسالة لدى فرع اللجنة بفاس، وهي الرسالة التي تحكي تفاصيل اختيار أنس الحلوي القتال إلى جانب الجيش الحر في سوريا. المعلومات المتوفرة، تشير إلى أن «قصة سفر الحلوي بقيت طي الكتمان إلى حين وصوله إلى أرض الشام»، وظل الحلوي على علاقة باللجنة المشتركة إلى غاية أوائل دجنبر الماضي، حيث قدم استقالته من اللجنة، وكان أمر سفره إلى سوريا ساعتها محسوما، لذلك، اختار أن يقطع علاقته باللجنة التي تدافع عن المعتقلين الإسلاميين درءا للشبهات عن نفسه من جهة، وعن اللجنة من جهة أخرى. يقول عبد الرحيم الغزالي، ممثل فرع اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين بفاس «كنت أقرب الناس إلى أنس، وعلى الرغم من ذلك أخفى عني أمر سفره»، مضيفا في اتصال مع « اليوم24»، «في الأيام السابقة لسفره صار قليل الظهور، وعندما سألته عن السبب كان يتذرع بانشغاله الدائم تارة، وبالمرض تارة أخرى». وزاد «فوجئت بالخبر عندما نشر في وسائل الإعلام، وهو اختار أن يخفي عني الأمر لأنه كان يعلم جيدا بأنني سأمنعه من السفر». أما طريقة سفره، فيقول «تبقى مبهمة ولا يعلمها أحد». قبل أربعة أيام، زار فرع اللجنة المشتركة بفاس شخص غريب قدم نفسه على أنه مبعوث زوجة أنس الحلوي، التي تقطن بفاس أيضا، وقدم الرسالة التي تركها أنس، وهي الرسالة التي تحكي بعض تفاصيل هجرته للجهاد في سوريا. يقول أنس في رسالته المطولة، الذي يبدو أنها كُتِبت بعد أن حسم أمر السفر «لم يكن سهلا أن أسير على طريق لا يعود منه السائرون عادة، وأن أخلف وراء ظهري وطني الذي أحببته من كل قلبي وأهلي وعشيرتي وصغاري الذين كانوا بالنسبة إلي زينة الحياة الدنيا». الرسالة هي بمثابة كرونولوجيا حياة سلفي دخل السجن بتهمة إرهابية، ثم غادره ليعود إليه مرات متتالية، وقد حرص الحلوي أن يقدم نفسه كنموذج «لمعتقلي قضايا الإرهاب ومساراتهم بعض مغادرة الأسوار». وهو يدرك أن ما أقدم عليه من خلال سفره إلى سوريا ستكون له تبعات على كل المعتقلين الآخرين الذين غادروا السجون وأيضا الذين لا يزالون يقضون عقوباتهم السجنية. وفي هذا الصدد يقول «قد يُقال بعد رحيلي، تكفيري آخر يلتحق بركب المتطرفين، أو مُثقل بأعباء الدنيا فضل الهروب منها على مواجهة مصاعبها، أو متعطش للدماء لقي ما تصبو إليه نفسه بعد طول تربص وانتظار، كما قد يُقال بأن الدولة حسنا فعلت حين زجت بأبناء التيار السلفي في غياهب السجون، فها هو ذا نموذج آخر لسجين أطلق سراحه، فاختار طريق الهدم على طريق البناء، وفضل الموت على الحياة». وأكد أنس «قررت أن أخط هذه الأسطر قبل هجرتي لا أدري إن كانت ستنتهي بي إلى حيث أريد أو أن الأيادي التي وضعت الأصفاد في معصمي ذات مرة ستحول بيني وبينها، فلا يقولن قائل إني استخفيت أو اتخذت من العمل الحقوقي غطاء أتستر به على نواياي المتطرفة».
حياة السجون وتعليقا على مقتطفات رسالة الحلوي، يقول محمد ظريف، الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية إن «معاناة المعتقلين السلفيين لها أثر مباشر على حياتهم بعد مغادرة السجون»، مؤكدا في تصريح ل»اليوم24»، «عندما بدأت الاعتقالات التي طالت ما يسمى بالتيار السلفي سنة 2002، أي حتى قبل أحداث 16 ماي، كان هناك سؤال يُطرح بحدة حول مآلات هؤلاء»، خاصة أن من بينهم، يضيف «من دخلوا السجون متدينين فقط، وغادروه متشددين ومتشبعين بالفكر الجهادي». كان أنس الحلوي يعلم أن سفره للجهاد في سوريا ستكون له عواقب على عمل اللجنة، التي لم ترخص السلطات لها لحد الآن بالنظر إلى وضعية أعضائها الذين اعتقل عدد كبير منهم في وقت سابق في قضايا تتعلق بالإرهاب، وفي هذا السياق، قال «كنت أدرك أنني سأخلف حسرة كبيرة في نفوس أقربائي وأحبابي، فإني أدرك كذلك، أنني سأتسبب في الكثير من الأذى لإخواني في اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين». وأضاف «ما قمت به سيُتخذ ذريعة للتضييق عليهم رغم أن استقالتي سبقت قرار هجرتي بأمد غير يسير، فالذين يتربصون الدوائر باللجنة المشتركة كثر وما أهون أن يقولوا: اتخذها السلفيون غطاء لإرسال الناس إلى بؤر التوتر». وتابع «لقد علم القاصي والداني أنني وسائر إخواني من أبعد الناس عن الغلو والتكفير، فليتق الله من يرمينا بشيء من ذلك، وأنني بريء من تكفير رواد الحانات وصالات القمار، بله أن أقع في تكفير عامة الناس وأن ألصق فرية الكفر». وعن سبب اختياره الجهاد في سوريا قال «حركتني الرغبة فيما عند الله فهو خير وأبقى ولا نقول في دار الفناء حتى وإن تزينت وأقبلت علينا». ويضيف «سيقول المتربصون حركته شهوة الدماء فأقول، لم تبدر مني بادرة عنف واحدة طوال مدة إقامتي ببلدي الذي أحبه وسأحبه حتى آخر رمق في حياتي وقد وقع علي من الظلم ما تنوء بحمله الجبال الرواسي، زجوا بي في معتقلاتهم ولست بحاجة إلى سرد ما تعرضت له من تعذيب، ومع ذلك، ما تُركت لحال سبيلي». عاد أنس إلى تفاصيل دقيقة من معاناته بعد مغادرة السجن قائلا «تعرض بيتي للتفتيش مرات ومرات وداهموا منزل أسرتي وأفزعوا والدي ووالدتي وإخوتي مرات ومرات، لقد أصيب والدي بداء السكري بسبب زوار الليل هؤلاء، ولكم كان يتفطر قلبي كمدا وأنا أشاهد دموع أمي في كل مرة أغادر فيها البيت لأنها لا تدري إن كانت ستراني مرة أخرى».
يأس وانتقام وفي هذا السياق، يقول الباحث محمد ظريف «سجلنا في المغرب أن بعضا ممن حاولوا المساس بالاستقرار كان السبب في ذلك مما تعرضوا له من معاناة داخل السجون»، مضيفا «وقصة عبد الفتاح الرايدي الذي قاد تفجيرات 2006، تُمثل حالة يأس لشخص يريد أن ينتقم من السلطة والمجتمع، وهذا ما تؤكده أيضا رسالة الحلوي». وذكر الحلوي معطيات عن حياته بعد مغادرته السجن، قائلا «لقد اتصلوا بي في تاونات عبر أجهزتهم وساوموني وطلبوا مني العمل لحسابهم مقابل إرسالي لإتمام دراستي بالسوربون والحصول على منصب رفيع بعد عودتي من رحلة الدراسة». إن موقفي مما يدور في سوريا، يقول الحلوي «موقف فردي لا يلزم غيري وقد جهرت به غير ما مرة بالمغرب، لئلا يُقال اتخذ العمل الحقوقي غطاء لفكره المتطرف، فعملي الحقوقي له مجاله ومنتدياته وآلياته الخاصة ومازلت أعتقد أن المسار الأسلم لحل ملف إخواني المعتقلين». وأضاف «أما ما أنا بصدد الإقدام عليه فلا علاقة له البتة بواقع المغرب، بل إن آلة الطغيان بسوريا لم تحارب العزل والمستضعفين من الشيوخ والنساء الأطفال بالأفكار ليكون الرد عليها من جنس السلاح الذي أشهرته». وزاد قائلا «لقد سلطت عليهم البراميل المتفجرة وأمطرتهم بالرصاص والقذائف وهذه حرب إبادة لا يكف فيها الأذى عن المضطهدين إلا حمل السلاح». فقدر المغاربة، يضيف «أن يدافعوا عن الشام منذ القدم، أحب من أحب وكره من كره، ثم إن موقفي هذا موقف أملته عليّ قناعاتي الخاصة، ولم يجر تداوله في اللجنة المشتركة وقد آثرت أن أستقيل حين حزمت أمري وعزمت على الهجرة و لم أطلع أحدا على نيتي ليقيني أنهم سيقفون حائلا بيني وبين ذلك، بل إن أقرب المقربين مني وعلى رأسهم والدي وإخواني وزوجتي لا يعلمون بنية سفري». وخلص «دوافع هجرتي نحو سوريا واختياري العمل المسلح لدفع الظلم عن أهلنا هناك بعدما ضاقت عليّ دروب العمل السلمي بوطني».