سجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مذكرته الأخيرة، وجود هوة فعلية بين النصوص المتضمنة في الدستور والقوانين والمعاهدات التي صادق عليها المغرب من جهة، والواقع المعيش في مجال حقوق الإنسان من جهة أخرى. ما تفسيرك؟ تفسير ذلك أن عددا من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب ويعترف بها الدستور، الذي يعتبر أسمى من القوانين الوطنية، غير مفعلة على أرض الواقع لعدم ملاءمتها مع النصوص المغربية، ولهذا نجد سلوكيات قضائية وأمنية تتماشى مع الشرعية النظرية الوطنية وتخالف المبادئ والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، وهذا يبدو أحيانا في مواقف المجتمع المدني والسلطات ويخلق تشنجات ومواجهات. ما مدى ارتباط الوضع الحقوقي بالمناخ السياسي والمؤسساتي العام في الدولة؟ أعتقد أن المناخ السياسي العام في المغرب يتسم بعدة ظواهر يمكن تلخيصها أساسا في هيمنة السلطات الأمنية، واستعادة وزارة الداخلية لهيبة أم الوزارات، ضعف الأحزاب السياسية والنقابات واقتصار دورها على الاستفادة من الامتيازات والتعويضات وتجاهل المطالب الشعبية، هشاشة الطبقات الشعبية والفقر وعدم تكافؤ الفرص، ثم وجود مجتمع مدني نشيط، لكنه غير مدعم ولا يجد محاورا مؤسساتيا، وأخيرا تطور وانتشار وسائل الاتصال العصرية ووعي المواطنين في ما يجري في العالم. يذهب البعض أن المغرب تأثر، أيضا، بالمد التراجعي في حقوق الإنسان نتيجة الاحتباس الديمقراطي الذي يتسم بعودة السلطوية إلى العالم، إلى أي حد هذا الفهم صحيح؟ لاحظت في السنوات الأخيرة تراجعا في احترام حقوق الإنسان في كثير من البلدان، حيث أصبح العنف هو سيد الموقف، واعتبار المدافعين عن حقوق الإنسان خصوما، والتضييق على حرية التعبير والرأي وخلق تهم واهية للتخويف والترهيب، كما ازدادت الفوارق الاجتماعية والطبقية.. إضافة إلى هشاشة الاقتصاد الوطني وفشل النموذج التنموي الذي برز بقوة أثناء تفشي وباء كورونا، والذي جعل أغلب المغاربة يعيشون الفقر والخوف وهيمنة القمع عوض الحوار. في السياق عينه، هل يستقيم تفسير التراجع الحقوقي بالعامل الدولي ووجود ترامب في البيت الأبيض؟ من وجهة نظري وجود ترامب أو من يواليه، من شأنه أن يهدد منظومة العلاقات الدولية جميعها بما فيها السلم الدولي، غير أن المغرب ليس له وزن اقتصادي وسياسي ليؤثر في ذلك. تتقاطر تقارير المنظمات الحقوقية الدولية التي تنتقد وضعية حقوق الإنسان في المغرب، خاصة في الآونة الأخيرة، فيما المسؤولون لا ينكرون الاختلالات الموجودة، غير أنهم يبدون "استغرابهم" من طبيعة هذه الانتقادات ويشككون في مصادرها، هل يمكن بهذه الطريقة تعزيز فعلية الحقوق والحريات ببلدنا حقا؟ المتابعات المتوالية ضد الصحافيين والمدونين ونشطاء المجتمع المدني، وبصفة خاصة أحداث جرادة والحسيمة وما تبعها من أحكام قاسية، وأخيرا موقف الدولة من تقرير أمنيستي، يبرز تناقض الحكومة المغربية وسياستها الارتجالية، إذ شاهدنا تعبئة ثلاثة وزراء ووسائل الإعلام الرسمية في قضية لا تحتاج سوى إلى بيان حقيقة. على ذكر المنظمات الحقوقية الدولية، نستحضر موقف الحكومة من تقرير "أمنيستي" الأخير، ومقارنته مع موقفها من تقرير سنة 2014 الذي تحدث عن التعذيب، ألا تلاحظ أن الرد هذه المرة كان "انفعاليا جدا" عكس السنوات السابقة. ما الذي تغير في ست سنوات؟ ما أسجله هو أن موقف الدولة المغربية من تقرير أمنيستي كان انفعاليا ولا يليق بدولة تدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان، وذلك ما نفهمه، أيضا، من موقف الحكومة العدائي تجاه المنظمات الحقوقية، وطنيا ودوليا، وبذلك تصبح هي الخاسرة، لأن الرأي العام الدولي يعترف بمصداقية هذه المنظمات ويدعمها. في هذا السياق نستحضر توصيات الإنصاف والمصالحة التي تأخر المغرب في تنزيلها، خصوصا ما يتعلق بالحكامة الأمنية؟ هل يمكن القول أيضا إن تجربة الإنصاف والمصالحة وتوصياتها لم تحقق ما كان منتظرا منها؟ هيأة الإنصاف والمصالحة كانت منارة بعد سنوات الجمر والرصاص وقامت في حدود اختصاصها بجبر الضرر وتسوية عدد كبير من الملفات، لكن توصياتها لم تُفعل رغم قبولها من طرف الملك، وبذلك يبقى المجلس الوطني لحقوق الإنسان مسؤولا أمامنا عن متابعة تنفيذ باقي التوصيات. نتابع مؤخرا خفوت دور المجلس الوطني لحقوق الإنسان في لعب دور الوساطة لحل ملف "حراك الرّيف"، الذي دخلَ مرحلة جديدة من التّعاطي الرّسمي بعد حصول عدد من المعتقلين عن عفو ملكي، ما يمكن اعتباره توجها جديدا للدولة من أجل التخلص من هذا الملف الذي أرقها. ما السبب في نظرك؟ فيما ما يتعلق بحراك الريف طالبت المنظمات الحقوقية والرأي العام بإطلاق سراح كل المعتقلين، وفعلا ابتهجنا بالإفراج عن عدد منهم، ولتكتمل فرحتنا ندعو إلى الإفراج عن الباقي وعن جميع معتقلي الرأي، لكن مع الأسف مؤسسات الوساطة الرسمية وحتى الحزبية لا تقوم بهذا الدور المنوط بها في هذا الملف.