قبل أقل من شهر، احتضن مقر وزارة الخارجية بالرباط مؤتمرا إقليميا حول أمن الحدود. كان الدافع الرئيس إلى ذلك هو ما يجري في منطقة الساحل والصحراء، التي ازدهرت فيها، تحت غطاء الإرهاب، إشكاليات معقدة أخرى مثل التجارة في السلاح، والمخدرات الصلبة، والاتجار في البشر، والتهريب، ما جعل التداخل قائما بين الجماعات الإرهابية والعصابات الإجرامية التي تنشط في تلك الأعمال. لذلك، يمكن أن تنعكس تلك الجرائم على أمن المغرب واستقراره، نظرا إلى عامل الحدود البرية الممتدة، سواء مع الجزائر في الشرق أو مع موريتانيا في الجنوب، وكذلك طول الحدود البحرية التي تتعدى 3500 كلم، والتي تتطلب مراقبتها تكاليف كثيرة، وكذا المجال الجوي، الذي يتطلب تقنيات عالية لمراقبته وحمايته من الاختراق من قبل دول بعينها، أو من قبل عصابات المافيا الدولية. ويستشعر المغرب حجم التحديات التي تفرضها التهديدات المذكورة، ففي يونيو 2013، دعا المقررة الأممية الخاصة، جوي نغوزي إيزيلو، إلى الاطلاع على الجهود التي يبذلها في مجال مكافحة الاتجار وتهريب البشر، وكشفت «إيزليو» من الرباط، على نحو صادم، أن المغرب «يواجه تحديات كبيرة، كمصدر، ونقطة عبور، ويتحول إلى وجهة لتهريب البشر»، خاصة أن ثمة ما يناهز 21 ألف مواطن إفريقي يعيشون فوق التراب المغربي بشكل غير شرعي. وفي مجال الاتجار بالمخدرات الصلبة، كشفت السلطات المغربية أن شبكة تهريب المخدرات، التي فككتها في أكتوبر من سنة 2011، وتتكون من 34 شخصا من جنسيات مختلفة، كانت لها صلة مباشرة بتنظيم القاعدة في منطقة الساحل وبالعصابات الكولومبية التي تتاجر في المخدرات الصلبة. وكشفت التحريات التي أعلنها وزير الداخلية السابق، الطيب الشرقاوي، أن تلك الشبكة لوحدها قامت بمحاولات لجلب 600 كيلوغرام من الكوكايين إلى المغرب عبر الحدود مع الجزائروموريتانيا. وتستعمل مثل هذه العصابات السلاح في عملياتها الإجرامية، وفي منطقة الساحل ينتشر الاتجار في الأسلحة الخفيفة، خاصة بعد سقوط نظام القذافي، لكن السلطات، خاصة وزارة الداخلية، غالبا ما تعتم على حجم السلاح الذي يتسرب إلى داخل التراب الوطني، إلا إذا كان ذلك مرافقا لاعتقال خلايا إرهابية أو إجرامية معها أسلحة، مثلما حدث حين اعتقال خلية «أمغالا» في يناير 2011 قرب الجدار الأمني في الصحراء. وقد دفعت مثل هذه المخاطر المغرب إلى الانخراط المبكر في اتفاقيات دولية تتعلق بمكافحة الجريمة العابرة للحدود، مثل اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية التي صادق عليها سنة 2002، كما صادق على البرتوكولات الملحقة بها، والتي تتعلق بصنع الأسلحة والاتجار بها، أو الاتجار في البشر عامة، وفي المهاجرين خاصة. أما على الأرض، فإن المغرب يواجه كل هذه التهديدات القادمة من وراء الحدود بمراقبة تستخدم فيها عادة طائرات F16 التي تُستعمل «للقيام بمهام المراقبة وحماية المجال الجوي»، يقول الوزير المنتدب في الدفاع الوطني أثناء تقديمه للميزانية الفرعية لوزارته برسم السنة الجارية (2013)، كما تستعمل القوات العسكرية «سفنا حربية متعددة المهام تتوفر على تقنيات وتجهيزات ونظم متطورة»، تستعمل لمراقبة السواحل ولدعم عمليات الإغاثة الإنسانية، والتصدي لشبكات التهريب والاتجار في المخدرات. وحصل المغرب، خلال السنوات الأخيرة من أمريكا، على رادارات جد متطورة تمكنه من مراقبة عمق الدول المجاورة، ليلا ونهارا، وقد «مكنت من تعزيز مراقبة الحدود البرية والبحرية» معا، يقول الوزير عبد اللطيف لوديي. لكن يبدو أن أزمة ليبيا منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي، ثم أزمة مالي، دفعتا دول المنطقة إلى بلورة سياسة إقليمية لأمن الحدود، وهي سياسة فرضتها حقائق أكثر تهديدا لدول المنطقة، زاد من تفاقمها ضعف التنسيق بين تلك الدول، ورغبة بعضها في الانفراد بوضع سياسات لمواجهة التهديدات، أو العمل من وراء الستار لتوظيف بعض تلك التهديدات في مواجهة بعضها البعض، إذ يحدث أن تكون بعض تلك العصابات والجماعات الإرهابية مخترقة برجال المخابرات كذلك.