هناك أزمة خطاب سياسي لدى قادة بعض الأحزاب السياسية، وهي حقيقة لا يمكن أن يجادل فيها أحد..السؤال هو هل الأمر يتعلق بأزمة خطاب أم بخطاب أزمة لدى بعض الأحزاب السياسية. الملاحظ أن عدوانية الخطاب السياسي لدى البعض تزامنت من جهة، مع التغييرات الداخلية التي عرفتها، خاصة بعد سيطرة إدريس لشكر على قيادة الاتحاد الاشتراكي وسيطرة حميد شباط على قيادة الاستقلال واستمرار تحكم إلياس العماري في حزب الأصالة والمعاصرة..وهي بروفيلات سياسية شعبوية راهن عليها البعض لإرباك مسار التجربة الحكومية الحالية منذ «المحاولة الانتحارية» الفاشلة التي قام بها شباط لتفجير الحكومة من الداخل. علينا أن نعترف بأن عبد الإله بنكيران يمثل ظاهرة تواصلية فريدة نجحت في تبسيط تعقيدات السياسة المغربية لعموم المواطنين، وهو ما لقي صدى واضحا في الشارع المغربي تترجمه استطلاعات الرأي المختلفة، وتؤكده جميع المحطات التواصلية التي يقوم بها رئيس الحكومة، وهو ما يعني انخراط المواطنين في احتضان هذه التجربة وحمايتها. فعالية خطاب بنكيران تتكئ على رصيد من المصداقية والنزاهة لا يتمتع به منافسوه، وهي نقطة اختلاف جوهرية تدفع عدد كبير من المواطنين إلى تفهم خطاب بنكيران واستحسان طريقته في الكلام.. تلقائية بنكيران وصراحته ليست مصطنعة، ولكنها جزء من شخصيته وطبعه الإنساني، قد تنفلت من لسانه في بعض الأحايين بعض المصطلحات التي تتجاوز الحدود المقبولة، لكنها في النهاية نابعة من تلقائيته وصراحته وصدقه وغيرته على مشروعه الإصلاحي، ومن الأفضل تلافيها.. بينما خطاب المعارضة هو خطاب مهيأ له ومخطط له، ويعتمد بشكل أساسي على استهداف مصداقية رئيس الحكومة واستفزاز شخصه بشكل مباشر.. علينا أن نتذكر بأن اتهامات الأمين العام لحزب الاستقلال لرئيس الحكومة بالولاء ل»داعش» و»الموساد» و»النصرة» لم تأت في معرض مهرجان خطابي أو في سياق تصريح عابر، ولكنها جاءت في معرض المناقشة البرلمانية لحصيلة الحكومة، وكانت جزءا من الخطاب المكتوب الذي تلاه حميد شباط داخل قبة البرلمان وهنا مكمن الخطورة.. أحزاب المعارضة الأخرى التزمت الصمت، بل انخرطت بدورها في المسار نفسه، ولم يتردد الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي في وصف رئيس الحكومة بهتلر، بينما فضل إلياس العماري أن يوجه تهديدا مبطنا لعبد الإله بنكيران بنعته ب»ولد بنكيران» الذي يمارس «العنف اللفظي» وذهبت ميلودة حازب وعدد من قيادات الحزب إلى تأويل مُغرِض لعبارة «الحزب ديالي اللي كبير» التي جاءت على لسان رئيس الحكومة في سياق المقارنة بين حزبين. أما اتهامات رئيس الحكومة لزعماء هذه الأحزاب، فهي تعتمد بالدرجة الأولى على الاتهامات التي وجهوها لبعضهم في محطات سابقة وعلى ما يصرح به مناضلو هذه الأحزاب نفسها.. لجوء أحزاب المعارضة إلى رفع شكاية إلى الملك كان خطأ سياسيا يعبر عن عجز واضح، تمت ترجمته مرة أخرى بتعطيل جلسة المساءلة الشهرية ونسفها بواسطة الصياح والصفير والضجيج، وهي آليات تمس بحرمة المؤسسة البرلمانية، وتزيد في تعقيد وضعية المعارضة. كان بإمكان المعارضة أن تحتج على كلمة «خطاب السفاهة» بالآليات القانونية التي يمنحها إياها الدستور، لكنها فضّلت نسف الجلسة الشهرية وتعطيل دور المؤسسات. ما ينبغي أن تقتنع به أحزاب المعارضة أن أزمتها هي أزمة ذاتية وليست بسبب خطاب بنكيران الذي يُراد تنميطه في قالب معين.. أزمة أحزاب المعارضة هي أزمة مصداقية سياسية بالدرجة الأولى حتى لو اختار بنكيران الصمت…