بعدما وضعت الحرب البرية والجوية ضد التنظيم الإرهابي “داعش” أوزارها، بسقوط بلدة الباغوز، آخر معاقل التنظيم في شرق سوريا، نهاية الشهر المنصرم؛ بدأ يخرج إلى العلن، حجم مخلفات مآسي أكثر من 900 مغربي التحقوا بالتنظيم بعد إعلان ما يسمى “الدولة الإسلامية” في يونيو 2014؛ وهي المآسي التي يصعب أن تندمل جراحها على المدى القريب والمتوسط، مادام الأمر يتعلق بأطفال مغاربة فقدوا آباءهم وأمهاتهم، وأرامل فقدن أزواجهن في كنف “داعش”، أو أسر بالمغرب فقدت أبناءها من الذين التحقوا بالتنظيم. في المقابل، تُسابق الاستخبارات العالمية والمغربية الزمن لمعرفة مصير المقاتلين الناجين من معركة “الباغوز” أو العناصر الداعشية الخطيرة المعتقلة لدى قوات سوريا الديمقراطية (قسد)؛ هكذا برز في الساعات الماضية اسم الجهادي المغربي والرجل الثاني في كتيبة الأندلس، عمر الحرشي، بعد تأكيد اعتقاله من قبل “قسد”. في هذا الصدد، كشفت معطيات جديدة أن هناك أطفالا مغاربة يتامى في مخيم “الهول” في شرق محافظة “الحسكة” بسوريا، بعدما فقدوا آباءهم، لكن تبقى أكبر مأساة هي تلك المرتبطة بأربعة أطفال فقدوا والديهما في معارك التنظيم الإرهابي “داعش” بسوريا. جريدة “إلباييس” الإسبانية التي تمكنت صحفيتها ناتاليا سانتشا من التسلسل إلى المخيم، أكدت وجود أربعة أيتام مغاربة فقدوا والديهم، مبينة أن الأطفال الأربعة لم يجدوا من يعيلهم، لهذا تكلفت بهم “داعشية” إسبانية كانت متزوجة من مغربي، كانت مقربة من والدتهم. وأردف المصدر عينه أن مُعلي الأيتام الأربعة خرجا من إسبانيا إلى سوريا، ويرجح أنهما مهاجران في إسبانيا ولا يحملان جنسيتها. علاوة على الأيتام المغاربة الأربعة، يقبع في المخيم نفسه 11 طفلا مغربيا-إسبانيا آخرين؛ ثلاثة منهم من أبوين مغربيين، أصبحوا أيتاما بعد مقتل الأب في جبهات القتال؛ وأربعة من أب مغربي وأم إسبانية معتنقة للإسلام، أصبحوا يتامى بعد وفاة الأب؛ و4 آخرين من أب مغربي وأم إسبانية، يرجح أن والدهم هو عمر الحرشي المعتقل لدى قوات سوريا الديمقراطية، كما أن والدتهم الإسبانية حامل. هكذا يصل عدد الأطفال المغاربة-الإسبان الذين حصلت الصحافية الإسبانية على بياناتهم الشخصية حوالي 15 طفلا. في السياق نفسه، أماط المصدر ذاته اللثام عن مصير الجهادي المغربي عمر الحرشي، أحد أخطر الجهاديين المغاربة المبحوث عنهم من قبل المخابرات المغربية والعالمية، نظرا إلى الدور الرئيس في تجنيد الشباب المغاربة والأجانب للالتحاق بصفوف داعش، مبرزا أنه معتقل لدى “قسد” في مركز غير معروف بعدما سلم نفسه للعناصر الكردية قبل شهر، علما أن عمر الحرشي هو زوج الإسبانية يولندا مارتنيز (34 عاما)، المحتجزة، أيضا، لدى “قسد” في مخيم الهول، ولديهما أربعة أبناء. ويبدو أن ظهور عمر الحرشي استنفر الأجهزة الأمنية الإسبانية، إذ أسرت مصادر من جهاز مكافحة الإرهاب ل”إلباييس”، أن يولندا مارتنيز ولدت في حي سلمنكا بمدريد، حيث درست وترعرعت، قبل أن تتزوج بالمغربي عمر الحرشي في سن ال22، والذي يحمل أيضا الجنسية الإسبانية. وأضاف أن يولندا اعتنقت الإسلام على يد الحرشي، وتطرفت، فيما بعد انتقلا إلى العيش في المغرب، قبل أن يسافرا في شهر ماي 2014 إلى سوريا. يولندا مارتنيز، التي لازالت تؤكد أن عمر الحرشي حي ومعتقل لدى الأكراد، أوضحت قائلة: “داعش منحتنا بيتا، كما وجدنا أنفسنا في وضع اقتصادي مستقر”، إذ حاولت الدفاع عن زوجها بالقول إنه لم يسبق أن شارك في معارك التنظيم، بل “كان يعمل في محكمة داعش”. وعادت لتؤكد أنها سلمت نفسها إلى جانب زوجها الحرشي والأطفال في فاتح مارس الماضي، أيام قبل سقوط الباغوز، إلى “قسد”. غير أن التحقيقات الأمنية والقضائية الإسبانية ترى عكس ما تدعي الزوجة يولندا مارتنيز، إذ سبق للمحكمة العليا الإسبانية سنة 2017 أن وزعت أكثر من 75 سنة على تسعة أفراد في ما يسمى “كتيبة الأندلس” بإسبانيا، والتي كانت مختصة في الاستقطاب وتجنيد الشباب لإرسالهم إلى سوريا للالتحاق بجماعات قريبة من تنظيم القاعدة. التحقيقات ذاتها توضح أن عمر الحرشي كان جزءا من “النواة العملية” للكتيبة، وربما الرجل الثاني فيها، وهي الكتيبة التي كانت تنشط منذ 2011 حتى تفكيكها في يونيو 2014. لكن يبدو أن عمر الحرشي انتبه قبل تفكيك الكتيبة إلى مطاردته من قبل الأمن الإسباني، إذ رغم متابعته إلى أنه لم يصدر في حقه أي حكم بعدما غادر إلى سوريا قبل شهر من تفكيك الخلية، أي في الشهر نفسه الذي أعلن فيه تأسيس ما يسمى “الدولة الإسلامية”. وتشير المعطيات الأولية أن عمر الحرشي بعد عودته من إسبانيا للاستقرار بالمغرب كان يتردد كثيرا على مدينة سبتةالمحتلة، والتي تعرف، كذلك، بأنها واحدة من بؤر التجنيد والاستقطاب لصالح الجماعات الإرهابية. وفي ماي 2014، قام بشراء تذاكر الرحلة (ذهابا وإيابا) إلى تركيا من المغرب، لكن لا يعرف إن سافر رفقة زوجته إلى تركيا مباشرة من المغرب أو سافرا إلى بلد أوروبي قبل أن يعرجا على اسطنبول. وعندما وصلا إلى مدينة اسطنبول تسللا في سيارة مع حلول الظلام إلى سوريا. وتشير تقارير إسبانية، أيضا، إلى أن عبدالباقي السطي، العقل المدبر لاعتداء برشلونة في غشت 2017، والذي شارك فيها 10 شبان مغاربة، التقى عمر الحرشي في فيينا (النمسا) سنة 2016، وكان حينها الأخير يعتبر واحدا من أخطر المُجنِّدِين في أوروبا. ويرجح أنهما التقيا في مطار “شويشات” في العاصمة النمساوية بين فبراير ومارس 2016، حيث كان السطي يرغب في توديعه قبل السفر إلى سوريا، لكن لا يعرف هل عاد إلى المغرب أم سافر من هناك رفقة زوجته إلى تركيا قبل التسلل إلى سوريا، لا سيما وأن زوجته أكدت أنهما اشتريا تذكرة السفر إلى تركيا من المغرب.