يُخصّص حزب التقدم والاشتراكية منذ مدة، العديد من الفعّاليات الإشعاعية لتخليد مرور سبعين سنة على تأسيسه، كحزب شيوعي بالمغرب. قبل أن يتحول مع مغربة أطره إلى الحزب الشيوعي المغربي، ثم يختار فيما بعد، تجاوزاً لحالة منع قضائي وسياسي، اسم التحرر والاشتراكية، قبل أن يستقر الأمر على اسمه الحالي. في المقابل، اختار حزب الاستقلال، الأسبوع الماضي، زيارة أحد الموقِّعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال السيد محمد العيساوي المسطاسي، وأحد رموز الحزب بمدينة مكناس، وذلك احتفاءً بالذكرى الثمانون لتأسيس الأنوية الأولى التي ستتطور في شكل الحركة الاستقلالية. ومن جهته، نظم البرلمان نهاية شهر نونبر، الذكرى الخمسون لتأسيسه (1963/2013)، مُخلِّداً مرور نصف قرن على انتخاب أول مجلس للنواب في التاريخ السياسي والدستوري لبلادنا. تزامن الاحتفاءات الثلاثة، لابد أن يدعو إلى التأمل في التاريخ «القصير» لالتقاء المغرب مع «السياسة «، بما هي مجال حديث وعمومي للتنافس والصراع والتدافع. تاريخ مكثف بالوقائع والأحداث والتفاعلات، مليء بالرموز والأسماء والحكايات، لكنه قابل للإختزال كمحاولة صعبة لولوج زمن الحداثة السياسية والمؤسسات. سبعون سنة على اكتشاف الفكرة الاشتراكية وعلى اختراق إيديولوجيا حديثة للسقف المحدود للمِخيَال الثقافي الجماعي للمغاربة، وثمانون عاماً على إنتاج النخب المدينية لإرهاصات الفكر الوطني كتمثل جديد للذات وللهوية المغربية، وعلى تبني فئات واسعة من المجتمع لفكرة «الإصلاح» التي ظلت منذ القرن التاسع عشر أسيرة لبعض هوامش دار «المخزن»، وخمسون عاما على تجريب فكرة التمثيل السياسي. لنلاحظ أن الظاهرة الاستعمارية قد فرضت كصدمة للحداثة، نوعاً من التحديث القسري للبنيات وللقيم السياسية والمجتمعية، وأن هذا المعطى قد فرض إيقاعه الخاص على ديناميكية التحولات التي عرفتها بلادنا دون أن تكون مؤهلة لها، ودون أن يفرضها منطق التطور الداخلي/الذاتي للمجتمع. لذلك، كان على»الحزبية المغربية» أن تبدو في بداياتها غريبة على أشكال الاجتماع المدني والسياسي، التي ظل ينتظم في إطاراتها المغاربة سواءٌ انطلاقاً من الأبعاد المجالية: اجماعة والقبيلة، أو الدينية: الزوايا، أو الاقتصادية والحِرفية. والسبب نفسه سيفرضُ على الإيديولوجيات السياسية المعاصرة أن تعيش غربة أكثر حدة، داخل محيط ثقافي وفكري يسوده منطق التقليد والمحافظة. أما على مستوى العمل البرلماني، فنصف قرن من التجربة المتقطعة، ومن التهميش الدستوري، وآثار التزوير الانتخابي، لم تسمح بترسخ ثقافة المشاركة السياسية للمواطنين في انتخاب مؤسسة هي مصدر السلطة من الناحية المعيارية. إننا لا نجر عملياً وراءنا أكثر من قرن على الإستئناس بآليات الحداثة السياسية: أحزاب، صحافة، برلمان، انتخابات.. وإذا كان هذا لا يعني بالضرورة استنباتاً لقيم الحداثة، فاستيراد ما كان يسميه مفكرو النهضة العربية بدولة «التنظيمات» لا يعني بالضرورة القدرة على تملُّك روح الحداثة، فإنه بالدرجة نفسها التي يجب تقدير المجهود الطلائعي لرواد العمل السياسي والفكري الوطني، يجب الإيمان بأن الطريق لايزال شاقّاً وطويلاً أمام استكمال الانتقال المُعقد للمجتمع المغربي لزمن السياسة.