إحدى وأربعون سنة مرت على ثورة الشباب في أوربة في مايو 1968 . إحدى وأربعين سنة مرت على حلم راود شباب ذاك العهد بالانقلاب على التقليد والنصية والفكر الجامد ، بل الثورة حتى على الطبقة العاملة التي وبتعبير احد فلاسفة المرحلة " قد فقدت حسها الثوري وأصبحت محافظة باندماجها في المنظومة الرأسمالية بفعل الاستلاب والاندماج الاقتصادي والإيديولوجي" . لقد تزامنت تلك الفترة مع أحداث أثرت في الفكر السياسي لفلاسفة تلك الفترة ، فكانت الثورة حتى على الماركسية النصية وعلى حامليها من أحزاب شيوعية تقليدية . فظهرت موجة جديدة روجت لشعارات مغلفة بإيديولوجيات ثورية ، مثل الماوية ، الكيفارية ، التروتسكية . كان من بين أهم الأحداث التي عاصرها ذلك الجيل ، هناك الحرب في الفيتنام والكمبودج ، هناك القضية الفلسطينية التي تطوع العديد من الشباب الأوربي للدفاع عن عدالتها التاريخية والطبيعية ، كان هناك كذلك الصراع الصيني – السوفيتي ، حيث لم يسلم هذا الأخير من نعت الإمبريالية الاشتراكية مقابل الإمبريالية الرأسمالية للإدارة الأمريكية . كذلك صاحبت تلك الفترة ظهور منظمات ثورية آمنت بالعنف المسلح كخيار لتطبيق دكتاتورية العمال والمثقفين الثوريين ، فظهرت في ايطاليا ( الألوية الحمراء ) ، في فرنسا ( العمل المباشر ) ، في بلجيكا ( الخلايا الثورية ) ، في ألمانيا ( الجيش الأحمر الألماني بادر ماينهوف )، في اليونان ( منظمة 17 مايو )، في اليابان ( الجيش الأحمر الياباني )، ثم كان هناك الثوري كارلوس الذي التصق بالقضية الفلسطينية وبالقضايا العربية وسلمه نظام البشير في السودان إلى الفرنسيين في صفقة يندى لها الجبين . كانت أحداث مايو 1968 ثورة بكل ما في الكلمة من معنى رغم تعرضها للفشل بسبب الاندفاع الشبابي ، وبسبب غياب الطليعة الثورية التي اختزلوها في حركة الشباب . "" إن أحداث مايو 1968 تذكرنا كذلك بانعكاساتها على دول المحيط ، حيث اندفع شباب هذا المحيط في موجة رفض لكل ما هو مؤسساتي معتبرين أن كل ما هو عنيف يعتبر ثوريا ، وكل ما هو مؤسساتي يعتبر رجعيا ، فرفض شباب تلك الفترة خاصة في المغرب الأحزاب والحزبية خاصة الشيوعية منها معتبرينها نسخة طبقا الأصل للنماذج التي أفلست سواء في أوربة، أو في العالم العربي ،حيث حملوها مسؤولية الانتكاسة والهزائم المتوالية التي حلت بالأمة وبالوطن . هنا لا بد من التذكير بشباب منظمة 23 مارس ، منظمة إلى الأمام ، حركة لنخدم الشعب ، الذين ثاروا على التقليد والجمود ، وقطعوا أواصر الصلة مع الأحزاب المغربية وعلى رأسها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب التحرر والاشتراكية . لقد رفض شباب تلك الفترة البرلمان والبرلمانية ، وطرحوا السلطة بشكلها الثوري لبناء دولة العمال والفلاحين ، كما ناصروا القضايا القومية ( القضية الفلسطينية ) ، ( الصراع العربي الإسرائيلي ) ، والدولية ( حرب الفيتنامي ) ،و الصراع ( الصيني – السوفيتي ) وأثره على حركات الرفض في تلك الفترة . الآن مرت إحدى وأربعين سنة عن تلك الأحداث، ولم يبق منها غير الذكريات. لكن ألا يجدر بنا أن نطرح سؤالا عن سبب الفشل في الوصول إلى الهدف الاستراتيجي الذي خطط له شباب تلك المرحلة ؟. لقد ثار شباب اوربة على النصية الجامدة للماركسية ، فروجوا بديلها إيديولوجيات وصفت بالمتطرفة ، كما ثار شباب المغرب على ماركسية حزب التحرر والاشتراكية ، وماركسانية الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، ليعتنقوا الماركسية في نصها الثوري النقي الذي يسموا بصاحبه إلى مصاف المراتب العليا في النضال . فهل فشل نصية الماركسية الاروبية وماركسية المحيطات ، يعتبر السبب في فشل المشروع ألتجديدي في الماركسية ، رغم كثرة التنظير والإصدارات في النظرية الماركسية . بمعنى آخر هل كان التعامل مع الماركسية سياسيا أم ثقافيا، حيث غلب التنظير على الواقع . وهو ما يطرح بإلحاح أزمة النظرية الماركسية سواء في نصها التقليدي الجامد ، أم في نصها ألتجديدي المنقح ؟ إن فشل مشروع الشباب الثوري في مايو 1968 ، هو فشل للنظرية التي وظفها ذاك الشباب لتركيز التناقض الأساسي مع كل ما هو مؤسساتي . فشلت الماركسية الاروبية التقليدية ( ماركسية الأحزاب الشيوعية الستالينية ، الحزب الشيوعي الفرنسي الذي لم يخفي زعيمه الراحل جورج مارشي افتتانه بالنموذج السوفيتي الذي وصل به الأمر إلى تأييد التدخل السوفيتي في براغ ، وهو ما كان له الأثر السلبي على الوضع التنظيمي للحزب داخل المجتمع الفرنسي ) ، كما فشلت الإصلاحية الماركسية في نصها التجديد ( الآروشيوعية ) ممثلة في الحزب الشيوعي الإيطالي والحزب الشيوع الأسباني . وفشلت الماركسية الثورية التي اعتنقها شباب تلك الفترة كموضة تمردية على كل ما هو أصيل وتقليدي في الماركسية والمجتمع الذي تواجدت فيه تلك الحركات ( المجتمع الرأسمالي ).وبعبارة أخرى هل كانت الماركسية في أزمة بنيوية وعقائدية ( إيديولوجية ) ساهمت في فشل المشروع ليس فقط في دول المركز بل في دول المحيط التي كانت تساير وتقلد المركز في شؤونه العامة ؟ . لقد تسائل العديد من المهتمين بتلك الأحداث من خلال الريبورتاجات التي قدمتها مختلف القنوات الفرنسية والألمانية عن أحداث مايو 1968 مؤخرا بمناسبة مرور أربعين سنة عن تلك ( الثورة الثقافية الطلابية ) ،عن أزمة النظرية الماركسية التي عرفت ظهور خطوط كثيرة في النظرية الماركسية ،معتبرين أن التحريفية والإصلاحية والستالينية كانت من اكبر الزلات التي عرفتها الماركسية وساهمت في انتصار المنظومة الرأسمالية على المنظومة (الاشتراكية ) التي لم تتخلص أحزابها من توظيف الماركسية بما كان يناسب جماعة المكتب السياسي التي أبعدت البلاشفة عن الحكم ، ولتسقط من حيث لا تشعر في تطبيق مفهوم الاستبدالية ( استبدالية الحزب عن البلاشفة ) و( استبدالية المكتب السياسي عن الحزب ). وبدورنا نطرح السؤال التالي :هل فشل حركة شباب مايو 1968 ناتج عن عجز النظرية الماركسية نفسها لأنها لم تعد صالحة وتتلاءم مع أوضاع القرن العشرين والواحد والعشرين الذي يختلف عن القرن التاسع عشر الذي ظهرت فيه الماركسية من خلال منظريها وفلاسفتها البرجوازيين ( ماركس – انجلز ) ، أم إن سبب الفشل يتعدى صلب النظرية الماركسية كفلسفة متناقضة وتتعلق بالجانب البنيوي في الماركسية ، أم إن مصدر الخلل ، وهنا اخص بالذكر المغرب، يكمن في قصور الوعي والفكر الماركسي المغربي عن استيعاب الماركسية بطريقة علمية ، ثم أقلمتها وتطويعها لتستجيب للخصوصية المغربية ؟. وبمعنى آخر إن الأطر الماركسية المغربية التي تحملت مسؤولية التنظير للمشروع العام ،تعاملت مع الماركسية كنص جامد مقدس ، لكنها حينما أرادت نقل النص بأرتودكسيته إلى الواقع اصطدمت بمجموعة من الثوابت الكامنة في البنية الاجتماعية والتاريخية والمؤسساتية ( الإسلام ) و ( الملكية )التي اعتبرت بمثابة الصخرة الصلبة التي تحطم عليها المشروع الماركسي برمته ، أي ليس فقط الماركسي اللينيني ( ماركسية اليسار الجديد ) منذ مايو 1968 ، بل ماركسية الأربعينات من القرن الماضي لما عجز ( الحزب الشيوعي المغربي )رغم استبدال حلله من ( الشيوعي ) إلى ( التحرر ) والى ( التقدم والاشتراكية ) أخيرا ، من تطويع الماركسية بما يناسب الخصوصية المغربية ، حيث لم يستطع الحزب أن يتخلص من نزعته البرجوازية ، لكي يصبح ممثلا حقيقيا للطبقة العاملة التي لم يضنيه تلويك شعار الدفاع عن مصالحها . لقد وصف احد الماركسيين الثوريين ( ح ط) من ( منظمة 23 مارس ) الماركسية اللينينية ( الحزب الشيوعي المغربي ) الذي أصبح ( حزب التحرر ) تم لاحقا ( حزب التقدم والاشتراكية ):" إن الحزب الشيوعي المغربي رغم ادعاءه تشبنه بالنظرية الماركسية اللينينية ، إيديولوجية الطبقة العاملة ،فهو في الحقيقة لا يفعل أكثر من تمثيله مصالح البرجوازية البيروقراطية وطموحها إلى السيادة في المجتمع ، انه بالإضافة إلى قاعدته الاجتماعية الضيقة يستقطب فئة محدودة من البرجوازية الصغيرة التكنوقراطية ومن المثقفين البرجوازيين الصغار . أما ادعاءه تمثيل مصالح البروليتاريا فهو ليس إلا من باب الدعاية والتضليل التي أثبتت عنها التجربة التاريخية لهذا الحزب ." . إن الإجابة عن جميع الفرضيات التي طرحناها كأسئلة أو استفسارات عن عدم تمكن المشروع الماركسي اللينيني من إنجاز ما تضمنه محتواه ، ترجع بالأساس إلى أزمة النظرية الماركسية كفلسفة ونظرية تدعي العلمية ، وهي أزمة لم تبدأ منذ ظهور المشروع الماركسي اللينيني ، لكنها أزمة ترجع بالأساس إلى تاريخ ميلاد الماركسية على يد أباطرتها الأولين ( كارل ماركس) و ( فريديريك انجلز ). إن ظهور خطوط واجتهادات باسم التجديد في الماركسية ، هو دليل على النقص النظري والتا طيري الذي عانت منه الماركسية ، ومن ثم أدى هذا الاختلاف في الفهم والاستيعاب للنظرية الماركسية ، إلى ظهور ليس فقط ما يحاول به الماركسيون اللينينيون تبرير موقفهم للتغطية على أزمتهم التي سببتها أزمة النظرية الماركسية ذاتها ، أي وجود طرق مختلفة نحو الاشتراكية ( لينين )، لكنه أدى إلى صياغة اجتهادات وتفسيرات مخالفة كانت تنتهي في الغالب بإلصاق أقبح النعوت ( بالرفيق ) المخالف ، وفي أحيان كثيرة كانت تؤدي إلى الاصطدام الذي وصل حد الدموية لحسم الصراع بين رفاق الخط الواحد والدرب الواحد . وكمثال الصراع بين حزب خلق وحزب بارشام أي الراية والشعب في أفغانستان ، والصراع بين أجنحة الحزب الاشتراكي اليمني الجنوبي من سالم ربيع علي ، الى عبد الفتاح اسماعيل ، الى علي صالح ،مرورا بعالي سالم البيض وانتهائا بابي بوبكر العطاس، ثم الصراع الذي عرفه الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي خاصة خلال الحقبة الستالينية . وهو نفس الصراع عرفته منظمات الحركة الماركسية اللينينية المغربية خارج السجن وفي داخله والذي وصل بأحدهم ألا يتردد في القول ومن داخل السجن ، انه لو كانت الظروف مؤتية لما ترددنا في تصفيتهم ، أي تصفية منافسيهم الموجودين معهم في السجن . ظهرت منذ الثلاثينات من القرن الماضي عدة آراء وتأويلات وخطابات متناقضة في التعاطي مع الماركسية . وإذا كان ( كارل ماركس ) و ( فريديريك انجلز ) يؤكدان في النظرية الماركسية على إجبارية حزب الطبقة العاملة ، الحزب الماركسي اللينيني كطليعة ثورية موكول لها تغيير الشأن العام ،فان اروبة عرفت خلال نفس الفترة عديدا من السجال بخصوص الماركسية ، فكانت تحاول تفسير الماركسية ، ليس كما صاغها أباطرتها في القرن التاسع عشر ، ولكن كما فهمها الدارسون لها . إن ( غرامشي ) و ( لوكاتش )وغيرهم من الماركسيين الذين عرفتهم اروبة ، محوروا الماركسية باتجاه نزعة إنسانية وتاريخية ، لاعتبارهم ، إن الماركسية تتميم للتراث الإنساني وللقيم الإنسانية الكونية لعصر الأنوار والفلسفة ، ومن ثم سنجد انه من الطبيعي أن يختلفوا مع ( ماركس ) في مفهوم حزب الطبقة العاملة الذي سيعمل على تطبيق دكتاتورية الطبقة العاملة . لذا سنجد أن اجتهادهم في الماركسية سيؤدي بهم إلى خوصصة الماركسية بما يناسب ظروف المجتمعات ذات الخصوصيات المختلفة . لقد طرحوا مفهوم ( الكتلة الاجتماعية التاريخية ) الذي يلغي الدور الأساسي للطبقة العاملة وحدها في تغيير الشأن العام ، ومن ثم فان دور الطبقة العاملة سيتحدد من خلال الدور الذي تمليه فقط شروط التحولات الاجتماعية ، أي دون أن تكون الطبقة العاملة هي المحرك الأساسي لوجه التاريخ . الملاحظ أن نفس الاتجاه نلاحظه في التجربة الرومانية ( نيكولاي تشاوسيسكو ) ، في التجربة اليوغسلافية ( رابطة الشيوعيين اليغسلاف لجوزيف بروز تيتو ) ، في تجربة الحزب الشيوعي الألباني ( محمد أنوار خوجة ) وسنجده كذلك في التجربة الصينية ( ماو ) ، التجربة الكمبودجية ( بول بوت ) والتجربة الفيتنامية ( هو شيمينغ )..الخ. إذا كانت الأحزاب الستالينية قد أفاضت في إطلاق نعوت التحريفية والبرجوازية على التجارب الرومانية واليوغسلافية وتجربة الآروشيوعية ، فان الماوية التي تبنت الماركسية ، وبخلاف التجارب السابقة في الماركسية ، عرفت كاتجاه من بين الاتجاهات المطورة للماركسية بما كان يناسب خصوصية الصين التي انغمست في وطنيتها الشوفينية على حساب الاختيارات الأممية . واعتمدت في ثورتها لأول مرة على العمال الفلاحين ، وليس على عمال المصانع ( البروليتارية ) الذين وعدهم ماركس بمستقبل ( زاهر أو مزدهر ). فهل ظهور خطوط في الماركسية دليل على فشل تنبؤات ( ماركس ) ،حيث أن الثورة العمالية لم تحصل في الغرب الرأسمالي ، لكنها حصلت في روسيا القيصرية الفلاحية والمتخلفة . لقد وصف ( كارل ماركس ) الطبقة العاملة الإنجليزية منذ منتصف القرن التاسع عشر بأنها فقدت حسها الثوري ، أي أنها لم تعد ثورية بمفهوم ( ماركس ) للثورة . إلى جانب الماركسية التقليدية النصية ، ظهرت اتجاهات جديدة في الماركسية ،اعتبرت من طرف النصيين بالمتطرفة ،دعت إلى ضرورة تجاوز أطروحات ماركس ، خاصة في ما يتعلق بمسالة حزب الطبقة العاملة . إن من بين متزعمي هذا التجديد في الماركسية يمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر ( هربيرت ماركوس ) ، ( لوسيان غولدمن ) ، ( مارشال شاتز ) و كتابات ( بنديت كوهين) في جريدة ( النضال العمالي ).. الخ. لقد اجمع هؤلاء على انتقاد ما أسموه الخطوط التحريفية في الماركسية ، التي تحاول دمج الإنسان في مجتمع يسيطر عليه الكبت والقمع السياسي والجنسي ، فرفعوا شعارات من قبيل تحرير الأفراد من الاستلاب والقمع الجنسي والسياسي والاجتماعي في نمطيه الشرقي والغربي . كما انتقدوا الأحزاب الشيوعية التقليدية الاروبية التي لا تزال تعتقد في الطاقة و الإمكانات الثورية للطبقة العاملة ، بسبب اندماج هذه الأخيرة الطوعي في مجتمع الوفرة والاستهلاك . أي أن وضعها الطبقي داخل النظام الرأسمالي تحسن بما مكنها من الاندماج في النظام الرأسمالي ومسايرة نمط الإنتاج الغربي ومن تجاوز ماركسية القرن التاسع عشر التي كانت تستجيب لأوضاع الطبقة العاملة خلال تلك المرحلة – يا عمال العالم اتحدوا -- .لهذا يمكن أن نفهم لماذا ظلت الطبقة العاملة الاروبية خلال أحداث مايو 1968 متخلفة وغير مبالية بما كان يجري أمام أعينها ، تلك الأحداث التي تزعمتها بالدرجة الأولى الانتلجانسيا الثورية التي تمردت على كل ما هو مؤسساتي . إن الوضع الاجتماعي للطبقة العمالية الاروبية جعلها غير قادرة على القيام بالمهام الثورية ، وعوض أن تؤثر في الأحداث طبقا لتنظير ( ماركس ) الشاب ،فإنها كانت تلهث وراءها . إن موقف اليسار الجديد في الغرب من البروليتاريا ، كان موقفا رافضا لها كطبقة محافظة ، لا مبالية ، ومندمجة بالكامل في النظام الرأسمالي . إن جدلية ماركس لم تكن أبدا قادرة أن تتصور أن أمريكا التكنوقراطية ستنتج عنصرا ثوريا في شبابها ، كما أن البرجوازية وجدت عدوها الطبقي في الجانب الآخر من مائدة الإفطار في صورة أبنائها المدللين وليس في المصانع. إن الاعتماد على نضال المثقفين الثوريين وعلى الطلبة والتلاميذ والمهمشين بدل الاعتماد على الطبقة العاملة ، كان من وحي الفكر الفوضوي المغامر . إن ذيوع أسماء ( هربيرت ماركوز ) ، ( لوسيان غولدمان ) و ( مارشال شاتز )الخ خلال أحداث مايو 1968 ،كان نفسه الترديد الذي ردده شباب المحيطات الذي نهل من أفكار تلك الفترة ، فركز بدوره على الطلاب والتلاميذ والمثقفين الثوريين ، حيث كان الصراع ثقافيا سياسيا أكثر منه تنظيميا . لقد كان الفهم الخاطئ لماركسيي المحيطات يرتكز على النقد بين البعد الاجتماعي للتحليل النفسي ،وبين البعد النفساني والفرداني للماركسية من اجل صياغة نظرية جديدة للتحرر . ومن خلال هذا الفهم المقلوب للنظرية الماركسية ، يلتقي مع حلم التمرد والرفض الشامل مع تشاؤم عميق في إمكان قيام ثورة عمالية ، ثار شباب المرحلة معتبرين أن الطبقة العاملة التي فقدت حسها الثوري ، أضحت عاجزة عن القيام بالثورة بفعل اندماجها الكلي في نمط الإنتاج الرأسمالي . إن إقرار المفكرين المتطرفين والفوضويين ، باستحالة قيام الطبقة العاملة بإنجاز الثورة ، وتركيزهم على الدور الجديد للمثقفين الثوريين في تحقيق ما عجزت عن تحقيقه الطبقة العاملة ، يعتبر في حد ذاته أهم اتجاه تأزيمي عرفته النظرية الماركسية ، ومعها باقي فعالياتها التنظيمية التي فشلت في الاستيلاء على السلطة ، وتغيير تكتيكها بالتحول عن الإضراب السياسي الطبقي إلى الإضراب الاقتصادي . إن ثورة الطلاب في الولاياتالمتحدةالأمريكية وفي اروبة الغربية في مايو 1968 هزمت لا سباب عديدة ،من أهمها جمود طبقة العمال التي دلت بوضوح ليس فقط أنها طبقة غير ثورية ومتخلفة عن الطلاب والمثقفين الثوريين ، بل لأنها أصبحت طبقة محافظة . لقد وصف احد المفكرين الفرنسيين اليساريين الوضع في ذلك الوقت بقوله " يجب أن يقال بهدوء وصلابة أن البروليتارية الصناعية كانت في مايو 1968 تشكل المؤخرة وليس الطليعة الثورية ". إذا كان الماركسيون لم يتفقوا على صيغة واحدة في فهم الماركسية ، فطرحوا أشكالا مختلفة كتصورات منطقية لفهم الماركسية ، وإذا كان هذا الاختلاف يفسر العجز الذي سجل في النظرية الماركسية ، فان التحولات التي عرفتها المجتمعات التي كان ( ماركس )ينظر بانتشار الثورة العمالية فيها ، كذبت تنبؤات ( ماركس ) بخصوص مواطن الثورة ، ومكن الإيديولوجية البرجوازية من تحقيق نصر تاريخي على الإيديولوجية الماركسية . إن الصراع التاريخي بين الايديولجيتين التي ساهمت فيه التركيبات الاجتماعية المختلفة خاصة طبقة العمال التي راهن عليها ( ماركس ) في قيادة الثورة ، جعل النظرية والإيديولوجية الماركسية تعيش في حلقة مفرغة ، ولا تتعدى إثارة الأسئلة المحرجة حول العجز البنيوي والنظري في الماركسية وداخل الطبقات والمجتمعات المختلفة . ومن وجهة نظرنا ، فإننا نرى أن التقدم التكنولوجي الهائل الذي حققه المجتمع الغربي ، كان السبب الرئيسي في هزم الإيديولوجية والنظرية الماركسية في عقر دارها ( المصنع الغربي الرأسمالي ) . ويمكن تفسير هذا التحول من خلال التحولات التي عرفها العالم منذ القرن التاسع عشر مرورا بالقرن العشرين ووصولا إلى القرن الواحد والعشرين ، حيث السيادة في المجتمع الغربي للأحزاب المحافظة والأحزاب اليمينية المتطرفة ، وحيث السيادة في العالم العربي والإسلامي للحركات الإسلامية بمختلف أطيافها ومشاربها التنظيمية . إن المعمل الرأسمالي في العقود الأخيرة من القرن العشرين يتناقض جوهريا وأساسيا مع أقوال وتنظير ( ماركس ). فإذا كان هذا الأخير يرى أن مصدر ربح الرأسمالي هو استغلاله لقوة عمل العامل ، لان تلك القوة تكون هي الأساس لكل قيمة إضافية ، فان الواقع الحالي للغرب الرأسمالي أضحى مناقضا لمثل هذا التنظير . إن وقائع المعمل الرأسمالي الجديدة نظرا لاعتماده على التكنولوجية المتطورة ، وباستخدامه للإنسان الآلي ، فان الإنتاج أصبح بالتالي إنتاجا اتوماتيكيا تماما . أي أن المعمل الجديد أصبح مستغنيا كليا عن العمال . إن أرباح الرأسماليين لا يتم استخراجها من استغلال قوة العمال التي لا وجود لها في هذه المعامل ، بل يتم استخراجها من التكنولوجية المتطورة ومن الإنسان الآلي الذي لن يستجيب أبدا لدعوة ( ماركس) " يا عمال العالم ( الآلي ) اتحدوا".. إذن من خلال فشل تنبؤات ( ماركس ) وظهور تيارات وتأويلات في النظرية الماركسية ، يمكن القول أن الماركسية كفكر وإيديولوجية عاشت منذ النصف الثاني من القرن الماضي بالتحديد أزمة خانقة ، وأصبحت معزولة عن مختلف الإيديولوجيات التي عبرت وتعبر عن تطلعات فئات جديدة وأساسية داخل المجتمع . و" المفكر الماركسي المعاصر أصبح يرفض عادة طبقة العمال كطبقة ثورية ، أو حتى كقوة تقدمية ..." . إن العجز النظري والتنظيمي الذي عانت منه الماركسية سبب في ظهور تيارات وحصول انشقاقات داخل التنظيمات الماركسية و الأحزاب الشيوعية بدعوى إيجاد وضع جديد يحافظ على نقاوة النظرية وصفائها ، وهي المحاولات التي باءت كلها بالفشل بعد سقوط الاتحاد السوفيتي السابق وتحطيم جدار برلين الذي كان يفصل بين المعسكرين المتقابلين (الاشتراكي المنحل ) و ( الرأسمالي الجشع ). إذا كانت النظرية الماركسية عانت في المجتمعات المتقدمة ،أزمة التأثير الفكري البنيوي والتنظيمي ، وفشلت في تحقيق تنبؤات ( ماركس )الثورية أمام صعود الإيديولوجية البرجوازية وإيديولوجية اليمين المحافظ واليمين المتطرف ... فما هي الأسباب الرئيسية التي كانت الحجرة الصلب التي تحطم فوقها المشروع الماركسي اللينيني والنظرية الماركسية اللينينية ؟ . هل نفس الأسباب التي أدت إلى إفلاس المشروع في الغرب الرأسمالي هي نفسها أدت إلى إفلاسه في المغرب بصفة خاصة وفي الوطن العربي بصفة عامة ؟. أم أن هناك عوامل وأسباب أساسية ترتبط بالخصوصية المحلية والمحيطية هي التي ساهمت في إفشال الماركسية والمشروع الماركسي برمته في دول المحيط ؟. وهل يمكن اعتبار المراجعات التي قامت بها العديد من الفعاليات التي اعتنقت الماركسية ونظرت للمشروع الماركسي للنظرية الماركسية كانت محاولة بائسة لانقاد المشروع وتطعيم النظرية الماركسية باجتهادات يضفي عليها ديناميكية وطاقة جديدتين لتساير التطورات المتعاقبة والسريعة التي فرضت نفسها على الواقع الاجتماعي العربي بصفة عامة والواقع السوسيو اجتماعي المغربي بصفة خاصة ؟. إذا كان لينين قد قال " بأنه لا يمكن فصل المسائل السياسية ميكانيكيا عن مسالة التنظيم " . وإذا كان ستالين قد قال " إن التنظيم هو شكل التوسط بين النظرية والممارسة "، فانه من الصعب أن نفصل المشروع الماركسي في الغرب الرأسمالي أو في المغرب عن النظرية الماركسية . إن فشل المشروع الماركسي اللينيني في المغرب ، وان فشل الماركسية النظرية العلمية التي اعتنقها اليسار الماركسي اللينيني السبعيني ، أو تلك التي روج لها الحزب الشيوعي المغربي ، لا ترجع بالأساس إلى تفوق الإيديولوجية البرجوازية في صراعها على الإيديولوجية الماركسية ، ولا ترجع إلى سبب أن المغرب يتوفر على بنية تكنولوجية صلبة ومتطورة . لكنها ترجع في الأصل إلى اعتبارات وعوامل تعتبر ثوابت راسخة غير متحركة في ثقافة الموروث الأيديولوجي المغربي عبر قرون وأساسها الدين الإسلامي والنظام الملكي و اعتبار الملك أميرا للمؤمنين ، وهو ما يجعل المجتمع المغربي المسلم والدولة التي تنص جميع الدساتير على إسلاميتها ، يرفضان جميع الإيديولوجيات المستوردة. إن المغرب وبخلاف الأنظمة السياسية العربية لا يميز بين الدين وبين الدولة . وجلالة الملك بوصفه أميرا للمؤمنين كما يجسد ذلك الفصل 19 من الدستور ، إضافة إلى عقد البيعة الذي يجمع السلطان بالرعية طبقا لما تمليه هذه العلاقة من هيبة ومسؤولية وسلطات تجعل الملك يرتبط مباشرة بالشعب وليس بالأحزاب .. كان خصوصية فريدة في النظام السياسي المغربي وشكل الدولة في المغرب التي تصبغ بالطابع الديني كمرجعية يرجع لها الملك لفرض الخصوصية المغربية بشكل ديني صرف حتى ولو اقتضى الأمر تجاوز الدستور الذي يخضع لرغبات المشرعين .وكمثال عن هذه الخصوصية ، نذكر بمعاهدة الاتحاد بين ليبيا والمغرب التي أبطلها الحسن الثاني رحمه الله من جانب واحد . ولما طالبت ليبيا بضرورة اعتماد المنهجية الديمقراطية في ذاك الحل ، أي أن يتم حل الاتحاد بالاحتكام إلى الاستفتاء الذي اقر المعاهدة ، أي الشعب ، فان ليبيا نسيت أو أنها كانت تجهل أن النظام في المغرب ولمسايرة التطورات السريعة التي تفرض نفسها بسرعة ولم تكن منتظرة ، يمكن أن يتصرف خارج الدستور المكتوب ،لان شكل الدولة في المغرب يأخذ بنظام البيعة التي التجأ إليها الحسن الثاني عند إلغائه المعاهدة من جانب واحد ، ودون المرور بالاستفتاء الشعبي ، لأنه بمقتضى عقد البيعة يكون الشعب قد فوض للملك مباشرة حق التصرف بالنيابة عنه في الأمور الاستراتيجية التي تهم الدولة ،وهذا ما كانت ليبيا تجهله ،كما كان يجهله أساتذة إدريس البصري في القانون الدولي عندما استقدموهم إلى التلفزة لشرح أبعاد الحل ( حسبي ، السرغيني ). إن هذه الخاصية المغربية الفريدة التي تجعل المغرب يختلف عن غيره من الأنظمة السياسية ، والتي وحدها تضفي على المغرب مغربيته ،أي لو لاها لما كان شيء يطلق عليه الدولة العلوية ،هي التي لعبت الدور الرئيسي في جعل النظرية الماركسية والمشروع الماركسي لا يتعدى مناقشة سقف النظرية الماركسية في شكل ثقافي و سجالي . لذا وأمام المأزق الذي دخلت فيه الماركسية ، سواء التقليدية التي تبنتها الأحزاب الشيوعية التقليدية ،أو التجديدية التي تبناها شباب 1968 ، وأمام أفول المشروع الماركسي ألدولتي وتحول اليسار إلى بقايا وأشلاء متناثرة هنا وهناك ، وأمام أفول ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي السابق ومعه المنظومة( الاشتراكية ) طرحت عدة أفكار لمراجعة الماركسية سواء في دول المركز أو في دول المحيط . وإذا كان التطور التكنولوجي الهائل في الغرب وراء انحسار المد الماركسي ،فان محاولات المحيط ومن ضمنه المغرب الرامية إلى اسلمة الماركسية وتعريبها ثم مغربتها كان مصيرها الفشل كذلك " .. ننتهي بهذه الفكرة ليس إلى قدح الصراع بين المذاهب الفلسفية ، ولكن إلى نقد فكرة الانتصار الساحق الكلي لفلسفة معينة على الفلسفات الأخرى ( قومية أو إسلامية ) وبمحوها على صعيد المجتمع بأسره... إن إتباع هذا السبيل لا جدوى منه وينتهي بأصحابه إلى الباب المسدود ...ولا نعتقد الآن من يثق بادعاءات قادة حزب العمل الألباني حول القضاء النهائي على الأديان .. الخ " . لقد اعتبر احد قادة شباب مايو 1968 المغربي أن الموقف الدغماتيكي من الدين الذي يشكل ثوابت راسخة في الفكر الشعبي المغربي ، كان من احد الأسباب الهامة التي ساهمت في فشل انتشار الفلسفة الماركسية وتجسيد المشروع الماركسي في المغرب "..في أواخر السبعينات ( من القرن الماضي) قامت منظمة العمل الديمقراطي الشعبي بمراجعة نقدية لخطها السياسي . ولقد نشأت عن هذه المراجعة النقدية أن تغيرت خطتنا تغييرا جذريا .. إن القطيعة الإيديولوجية التي أفضى إليها الخلاف داخل ما كان يسمى بالحركة الماركسية اللينينية المغربية في ما مضى لم تكن بسبب الاختلاف حول أجوبتنا السياسية المباشرة على الظرف الراهن ، بل كانت بالأساس بسبب التناقض الذي حصل واتسع بين منظومتين فكريتين لم يعد يجمعهما قاسم مشترك كما كان عليه الحال في السابق ... من خلال تلك المراجعة النقدية بالقدر الذي أصبحنا فيه على طلاق مع رؤية نعتناها وحكمنا عليها بالطبقوية ... وهذه الأسئلة لم يكن همها إلا الإشارة الى الإشكالات التي مازالت تواجهها الماركسية اللينينية في النظر والعمل متوخيا القول بان هناك قضايا جديدة لم يكن يعرفها لا ماركس ولا لينين ولا النظرية الماركسية اللينينية ... إن الماركسية اللينينية كنصوص ومادة خام لا تقدم لنا نفسها مباشرة ككتابات في الطريقة والمنهاج إلا نادرا ...الخ " . لقد اعتبر الأستاذ ( ماكسيم رودنسون ) من خلال بحثه في محاولة فهم أسباب عجز الماركسية في البلاد العربية والإسلامية ، فارجع ذلك إلى سبب شمولية عقيدة الإسلام وتجدرها في مختلف الأوساط وقدرتها على توجيه المسلم حتى في ابسط سلوكياته اليومية .، وهي الرسالة التي تلقفتها مختلف التيارات الماركسية حيث أصبحت تدعو إلى ضرورة " إعادة النظر بأطروحات الحركة الدينية " ،( المقصود بالحركة هنا الحركة الماركسية) . نستخلص من هذا التحليل أن أزمة النظرية الماركسية سواء في شكلها ألتقلدي النصي كما تعاملت معها الأحزاب الشيوعية التقليدية ،أو الماركسية في نصها التجديدي التطويري كما أراد لها شباب مايو 1968 لم ولن تعرف طريقها إلى اختراق الشارع المغربي ووجدان المواطن المغربي . وهذا راجع في نظرنا إلى سببين أساسيين : السبب الأول هو تشبث المواطن المغربي بالدين الإسلامي وبالنظام الملكي الذي تجسده إمارة أمير المؤمنين واعتبار الملك أميرا للمؤمنين ( الدولة الدينية ) (الدستور ينص على إسلامية الدولة) ( عقد البيعة الذي يجمع الملك كأمير للمؤمنين وليس كملك عصري بالشعب ). والسبب الثاني يرجع إلى أن تاريخ الصراع الإيديولوجي بين الدين السماوي وبين الإيديولوجية المادية، لم ولن يعرف الصلح ولا تبادل القبلات . انه صراع بين الإيمان والإلحاد وبين الحق والباطل . هكذا جرى الصراع في الماضي ، وهكذا يستمر اليوم ، وهي الخاصية التي فطن لها النظام السياسي المغربي مبكرا عندما تم التشديد على الطابع الإسلامي للدولة العصرية التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة ، وهي الحقيقة التي دفعت جميع الأحزاب السياسية المغربية إلى التصويت بالإيجاب بنعم على التعديل الدستوري في سنة 1996. بعد مرور احدى واربعين سنة عن ثورة الشباب في مايو 1968. أصبح العديد من المهتمين والمحللين يتساءلون عن إمكانيات عودة تلك الأحداث لتطغى على السطح من جديد ، خاصة وان جميع المؤشرات الظرفية في العالم وليس فقط في المغرب تندر بتفجر كارثة اجتماعية بسبب انتشار الفقر والغلاء وارتفاع الأسعار وعجز الدولة عن مواصلة تأدية الخدمات بالمجان للطبقات الأكثر فقرا .. إذا كانت بعض التحليلات تصب في هذا الاتجاه ،أي اتجاه التفجير، فان الواقع ومن خلال التطورات السياسية والثقافية والاجتماعية التي حصلت في دول المحيط وفي دول المركز تبطل مثل هذ التنظير . أي إنها وان حصلت ستكون غير منظمة وغير مؤطرة مثل حركات الشباب في مايو 1968. وهذا يرجع بالأساس إلى فشل الحزبية والأحزاب وفقدان الشارع ثقته من خطابتهما . ويرجع من جهة أخرى إلى كون الأوراق قد اختلطت إلى درجة ، وان وجد كارل ماركس جديد فانه سيعجز عن إيجاد نظرية علمية لوصف التركيبة الاجتماعية التي عرفتها المجتمعات منذ أفول الاتحاد السوفيتي السابق . كما إن موت الإيديولوجية ساهم بحد كبير في حتمية استحالة عودة مايو 1968 التي كانت تؤطرها الأفكار الماركسية سواء في صورتها التقليدية أم في صورتها التجديدية . إن جيل الستينات والسبعينات من القرن الماضي كان جيلا سياسيا وثقافيا بامتياز ، وحركات الرفض الاجتماعية كانت في اغلبها تدين إما بالاشتراكية الديمقراطية ( الأحزاب الاشتراكية ) أو بالاشتراكية العلمية (الأحزاب الشيوعية التقليدية وحركات الرفض الماركسي ) . الآن اروبة يسيطر على رأيها العام الأحزاب اليمينية المحافظة واليمين المتطرف . وبالمقابل في المحيطات وبعد إفلاس النظرية الماركسية للاعتبارات التي شرحنا أعلاه ، عادت السيطرة في الشارع إلى الحركات الإسلامية بمختلف اتجاهاتها وأطيافها ، وهذه الموجة التي افرزها التطور الاجتماعي منذ نهاية القرن الماضي تتعارض بالمطلق مع الأفكار التي نادى إليها شباب مايو 1968.