صدرت حديثًا رواية جديدة للكاتب والفاعل الحقوقي عبد السلام بوطيب، تحت عنوان "نفس الله"، وهي عمل أدبي يغوص في قضايا الهوية، الذاكرة، والعدالة الانتقالية بأسلوب سردي متفرد. وتدور أحداثُ هذه الروايةِ حول أحمد، المؤرِّخ والخبير في حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، الحامل للجنسية الهولندية، والذي فقد ذاكرته، وبالتالي هويته، في ظروف غامضة تثير العديد من التساؤلات. كما تسلط الرواية الضوء على قصة أخواته الأربع، وأجيال من نساء أخريات يعشن فى صمت مريب، يشبه ذلك الصمت الثقيل الذي يطغي على انتظارهن عودة عزيز غائب قسرا. يتكوَّنُ العملُ من فصولٍ مُرقَّمةٍ بالأرقامِ وأخرى بالحروف. تُشكِّلُ الفصولُ المُرقَّمةُ بالأرقامِ جوهرَ الرواية، التي كتبت كما يجب ان تكتب كل رواية تحكى عن الالم بتأفف، وقلب أبيض خال من البغض و الكراهية، و روح الانتقام، أن تكتب بجمال وحب. بينما تمثِّلُ تلك المرقَّمةُ بالحروفِ حواراتٍ هامشيَّةً جرتْ بيني وبينَ «جُلْجُلْ»، وهو كائنٌ هُلاميٌّ يعيش بيننا خرجَ لي من «مُنْجَدِ الطلَّابِ» بطبعتهِ العراقيّة، وذلك أثناءَ محاولتي وضعَ حبكةٍ روائيّة مشوِّقةٍ لهذا العمل. ومنذُ لحظةِ ظهورِهِ في مكتبي، أعلنَ لي أنَّ مهمَّتَهُ هي حمايةُ اللغةِ العربيَّةِ منِّي ومن زلّاتي اللغويَّة؛ أنا الأمازيغي البسيط الذي أغوته لغة آتية من الشرق على صهوة المعتقد . ورغمَ أنَّ هذه الحواراتِ لا ترتبطُ بمضمونِ الروايةِ مباشرةً، إلّا أنَّ جُلْجُلْ حاولَ مرارًا التدخُّلَ في بعضِ تفاصيلِها، خاصةً عندما علِمَ أنَّ الأمرَ يتعلَّقُ بأربعِ نساءٍ، في محاولةٍ منهُ للحفاظِ على مصائرِهِنَّ وفقَ رؤًى فكريَّةٍ ما تزالُ تُثيرُ الجدلَ في محيطِنا. في مواجهةِ ذلك، كنتُ أضطرُّ أحيانًا إلى صدِّهِ برفقٍ ولباقةٍ، وأحيانًا أُخرى بشيءٍ من الحزمِ كي أُبيِّنَ له أنَّ الأدبَ، بما في ذلك المكتوبُ باللغة العربيَّةِ، وُجِدَ لذاته، ولذاته . ولن أكشفَ سرًّا إنْ قلتُ إنَّ هذه الروايةَ تأثَّرتْ، بهذا القدرِ أو ذاك، بحضورِ جُلْجُلْ؛ إذ ما كانت لتُصبِحَ على الصورةِ التي بينَ أيديكم لولا تلك الحواراتُ الهامشيَّةُ التي أضفَت عليها طابعًا فريدًا، بالرغم من أن هذه الحوارات أثقلت الرواية قليلا.