تقرير إخباري: العدالة الدولية تلاحق "أصدقاء الغرب" وتكسر حصانة الكيان الصهيوني    أشرف حكيمي يجدد عقده مع باريس سان جرمان حتى 2029    بتعليمات سامية من جلالة الملك ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء    انطلاق عملية "رعاية 2024-2025" لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    مواجهات نارية.. نتائج قرعة ربع نهائي دوري الأمم الأوروبية    بعد الإكوادور، بنما تدق مسمارا آخر في نعش الأطروحة الانفصالية بأميركا اللاتينية    ولد الرشيد: رهان المساواة يستوجب اعتماد مقاربة متجددة ضامنة لالتقائية الأبعاد التنموية والحقوقية والسياسية    مجلس المنافسة يغرم شركة الأدوية الأمريكية "فياتريس"    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    المنتخب الليبي ينسحب من نهائيات "شان 2025"    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ارتفاع مؤشر التضخم في شهر أكتوبر    أداء سلبي في تداولات بورصة البيضاء    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    التنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب تدعو الزملاء الصحافيين المهنيين والمنتسبين للتوجه إلى ملعب "العربي الزاولي" لأداء واجبهم المهني    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    تفكيك خلية إرهابية موالية لتنظيم "داعش" بالساحل في إطار العمليات الأمنية المشتركة بين الأجهزة المغربية والاسبانية (المكتب المركزي للأبحاث القضائية)        تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    أسباب الفيتو الأمريكي ضد مشروع قرار وقف الحرب!    لأول مرة في تاريخه.. "البتكوين" يسجل رقماً قياسياً جديداً    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب        دفاع الناصري يثير تساؤلات بشأن مصداقية رواية "اسكوبار" عن حفل زفافه مع الفنانة لطيفة رأفت    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    زنيبر يبرز الجهود التي تبذلها الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان لإصلاح النظام الأساسي للمجلس    وهبي: مهنة المحاماة تواجهها الكثير من التحديات    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !        تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء    أنفوغرافيك | صناعة محلية أو مستوردة.. المغرب جنة الأسعار الباهضة للأدوية    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«منتدى الرباط».. ضعف ثقة المغاربة في المؤسسات قد يهدد السلم الاجتماعي
نشر في اليوم 24 يوم 23 - 01 - 2019

هل يثق المغاربة في مؤسساتهم؟ ما أهمية الثقة في مسار الدمقرطة والتحديث؟ وما أهميتها للنمو الاقتصادي؟ ما أثر الإصلاحات التي عرفها المغرب خلال السنوات الأخيرة على عامل الثقة؟ وكيف يؤثر ضعف الثقة في الاستقرار والسلم الاجتماعي؟ وما الخيارات المتاحة لتعزيز الثقة في المؤسسات والرفع من فعاليتها؟
هذه بعض الأسئلة التي انكب عليها باحثون وأكاديميون من داخل المغرب ومن خارجه في “منتدى الرباط للسياسات” الذي نظمه المعهد المغربي لتحليل السياسات، يوم الجمعة بالرباط، ونبه إلى وجود “فجوة” بين المواطن المغربي ومؤسساته، يتطلب كسرها إصلاحات سياسية واقتصادية عميقة.
الثقة بين الديمقراطية والاستبداد
انطلقت سونيا زمرلي، أستاذة العلوم السياسية بمعهد الدراسات السياسية بغرونوبل/فرنسا، من تساؤل رئيسي: “ما الذي يجعل نظاما سياسيا معينا مستقرا؟” والجواب الأولي أن النظام المستقر هو الذي “يتوفر على مؤسسات تعمل في انسجام، ويحظى بشرعية سياسية، أي قبول الناس”، وقبول الناس ودعمهم معناه أن لديهم “ثقة سياسية” في النظام القائم. لكن هذا المعطى يثير إشكالات، ذلك أن الوقائع تشير إلى أن الثقة السياسية قد يحظى بها النظام الديمقراطي كما قد يحظى بها النظام السلطوي، وداخل الأنظمة الديمقراطية يختلف منسوب الثقة بين الدول الإسكندنافية التي توجد بها ثقة سياسية مرتفعة والدول الديمقراطية في جنوب أوربا التي تتمتع مؤسساتها بثقة سياسية أقل. والمفارقة الأخرى أنه داخل المجتمع الديمقراطي الواحد هناك تفاوت في الثقة من مؤسسة إلى أخرى، فالثقة في الشرطة والجيش قد تكون مرتفعة جدا، وهذا يفسر عادة بأنها مؤسسات محايدة في الصراع السياسي، على خلاف الأحزاب والحكومات حيث الثقة تكون أقل بسبب الصراع نفسه.
تفترض سونيا زمرلي أن هناك “علاقة تبادلية” بين المواطن والحكومة في السياق الديمقراطي، ذلك أن “وجود مؤسسات سياسية موثوق بها، معناه وجود سياسيين ينصتون أكثر إلى مواطنيهم واختياراتهم”، وتؤكد سونيا أن “الحكومة عندما تستجيب لحاجيات المواطنين، فهي تبني علاقة إيجابية معهم، ويؤدي ذلك إلى تعزيز الثقة السياسية، بل قد يتعدى ذلك إلى بناء ثقة اجتماعية وهي أعمق”.
أما في حالة السلطويات، فالوضع قد يختلف تماما. في حالة الدولة التي تحقق النمو الاقتصادي مثلا قد يكون مهما قياس الثقة، لكن “لا ينبغي أن نربط دائما بين النمو الاقتصادي والثقة، لأن هناك عوامل يجب استحضارها ومنها حجم الفوارق الاجتماعية، ووضع الطبقة الوسطى، ومدى انتشار الفقر، لأنها عوامل تؤثر سلبا في مؤشر الثقة”. وفي حالة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، يكتسي “موضوع الثقة في المؤسسات السياسية حساسية كبيرة”، ما يجعل المعطيات التي “نحصل عليها” قد، تقول سونيا، “لا تبعث على الاطمئنان، لأن هناك دولا معروفة بالاستبداد، لكن مؤشر الثقة السياسية بها مرتفع”. والصعوبة الكبرى، تشير الباحثة، تكمن في أن استقراء المعطيات والبيانات نفسها يؤدي إلى خلاصات متباينة، وهو ما حدث بينها وبين باحثة أمريكية من أصل عربي.
وتوقفت سونيا زمرلي بالمقارنة بين تونس والمغرب ومصر، انطلاقا من “المؤشر العربي”، ولاحظت أن البيانات تفيد أن ثقة المغاربة في حكوماتهم بعد الربيع العربي لا تتغير كثيرا، لكن في مصر يبدو مؤشر ثقة المواطنين في الحكومة “مرتفعا جدا وفق المعايير الديمقراطية”، وهو ما يثير التساؤل، على خلاف ذلك أوضحت سونيا أن المؤشرات كانت مرتفعة في تونس، لكن الثقة في الحكومة تنخفض باستمرار خلال السنوات الأخيرة. وتخلص إلى أن هناك قيودا على الثقة السياسية، وهي قيود موجودة في المجتمعات الديمقراطية أيضا.
من جهتها، ركزت باولا ريفيتي، أستاذة العلوم السياسية بجامعة دبلن/إيرلندا، على علاقة الثقة السياسية بالديمقراطية في السياقات السلطوية، مؤكدة أن هناك حجتين: الأولى تؤكد “ليس هناك ثقة سياسية في السياق السلطوي”، وهذه حجة الاتجاه الثقافي والاستشراقي، من الذين يقولون مثلا “إن الإسلام لا يقبل الديمقراطية”، وهي حجة انتشرت في الخمسينيات من القرن الماضي. الحجة الثانية مؤسساتية، وهي أكثر أهمية لأنها “تعزز المحاسبة وتضيق الخناق على الفساد”، أي أنها تربط أداء المؤسسات بالثقة السياسية، ف”كلما تحسن الأداء المؤسساتي أدى ذلك إلى تعزيز الثقة السياسية، والعكس صحيح”. لكن السؤال هو: هل معنى ذلك أن الأنظمة السلطوية تعرف تدنيا في مستوى الثقة السياسية باستمرار؟
في رأي باولا يبدو الواقع خلاف المتوقع، ذلك أنه “عندما نحلل الكتابات الصادرة في هذا الشأن لا نخرج بخلاصة واحدة مفادها وجود علاقة سلبية بين الثقة السياسية والأنظمة السلطوية”، وعلى سبيل المثال “ففي جمهورية الدومينيك، مستوى الالتزام المدني والسياسي مرتفع، لكن لا يؤدي ذلك إلى ارتفاع مستوى الثقة السياسية، وعلى خلاف ذلك، في دول جنوب شرق آسيا هناك تدن في مستوى الثقة السياسية، في ظل التزام سياسي ومدني أكبر”.
وفي السياق العربي، ترى باولا أن “الأنظمة الثابتة في سلطويتها مثل الجزائر، توجد بها ثقة سياسية عالية في المؤسسات وفي المجتمع المدني”، بالمقابل في تونس “التي تعيش تجربة انتقال ديمقراطي، يوجد العكس أي مستوى متدن من الثقة السياسية في المؤسسات، نتيجة عدم قدرة المؤسسات المنتخبة بعد الثورة على الوفاء بالتزاماتها ووعودها، علما أن الظروف الأمنية تلعب دورها”. والاستنتاج الأساسي أن “هناك حاجة إلى إعادة النظر في الارتباط الحقيقي بين الالتزام المدني والسياسي وبين الثقة في المؤسسات”، ليس في السياقات السلطوية بل “في البلدان الديمقراطية كذلك، حيث تريد الحكومات الحصول على ثقة سياسية عالية، لكنها لا تحصل عليها دائما، خصوصا مع تنامي الاتجاهات الشعبوية التي تقلل من علاقة الارتباط بين الثقة والديمقراطية”. وباستحضار مقاربة الطرح المؤسساتي، يمكن القول، بحسب باولا، “إن السياسات يمكن أن تضعف الثقة السياسية”، وفي السياقات السلطوية “فإن عدم وفائها بما هو متوقع منها، يمكن أن يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه”.
علاقة متوترة بين الدولة والمجتمع
في حالة المغرب، توقف محمد الشرقاوي، أستاذ في جامعة جورج ماسون بواشنطن وباحث في مركز الجزيرة للدراسات، عند أهمية الرأسمال الاجتماعي بين الدولة والمجتمع، ولاحظ أن المغرب واقع تحت تأثير ثلاثة محركات تقود عملية التغيير هي “الحكرة والحريك والهاشتاج”. الشرقاوي اعتبر، انطلاقا من مؤشرات عديدة في مجال التنمية والسياسية والاجتماع، أن تلك المحركات تكشف عن “فجوة متنامية بين الدولة والمجتمع”، وهي فجوة بحاجة إلى “رؤية مستنيرة” لمعالجتها.
ويرى الشرقاوي أن المغرب “سعى إلى فهم الربيع العربي والتعامل معه”، حين مارست حركة 20 فبراير ضغوطا على الحكومة “من أجل الدمقرطة والتحديث”، لكن “الاحتجاجات الأخيرة في الريف وجرادة، أعطتنا مرة أخرى فكرة عن المغرب النافع والمغرب غير النافع”، وهي الاحتجاجات التي أكدت أن “السياسات الصادرة من الرباط وصلت إلى مداها”، وأن “هناك قصورا في الابتكار السياسي، ما يؤدي إلى إعادة إنتاج الممارسات السياسية”. وإذا كان الملك محمد السادس وعد بزلزال سياسي في سنة 2017، وأعطى خطابه “نتائج برغماتية”، فإن الدراسة التي أنجزها المجلس الاقتصادي والاجتماعي تكشف “أن المجتمع المغربي يعيش المرارة”، مؤكدا أن “سقف المطالب يرتفع، بينما الأوضاع تسوء”، وأن “الحب المفقود بين الدولة والمجتمع يكشف عن الحاجة إلى منظور محايد لمعالجة الاختلالات، وهو ما يوفره التفكير النقدي”.
من زاوية نقدية كذلك، اعتبر عباس بوغالم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة وجدة، أن “علاقة الدولة بالمجتمع” في المنطقة “علاقة متوترة وسلبية”، بعدما “تحولت الدولة إلى جماعة ذات مصلحة خاصة منزوعة الروابط بينها وبين المجتمع، وأضحى هناك انفصال حقيقي وعميق بينهما”. كما أن “التمثل السلبي للدولة في المخيال الجمعي جعل منها عبثا ثقيلا بالنسبة للمواطنين”.
ويرى بوغالم أن “ردم الهوية الفاصلة بين الدولة والمجتمع، بما يتيح تعزيز الثقة في مؤسساتها وخياراتها السياسي، يقتضي أن تحترم الدولة تعاقداتها السياسية والاجتماعية، بشكل يحفظ ويحصن إرادة واختيارات المواطنين”. وتوقف بوغالم عند التغيرات القيمية في صفوف الشباب، التي أدت إلى “تغيرات على مستوى منظومات الوعي والإدراك، أدت إلى خلخلة العلائق التقليدية التي ظلت تحكم الدول بمجتمعاتها، ومن تم ضعف الروابط بين الأجيال الحالية والدول القائمة”، لأن التعاقدات السابقة “لم تكن شاهدة عليها ولم تساهم في رسمها”.
لذلك يقول بوغالم إن المد الثوري الذي عرفته المنطقة في السنوات الأخيرة “تعبير عن إرادة جماعية لتصويب العلاقة بين الدولة والمجتمع على قاعدة الحرية والمساواة والكرامة، والتخلص من بنية الاستبداد”، إنه “احتجاج جذري من قبل جيل يتوق إلى الحياة بكل حرية خارج الإطار الذي وضعته الدولة السلطوية”، لكن يبدو أن تلك المحاولة فشلت أو تكاد، ويبدو “أننا نعود إلى نفس الدائرة المفرغة، وهو ما يعزز فقدان الثقة من جديد، خصوصا لدى الأجيال الصاعدة”.
من أجل ذلك، يتصور بوغالم أن المدخل هو “تعاقد اجتماعي جديد” يقتضي تحققه وضع قطائع على أكثر من مستوى. أولاها “تكريس دستورانية تعاقدية”، و”دولة مدنية حديثة تقطع مع الشكل التقليدي، ومع التمثل الشخصي للسلطة”، و”تكوين فضاء سياسي مستقل، بفاعلين يتمتعون بالاستقلالية، ويتوفرون على الحرية في الفعل والمبادرة، لأنه يستحيل إبرام تعاقد جديد بدون تنظيمات قادرة على ممارسة استقلاليتها”، مؤكدا أن المنطقة بحاجة إلى “هيئات جديدة تمثل الأجيال الصاعدة”، و”تأسيس جيل جديد من مؤسسات الوساطة”.
هل تبعث الإصلاحات على الثقة؟
لكن ما دور الإصلاحات التي عرفها المغرب في بناء الثقة في المؤسسات؟ الجواب عن هذا السؤال تقدم به أكثر من متحدث في المنتدى، من مواقع مهنية وأكاديمية مختلفة.
محمد براو، خبير قانوني في الحكامة ومكافحة الفساد، توقف عند الكيفية التي تؤثر بها أجهزة مكافحة الفساد في بناء الثقة، مؤكدا أن تعزيز الشفافية والمحاسبة من العناصر الرئيسية في بناء الديمقراطية وحكم القانون.
الخبير براو قال إن “الفساد كان المحرك الرئيس للاحتجاجات سنة 2011، والتي كان شعارها مكافحة الفساد والاستبداد”، وعرف الفساد وفق المعادلة التالية: “احتكار السلطة + غياب الشفافية – المحاسبة”، على نقيض النزاهة التي تقوم على معادلة مضادة “الشفافية + المحاسبة – احتكار السلطة”. مؤكدا أن مكافحة الفساد صار من وظائف أجهزة الرقابة، ففي 2007 تم تأسيس هيئة مركزية لمكافحة الرشوة التي تحولت إلى “جهاز لمكافحة الفساد بحكم الأمر الواقع”، وهي الهيئة التي تأسست في صيغة ثانية سنة 2017 في سياق تميز بمواصلة “تنزيل دستور 2011، وبعد الإعلان عن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في نهاية ولاية الحكومة السابقة”. واعتبر براو أن من الشروط الجوهرية لأجهزة رقابة تبعث على الثقة لدى المواطنين: أن “تكون مستقلة عن الضغوط السياسية”، وأن تتمتع ب”الاستقلال العضوي والبشري، وبالحياد، وأساسا بالاستقلال الوظيفي”، وهو “الأهم” في رأي براو. أما الشرط الثاني في أجهزة الرقابة الباعثة على الثقة فهو الفعالية، أي قدرة المؤسسة على تفعيل جميع الاختصاصات الموكولة إليها، وهذا يمكن التأكد منه من خلال تقرير خارجي مستقل. وتقاس الفعالية بسلطة جهاز الرقابة في الوصول إلى المعلومات، وسلطة التحقيق، والتوفر على الموارد البشرية الكافية، وعلى القدرات التدبيرية. ويتمثل الشرط الثالث في المهنية، مشيرا إلى أن عمل بعض أجهزة الرقابة “تعرضت لعدة انتقادات، بحجة أن هناك شفافية منقوصة في انتقاء التدخلات، وفي إعداد التقارير، وهي الانتقادات التي يفترض الرد عليها من قبل الجهاز المعني”. وتعد الشفافية والمسؤولية من الشروط التي حددها براو لجهاز يبعث عمله على الثقة، ويقتضي ذلك الإفراج عن المعلومات التي يتوصل إليها، وأن يكشف عن كيفية اشتغاله، وعن مآل التوصيات، ومردودية المؤسسة، وأن تكون أمام مؤسسة ذات قيمة… تعزز صورة المغرب كبلد يكافح الفساد.
من جهته، توقف عبد اللطيف الشنتوف، رئيس نادي قضاة المغرب، عند الإصلاحات التي عرفها قطاع العدالة وأثرها على مؤشر الثقة. من الإصلاحات التي توقف عندها المتحدث “دستور 2011 الذي تحول معه القضاء من جهاز إلى سلطة”، و”إشراك المجتمع المدني في تركيبة المجلس الأعلى للسلطة القضائية على غرار تجارب عالمية”، كما تم “الارتقاء بمجموعة من المبادئ تهم حقوق المواطنين إلى قواعد دستورية مثل قرينة البراءة والحق في المحاكمة العادلة”. ويرى الشنتوف أنه “جرى تنزيل تلك المبادئ من خلال مؤسسات وقوانين”، بعد “إطلاق حوار وطني من أجل إصلاح منظومة العدالة”، لكن “الذي ميّز هذه المرحلة هو البطء الشديد، فلم يصدر لحد الآن سوى قانون تنظيمي خاصة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وقانون تنظيمي آخر خاص بالقضاة، ثم قانون جزئي صغير يهم رئاسة النيابة العامة، ولم تصدر بعد كل القوانين التي تهم المواطن مثل القانون الجنائي والمسطرة الجنائية وقانون الالتزامات والعقود وغيرها من القوانين”.
وحول أثر تلك الإصلاحات على الثقة في العدالة، تطرق الشنتوف إلى بعض معايير القياس، منها “الحق في الولوج إلى العدالة” التي “تحد منها قوانين معقدة ومتقادمة”، وعلى سبيل المثال “يعد نظام المساعدة القضائية نظاما معقدا، علما أن التعقيد يحد من حقوق المواطن أساسا”، كما “أن نظام التواصل غير فعال لحد الآن، لم تتم مراجعته بعد”. وبخصوص معيار “تخليق العدالة” يرى الشنتوف أن المغرب “لا يتوفر على الأنظمة القانونية التي بإمكانها تخليق مرفق العدالة”، علما أن بعض الإجراءات مثل “نظام التصريح بالممتلكات غير فعال”. وتظهر محدودية الإصلاحات على مستوى المهن المساعدة للعدالة، وقال الشنتوف في هذا الصدد “لن ينفع إصلاح القضاء ما لم يتم إصلاح باقي المهن المساعدة للقضاء، مثل المحاماة وكتابة الضبط وغيرها، وهي مهن لا زالت تشتغل بقوانين قديمة”. واعتبر الشنتوف أن كل هذه العناصر “تؤثر سلبا لحد الآن على الثقة في جهاز العدالة”.
الثقة والاستثمارات
إذا كانت الثقة ضرورية للمؤسسات السياسية، فهي حيوية للرأسمال وللنمو الاقتصادي. رشيد أوراز، اقتصادي وباحث رئيس في المعهد المغربي لتحليل السياسات، اعتبر أن ثقة المستثمرين في المؤسسات السياسية “يعد عاملا أساسيا في النمو الاقتصادي، وفي خلق الثروة، بل إن الاستثمارات هي ما يجعل بلدا ما يتقدم اقتصاديا”.
ويرى أوراز أن المؤسسات مهمة في بناء عملية الثقة السياسية، لأن المؤسسة تهدف أساسا إلى وضع القيود على تصرفات وقرارات السياسيين والنخب المتنفذة من أجل حماية مصالح الأفراد وحرياتهم الأساسية، وذلك لتحقيق غاية بناء الثقة بين الأفراد.
وإذا كان “رأسمال جبان” كما يقال، فإن “انعدام الثقة” في صفوف المستثمرين يؤدي إلى “الامتناع عن الاستثمار”، لكن على خلاف ذلك، يمكن أن تؤدي الثقة في المؤسسات إلى تشجيع الاستثمارات. وميّز أوراز بين نوعين من الاستثمارات: أجنبية تأتي من الدول المتقدمة أساسا، وتنقل معها تقنيات وخبرات مرافقة لرأسمال تؤدي الى رفع الجودة، وإنتاجية العمال، وبالتالي النمو والتقدم، واستثمارات داخلية من قبل رجال أعمال لديهم المال ويبحثون عن تطويره أكثر. وفي الحالتين يعد وجود الثقة حافزا مهما للاستثمار الخارجي أو الداخلي، أما في حالة ضعف الثقة فإن الاستثمار قد ينقطع ويتراجع.
وبخصوص المغرب، يرى أوراز أنه بلد فاقد للقدرة على جلب الاستثمارات الخارجية، خصوصا الشركات الأجنبية الكبرى، بسبب ضعف الثقة لدى هاته الشركات والمستثمرين الكبار في العالم في المؤسسات المغربية. أما بخصوص الاستثمار المحلي، فإن الاستثمارات الحكومية تبقى الأكبر، وهي تستهلك 20 في المائة من حجم الثروة سنويا، وهي نسبة مرتفعة مقارنة مع أمريكا (وهي دولة عظمى) 14 في المائة، ومع سنغافورة 11 في المائة.
أما المؤشر الثاني على ضعف جاذبية المغرب في الاستثمارات بسبب ضعف الثقة في المؤسسات، فهو مستوى حماية الملكية الخاصة، وقال أوراز إن المغرب يصنف ضمن الدولة التي لا تستطيع مؤسساتها حماية الملكية الخاصة بمعدل 5,68 من 10، ويعني ذلك أن “المؤسسات السياسية والاقتصادية غير قادرة على حماية الاستثمار والملكية الخاصة”، ما يقتضي في نظر الباحث “القيام بإصلاحات اقتصادية وسياسية عميقة”.
الثقة والاحتجاجات.. والوسائط
في إحدى جلساته، تناول المنتدى العلاقة بين الثقة والاحتجاجات بالمغرب، وهي علاقة سببية، حيث يفسر تنامي الاحتجاجات بضعف الثقة أو انعدامها، والعكس صحيح. في هذا السياق، تحدثت آنا جاكوبز، باحثة في معهد “بروكنغز” بالدوحة/قطر، حول “الشعب والاحتجاج والبرلمان”، واعتبرت أن المؤسسة الملكية، وليس البرلمان، تبقى “الفاعل الأقوى والرئيس في المغرب، وهي من تحدد قواعد اللعبة السياسية”، بينما “يعد البرلمان فاعلا هامشيا، وذا دور محدود في عملية التحديث والديمقراطية”.
وربطت جاكوبز بين محدودية البرلمان وارتفاع وتيرة الاحتجاجات في السنوات الأخيرة، مؤكدة أن هناك “تقليصا متزايدا لمساحة حرية التعبير”، والدليل على ذلك “عشرات المعتقلين في السجون بسبب الاحتجاج، منهم صحافيون ونشطاء مدنيون”. وقالت إن “المغاربة يحتاجون إلى من يستمع إليهم، خصوصا وأن لهم تاريخا طويلا في ممارسة دور المعارضة”. خصوصا وأن “الاحتجاج السلمي موجود، ويعبر عن نفسه بطرق مبتكرة، مثل مقاطعة منتوجات استهلاكية”.
وفي الوقت الذي سارعت جاكوبز إلى القول إن “هناك ثقة كبيرة في المؤسسة الملكية”، اعتبرت أيضا أنه “ليس هناك مؤسسات قادرة على لعب دور المعارضة، خاصة في سياق النزاعات”. لكنها شددت على أن “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تعتبر حالة فريدة في السياق المغربي، كونها أكبر منظمة حقوقية، والأكثر أهمية في المعارضة”.
أما الأحزاب فهي “تعاني من شروخ، ليس بسبب الإديولوجية أو المصالح الاقتصادية، بل بشروط تتعلق بالقرب أو البعد من المؤسسة الملكية”، وأكدت جاكوبز أن “النظام الحزبي ضعيف في المغرب، ولا يثق به الناس”، وركزت أكثر على دور الجمعية المغربية لحقوق الإنسان “التي فاجأتني شخصيا”، والتي “تعاني من مشاكل منذ سنة 2014، وأظن أن على النظام والبرلمان العمل معها، بقدر ما استطاعوا، وأن يفتحوا الطريق أمام الاحتجاج السلمي”.
من جهتها، ركزت أنجريد الشكدالي، باحثة في التنمية الدولية بجامعة إنسبروك/ألمانيا، على العلاقة بين الثقة السياسية والابتعاد عن التسييس، وتقصد ب”الابتعاد عن التسيس” معنى محدد، هو “الخروج من النقاش السياسي”، أو “المشاركة الضعيفة للمواطن في الشأن السياسي”، ويطرح ذلك “مشكل الشرعية”، فالذين “يشاركون في الحراك الثوري معناه أنهم لا يريدون المؤسسات السياسية القائمة”.
وفي حالة المغرب، اعتبرت الباحثة أن الابتعاد عن التسييس يفسر بتراجع الثقة في المؤسسات السياسية مثل البرلمان والأحزاب والحكومة، وأشارت إنجريد، التي كانت المديرة السابقة لمؤسسة “هانس سايدل” الألمانية بالمغرب، إلى أن “الابتعاد عن التسييس” ظاهرة استفاد منها “التكنوقراط” أساسا في المغرب، ذلك أنه حين “انتقل اتخاذ القرار من يد السياسي إلى يد التكنوقراطي، أصبحت السياسية أقل جاذبية للمواطنين، ما دفعهم إلى الابتعاد عن السياسة”. وأكدت آنجريد أن “التكنوقراط كانت فئة قوية في عهد الملك الراحل الحسن الثاني”، لكن ذلك كان على حساب السياسة. وطالبت الباحثة بتقوية دور المؤسسات السياسية من أجل بناء علاقة ثقة أفضل مع المواطنين، على أساس أنه كلما قامت المؤسسات السياسية بدورها أكثر في خدمة المواطنين والتفاعل مع حاجياتهم والتعبير عن تطلعاتهم، كلما ارتفع مؤشر ثقة المغاربة في المؤسسات السياسية.
الثقة في الجيش والشرطة.. حالة تونس
إلى جانب التركيز على المغرب، وجهّ الباحث التونسي عماد الدايمي، مدير ديوان الرئيس التونسي الأسبق وبرلماني عن حزب “تونس الإرادة”، أنظار الحاضرين في المنتدى إلى التغييرات التي تحدث في تونس، وخصوصا فيما يتعلق بمسار بناء الثقة في الجيش والأمن التونسيين.
ويرى الدايمي أن الثورة التونسية خلقت مسارات للتغيير وليس مسارا واحدا، وهي المسارات التي “تطورت بعد الثورة بسرعات متفاوتة”، وفي رأيه كان “المسار الأقرب للتغيير هو تغيير الأشخاص، لكن المسار الأبعد يبقى هو تغيير العقليات، وبين المسارين هناك نسق وحلقات في التغيير تتحرك وفق وتيرة متفاوتة” .
الدايمي أوضح أن مسار بناء الثقة في الجيش والأمن التونسي في تصاعد منذ الثورة، لكنه ميّز بين ثقة عالية يتمتع بها الجيش التونسي الذي وصفه ب”حامي الثورة”، وبين المؤسسة الأمنية التي “تتسم بالتعقيد”.
فالجيش، الذي كان قبل الثورة “قليل العدد، يمارس مهام مدنية، وبدون مصالح اقتصادية، وفاقد للشرعية الوطنية، لأنه لمّ جيشا للتحرير على غرار الجزائر مثلا”، تحول عقب الثورة على الرئيس زين العابدين بن علي إلى جيش “حرّرته الثورة”، لأنه وقف إلى “جانب الثورة ضد النظام” ولأنه “ساهم بدور كبير في نجاح الثورة”، فقد “دُعي قائد الجيش لتولي السلطة، لكنه رفض واعتبر الجيش حاميا للثورة وليس مدافعا عن النظام”. بالمقابل، كانت المؤسسة الأمنية قوية قبل الثورة، لأن تونس كانت “دولة بوليسية” على حد وصف الدايمي، حيث المؤسسة الأمنية كانت “حاميا للنظام ضد الشعب”، واعتبر المتحدث أن “الثورة حرّرت الجيش، كما حرّرت المؤسسة الأمنية كذلك، وربما كانت المؤسستان الأكثر استفادة منها”.
وقال الدايمي إن ثقة التونسيين في الجيش تحسنت بعد الثورة، خصوصا “بعدما رفض قائد الجيش تولي السلطة، إثر هروب زين العابدين بن علي”، واليوم “يعد الجيش التونسي الحاكم الفعلي في البلاد، فهو محدد في القرار السياسي، وحاضر بقوة في تعيينات الولاة (7 عسكريين). وإذا كان الجيش المصري قد انقلب على الثورة، فإن التغييرات التي أحدثها المدنيون (حكومة الترويكا) في تونس “حالت دون حدوث ذلك، لقد أبعدت العدالة الانتقالية داخل الجيش شبح السيناريو المصري عن تونس”، يقول الدايمي. وبخصوص المؤسسة الأمنية، فقد كان التغيير فيها “صعبا ومعقدا”، بسبب “المصالح الأمنية والاقتصادية، والتسييس المفرط للقيادات الأمنية، وتخوفها المرضي من الإسلاميين، والفوضى النقابية داخل الأمن بعد الثورة”، لكن ليست كل الأجهزة الأمنية في وضع واحد، ونوّه الدايمي ب”قوات النخبة” التابعة لرئيس الجمهورية، والتي تعرضت لعملية تغيير سريعة، جعلت منها المثال الذي يمكن للمؤسسة الأمنية أن تصير إليه، لقد كانت تحمي مسؤولي النظام وصارت اليوم تحمي رئيس الدولة والمسؤولين فيها، وكذلك مسؤولي أحزاب المعارضة ذاتها.
الخلاصة، بحسب الدايمي، أن هناك مسارا للتغيير انطلق في تونس، مع مقاومة تضعف تدريجيا، ومسارا للثقة في المؤسسات العسكرية والأمنية في تصاعد، ينعكس إيجابا على تلك المؤسسات، على صعيد “مزيد من المهنية والحياد عن الصراعات السياسية”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.