هيبدو أن الحكومة والمقاولات الاقتصادية المغربية ضاقت ذرعا بالتجارة غير المهيكلة، المعروفة اختصارا بالتهريبالمعيشي، من مدينة سبتةالمحتلة إلى الداخل المغربي، إذ أن التنزيل التدرجي للقرار غير المعلن بالقضاء على التهريبالمعيشي، أصبح مسألة وقت فقط، نظرا إلى الأحداث المأسوية التي شهدها معبر سبتة الأول أو الثاني في السنواتالأخيرة، على رأسها سقوط قتلى بين الحمالين والحمالات، إلى جانب المشاهد والصور القريبة إلى الاستعباد التيتنقلها الصحافة والتقارير الدولية عن عملية دخول وخروج الحمالين من سبتة. لكن، في الوقت الذي رحبت فيه المقاولات المغربية بإجراء تقليص عدد الحمالين والسلع المهربة؛ تسود حالة من الهلعوالاستنفار وسط كبار التجار الإسبان والمسؤولين الحكوميين بسبتة، نظرا إلى اعتماد خزينة المدينةالمحتلة بشكلكبير على التهريب والأنشطة المواكبة له. هذه المخاوف ازدادت لدى الإسبان بعد إغلاق السلطات المغربية لأسبابأمنية، يوم 9 أكتوبر الجاري، معبر باب سبتة الثاني المخصص للحمالين، إلى أجل غير مسمى، إذ كان يعتقدالحمالون والمقاولون الإسبان في البادية أن عملية الإغلاق ستمتد لأسبوع فقط، أي إلى غاية يوم الاثنين الماضي، لكنظهر أن عملية الإغلاق ستستمر، ويراهن هؤلاء على فتحه يوم الاثنين المقبل، تفاديا للمزيد من الخسائر، وفق ماكشفته مصادر إسبانية ومغربية ل” أخبار اليوم“. ومن أجل تباحث مصير التهريب المعيشي، من المنتظر أن ينعقد لقاء في الساعات المقبلة بين السلطات المغربيةومندوبية الحكومة الإسبانية بسبتة بهدف إعادة نشاط التهريب المعيشي إلى معبر باب سبتة الثاني، وفق حكومةسبتة. وعللت هذه الأخيرة إغلاق المعبر، منذ يوم الأربعاء 9 من الشهر الجاري بضمان “الأمن في جميع ممراتالتهريب المعيشي“. وتعول حكومة سبتة على فتح المعبر المخصص للتهريب المعيشي يوم الاثنين. إقرار الإسبان بأن المغرب يتجه بشكل تدريجي إلى التخلص من التهريب المعيشي جاء بعد تأكيد المدير الإقليميللجمارك المغربية، حميد حسني، من داخل مقر غرفة التجارة والصناعة والخدمات بجهة طنجةتطوانالحسيمة، قبل10 أيام، أن عدد ممتهني التهريب المعيشي بين سبتة والداخل المغربي تراجع من 30 ألفا إلى 8 آلاف ممتهن ما بين2018 و2019. كما أشار إلى أن الحمالين لم يعودوا يحصون بالآلاف بل لا يتجاوز العدد اليوم 4000 حمالو4000 حمالة. وتابع المسؤول المغربي أن تقليص التهريب المعيشي “يستجيب لتطلعات المقاولات المغربية“، كمايسمح برصد ومراقبة تحركات المسافرين والسلع والسيارات في المعابر الحدودية، إلى جانب المساهمة في مراقبةالأنشطة التجارية لتجنب غير القانونية. ويعتقد الإسبان، كذلك، أن القضاء على التهريب المعيشي ليس مطلبا حكوميا مغربيا فقط، بل حتى الجمعويونوالحقوقيون يطالبون، أيضا، بإغلاق باب سبتة الثاني، ما يعبد الطريق للقضاء عليه نهائيا. ويرون في الدعوة التيأطلقها مرصد الشمال لحقوق الإنسان عبر هاشتاغ “أغلقوا معبر الموت.. الحق في الحياة والكرامة والتنمية” محاولةللضغط على الجهات المعنية لإغلاق المعبر وتهديدا للنشاط الاقتصادي بسبتة. من جهتها، يؤكد مرصد الشماللحقوق الإنسان على ضرورة إغلاق المعبر نظرا إلى ارتفاع حالات موت العديد من ممتهني وممتهنات التهريب، علاوةعلى “مآسي إنسانية أخرى من قبل المبيت في العراء والتعرض لشتى أنواع العنف النفسي والجسدي والرمزي… مقابل مبالغ هزلية، في حين تجني الحيتان الكبرى من كبار المهربين بتواطؤ من بعض المسؤولين الملايير سنويا“. محمد بنعيسي، رئيس نرصد الشمال لحقوق الإنسان، كشف ل“أخبار اليوم” أن التهريب المعيشي “قنبلة قابلةلانفجار وجب نزعها، وعلى الدولة طرح بدائل“، لأنه لا ينقل مشاهد مأسوية فقط، بل “يشكل تهديدا على صحةالمواطن، إذ هناك مواد غذائية منتهية الصلاحية“. ويخلص محمد بنعيسى إلى أن التهريب يضر أكثر بالاقتصاد المغربي، بحيث تخرج 500 مليون دولار تقريبا سنويامن المعبر إلى سبتة. وأكثر من ذلك ” وعلى عكس ما يعتقد الكثيرون، لا يشكل المعبر نسبة كبيرة في الديناميةالاقتصادية للمنطقة. والتهريب في الحقيقية ليس موردا معمما، بل تستفيد منه قلة قليلة ومعينة“. ويطرح المرصد كبديل للتهريب المعيشي خلق “تنمية حقيقية بالمنطقة، رافعتها تتمثل في الاستفادة مما تدره المشاريعالعملاقة من أرباح وعلى رأسها ميناء طنجة المتوسط، والمؤسسات الاقتصادية الأخرى التي لا تستفيد منها الساكنةسوى نزع ملكية أراضيها مقابل دراهم معدودة. والدفع بالقطاع السياحي على طول السنة باستثمار مؤهلاتالمنطقة الجغرافية، التاريخية، الثقافية الجيواستراتيجية…”.