كما كان منتظرا، قضت المحكمة الدستورية بعدم تجريد البرلماني التجمعي محمد بوهدود من منصبه، مستفيدا من السرعة القصوى التي بذلتها عدة أطراف من أجل إنقاذه من فقدان مقعده. القضاء أصدر حكما قضائيا نهائيا ضده بتهمة الفساد الانتخابي خلال انتخابات 2015، أيدته محكمة النقض في 27 شتنبر 2017، وكان يفترض أن يتم تجريده من منصبه البرلماني تطبيقا لحكم القضاء، لكن مرت شهور دون جدوى. لا أحد تحرك، لا رئاسة مجلس النواب أو النيابة العامة لمراسلة المحكمة الدستورية من أجل إعلان تجريده. ما حصل هو العكس لأن بوهدود حصل بسرعة على قرار ثاني من محكمة النقض في 4 دجنبر 2018 يقضي ب”إعادة النظر” في القضية وتم نقض وإبطال القرار الاستئنافي وإحالة القضية من جديد على المحكمة نفسها، أي أن محكمة النقض أصدرت قرارين مختلفين في الملف ذاته، وهو ما استندت عليه المحكمة الدستورية لرفض تجريده، وهي حالة قانونية نادرة لا يتم اللجوء إليها، إلا إذا ظهرت وقائع قوية جديدة في الملف.. فكيف وقع هذا التطور؟ حوالي سنة ونصف مرت على صدور الحكم النهائي ضد بوهدود، وفي 30 أكتوبر 2018، أثار عبداللطيف وهبي، برلماني الأصالة والمعاصرة، هذه القضية من خلال سؤال شفوي موجه لوزير العدل محمد أوجار، متسائلا عن أسباب “تقاعس وزارة العدل في إحالة ملف النائب البرلماني في حزب الأحرار محمد بوهدود بودلال على المحكمة الدستورية لاتخاذ إجراءات في حقه، بعدما أدانته المحكمة في جرائم انتخابية بأحكام نهائية”. كما عبر عن استغرابه ل”عدم قيام النيابة العامة لدى محكمة النقض إلى حدود يومه بإحالة الملف على المحكمة الدستورية، لترتيب الآثار القانونية على هذا الحكم القضائي البات”. بودلال قيادي في حزب الأحرار، وهو من أقدم البرلمانيين، وقد أدين في ملف متعلق بالفساد الانتخابي بعد استعمال التنصت على المكالمات، حيث لعب دور “سمسار” لفائدة مرشح لانتخابات مجلس المستشارين في 2015، وصدر حكم ابتدائي ضده أيدته محكمة الاستئنافي في أكادير في 6 مارس 2016، وأيدته محكمة النقض في 27 شتنبر 2017، والذي قضى فضلا عن حبسه لأربعة أشهر موقوفة التنفيذ، وبغرامة مالية قدرها 50 ألف درهم، بالإضافة إلى حرمانه من التصويت والترشح لولايتين، وذلك بعد ثبوت استعماله للمال والمشاركة في الفساد الانتخابي، حيث تُوبع بجنحة الحصول ومحاولة الوصول على أصوات الناخبين بطريقة مباشرة بفضل هدايا أو تبرعات نقدية أو عينية أو مكافآت، قصد التأثير على تصويتهم، وجرى ضبط محادثة له مع مجهول، يعرض عليه شراء تسعة أصوات، فرد عليه “صافي، سير الله يعاونك”، وهو ما استنتجت منه المحكمة أنه وافق على العرض، وقضت بالحكم ضده. وهبي لم يقم فقط، بتقديم سؤاله لوزير العدل، بل لجأ إلى مراسلة المحكمة الدستورية في 7 نونبر 2018 لطلب تجريد بوهدود، ولكن تبين من خلال نص القرار الذي أصدرته المحكمة الدستورية، أن كلا من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورئيس مجلس النواب راسلا المحكمة الدستورية على التوالي، في الفاتح والخامس من نونبر 2018، (أي بعد إثارة وهبي للموضوع في البرلمان)، يحيطان بمقتضاهما المحكمة علما بقرار صادر عن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض يقضي برفض طلب النقض المقدم من طرف السيد محمد بوهدود المنتخب بالدائرة الانتخابية المحلية “تارودانت الجنوبية” (إقليمتارودانت) في الاقتراع الذي أجري في 7 أكتوبر 2016. وقبل أن تنظر المحكمة الدستورية، تسارعت الجهود، ونال بوهدود قرارا ثانيا من محكمة النقض بإعادة النظر ونجا من فقدان مقعده ب”أعجوبة طبعا”.