أنقر هنا لقراءة الجزء الأول انها أسئلة كثيرة تبقى الإجابة عنها محيرة ، ورغم ذلك سنحاول ان نجيب قدر الامكان . وقبل هذا لا بد من طرح بعض الملاحظات : "" الملاحظة الاولى ، هي ان تصنيف حلقات النضال في تاريخ الحركة الوطنية لا يعني انها كانت منسجمة ، او كانت خطا تاريخيا واحدا ومستمرا . فاختلاف اساليب العمل واختلاف القاعدة الاجتماعية المحركة واختلاف الذهنية الموجهة ثم اختلاف مستوى تطور تناقض ما يسمح بفهم تباين هذه الحلقات وتمايزها ودون ان يعني ذلك انقطاعا ولكن تواصلا ولكن ليس استمرارا ووحدة . الملاحظة الثانية ، وتتعلق بدور المعارضة السياسية وحركة المطالب بين هذه الحركات . فقد بقيت المعارضة السياسية مؤثرة بشكل او بآخر ، سلبي أو ايجابي في مرحلة المقاومة وجيش التحرير . من هنا تأتي اهمية بحث وتحليل المرحلة التي نشطت فيها المعارضة السياسية اكثر من المراحل السابقة خاصة المرحلة الممتدة من 1912 الى 1934 اذا كانت المقاومة وجيش التحرير يمثلان في تاريخ المغرب شكلا من أشكال النهوض الثوري ضد المحتل الفرنسي . واذا كانت المعارضة المدينية تمثل شكلا من أشكال النهوض السياسي ضد الأجنبي ، فما هو الوجه الحقيقي لهذا الاستعمار ؟. وهذا يعني ان الاستعمار الفرنسي للمغرب لم يكن مجردا ومنفصلا عن محيطه في تحركه ، ولكن كانت له قاعدة خلفية من العملاء كانوا يشكلون سنده الرئيسي ووسائل عمله ودعايته . اذا ما هي بنيات الاستعمار الفرنسي في المغرب ؟ : هناك عدة عناصر تحدد بنية الاستعمار الفرنسي بالمغرب وهي : 1 الجيش والشرطة كأجهزة إرهاب وقمع : كان هذا الجهاز يقوم بعدة وظائف منها ضبط وحفظ الأمن ، إخضاع وتطويع وتركيع الشعب لإدارة الاحتلال . لقد استعمل هذا الجهاز عدة وسائل في تنفيذ مأموريته منها الاحتلال المباشر ، التطويع ثم الهجمات القمعية وسياسة التوغل السلمي الإيديولوجي عن طريق الأعمال الإنسانية مرة وعن طريق التظاهر بالقوة لتجنب استعمالها وعن طريق التوسع المعقول ، أي حسب الامكان وأهمية المنطقة ، والتدريجي حسب تقسيم المارشال ليوطي للمغرب . 2 المعمرون : يتكون هؤلاء من الفرنسيين الاستعماريين الذين استولوا على اجود الأراضي الفلاحية المسقية والشبه المسقية . ومنذ 1913 صدرت عدة قوانين تعزز قوة المعمرين عن طريق المزيد من نزع الملكية من الفلاحين وتحويل مياه الأنهار والوديان نحو أراضي المعمرين . 3 الموظفون السامون : هؤلاء هم من كان يشكل بيروقراطية الدولة الاستعمارية . فقد كانوا يشكلون بحكم وضعهم الاجتماعي ومدا خيلهم ومراكز النفوذ التي يحتلونها والقدر الكبير من السلطات المخولة لهم ،،، احد الدعائم الأساسية للادراة الكلونيالية ، كما أنهم كانوا يسخرون لخدمة القواد والباشوات والشيوخ والمقدمين . 4 رجال الأعمال : أسس هؤلاء الغرفة الفرنسية للتجارة والصناعة سنة 1913 كما كانت لهم أغلبية تمثيلية في مجالس شورى الحكومة . وللدفاع عن مصالحهم في مواجهة بيروقراطية الدولة المستعمرة وبرجوازية الحركة الوطنية المركانتيلية ، اندمجوا في جمعيات مهنية تحمي امتيازاتهم ، فكانوا بالإضافة الى هذا يحصلون على سند المؤسسات الرأسمالية والدولية مثل بنك باريس ، بنك الأراضي المنخفضة ، بنك الوحدة الباريسية ، بنك روتشيلد .. الخ . 5 برجوازية صغيرة ومتوسطة : كانت تتكون من التجار وأرباب معامل متوسطة وصغيرة . يلاحظ انه رغم عدم وضوح الخط الإيديولوجي والتنظيمي لهذه البرجوازية ، فانها كانت تشكل القاعدة البشرية التي اعتمدت عليها سلطة الاحتكار المالي الاستعمارية . تلك اذا كانت قاعدة التركيب الاجتماعي للاستعمار الفرنسي وهي قاعدة نظمت وجودها القانوني والسياسي من خلال الشروط المجحفة لعقد الحماية . ان العلاقة التي أقامها الاستعمار الفرنسي كانت علاقة احتلال وقمع وتحويل للسيادة الوطنية مع ما يقتضيه ذلك من علاقات رأسمالية استغلالية من شانها إدخال تعديلات نسبية على علاقات الإنتاج وأساليبه . علاقات كانت في جوهرها تسعى الى البحث عن حليف او مجموعة حلفاء يعززون نفوذ الاستعمار والادارة الفرنسية . حلفاء الاستعمار الفرنسي : يمكن ان نحدد العناصر التي اعتمدها الاستعمار الفرنسي في تغلغله وبسط نفوذه كما يلي : 1 الزوايا الدينية والطرقية : يتكون هؤلاء من فئة من الناس لهم مناطق نفوذها تتمثل في أراضي خصبة ، صدقات ، هبات ، مداخيل الزوايا وبعض الشعودات . وكان لهم مريدون وأتباع وخدم وحشم يقومون على خدمتهم وخدمة زواياهم ، ويمارسون نوعا من الشعائر اللاهوتية كخيط رابط بين المريدين ، وفاصل مميز بين أتباع زاوية وزاوية أخرى . لقد أيدت هذه الطرق الصوفية الاستعمار الفرنسي ووقفت موقفا سلبيا في عمليات تضبيع الجماهير وتخديرها . نذكر من بين هده الزوايا اشراف وزان ، الدرقاويون ، الناصريون ثم الكتانيون والعيساويون ...الخ . ومن وجهة نظر السلفيين ) علال الفاسي ومحمد بلعربي العلوي (كان المجتمع المغربي في بداية الربع الاول من القرن الماضي غارقا على التوالي في ضلالات دينية وخاضعا للسيطرة الاستعمارية . فجاءت السلفية كإيديولوجية ضد التقاليد الخرافية ، وثورة ضد الانحرافات الخلقية ، وثورة ضد التزيد على الدين ما ليس له اصل بالكتاب والسنة ، ولا في عمل الصحابة والتابعين والائمة المجتهدين . كما انها كانت ثورة ضد الزيغ والطغيان والكفر والبهتان والخرافات والاكاديب والبهتان . 2 القياد والباشوات : يتكون هؤلاء ممن كانوا يملكون اقطاعات ارضية كبيرة ، وتؤهلهم قوتهم العشائرية والقبلية والأسرية وعلاقتهم بسلطة الحماية وبالادارة المركزية الكلونيالية ،ليصبحوا حاكمين في مناطقهم واقاليهم ، يمارسون الظلم والاستبداد لتخويف اهل البادية الأشد ارتباطا بالعرش . لقد عمل الاستعمار على تعزيز سلطة هؤلاء ، وفي نفس الوقت على تركيز وضعهم كرجال إقطاع مع محاولة دمجهم ولو بشكل صوري في بعض أشكال الإنتاج العصري ، بل وفي بعض الأجهزة الإدارية لبعض المؤسسات الرأسمالية الناشئة بالمغرب. ان ابرز هؤلاء المتعاونون نجد الباشا لقلاوي في مراكش . هذا و لا نستغرب اذا وجدنا ان ابناء هؤلاء الخونة من قياد وباشوات الذين ترعرعوا في حضن الاستعمار ، هم الذين سيطروا على المناصب الحساسة في الدولة منذ الاستقلال والى اليوم . تركبة المجتمع المغربي في عهد النظام الكلونيالي : كان للدخول الاستعماري للمغرب في بداية القرن الماضي عدة أثار سلبية على المجتمع المغربي . فبالإضافة الى الوجود الاروبي ، حدثت تغييرات في شروط الحياة والعلاقات الاجتماعية وذهنية المغاربة . فبعدما كانت الفلاحة وتربية المواشي في نهاية القرن التاسع عشر تكون الاهتمام الرئيسي للسكان ، نجد ان المنطقة الفرنسية أصبحت في المغرب قابلة لان تصنف في مرتبة البلدان ذات النمط الزراعي والنشاط الصناعي التابع . أي ان شروط علاقات الإنتاج اخذت في التحول التدريجي نحو الدخول في علاقات إنتاج رأسمالية تابعة ومشوهة . وهنا لا يمكن إغفال البعد الاستعماري لعملية التحول هده اذ انه كان على حساب جماهير الفلاحين في القرى والطبقات المتوسطة بالمدن . يلاحظ انه من خلال وصف واقع بنية التركيب الاجتماعي لسكان المغرب في ظل الحماية الفرنسية يمكن تأكيد دلك الاستنتاج . لقد عانت البادية المغربية في ظل الحماية الفرنسية من اجرائين استعماريين خطيرين زيادة طبعا على القمع المتواصل يوميا . يتمثل هادين الاجرائين في نزع ملكية الأراضي من أصحابها وتحويلها الى المعمرين ، الأمر الذي تسبب في تضخم الهجرة نحو المدن وإغراقها بالبراكيك والكاريانات خاصة بمدينة الدارالبيضاء . نتج عن هذا انتشار البؤس ، الفقر ، الأمراض ، الجوع والأوساخ بسبب ثقل الضرائب ونظام السخرة والاندماج العنيف في الاقتصاد النقدي بالنسبة للفلاحين الدين ظلوا بالبادية . إضافة إلى ما كان يؤدي إليه دلك الاندماج ألقسري من مضايقة إنتاج الحبوب من طرف الاستعماريين ودلك بتخفيض واحتكار البيع وتحويله الى السوق السوداء . اما الإجراء الثاني ، فقد تمثل في تركيز الملكية في أيدي الاستعماريين والأعيان والملاكين الكبار . هؤلاء يكونون 10 ./. من السكان القرويين ويمتلكون 90 في المائة من الهكتارات ، في حين نجد ان القاعدة العريضة تتكون من الملاكين الصغار والملاكين المتوسطين حيث تعيش من إنتاج مزارعها ومواشيها . وللتذكير فان الفلاحين الصغار والمتوسطين كانوا ضحايا حاجيات نقدية متعاظمة ومشاريع اقتطاع ارضي عدواني استعماري محلي . وفي أسفل السلم نجد القرويين من العمال الزراعيين الدين تفاقمت شروط عيشهم خاصة بعد الحرب العالمية الثانية . اما في المدن وبخلاف البادية فقد عرفت بنية التركيب الاجتماعي هي الاخرى تعديلا وتفاقما في نفس الوقت . نجد أولا البرجوازية الكبيرة وهي طبقة تقليدية ( فاسيين ورباطيين(من التجار المغاربة ومن العائلات الثرية . فرغم الغنى الذي أصاب هده البرجوازية التجارية فيما بين الحربين فقد اقتصر نشاطها على الأنشطة التقليدية وعلى الاستيراد وإعادة توزيع المواد الاستهلاكية كالشاي والسكر .. وفي مقابل دلك تكونت طبقات متوسطة وبروليتارية كانت تضم الحرفيين والقرويين المهاجرين والموظفين ووكلاء المصالح العامة والعمال ، بسبب تزايد النشاط الصناعي ( المعدني والنسيجي ) ومحاولة تجهيز المغرب بشبكة من طرق المواصلات وبسبب حركة النشاط العقاري ومقاولات البناء. الملاحظ ان هده الطبقة كانت تعاني من البؤس الاجتماعي والاقتصادي الشيء الكثير . فالبنسبة للعمال فبالإضافة الى ضعف الأجور وقساوة ضروف الحياة ، فإنهم عانوا من عدم استقرار الشغل وسهولة تعويض الأيدي العاملة غير المرغوب فيها وعدم مراعاة مقاييس التامين على الشغل ... الخ . اما الطبقات الوسطى من الحرفيين وهي تمثل اكثر من 3/1 السكان بالمدن ، فكانت تعاني منافسة المنتوجات الصناعية المستوردة ، وانخفاض القدرة الشرائية لزبنائهم القرويين والمدينيين من فقدان الاسواق التقليدية في الجزائر والسنيغال . لقد كان لهده الظروف انعكاس سيئ على تجارة التقسيط ، فعرف أصحاب الدكاكين والحرفيين البيع بالخسارة ، زيادة على ثقل حجم الديون والضرائب والمنافسة ، مما أدى الى توفر شروط موضوعية لهده الطبقة لتنخرط في مسلسل السخط والاحتجاج والمشاركة في اية حركة من شانها ان تخلصها من البؤس المقيت . يلاحظ ان واقع التركيب الاجتماعي هذا يشكل وجها آخرا للمتناقضات الرئيسية التي كانت تواجهها ( الحركة الوطنية ) بشقيها العسكري والسياسي . انه تناقض يتعلق بمحتوى البنية الطبقية للسكان المغاربة الذين عارضوا الاستعمار وانبثقت التنظيمات السياسية من وسطهم . وهنا نطرح سؤالا بالنسبة للبادية والمدينة على ضوء هذا التشريح والتحليل للنظام الكلونيالي بالمغرب . فبخصوص البادية ومن خلال الشرح اعلاه ، هل يمكن الحديث عن برجوازية قروية نوعا ما ؟ . وبالنسبة للمدينة هل كانت فعلا ( الحركة الوطنية ) تعبر عن واقع طموح الجماهير الشعبية خاصة الديني منها ؟. انطلاق حركة الرفض للاستعمار : كان منطلق الاتجاه الديني الرافض للاستعمار بالمغرب في البداية دينيا من خلال العمل على تجديد الدين في إطار مشروع سلفي متأثرا بأفكار المفكرين السلفيين الإصلاحيين في الشرق العربي خاصة محمد عبده ، الافغاني ، شكيب ارسلان وغيرهم كثيرين . وفي نفس الوقت متفتحة على الغرب المسيحي من خلال عملية مجهدة لإيجاد نوع من التطابق بين بعض القيم السياسية والفكرية الليبرالية الغربية وبين بعض المفاهيم الدينية في السلطة والتشريع وأشكال النظام السياسي . هؤلاء المفكرون السلفيون يختلفون عن مفكري الحركات السياسية الإسلامية التي ظهرت بالمغرب ابتداء من بداية سبعينات القرن الماضي في أوجه مختلفة . لقد عرف المغرب العربي الإسلامي ظهور مجموعة من الرواد السلفيين أمثال الشيخ السنوسي والشيخ شعيب الدكالي والشيخ محمد بلعربي العلوي الذي قاده فكره السلفي الى تعبئة القوى المؤمنة خاصة من بين الشباب والطلبة الذين كانوا يزدحمون على حلقات دروسه بجامعة القرويين وبمساجد الرباط ، مكناس ، سلا ، والدارالبيضاء .. الخ حيث كانت محاضراته وخطبه تجهز على أوكار التخاذل والتواكل والانتظاريين التي كانت تعشعش فيها الأفكار الرجعية الخرافية التي لا تمت بصلة الى الدين . كما قاده فكره السلفي الى خوض معارك الإصلاح ومحاربة البدع والشعودات وبث روح التحرر والانعتاق من الأوهام في وسط الشباب وفي وسط طلبته من امثال علال الفاسي ، محمد المقري ، عبد العزيز بن باديس .. الخ . لقد تركزت عملية التجديد الديني هذه على مقاومة الطرقية المنتشرة بالمغرب ، والتي اصبحت حليفا موضوعيا للاستعمار ، وهي عملية ساهمت في تجميع فئة من الشباب من خريجي القرويين ومن بعض الجامعات الاروبية في حلقات سرية تطورت بفعل الوقت الى التفكير في تاطير أوسع المواطنين من اجل احترام بنود عقد الحماية . وكانت الثورة الريفية عامل هام في إيقاظ وعي إيديولوجي يختلف جذريا عن ذاك الوعي الذي كان يحرك بعض الأئمة والعلماء والشيوخ . ومع ان بعض الكتابات حاولت التقليل من أهمية التنظيم السياسي خلال تلك الفترة ، فان صدور الظهير البربري في 16 مايو 1930 أحدث منعطفا مهما في تطور واتساع جبهة الرفض التي أصبحت معارضة سياسية علنية الاحتجاج والتظاهرات الجماعية وقراءة اللطيف في المساجد . وهي احتجاجات اتخذت لها كشعار للتعبئة الرابطة الدينية عاملا من عوامل الوحدة الوطنية ،ثم المطالبة بتطبيق بنود الحماية ( الإصلاحات السياسية ) ، فالمطالب المغربية المستعجلة ، فوثيقة المطالبة بالاستقلال التي تم تحريرها وصياغة بنودها بالقصر الملكي . ومما يغفله الكثير من المؤرخين والباحثين عند الحديث عن الظهير البربري المشئوم ، انه لم يكن من ابتكار او من مطالب البرابرة الذين تمسكوا بالوحدة الوطنية . لكنه كان من صنع دهاقنة الاستعمار الفرنسي مما يجعل منه ظهيرا فرنسيا بامتياز وليس ظهيرا بربريا . هذا من جهة . ومن جهة أخرى يلاحظ عن هؤلاء الباحثين عند حديثهم عن الظهير البربري ، إغفالهم للأبعاد الاقتصادية لسياسة الظهير البربري . اذ لم يكن الامر يتعلق فقط بتقسيم شعب وتمسيح جزء منه ، أي جعله مسيحيا ، ولكن إضافة الى ذلك كان يستهدف ضرب المصالح الاقتصادية للبرجوازية المركانتيلية الفاسية وللطبقات الوسطى المغربية الآخذة في النمو والاتساع نسبيا ، وذلك عن طريق إخراج المناطق التي يشملها الظهير من سوق التعامل التجاري ، وبالتالي إضعاف نفوذهم السياسي المستقبلي . ان أقوى المظاهرات التي عرفتها مدينة آزرو بالأطلس المتوسط مثلا قامت بها فئات من التجار . ولهذا دلالاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية الدالة . لم تقتصر ظاهرة تفاقم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية على خريجي القرويين ( البرجوازية الفاسية) وأبناء الطبقات الوسطى والعمال في المدن ، لكنه شمل حتى البرجوازية المغربية مع ما كان من تأثير للمدارس العصرية وللأفكار الاروبية المتنقلة مع الشبيبة التعليمية المغربية ممن تابعوا دراستهم في الخارج بالدول الاروبية . هذا ولا يجب ان ننسى الظروف الدولية العامة في أعقاب الحرب العالمية الأولى حيث ظهرت مجموعة من الأفكار التقدمية واتجاهات وطنية تعارض التسلط الاستعماري . في هذا الباب لعب تأثير الثورة البلشفية دورا أساسيا في إثارة حركات الرفض للاستعمار وتوسيع الاحتجاجات المنادية بالاستقلال . ان كل هذا الثقل المادي السياسي والإيديولوجي ساهم في بلورة حركة الرفض المضادة في اطار معارضة سياسية منظمة . لقد كان الاستعمار والطرقية الصوفية وتراجع المقاومة المسلحة ثم الآثار السياسية للثورة الريفية وما يسمى بالظهير البربري ، وتفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في ظل شروط دولية معينة .. الخ من أسباب وعوامل تظافرت كلها لتدفع بالوعي الوطني للتبلور والبروز . فهل كانت ( الحركة الوطنية ) في مستوى ذاك الوعي وبالتالي كيف وظفت ذاك الوعي الجماهيري العارم في التعامل مع المسالة الوطنية ؟. ان استقراء تاريخ ( الحركة الوطنية ) بالمغرب خلال مرحلة المعارضة السياسية ومرحلة المطالبة بالإصلاحات وبتحليل أساليب تعاملها يمكن ان يؤدي الى الخلاصات التالية : 1 ان اول استنتاج يمكن ملاحظته هو ان القصر الملكي وعلى رأسه الحسن الثاني رحمه الله هو الذي نفخ في الحركة الوطنية حين احتضنها ونظمها ووجهها نحو الأغراض المرسومة . ومن ثم فان الحركة الوطنية لم تعتبر النظام الملكي تناقضا رئيسيا او ثانويا . لكنها كانت تسعى دائما للحصول على مباركته وحمايته . ان المقاومة المسلحة وجيش التحرير المغربي والحركة الوطنية باتجاهها الديني السياسي شددوا في مطالبهم على ضرورة العودة الملكية من المنفى وعودة المغفور له محمد الخامس الى العرش . 2 بخلاف المقاومة المسلحة في المدن وجيش التحرير في الجبال والبوادي ، فان الحركة الوطنية تعاملت مع عقد الحماية من خلال تحليل قانوني وليس سياسي . لهذا ظلت الحركة منذ نواتها الأولى وحتى منتصف الأربعينات تطالب فقط باحترام بنود اتفاقية الحماية مع إدخال بعض الإصلاحات السياسية . وهذا يعني رفض الحركة للنضال المسلح لحركة المقاومة وجيش التحرير . ان هذا الخلط الذي وقعت فيه الحركة بين القانوني وبين السياسي . بين النضال الإصلاحي والدعاية البوليميكية الموجهة الى الخارج للاستهلاك واثبات الوجود ، وبين رفضها النضال المسلح للبرابرة والعروبيين ،،، دفع بها الى السقوط في خلط خطير اخر ، وذلك عندما ركزت في بياناتها على ضرورة بعض المعاملة التمييزية بين المستوطنين الفرنسيين وبين المغاربة . وكان الفرنسيين المستوطنين ليسوا استعماريين ، مع العلم انهم هم وقود الاستعمار بالمغرب. ان هذا التعامل القانوني مع عقد الحماية من قبل القيادة السياسية للحركة الوطنية ، غيب في مفهوم الحركة طرح الاستعمار كتناقض رئيسي له حلفاء رئيسيين يشكلون امتداده الطبيعي والجغرافي . فتحول الصراع في المغرب من صراع ضد الاستعمار والاحتلال الفرنسي ، إلى صراع ضد المقيمين العامين الذين لا يحترمون عقد الحماية . و قد كان هذا التعامل القانوني للحركة الوطنية سببا في اختفاء عبارة الاستقلال من القاموس السياسي للحركة ، وهو ما صححه الحسن الثاني رحمه الله عندما اشرف شخصيا على تحرير وصياغة جميع بنود وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944 . 3 ظلت الحركة الوطنية حركة مطالب فقط لا تستند الى أي مجهود نظري في التحليل والتفسير والتبرير ، مع غياب خطة عمل سياسية وتصور إيديولوجي متماسك وبأفق وطني حقيقي . لقد كانت مطالب حزب الاستقلال غارقة في الذهنية التشريعية المهيمنة على قيادته السياسية ذات التكوين الثقافي الديني التقليدي او القانوني العصري . وكان الأمر يتعلق بمرافعات الدفاع أمام المحاكم للدفاع عن حقوق السكان الأصليين في مواجهة الحماية بخصوص الإصلاحات القضائية والإدارية وإصلاح التعليم ومشاريع السكان والإسكان في الجماعات البلدية والقروية والإقليمية والمهنية ...الخ . ان كتاب النقد الذاتي لعلال الفاسي في الخمسينات يدل على هذا التصور في التحليل . 4 مارس حزب الاستقلال أسلوب الاستبدال والوصاية على الحركة الجماهيرية . فكان يفاوض المستعمر في غيبتها . هذا همش تجدير دور الجماهير في الاحتجاج والتظاهر والاصطدام بشرطة وعساكر الاحتلال . لقد كان الحزب يحرك الجماهير فقط حينما يريد ممارسة بعض الضغط على إدارة الحماية لجرها للتفاوض قصد الحصول على بعض التنازل السياسي الذي كانت يزيد او ينقص حسب مزاج المقيمين العامين وحسب أوضاع فرنسا العسكرية والدولية . وخلاصة ما سبق فان العمل السياسي للحركة الوطنية ارتكز على فهم خاطئ لأساليب العمل والتعامل وآفاقه وعدم وعي حقيقة التناقضات الأساسية التي كان الواقع التاريخي يفرزها في مواجهة الإدارة الكلونيالية وعملائها . ويفسر التركيب الاجتماعي المغربي والتناقضات الكامنة فيه ، ثم كيف وظفت القيادة السياسية للحركة وعلى رأسها حزب الاستقلال المضمون الوطني لهذا التاريخ في اتجاه خدمة مصالح ضيقة استفادت منها هذه القيادة بعد مرحلة الاستقلال ، ويستفيد منها أبناءها اليوم على حساب القاعدة العريضة من البرابرة والعروبيين الذين منهم تكونت حركة المقاومة وتكون جيش التحرير . ولعل سماع نفس الاسماء التي تتوارث المناصب والمسئولية ابا عن جد منذ الاستقلال والى الان ( آل الفاسي ، الدويري ، غلاب ، بادو ..الخ )خير دليل على هذا التناقض الصارخ الذي يعاني منه اغلبية الشعب المغربي اليوم . ان هذا التوظيف يطرح في العمق بعض الأسئلة في أزمة ما يسمى اليوم ب ( الحركة الوطنية ) التي انشطرت الى أطياف وخوارج ، مما يطرح معه السؤال عن من يجسد استمرارية الحركة من الأحزاب . سيما وقد رحل الى دار البقاء أكثرية من كانوا ينتسبون الى تلك الحركة وملئ أحزابها بأجيال جديدة لا علاقة لها بمشروع الحركة الوطنية يتبين من هذا ان تاريخ المغرب منذ الأربعينات ارتبط بثلاث قوى سياسية تفاعلت في ما بينها تفاعلا أدى الى إحراز المغرب على استقلاله . القوة الأولى ومثلها القصر الملكي وعلى رأسه محمد الخامس والحسن الثاني رحمه الله الذي لعب دورا أساسيا وجذريا إثناء مواجهة إدارة الحماية . القوة الثانية مثلتها المقاومة المسلحة المدينية في المدن . القوة الثالثة مثلها جيش التحرير في الجبال وبالبوادي . واذا كانت القوة الأولى قد تعرضت للانقلابات والمؤامرات المختلفة التي كانت تستهدف إسقاطها ، فان القوتين الثانية والثالثة تعرضتا للتصفية الجسدية من قبل اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال ، كما تعرضتا للإبعاد والتهميش من طرف البرجوازية المركانتيلية والخونة الدين خدموا في الإدارة الفرنسية الدين فهموا كيف يوظفون الاستقلال لخدمة مصالحهم ومصالح أبنائهم وعائلاتهم وطبقتهم ، وهو ما يعني وجود خلل خطير ينخر بنية المجتمع المغربي لصالح اقلية مترفة على حساب الاغلبية الساحقة من البرابرة والعروبيين الذين اليهم يرجع الفضل الاول في تكوين قواعد المقاومة وجيش التحرير ، كما اليهم يرجع الفضل الاعظم في الدفاع عن الصحراء المغربية . فهل من قراءة جديدة لتاريخينا على ضوء المعطيات أعلاه ؟..