الحلقة 3 ج- الإسلام عانى علي يعتة وحزبه الكثير وسط مجتمع مغربي محافظ بسبب الاختيار الإيديولوجي للمذهب الماركسي مذهب يقول عنه لينين: نظام نظريات أبدعه كارل ماركس الذي أصبح ماديا منذ 1844/1845، أي في الفترة التي تكونت فيها أفكاره متأثرا بأفكار فورباخ، آخذا مسافة من مثالية هيغل، ومناديا بالمادية. هذه المادية التي لم تكن في القرن الثامن عشر، وخصوصا في فرنسا، إلا نضالا ضد المؤسسات السياسية الراهنة، وكذلك ضد الدين واللاهوت.. بل أيضا.. ضد كل الميتافيزيقيا1.. ويسميها لينين ? الماركسية - أيضا: منظومة وجهات نظر وتعاليم ماركس بشرح مفاهيم المادية الفلسفية والجدلية والفهم المادي للتاريخ والصراع الطبقي...الخ.2 وكان لمقولة»الدين أفيون الشعوب»عظيم الأثر على تاريخ الحزب الشيوعي المغربي نظرا لعدم فهم مغزاها ومعناها الحقيقيين، إذ تسببت في منعه سنة 1961. لكن بالرجوع لأدبيات هذا التنظيم السياسي المغربي ولسيرة زعيمه علي يعتة نكتشف فيما يخص موقفه من الإسلام أمرا مخالفا للغاية لما هو شائع: أولا: الحزب نشا في بيئة مجتمع تقليدي معتنق للديانة الإسلامية، وكل طرح يخالف هذا التوجه هو ضرب من ضروب الجنون. ثانيا: أدبيات الحزب تشير إلى ضرورة الأخذ بمبادئ الدين الإسلامي. أشار إليها علي يعتة بوضوح في رسالته إلى الكتابة العامة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1965 حين قال»اما الجانب الذي يستحق المعالجة والتعمق، فهو يتعلق بتكييف هذه النظرية ? الاشتراكية العلمية ? وواقعنا المغربي ومميزاتنا القومية. ولا نتصور هذا التكييف دون استعمال التراث التقدمي لحضارتنا العربية والإسلامية... وفي هذا الإطار، فإن قضية الدين، وهي قضية من الأهمية بمكان، وضعت في قالب يختلف وما يوحي به الواقع والخصائص الاجتماعية والثقافية لبلادنا... إن في حضارتنا العربية الإسلامية ما يعبر بطريقة سامية ونبيلة عن مبادئ العدالة والحرية والأخوة والكرامة..إمكانيات تفيد بكثير العمل الجبار الذي يقوم به الشعب، ومن أجل الثورة الوطنية الديمقراطية وتشييد الاشتراكية.3 كما تنص القوانين الأساسية ومقررات المؤتمرات الوطنية لحزب التقدم والإشتراكية كلها وإن اختلفت الصيغ إلى الأخذ بالاسلام.»يبني حزب التقدم والإشتراكية تحاليله وانشطته على... مبادئ الاشتراكية العلمية بارتباط مع تقاليد شعبنا الديمقراطية ومع المحتوى التقدمي للتراث العربي الإسلامي». 4 ثالثا: علي يعتة حافظ للقران للكريم رابعا: كان علي يعتة داخل البرلمان غالبا ما يفتتح وينهي كلامه بآيات قرآنية أو أحاديث نبوية شريفة. ويعتبر علي يعتة أن النضال الإيديولوجي ما هو في النهاية إلا الجهود المبذولة من أجل معرفة أحين للواقع الوطني وللتراث التاريخي وللفكرة التقدمية العربية الإسلامية قصد تعميق الانصهار الحي للإسهامات التحررية لثقافتنا مع الإيديولوجية الاشتراكية. «إن الأمر يتعلق بمهمة إيديولوجية خلاقة تدقق التصور الاشتراكي من واقعنا والرد على خصومنا الرجعيين الذين يريدون أن يجعلوا من الإسلام سدا في وجه الاشتراكية، مع أن التعاليم الإسلامية وكبار المفكرين طوروا تلك التعاليم و وضعوها في خطة تفكيرية عقلانية وتحررية».5 د- العلاقة مع المؤسسة الملكية: عرفت العلاقة بين علي يعتة ورفاقه من جهة والمؤسسة الملكية من جهة أخرى مراحل شد وجذب، تارة يسودها التقارب الحذر وتارة التشنج والتوتر، وللأمانة التاريخية فرغم أن الحزب قد تم منعه مرتين 1961 و1969،، ما يعني سحب الاعتراف به رسميا ، وتم اعتقال مناضليه أكثر من مرة ومنهم من تعرض للتعذيب والتنكيل، إلا أننا نجد بالمقابل أن الحزب كان دائما إلى جانب قيام ملكية دستورية ديمقراطية اجتماعية، ولم يسبق له في أي مناسبة أن قال بغير ذلك، بل كان زعيمه علي يعتة ومختلف أطره يدافعون باستماتة في العديد من المنابر الداخلية والخارجية عن دور المؤسسة الملكية في بناء المغرب الديمقراطي. وحظي علي يعتة بعد انتخابه كاتبا أولا 6 للحزب الشيوعي المغربي باستقبال رفقة وفد من قيادة الحزب من طرف السلطان محمد الخامس الذي أبى إلا أن يستقبل علي يعتة ورفاقه في قصره العامر بالرباط، بتاريخ 28 غشت 1946، مما اعتبر تكريسا لمغربية الحزب. وتجدر الإشارة إلى حادثتين مهمتين تؤكدان الموقف الإيجابي للحزب الشيوعي المغربي من السلطان. فعلى إثر عزل السلطان محمد الخامس أصدر الحزب بلاغا استنكاريا منددا بالإعتداء الإستعماري على رمز الأمة قبل أن يصدر كتيبا احتجاجيا في أكتوبر 1953، تلاه بعد ذلك منشور احتجاجي آخر بتاريخ 26 يناير 1954 يتعلق بالمطالبة بعودة السلطان. 7 ناهيك عن تجاوب علي يعتة ايجابيا مع نداء الملك الحسن الثاني المتعلق بالمسيرة الخضراء. ه- الوحدة الترابية: كان لعلي يعتة موقف واضح من الوحدة الترابية للمغرب ، ولا يعتبرها مجالا لأي مزايدات سياسية، بل إنه ألف العديد من المؤلفات منعت بعضها بتاريخ إصدارها. فهو يؤكد في كتاب»موريطانيا إقليم مغربي أصيل»الصادر سنة 1960 على أن موريطانيا هي جزء لا يتجزأ من المغرب ويقول:»وإلى التاريخ وهو العامل الرئيس الأهم، تضاف، كما رأينا شواهد أخرى: السكان والأرض والاقتصاد واللغة والثقافة. وهذه الأسباب كلها تدل على أن موريتانيا لا تمثل أي صورة لقومية خاصة بها، إن كل هذا ليدل على أن موريتانيا قسم غير منفصل عن المغرب.8 وأصدر كتابا عنوانه «الصحراء الغربية المغربية»قدمه خلال ندوة صحفية بمقر اتحاد كتاب المغرب بتاريخ 8 ماي 1973 قال فيه:»إن المطلب الذي يعرضه هذا الكتاب ليس مطلبا ظرفيا. أن الأمر يتعلق بحق أساسي لبلادنا وبقضية الأمة المغربية جمعاء. وعلى هذا الأساس، ينبغي لمجموع القوى التي تنتمي لهذه الأمة أن تجعل منها قضيتها الأولى وتتحدد مع بعضها وتتعاون حتى النصر... وتعمل معا لتفرض على إسبانيا إعادة الصحراء المغربية لنا «. 9 كما خاض علي يعتة على الصعيد الدولي غمار عمل جبار لشرح قضية الوحدة الترابية كقضية وطنية عادلة، من أجل كسب التأييد للموقف المغربي. وقد تم تتويج هذا العمل بمشاركته صحبة رفاقه بالحزب في المسيرة الشعبية الخضراء، مشاركة فعالة ونشيطة سواء في ميدان الإعداد للتعبئة أوفي ميدان التنفيذ، مجندا كل المناضلين والمحبين على جميع المستويات من قيادة الحزب إلى التنظيمات القاعدية. ويقول علي يعتة إن حزب التقدم والاشتراكية من أنصار مبدأ تقرير المصير. إلا أنه يعتبر أن هذا المبدأ لا ينفصل عن مبدأ أخر أقرته هيئة الأممالمتحدة وهومبدأ حوزة التراب الوطني، حيث إن الجزائر مارست هذا المبدأ عندما كان الأمر يتعلق بالحفاظ على وحدتها المهددة من طرف المستعمرين وأيدها المغرب آنذاك.10 وتجدر الإشارة إلى ان علي يعتة شارك في المسيرة الخضراء سنة 1975 رفقة عدد من رفاقه مؤكدا عمليا قناعاته المتعلقة بالوحدة الترابية المغربية، قناعة امتدت إلى خارج الحدود الاستعمارية المصطنعة إلى الإيمان بوحدة المغرب الكبير. و- الوحدة المغاربية : اعتبر علي يعتة تشييد المغرب الكبير هدفا استراتيجيا،وحوله ينبغي أن تتمركز كل الجهود والاهتمامات، ذلك لان بناء المغرب الكبير، هو البديل الموضوعي لضمان السلم والاستقرار في منطقة شمال إفريقيا، وهو الإطار الصحيح والملائم الذي يمكن من حل المشاكل التنموية ومحو التخلف، ويوفر الظروف المواتية للتطور الديمقراطي والتقدمي في الاختيارات السياسية والاقتصادية المتبعة. وإذا كان شعار الوحدة، يظهر ثم يغيب، حسب الظروف والتطورات لدى القادة المغاربة، فإن هذا الشعار ظل دائما وأبدا مترسخا في وعي وطموحات الشعوب، فكانت تنادي به، وتطمح إلى تحقيقه، في كل الظروف والمناسبات11. آمن علي يعتة بالوحدة المغاربية في إطار إيمانه بوحدة مطالب الطبقة العاملة ذلك أن حزب التقدم والاشتراكية كان يعمل في سبيل الوحدة الضرورية لهذا الحشد الكبير لأنصار الاشتراكية العلمية، ألا وهي الحركة العمالية العالمية. وهذه الوحدة الضرورية لا تعني بتاتا العودة إلى بنيات قديمة متحجرة،ولكن تهدف إلى إزالة الخلافات الثانوية، وإلى الكفاح المشترك، وإلى التعبئة المتكافئة حول المبادئ والأهداف المشتركة... على أساس احترام المساواة في الحقوق، والاستقلال وحرية تحديد التوجهات الوطنية وممارسة التضامن الأممي كمناصرين للتعاون مع كل مكونات الحركة العمالية العالمية.12 واعتبر علي يعتة بأن مبادئ الاشتراكية وقوانينها صالحة بالنسبة للعالم كله ومن الممكن جدا تحقيقها قائلا:... فلا داعي إذن لتقديس الخصوصيات المحلية تقديسا أعمى. وغض الطرف عن البعد والمدلول العالميين لقوانين الاشتراكية العلمية.. وهذا ما يجعلنا..لا نغني مع الذين يتغنون ب ( الماركسية العربية ) أوب ( الاشتراكية الإفريقية ).. وسبب ذلك انه إذا أفرطت في إعطاء الأولوية للجزء على الكل، ولما هو خصوصي على ما هو عالمي، وبكلمة واحدة فإنها نظرية مناوئة للعلم.13 وطبعا فهولا يلتقي أبدا مع عصمت سيف الدولة الذي يقول بإمكانية تبني اشتراكية عربية خالصة حيث يرى في كتابه»أسس الاشتراكية العربية» أن الوحدة في الوطن العربي قائمة على أساس قومي،أي أن مبرر الوحدة قائم في وحدة الأمة،ما لا يتوافق مع مبدأ الأممية القائم كجوهر للماركسية، مبدأ يعتبر كل قومية بورجوازية يجب التحرر من تأثيرها لأنها لا تتفق مع الوحدة الأممية للطبقة العاملة. 14 هوامش: عبد العزيز النويضي، القانون الدستوري: النظرية العامة، التطور الدستوري والسياسي بالمغرب، سلاالجديدة، 2002/2003، ص177. 2. أطروحة المؤتمر الوطني الخامس لحزب التقدم والاشتراكية، الرباط، 21-22 و23 يوليوز 1995. 3.محمد ضريف، الأحزاب السياسية المغربية من سياق المواجهة إلى سياق التوافق 1934-1999، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، 2001، ص 272. 4. يحدد حامد ربيع «أربعة عناصر تشكل الحقيقة المركبة للموقف السياسي: 1-إطار اجتماعي -.2- مشكلة معينة تواجهها الجماعة في لحظة معينة.3- قرار سياسي خاتمة لنشاط معين لظغحلال الموقف السياسي بموقف أخر جديد. 4 ? علاقة القوى التي يتحدد بها الواقع نجاح القرار السياسي من عدمه». أبحاث في النظرية السياسية، القاهرة، 1970، ص 17. 5. «من هوعلي يعتة ، كرونولوجيا مواقف واحداث»، بدون تاريخ. 6. انظر المرجع السابق. 7. تزامنت نشأة الحزب الشيوعي بالمغرب مع تأسيس نقابة UGSCM حيث تشكلت أغلبية المكتب النقابي من الشيوعيين، ذلك انه وبحكم الإديولوجية يعتبر الحزب الشيوعي نفسه ممثلا للطبقة العاملة، ما يحتم عليه تركيز جهوده ونضالاته في الواجهة النقابية. لمزيد من الاطلاع: أنظر محمد ضريف، مرجع سابق. ص 61. 8. علي يعتة، الصحافة الديمقراطية بالمغرب حصيلة ومعاناة، الدار البيضاء، مطبوعات البيان، ماي 1982، ص 12. 9. محمد ضريف، مرجع سابق، ص 169. 10. علي يعتة: خطاب في الذكرى الأربعينية لتاسيس الحزب الشيوعي المغربي،الدار البيضاء، مطبوعات البيان، دجنبر 1983، ص 11. 11. يقصد الحزب الشيوعي المغربي الذي تم حضره أكثر من مرة من طرف المستعمر الفرنسي وأخيرا من طرف القضاء المغربي بعد الاستقلال سنة 1960 بتهمة تعارضه مع الدين الإسلامي. لكن أعضاء الحزب سيستمرون في نشاطهم وسيغيرون اسم الحزب سنة 1968 ليصبح ? حزب التحرر والاشتراكية - سيتم حضره هوأيضا سنة 1969 بسبب مشاركة علي يعتة وأعضاء آخرين في مؤتمر الأحزاب الشيوعية والعمالية الذي انعقد بموسكوفي يوليوز 1969. انظر محمد ضريف، مرجع سابق ص 169. 12. علي يعتة: تقرير المؤتمر الوطني الرابع لحزب التقدم والاشتراكية،الدارالبيضاء، مطبوعات البيان، ماي 1987، ص 100. 13. أطروحة المؤتمر الوطني الثاني لحزب التقدم والاشتراكية، الدار البيضاء 23/24/25 فبراير 1979، ص 129/130.