3 علم الصوت: بداية وقبل الخوض في هذا الموضوع يستلزم أُن أبين أن الصوت هو الجهة الوحيدة التي تولد مع اللغة, وهي ألصق بها من غيرها، من نحو وصرف ومعجم ودلالة , فإنك قد تنطق وتلفظ, بدون تطبيق لقواعد النحو أوالصرف أو الدلالة أو دقة كلمة المعجم , ويمكن تغييب المعنى للعبارة اللغوية , لكن يستحيل أن تلفظ كلمة بدون صوت يجلجل وقع الحروف ,أو يمكن تخيل كلام يغيب فيه الصوت, بل وحتى لغة الإشارة بمختلف أنواعها لايمكن أن تقرأ وتفهم إلا بتمثل وقع أصواتها في قتنيات الجهاز العصبي والسمعي البصري , فالكلام مستحيل بدون أصوات أو تمثلات أصوات لذلك فدراسة الصوتيات " لاتضم مكونات الموجات الصوتية وأنماطها فحسب بل تشمل أيضا الطرق والوسائل التي تستخدم في توليد الموجات الصوتية في المجرى الصوتي للإنسان ( الصوتيات النطقية), بينما تهتم (الصوتيات الفزيولوجية) التي تتميز أحيانا عن الصوتيات النطقية بالآليات العصبية والعضلية في الكلام حصرا " ((8)) والصوت في وظيفته التطبيقية إما صامتا أو صائتا , وما هو صائت قد يصبح صامتا أحياتا , لكن الحروف الصامتة لايمكن أن تكون صائتة , فلنأخذ مثلا كلمة " يوسيد" بمعنى "جاء" أو أتى بالعربية , فالحرف الأول في هذه الكلمة وهو " ي" هو صامت في بداية الكلمة ولكنه صائط في وسطها " فالصامت صوت يصحبه أي تطبيق أو إعاقة بين أعضاء النطق الواقعة فوق الحنجرة ......... " (9) فكل من الصوتين الصامت والصائت له رموزه وحروفه , فالحروف الصامتة هي أكثر عددا من الحروف الصائتة التي هي : ( ا و ي ) وهذه الحروف الثلاث أساسية في تعديل صوت الحروف الساكنة مثل ( ب س د ح ج ..........إلخ) ,فكل حرف ساكن قد يحمل عدة أصوات , فالحرف الواحد يكون مرة منصوبا وبصوت معين يختلف عن كونه مجرورا أو مرفوعا , وهذا ينسحب على جميع الأصوات اللغوية على المستوى العالمي . وفي اللغة الأمازيغية نجد فرادة وتميزا لهذه الأصوات , فالحرف الواحد يقرأ صامتا أحيانا وصائتا أحيان أخرى, مع تغيير في الصوت , من داخل لهجة أمازيغية واحدة , وإما في لهجتين مختلفتين , فلننظر ,مثلا, في عبارة " أرياز" = الرجل , تحول داخل لهجة واحدة , وبين منطقتين متقاربتين جدا نقرأ " أركاز " وحرف الكاف يقرأ " جيما مدغمة بالكاف " , وهذا الصوت نجده في اللغات الأوروبية , ولا يوجد صوت منه في اللغة العربية , وأحيانا نجد صوت الكاف تقرأ "تش " أو" ك" مع تحويل الحرف من صوته الصامت إلى شبه صائت , بحيث يصدر صوتا شبيها بالخاء عند الضغط عليه ,وهذه الصور الصوتية التي يلبس فيها الحرف في الأمازيغية لباس حرف آخر , وضعت لها رموز خاصة فلحرف "ز" حرفان ينوبان عن صوتين : صوت يفخمه وآخر يرققه , ونفس الشيء يقال عن "ج" مرة يقرا "ج " وأخرى يقرأ " دج " . إن هذه الاختلافات الصوتية من منطقة لأخرى تلاحظ أكثر عندما يقرأ الأمازيغي نصا ليس من لغته , , القرآن لكريم مثلا , حيث تقرأ آية " قل ياأيها الكافرون " ب " كل يايها التشافرون " بإدغام التاء في الشين , فلو استمعنا إلى أعجمي تعلم العربية لا يفهم منه إلا كلمة " ياأيها " , ولاتعتبر ( حسب القوانين الفقهية التي تجعل الصوت العربي فرضا في قراءة القرآن) صلاة هؤلاء صحيحة , ولكننا نحمده تعالى لكونه ينظر إلى القلوب والنيات, ولا ينظر إلى العصبية واللغات . إن الحروف الأمازيغة وأصواتها بفرادتها تلك تجعل من اللغة الأمازيغية وعاء حاويا لحميع اصوات لغات العالم , ولا نجد صوتا ما عبر العالم إلا ونجد له مثيلا في اللغة الأمازيغية : صوتا ولكنة ونغمة ,وكأن اللغة الأمازية أم جميع اللغات , وهذا إن دل على شيء ,إنما يدل على أن جسد الخريطة الأمازيغية . سكنته أرواح متعددة , أرواح بعضها خير , والبعض الآخر منها شرير , قلقد استقبلت الأرض الأمازيغية أجناسا مختلفة (مثلا : القوط الوندال الرومان الفينيقيين العرب الفرنسيين الإسبان ..........) بالإضافة إلى انفتاح الأمازيغ على العالم عن طريق الهجرة ووسائل الإعلام والمعلوميات , مما أدى ليس إثراء أصواتها فحسب , بل ساهم في وجود معجم جديد أزدادت به اللغة الأمازيغية مرونة . 4 علم المعجم : لا تجد في في علوم اللغة بابا مرنا وهلاميا أكثر من المعجم فإذا كان الصرف والنحو والصوت لاتقبل تغييرا في أصلها أو فصلها , أو تقبل تغييرا في نظام التركيب الداخلي لقواعدها . كأن ترفع المفعول , مثلا , في اللغة العربية أو نظام وزن تفعلة ما أو تغير مخرج حرف من حروفها , إلا وأحسست أنك قد قلبت مفهوم العبالرة الملفوظ بها , ووجدت نفسك قد غيبت المقصود في دلالته . إلا أن المعجم يسمح للكلمة بالإنسياب والذوبان في لغة أخرى, ويجري عليه نفس ما يجري على اللألفاظ الأصلية ' فاللفظ إذادخل لغة ما وألفته اللآذان , ونطقت به الألسن صار من اللغة الأصلية , وأحسن مثال أسوقه هنا , هو وجود كلمات فارسية في القرآن الكريم , ووجود كلمات يونانية في جميع اللغات اأوروبية . وهذا النظام العام للمعجم يجري أيضا على معجم اللغة الأمازيغية . إلا أنه قد لوحظ أن البعض يحاول صناعة مفردات وألفاظ للغة الأمازيغة وراء الكواليس , بحيث إذا وجدوا أن كلمة ما في أمازيغية منطقة ما يرجع أصلها إلى لغة ليس أمازيغية فقدوا توازنهم وأعدوا للسفر إلى بلاد أمازيغية أخرى للبحث عن بديل عن الكلمة المعنية , وذلك في اماكن قد تكون ليست أمازيغية :(مالية زيمبابوية أو من لغة جماعة الماوماو في مجاهيل إفريقيا .........) ظنا منهم أنهم يحسنون صنعا باللغة الأمازيغية ,ناسين أو متناسين أنهم يصنعون منها لغة منغلقة لا تقبل التطور , ولا مسايرة للتنمية البشرية التي تفتح أذرعها لكل الألفاظ الأدبية والعلمية والإعلامية والمعلوماتية بل وحتى لغة طقوس الأنشطة المختلفة ومنها الدينية . حالا , يعتبر معجم اللغة الأمازيغية إذا تم إبقاؤه على حاله يعتبر ثريا , ففيه تجد مفردات جميع الشعوب التي عاشت غلى الخريطة الأمازيغية , وكذا التي تم الانفتاح عنها من طرف الإنسان الأمازيغي . وفي مجزوءة تكوين المكونين لتدريس اللغة الأمازيغية في المغرب (= مجزوءة اللغة ) نجد شئا إسمه " الأسماء المقترضة " , وما فهمته , أن هذه العبارة تعني الدلالة على أسماء ليست من أصل اللغة الأمازيغية , وفي هذا الباب نجد مايلي : " يصاغ الجمع في الأسماء المقترضة ,المدمجة مثل الأسماء الأمازيغية . في حين تحتفظ الأسماء غير المدمجة بجمعها الأصلي أو تضاف إليه الصرفية ..........ورقة / توريقت أوراق/تيوريقين ممرض /أفرملي ممرضون/ إفرملين أكلة خفيفة / أبوقاديو أكلات خفيفة / إبوقاديوثن الدم / إذامن " (10), والملاحظ هنا , أن الكلمات المقترضة هي كلمات إما عربية (ورقة/توريقت) أو فرنسية (ممرضون / إفرملين ) أو إسبانية (أكلة خفية / بوقاديو ) ....... هي عبارات تعتبر أمازيغية مع أن أصلها غير أمازيغي , وهذا ما يعتبر مقبولا في قانون المعجم . إن الكلمة إذا عرف مدلولها أمازيغيا وتحدث بها الناس الأمازيغ , فهي أمازيغية , وهي أيضا دال على مدلول أمازيغي , وتشرك في بناء دلالة االعبارات والكلمات العادية والخطابية ولغة الفن بمختلف أنواعه ,وكذا لغة الأدب والشعر . 5 علم الدلالة : إن الجهود التي يبذله الباحثون اللغويون , وكذا الجهود التي يبذلها من يتعلم لغة ما , كلها تصب في الحصول على دلالة واضحة لمعاني الكلمات , وهى نفس الجهود والإهتمامات التي صاحبت تطور اللغة منذ نشأتها , ويرى منقوع عبد الجليل في كلامه الآتي" لقد استقطبت اللغة إهتمام المفكرين منذ أمد بعيد , لأن عليها مدار حياة مجتمعاتهم الفكرية , والاجتماعية , وبها قوام فهم كتبهم المقدسة , كما كان شأن الهنود قديما , حيث كان كتابهم الديني (الفيد) منبع الدراسات اللغوية والألسنية على الخصوص التى قامت حوله ,ومن ثم عدت اللسانيات الإطار العام الذي اتخذت فيه اللغة مادة الدراسة والبحث "(11), وبهذا انضاف إلى جهود فهم الدلالة جهود أخرى تخص البحث في معاني الكتب المقدسة , وينضاف إلى ما أورده منقوع عبد لجليل اهتمام المسلمين باللغة العربية كونها لغة القرآن , وفي تقديري, فإن الاهتمام بالدلالة اللغوية قديم قدم البحث عن الطعام , فالأصل في البحث الدلالي كان منصبا قبل كل شيء على تحليل الإشارة التي يصدرها الفرد البشري , والتي تطورت في عصرنا إلى تحليل إشارات الحيوانات , لأن الأصل في التواصل كان من أجل إشباع الغرائز الحيوانية عند الإنسان قبل الإهتمام بالمسألة الروحية المتمثلة في الدين . وما اختلاف الباحثين حول علاقة الإسم بالمسمى : أهي طبيعية أو دينية أو إعتباطية إلا لدليل على على أنه " يوجد علاقة ضرورية بين اللفظ والمعنى شبيهة بالعلاقة اللزومية بين النارولدخان " (12) وما يقال في موضع الدلالة في لغات العالم يقال أيضا عن الدلالة في اللغة الأمازيغية , فكل لفظ (=دال ) له معنى واحد ووحيد (=مدلول) , ولكل كلمة أصلها له معنى واحد ووحيد , فلا تشترك كلمتان في معنى واحد إلا بالقرينة أو المجاز أو إقحامها في السياق الذي منه تأخذ المعنى المقصود . ونجد فرادة في اللغة الأمازيغة هي أن الكلمة في هذه اللغة قد تحمل معنى غير أصلي بالقرينة أو المجاز , أو الإقحام السياقي في مثل إعطاء كلمة الوقوف معان أخر ك"لقيام "او "النهوض", ونجد ما ليس كذلك في اللغة الأمازيغية حيث نجد مدلولا واحدا له عدة دالات , وأحيانا في مكان واحد أومختلف , فالولد ك"مدلول " نجد له عدة دالات , مثلا : أحرموش = الولد يطلق عليه أيضا " آبا " وعند الجمع تجمع على " إحرموشن " و " اروشون " أو " أرواغش " والمقصود بهذه المدلولات دال واحد وهو " الطفل أو الأطفال بالجمع " . وسبب هذه الفرادة هو كون اللغة الأمازيغية لا تزال خاضعة للتشتت الجغرافي , ولم يتم توحيد قاموسها لبلورة لغة واحدة فصيحة , كما حدث في تطورات لغة أخرى كالعربية والفرنسة والأنجليزية........., هذا من جهة , ومن جهة أخرى سببه تعرض الجغرافيا الأمازيغية لمختلف التيارات اللسانية كما أسلفت في باب المعجم . وهكذا , فاللغة الأمازيغية هي لغة كباقي لغات العالم وتميزاتها وفرادتها أحيانا, لايدل على نقص فيها أكثر مما يدل على ليونتها , فكما يعيش سكان جغرافيتها مع كل من اندمج في طبيعها , تعيش اللغة الأمازيغة كذلك مع أية لغة تدخل, تقبلها وتستوعبها وتستبطنها, . أما كاتب هذا المقال , فهده هو إثارة حوار حول مشهد "الوصفية في اللغة الأمازيغية ", فالفضل يرجع لمؤلفي الكتب , اما من يثير حوار حو مقاربة مشهد فكري أو معرفي فيكفيه أن ينجو من اللوم . مرزوق الحقوني الهوامش ((8)) م . ك . س . مكمهون / موقع : بيدي فكتوري . (9)نفس المرجع (10) مجزوءة تكوين المكونين / المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية /ً ص 18 (11)منقوع عبد الجليل / علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي دراسة / ص 17 من النت . (12) د . أحمد مختار عمر / علم الدلالة /ص 19 ,تم أخذه من المرجع السابق ص18