جدل حاد تثيره وفاة مرضى بالمستشفى الإقليمي بابن جرير خلال الفترة الأخيرة، فقد لفظ شخص أنفاسه الأخيرة، صباح الثلاثاء المنصرم، وهو يجري فحصا بالماسح الضوئي للقفص الصدري (Scanner thoracique)، بعدما ظل ينتظر في قسم المستعجلات لأكثر من 12 ساعة متواصلة، إذ تم نقل المريض “ع.ك”، القاطن بحي “إفريقيا” والبالغ من العمر حوالي 60 سنة، إلى المستشفى، مساء الاثنين الماضي، على إثر معاناته من ضيق حاد في التنفس، قبل أن يتوفى ويتم إيداعه جثته مستودع الأموات، تزامنا مع الحوار الصحافي الذي كان يجريه، وقتها، مدير المستشفى مع وكالة المغرب العربي للأنباء، والذي تحدث فيه عن جودة الخدمات الصحية المقدمة بالمستشفى نفسه. ولم تكد تمر سوى ساعات قليلة حتى توفي مواطن آخر من ابن جرير، يسمى “ف.ف”، يبلغ حوالي 45 سنة، بقسم الإنعاش بمستشفى “ابن طفيل” بمراكش، زوال الأربعاء الماضي، ساعات قليلة بعد نقله إليه من مستشفى ابن جرير، وقد كان هذا الشخص يعاني من إسهال حاد وغثيان وقيء وآلام في البطن، لتنقله عائلته إلى قسم المستعجلات بالمستشفى الإقليمي بعاصمة الرحامنة، في حدود السادسة من مساء الاثنين الفارط، واستنادا إلى مصادر مطلعة، فقد ظل هذا المريض، الذي يعاني أصلا من القصور الكلوي ويجري حصتين لتصفية الدم أسبوعيا، (ظل) بدون أي تدخل طبي، بسبب غياب طبيبة الإنعاش والتخدير بالمستشفى المذكور، التي تم تبرير تغيبها بأن مدير المستشفى ألحقها للعمل في اللجنة الطبية المحلية ل”كوفيد-19″، بل إن المصادر نفسها أكدت أنها وجدت المريض ملقى بأرضية القسم، حوالي الساعة الثامنة من صباح اليوم الموالي، وهو يئن من الألم، قبل أن ينتقل إلى المستشفى بعض أفراد الطاقم الطبي والتمريضي العامل بمركز تصفية الدم، ويطلبوا من زملائهم بالمستشفى الإقليمي إجراء التحاليل الطبية للمريض لتخوفهم من احتمال إصابته بنوبة قلبية، غير أن المفاجأة كانت صادمة، فقد تبين بأن مستشفى “المدينة الفوسفاطية” لا يتوفر على إمكانية إجراء هذه النوعية من التحليلات الطبية، ليضطر طاقم مركز تصفية الدم إلى إجرائها على نفقة المركز بمختبر خاص بالمدينة. وبعد أكثر من 16 ساعة قضاها وهو يعاني من الآلام الحادة، التحقت الطبيبة المختصة في الإنعاش بالمستشفى، في حدود الساعة الثانية من بعد زوال الثلاثاء الفائت، محاولة إنقاذ المريض، غير أن عدم توفر المستشفى على قسم الإنعاش حتّم الاتصال بمراكش طلبا للمساعدة من أجل نقله إلى أحد مستشفيات المركز الاستشفائي الجامعي “محمد السادس”، الذين طلب مسؤولوه مهلة لعدم شغور أي سرير وقتئذ، قبل أن يوافقوا على الطلب ويُنقل المريض إلى مراكش، حوالي الساعة السادسة من مساء اليوم ذاته. وحسب مصادرنا، فقد سبق للشخص المتوفى أن عانى من الأعراض نفسها وتم نقله، الأسبوع المنصرم، إلى مستشفى “الرازي” بمراكش، حيث أجري له الكشف المخبري الخاص ب”كوفيد-19″، قبل أن تؤكد التحليلات الطبية، لاحقا، بأنه غير حامل للفيروس. وفيات الأمهات لم تكن أقل إثارة للجدل بمستشفى ابن جرير، فقد توفيت امرأة تسمى “ف.م”، من مواليد 10 يناير من 1989، تنحدر من دوار “القبة” بجماعة “سيدي منصور”، بإقليم الرحامنة، بعد إجرائها لعملية قيصرية، بتاريخ السبت 15 فبراير المنصرم، والتي أجريت لها في غياب الطبيبة المختصة في الإنعاش والتخدير، إذ تكلفت ممرضة بعملية تخدير كلي للأم بموافقة من مدير المستشفى، الذي يشغل في الوقت نفسه منصب المندوب الإقليمي لوزارة الصحة بالرحامنة، فقد اتصلت به الممرضة هاتفيا، لأنه لم يكن ساعتها متواجدا بالمدينة، و أذِنَ لها بذلك على ضمانته، قبل أن يتخذ هذا التدخل الجراحي منحى مأساويا، فما إن شرع الطبيب الصيني المختص في أمراض النساء والولادة، الذي أجرى العملية، و التابع للبعثة الطبية الصينية العاملة بالمستشفى عينه، (ما إن شرع) في إخراج الجنين، حتى تدهورت الحالة الصحية للأم، ليُجرى تدليك لإنعاش قلبها المتوقف عن النبض، ويتم استنفار الفريق الطبي الصيني، الذي حلّ جميع أعضائه بالمستشفى، وفيما وُلد الجنين حيا، باءت جميع محاولات إنقاذ الأم بالفشل. ولكن الإثارة لم تنته عند هذا الحد، فقد أكدت مصادرنا بأنه تم نقل الأم على متن سيارة إسعاف إلى مستشفى الأم والطفل بمراكش، لينتهي الأمر بتسجيلها على أنها حالة وفاة خارج ابن جرير. ولم تكد تمر سوى أقل من شهرين حتى توفيت أمٌّ أخرى بالرحامنة، تنحدر من جماعة “أولاد حسون حمري”، بعد مرور 12 يوما على إجرائها لعملية ولادة قيصرية بالمستشفى نفسه، بعدما عانت من مضاعفات التدخل الجراحي الذي خضعت له بتاريخ 5 أبريل الفائت. ولفتت المصادر نفسها إلى أن السلطات الإقليمية والمحلية كانت على علم بحيثيات وفاة الأم المنحدرة من جماعة “سيدي منصور”، مضيفة أن الحادث أصابها بإحراج كبير، خاصة وأن عامل الإقليم، عزيز بوينيان، سبق له أن أمر بالفتح الفوري لجناح الجراحة، على إثر زيارة ميدانية قام بها إلى المستشفى حوالي الساعة الخامسة من مساء الخميس 13 يونيو من السنة المنصرمة، لتُجرى ثلاث عمليات ولادة قيصرية، مساء اليوم نفسه، بدون حضور طبيبة الإنعاش، وقد سبق “الأمر العاملي” نقاش حاد دخل فيه العامل مع المندوب الإقليمي السابق لوزارة الصحة، عادل آيت حدو، إذ عبّر المسؤول الأول عن الإدارة الترابية بالإقليم عن غضبه من الإحالة المستمرة للمرضى على مراكش، الذين يلفظ بعضهم أنفاسهم وهم في الطريق إليه، أو بمجرد وصولهم إليه، في الوقت الذي تحفّظ فيه المندوب عن إجراء العمليات في غياب الطبيبة المختصة في الإنعاش، وقد انتهى الخلاف بتلبية وزير الصحة السابق لطلب العامل بإعفاء المندوب السابق، الذي لم يكن مضى على تعيينه آنذاك سوى 8 أشهر في هذا المنصب، الذي تعاقب عليه خمسة مندوبين في أقل من سنتين ونصف السنة. وقد أثار تدخل العامل ردود أفعال متباينة داخل القطاع الصحي بالإقليم، فبينما أشاد به بعض العاملين، نظم آخرون وقفة احتجاجية بالمستشفى الإقليمي، صباح الجمعة 14 يونيو الفائت، بدعوة من الفرع المحلي للنقابة التابعة للفيدرالية الديمقراطية للشغل، أشاروا فيها إلى أن العامل فرض على ممرضة رئيسية مختصة في التخدير الإشراف على ثلاث عمليات جراحية، وهو ما اعتبروه “غير قانوني” في غياب الطبيبة المختصة، معتبرين بأنه كان حريا بالعامل، قبل إعطاء تعليماته بإجراء العمليات الجراحية في ابن جرير، الوقوف على تدبير أمثل للموارد البشرية بالمستشفى، وتوفير التجهيزات ووسائل العمل به، وتساءلوا عن السر الكامن وراء إلقاء العامل بوزر كل ما يعانيه المستشفى من “اختلالات مفترضة” بملعب المندوب السابق لوحده، وعدم تحميل ولو جزء من المسؤولية للمدير السابق للمستشفى. وإذا كان العامل برّر طلب إعفاء المندوب السابق ب “اختلالات”، من قبيل “سوء تدبيره للموارد البشرية العاملة بالمستشفى”، فإن مصادرنا تؤكد بأن هذه “الاختلالات” لا تزال قائمة حتى الآن، موضحة بأن العديد من الأطباء يتقدمون بشواهد أو ملفات طبية لتبرير تغيبهم عن العمل في عز أزمة “كورونا”، مستدلين على ذلك بحالة طبيبة مختصة في أمراض النساء والولادة تقدمت بشهادتين طبيتين مدة كل واحدة منهما شهرا كاملا، وحالة طبيبة مختصة في أمراض الكلي، تتولى إدارة مركز تصفية الدم بالمدينة، وتقطن بالرباط، والتي، وبعدما كانت لا تحضر إلى مقر عملها سوى مرّتين أسبوعيا، خلال الأيام العادية، تقدمت، مؤخرا، بملف طبي لتبرير غيابها التام، ملقية بمهامها المهنية على عاتق طبيبة عامة، وإذا كان الاحتجاج ضد سياسة الكيل بمكاييل مختلفة وغضّ الطرف عن الموظفين الأشباح، قد اتخذ أشكالا حادة، أحيانا، كحالة طبيبة أقدمت، مؤخرا، على محاولة انتحار بسبب رفض الترخيص لها بعطلة من أسبوع، وهي في الأسبوع ال 23 من الحمل، فإن معظم الطاقم الطبي والتمريضي يعاني في صمت، في ظل عدم توفر أبسط وسائل العمل وتهالك التجهيزات، إذ يضطر بعضهم إلى استعمال هواتفهم في عمليات الفحص الطبي بسبب عدم توفر المصابيح الكاشفة، ويقضي آخرون حاجتهم الطبيعية في مراحيض غير صالحة للاستعمال… وبعدما رفض المندوب الإقليمي الرد على اتصالاتنا لإبداء وجهة نظره، اتصلت “أخبار اليوم” بالمديرة الجهوية للصحة بمراكش، التي طلبت إطلاعها على أسماء الوفيات المذكورة ومعطيات عن ظروف وفاتها، قبل أن توضح، لاحقا، أنها طلبت من مندوب الرحامنة موافاتها بتقرير في الموضوع.