“الشيء الوحيد الذي نتمناه هو الخروج من هنا. لا يمكنهم محاكمتنا على القيام بالواجب المنزلي ورعاية أبنائنا في “الدولة الإسلامية””. هذا ما طالبت به الداعشية المغربية لبنى الميلودي- المحتجزة لدى قوات سوريا الديمقراطية في مخيم بلدة “الهول”، شرق محافظة الحسكة بالشمال الشرقي لسوريا-، السلطات الكردية والمغربية والإسبانية. المغربية لبنى الميلودي الحاملة، أيضا، للجنسية الإسبانية، هي واحدة من مئات الداعشيات المغربيات والأجنبيات اللواتي تمكن قبل شهر من مغادرة بلدة “الباغوز”، آخر المعاقل التي كان يسيطر عليها التنظيم قبل سقوطه في شرق سوريا. لبنى التي سافرت إلى سوريا بعد إعلان تأسيس ما سمي “دولة الخلافة” سنة 2014، تعيش اليوم في مخيم “الهول” إلى جانب 73 ألف محتجز ومعتقل، 92 في المائة منهم نساء وأطفال قاصرين، من بينهم مغاربة ومغربيات. عندما تقدمت جريدة “إلباييس” لاستجواب المغربية لبنى الميلودي البالغة من العمر 40 عاما بعد الحصول على موافقة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)؛ استبقتها لبنى المنحدرة من مدينة الرباط، كمن رأى خشبة وهو يغرق في أعماق البحر، قائلة: “أريد الخروج من هنا”. تحكي هذه الأم أن لها ثلاثة أبناء مع زوجها المغربي الذي قتل قبل سقوط داعش، مبرزة أنها مصدومة بعد ما عاشته خلال الأسابيع الأخيرة من قصف ومعارك في بلدة الباغوز، آخر بقعة أرضية كان يتحصن بها التنظيم قبل سقوطه قبل أيام. هذه المغربية (انظر الصورة أعلاه) اختلط عليها الحاضر بالماضي، تروي أنها لم تكن تفكر في الانضمام إلى داعش، بل تعرضت للخداع من زوجها المغربي، والحامل أيضا للجنسية الإسبانية. وعن مصير زوجها تقول: “قبل سنتين ونصف أخبروني أن زوجي قتل كاستشهادي، لكن، شخصيا، لم أر أي صورة له ميتا ولا ألقيت النظرة الأخيرة على جثته”، إذ تبدو كما لو أنها منزعجة من الغموض الذي يلف مقتل زوجها دفاعا عن داعش. وأكدت أن زوجها، الذي لم تكشف عن هويته ولا المدينة التي ينحدر منها، عَرضَ عليها سنة 2014 شد الرحال إلى تركيا، وهو العرض الذي جعلها تقفز فرحا، لأنها كانت معجبة بتركيا. وبعد الوصول إلى تركيا، أخبرها زوجها أنهما يتواجدان في بلاد “الدولة الإسلامية”، وهي نفس الحكاية تقريبا التي تحكيها جميع الجهاديات المغربيات من قبيل: “كنا نعتقد أننا في تركيا حتى وجدنا أنفسنا في داعش”. وهي الحكاية نفسها التي ترويها لبنى الميلودي قائلة: “لم أكن لأسافر طواعية، لأنني كنت أعرف من خلال التلفاز أن هناك حربا في سوريا”. وأضافت أنها التحقت بداعش في أول مرة بمدينة الرقة، عاصمة داعش في سوريا. “وصلنا إلى الرقة، بعدها أخذوا زوجي دون أن يخبروني بأي شيء، أما أنا وأطفالي فقد وضعونا في بيت للضيافة مخصصة لأقارب الجهاديين”. وأردفت: “بعد شهر من الانتظار، عاد زوجي وأخبرني أننا سنسافر إلى ضواحي حلب، حيث كان داعش حينها ينشط”. وبعد مقتل زوجها، تبرز أنها كانت تحاول الهروب من داعش، لهذا اتصلت بحماتها تطلب منها المساعدة، إذ شرحت قائلة: “طلبت منها أن تبعث لي ب20 ألف دولار (192964,00 درهم) لكي أدفعها لمهرب مقابل إخراجنا من داعش، لكنها لم تستجب للطلب”. لهذا كان يطلق عليها في السنوات الأخيرة “أرملة استشهادي داعشي”. ورغم ذلك، كانت خائفة من استغلالها جنسيا من قبل الرجال، لأنها تعيش لوحدها، لاسيما في بلدة الباغوز. كما تعترف أن داعش لم يُزوجها بمقاتل آخر بعد مقتل زوجها كما هو العرف في التنظيم. لم تكن متطرفة في الأصل، على حد قولها. كانت تعيش في مدريد وليست من اللواتي يحافظن على الصلوات في المسجد، كما أنه، رغم رؤيتها النور في كنف أسرة مغربية مسلمة، إلا أنها لم تضع النقاب إلى أن التحقت بداعش، حيث يُفرض الحجاب. كما أنه لازالت تضع الحجاب في المخيم، لأن التخلص منه قد يعرضها للضرب المبرح من قبل المتشددات الداعشيات اللواتي لازلن يتشبثن بفكر التنظيم رغم سقوطه. رحلة صيدلانية ومهندس معماري كانت في السابق تشتغل في صيدلية بمدريد، لكن قبل السفر إلى سوريا أخبرها زوجها أنه يرغب في الهجرة إلى موريتانيا من “أجل دراسة القرآن”. ويتضح من طريقة إجابتها عن الأسئلة أنها مصدومة ومشتتة الأفكار، بحيث تنتقل من موضوع إلى آخر، وفي بعض الأحيان، دون خيط رابط. إذ انتقلت للتأكيد على قائلة: “عائلتي والأمن الإسباني فوجئوا كثيرا بالتحاق زوجي بداعش، لأنه لم يكن ينقصه أي شيء بإسبانيا؛ كان لديه مال وعمل وأسرة. كان زوجي مهندسا معماريا”. هذه المغربية لازالت تحاول تبرئة زوجها المغربي رغم أنه قتل ولم يعد يواجه العقوبة السجنية، مؤكدة أن زوجها لم يشارك في معارك داعش، وبالنسبة لها هو “مجرد موظف كان يشغل منصبا إداريا في التنظيم”. لكن الشيء الذي تعلمه بعد غياب زوجها أنه لقي حتفه ك”استشهادي”. وعن الوضع الحالي في مخيم الهول، تقول: “كل شيء فظيع، سوريا وهذا المخيم… ليسا مكانا مناسبا للأطفال”. وتبين أن الأمل الوحيد هو أن تتمكن من الخروج من المخيم كما خرجت حية من جحيم بلدة “الباغوز”. وتابعت بتخبط: “أريد العودة”، دون أن تحدد هل إلى المغرب أم إسبانيا، كما عادت لتوجه النداء إلى حماتها من أجل مدها ببعض النقود لدفعها لأحد المهربين ليخرجها من سوريا، لكن شرودها منعها من إدراك أن المخيم محروس بالكامل من قبل قوات سوريا الديمقراطية، وأنه لا مفر خارج المفاوضات التي يمكن أن تتم بين الحكومة المغربية أو الإسبانية مع “قسد”. لكن كمن يريد التشبث بجذع وسط الأمواج، تقول قبل انتهاء الحوار: “عائلتي لا تعرف أي شيء، أقسم بالله. لا علم لها حتى بخبر زوجي.أريد الخروج من هنا!”.