استأثرت تطور الأحداث التي تجري في مصر باهتمام الطبقة السياسية،والفعاليات المدنية من حقوقيين ومثقفين وغيرهم ،بالإضافة إلى اهتمام لابأس به من قبل الشارع.مع تركيز شديد على تلك الأحداث في الصحافة المكتوبة، ومقاربة محتشمة جدا في التليفزيون الرسمي المغربي. وفي الحقيقة ما حدث في تونس قبل أيام وما يحدث اليوم في مصر واليمن وقبل ذلك في الجزائر، يطرح العديد من الأسئلة حول أهمية الدفع بالديمقراطية بالعالم العربي ، وفضيلة التعددية ، ونبذ السلطة المطلقة التي تجسدها فكرة الحزب الواحد .في هذا المقال نسعى إلى استكناه أراء ووجهات نظر بعض الفاعلين السياسيين حول مايحدث في العالم العربي الآن، وكيف يمكن استخلاص العبر لدعم التجربة المغربية.وقد استقينا أراء كل من نبيل بن عبدا لله ألأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية،وعبد الكريم بن عتيق الأمين العام للحزب العمالي، وصلاح الوديع الناطق الرسمي لحزب الأصالة والمعاصرة،ومصطفى الخلفي رئيس تحرير يومية التجديد، ومحمد العربي المساري الكاتب الصحفي ووزير الاتصال الأسبق.في حين اعتذر سعد العلمي عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال والعضو في الحكومة الحالية. عبد الكريم بن عتيق بالنسبة للأمين العام للحزب العمالي هناك تشابه بين تونس ومصر من حيث الدوافع والأسباب التي أدت إلى الأحداث الراهنة. ذالك أن النظامين (التونسي والمصري) ركزا على الحزب الواحد ،وهو ما يعني يقول بنعتيق « التضييق على الحريات وخنق الحقل السياسي ،وجعل الحزب الواحد القناة الوحيدة التي يمر عبرها الخطاب السياسي « ويعتبر بن عتيق المهتم بالمقاربات الإستراتيجية أن عصر الحزب الواحد ولى ،وأنه على مصر اليوم القيام بإصلاحات سياسية كبرى على المستوى الدستوري ،والقوانين الانتخابية حتى تتاح الفرصة لإفراز مؤسسات مأمولة.أما المطالب الاجتماعية الأخرى فتحتاج إلى وضع استقرار.وبخصوص الموقف الأمريكي حيال ما يقع يقول بن عتيق ? « إن أمريكا تلعب دور الملاحظ الذكي الذي لا يريد أن يتورط ،لكنه يحسم عندما ينتصر الشارع..» نبيل بنعبد الله « ما حدث في تونس ومصر وفي اليمن وربما في الجزائر ? وإن بدرجه أقل? يؤكد طموح الشعوب ورغبتها في الديمقراطية والحرية وتوقها إلى العيش الكريم وتطلعها إلى تحقيق عيش كريم وعدالة اجتماعية بإقرار توزيع عادل للخيرات . ونعبر عن مشاعر التضامن مع هده الشعوب وعن ممتمنياتنا بأن تنعم بالاستقرار والوئام والحفاظ على على مكانة هذه الدول» وفيما يتعلق بالمقارنات التي قد يجريها البعض بين هذه الأنظمة والتجربة المغربية ،يضيف نبيل بن عبد الله « إن تلك المقارنات قائمة على تصور سطحي وهنا لابد من التأكيد على أن الوضع في تلك البلدان مختلف في حين تجربة المغرب تجربة متفردة سواء على صعيد المؤسسات أو على مستوى الإصلاحات التي أقدم عليها المغرب في مجال التعددية الحزبية وتأطير المجتمع المغربي . لكن ما نلاحظه هو ظهور انحرافات واعوجاجات في الحقل السياسي ،وهي انحرافات تدعو على ضرورة الخوض في جيل جديد من الإصلاحات. والمغرب كان رائدا في إحداث تغييرات ديمقراطية.» مصطفى الخلفي ومن جهته يرى مصطفى الخلفي رئيس تحرير يومية التجديد أنه بغض النظر عن النتائج التي قد تفرزها الانتفاضة المصرية،فغنها تقدم دليلا على إفلاس نظام سياسي قائم على حزب سلطوي حاكم عمل على قتل التعددية،وسعى إلى استغلال ورقة تعامله مع إسرائيل وحمايته لها وأضاف الخلفي قائلا? « الحدث المصري يعنينا في المغرب،لأنه يقدم مؤشرات عن تداعي أوهام كثيرة ،كنظرية الحزب السلطوي القادر على ضمان استقرار الأنظمة .غير أن هذا الوهم الذي تم التسويق له نراه اليوم يتهاوى في النموذج المصري.ومن تلك الأوهام أيضا المراهنة على أن القوى العظمى على ضمان الاستقرار لتلك الأنظمة نظرا لحساسية موقعها الاستراتيجي .ولكننا نلاحظ أن هده القوى لم تتدخل في الحالة المصرية. عن الغرب بدأ يعي أن تكلفة دعم سلطة الاستبداد أعلى من التعايش مع أنظمة ديمقراطي . وارى أن رسالة مصر إلى صناع القرار ببلادنا هو ان مستقبل الأنظمة في استنادها إلى شعوبها . والمغرب يتوفر على شروط عديدة لضمان استمرار الاستقرار،ومن ذالك وجود قوى سياسية ذات شعبية والإجماع القائم حول الملكية ،و ينبغي تعزيز هذه الوضعية واستثمارها لتقوية الجبهة الداخلية لمواجهة تحديات الخارج.ولكن الوضعية السياسية الراهنة تفرض القيام بمبادرات سياسية كتشكيل حكومة وطنية جديدة ،والعمل على وضع إصلاحات سياسية ضرورية على المستوى الدستوري والانتخابي ،ثم التراجع عن كل الإجراءات التي أدت إلى ارتداد ديمقراطي .وأولى هده الإجراءات تهم الحزب السلطوي الجديد، محمدا لعربي المساري إن ما يحدث في مصر الآن، وما حدث في تونس قبل أيام، يدل على سقوط مقولات طالما ترددت، وكأنها حقائق يقينية. الأولى أن التغيير لابد أن يأتي من فوق (الجيش مثلا) لتغيير طاقم بطاقم غيره، أو من خارج (قوة أجنبية تدبر التغيير أو توافق عليه) لضبط الاتجاه الذي يكون فيه التغيير. والثانية أن القوة المنظمة الوحيدة، هي تلك التي تحتضن التطرف الديني، وبالتالي فإن البديل للنظام القائم هو بعبع الملتحين. والثالثة أن الديموقراطيا لا تستقيم في مجتمع إسلامي. في كل من تونس ومصر كان التحرك من القاعدة أي من الداخل، وكان تعبيرا عن وجود قوى اجتماعية متنوعة ومتضافرة يجمعها التذمر من الوضع القائم، والعزم على المضي بالتحرك في الشارع إلى النهاية. لا ندري كيف ستنتهي الأمور في مصر، ولكن معالم التحرك تنبئ بمعالم التغيير المطلوب، والتغيير المطلوب هو إقامة بديل واضح، قوامه الديموقراطيا، كما هي متعارف عليها عالميا. إن ما يريده المصريون هو إقامة مؤسسات نابعة من صناديق الاقتراع، تسن تشريعات تصاغ ويصادق عليها بمسطرة التصويت، ويساءل أمامها المكلفون بالتنفيذ. ومن خلال ما حدث في تو نس، وما سيحدث في مصر، وما سيعم حتما، في كل بلدان المنطقة، أنه ستسقط مقولة أخرى مفادها أن الشعوب العربية والإسلامية لا تتقبل الديموقراطيا. ونعلم أن فوكوياما الذي قال بذلك منذ عقدين، قد راجع أفكاره بهذا الصدد. وستتكاثر الأمثلة الدالة على أن الكاثوليكية لم تمنع إسبانيا والبرتغال ولا بلدان أميركا الجنوبية، ولا الشعوب السلافية، من إقامة ديموقراطيا، كما هي متعارف عليها عالميا، وأن ذلك ليس موقوفا فقط على أوربا الغربية والشعوب الساكسونية. وأخيرا فإن ما حدث في المثالين القريبين، وما سنراه حتما في بلدان قريبة أو مماثلة، يعلم ويذكر بأن التغيير ممكن، وأن الأفضل هو أن يتم التغيير من الداخل، وبتوافق فيما بين قوى سياسية واجتماعية منظمة، وذلك عبر النقاش العقلاني، في ظل مؤسسات مؤهلة. وهو أمر يتحقق حينما تكون هناك مؤسسات قرار قوية، أي حقيقية وذات مصداقية، وليست مجرد ديكور لمخادعة الخارج، وللتدليس على الداخل، ولضمان استمرار الوضع القائم، وإعادة إنتاج نفس الاختلالات. صلاح الوديع بالنسبة للناطق الرسمي لحزب الأصالة والمعاصرة فإن التحولات الجارية تعود في الأصل إلى الإخفاقات المسجلة في مشروع الإصلاح فيقول?» إن التحولات الجارية أمامنا ،على امتداد رقعة الوطن العربي ( تونس،مصر ، اليمن???) تجد جذورها في الإخفاقات المسجلة في مشروع الإصلاح بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية.ونشير هنا إلى الأنظمة التي لم تنتبه إلى تغير العالم عقب سقوط جدار برلين.حيث بقيت هذه الأنظمة شاردة عن التاريخ ،ومنها تلك الموجودة في المنطقة العربية.وهناك عوامل جديدة لعبت أدوارا رئيسية فيما وقع ،كاستخدام التكنولوجيات الحديثة في مجال التواصل. وهذا واقع جديد فاجئ الدولة والنخب نفسها.والسؤال اليوم،هل ستكون النخب في مستوى ما يطلبه الشارع،أم سنترك هذه اللحظة لمغتصبي إرادة الشعوب وهم كثر. بالنسبة للمغرب فقد وقع الانتباه إلى التحولات التاريخية في تسعينيات القرن الماضي ،وكان المرحوم الحسن الثاني والأستاذ عبد الرحمان اليوسفي قصب السبق في ذالك،ومع وصول محمد السادس ،فتحت الآفاق التي يعرفها الجميع.والملكية في المغرب ضامن الوحدة والشعب هو الحامي الأول للملكية خاصة مع محمد السادس . ليس جديدا حجم الانتظارات الاجتماعية وألان على النخبة في الحكومة ،كما في المعارضة التصرف بالطريقة التي تضمن تحصين المكتسبات الحالية،والعمل على تحقيق أخرى وتجاوز الصراعات الهامشية.علينا استباق التاريخ وينبغي ان تكون النخبة في مستوى تحمل مسؤولية أكبر في تدبير الشأن العام والمحاسبة غليه طبقا لمبدأ كل مسؤولية تستدعي محاسبة. وهو ما من شأنه أن يجعل الملكية في نأي عن التدبير المباشرللشأن العام .وحتى لا يتستر وراءها احد،وهدا ما أفهمه من مقولة الشعب بكل فئاته ونخبه هو الحامي الأول للملكية. خالد السفياني قال خالد االسفياني إن أحدا لم يكن يتوقع ما حدث في تونس ، وذالك بالنظر لدرجة الاستبداد الذي فرضه النظام التونسي السابق ،وهو استبداد تمثل في قمع الحريات واستشراء الفساد والتضييق على الصحافة ?الشيء الذي جعل الشعب التونسي يعاني من سلطوية مطلقة . وأضاف السفياني في تصريح لجريدة الاتحاد الاشتراكي غير أن إرادة الشعب التونسي استنهضت بشكل مفاجئ وغير متوقع. وعبر السفياني الذي تربطه علاقات وطيدة مع الوسط الحقوقي في تونس وخاصة المناضل الحقوقي مواعدة ،عبر عن تخوفه من تختلط الأمور مجددا فقال:? اليوم وفي ظل ا لمخاض الحالي ينبغي أن تكون هناك قراءة صحيحة لما جرى لأن الثورة التونسية قد نكون في خطر. ولعل أبرز المؤشرات على هذا الخطر المحتمل هو الزيارة التي قام بها أمس الأول نائب وزيرة الخارجية الأمريكية إلى تونس حيث تباحث هناك ألأفق المحتمل للحياة السياسية في تونس . ومن المؤشرات أيضا استمرار وجود بعض رموز النظام السابق في مراكز القرار المؤقتة .? واعتبر خالد السفياني الحرص على نجاح الثورة في تونس ،وضمان تحقيق أهدافها وبناء متطلبات مرحلة جديدة تسود فيها الديمقراطية هو حرص مشروع لكل مواطن عربي ،لأننا مازلنا نبحث عن نموذج للديمقراطية العربية . يقول السفياني وبخصوص حالة المغرب فال إن هناك فرق بين الرباطوتونس ،ذالك أن الشعب المغربي ناضل منذ عقود خلت ، وأدى ثمن هذا النضال باهظا. ولاحظ أن السبب المباشر في المواجهة التي حصلت بين الشعب والحاكمين في تونس تمثلت في كون الحزب الذي أتى بالاستقلال في تونس هو الحزب الذي أمسك بزمام الحكم . أما في المغرب وإذا استثنينا برهات قصيرة جدا، فنجد ان القوى التي ناضلت ضد الاستعمار ودحرته قد أبعدت عن الحكم،وقع إقصاؤها بالكامل على الرغم من كونها متجدرة في نسيج الشعب المغربي ، الشيء الذي أعطاها دفقا للتفاعل مع النضال. هذا النضال الذي سمح بتحقيق مكتسبات لم يحققها الحزب الحاكم في تونس سواء على مستوى الحريات،أو على صعيد مجالات أخرى.بل الأدهى من ذالك هو أن الحزب الحاكم في تونس كان يعتبر نفسه مالك البلد .ونبه السفياني إلى أن هناك في المغرب من كان معجبا بالتجربة التونسية السابقة قائلا : ? ولربما كان مشروع هؤلاء هو تحقيق التونسة في المغرب، وعلى هؤلاء أن ينتبهوا إلى فشل هكذا مشروع ،لأنه قائم على فكرة الحزب الواحد القائم على مصادرة الكلام وحرية التعبير ،ومحاولة استخدام القضاء في الصراعات وحماية الفساد الحقيقي.? أمينة بو عياش أظن أن ما يمكن استيقاؤه من المتابعة للحركة الاجتماعية للمواطنين في مصر، هو أن الجميع متفق على وحدة البلد واستقراره مع الأخذ بعين الاعتبار بالمطالب المطروحة، كما أننا نلاحظ المتابعة المستمرة والدقيقة من طرف عدد كبير من عواصم العالم، لما يحدث في مصر وقبلها تونس. ذلك أن منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا, منظقة بالغة الحساسية على المستوى الدولي, كما نلاحظ أيضا أن ملامح التغيير التي بدت من قبل رئاسة الدولة غير كافية. أما على المستوى الحقوقي، فقد تأكد للمنظمة وفاة أزيد من 300 مواطن مصري، من جراء اطلاق النار على المتظاهرين، في ظرف ستة أيام فقط, كما أن السلطات استخدمت الرصاص الحي في مواجهة المحتجين، كما أن السلطات المصرية، لم تتعامل بعد بجدية مع الوضع. وبالنسبة لنا في المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، فإننا ندعو الأمين العام للجامعة العربية، للمبادرة الى عقد اجتماع طارئ لتدارس بما يجري في عدد من المناطق العربية، وأن تكون الجامعة مجالا للحوار وبلورة حلول لمشاكل المواطن العربي. عبد الله البقالي ما حدث في تونس ومصر، هو نتجية حتمية للافراط في التزوير الذي أضعف المؤسسات إن ما يحدث في مصر، وما حدث قبل ذلك في تونس هو نتيجة حتمية لانغلاق النظام السياسي في هذين البلدين، ولكن هو أيضا نتيجة الحرص الذي تبديه بعض الأنظمة العربية، لاضعاف مؤسسات الوساطة السياسية والنقابية والاجتماعية في البلاد،حتى ساد الاعتقاد لدى هذه الأنظمة بأن الحل هو إبقاء الشعب و المجتمع بعيدا، عن الاشراك في الحياة العامة, وعندما انفجر الوضع لم يكن بامكان الحاكم التحاور مع الملايين من الجماهير الغاضبة. إن ما حدث في تونس ومصر، هو نتجية حتمية للافراط في التزوير الذي أضعف المؤسسات وأفرغها من محتواها، إن ما حدث في تونس هو نتيجة مباشرة للاعتماد على حزب الدولة الذي ألغى التعددية الحقيقية, لذلك ينبغي على كل التجارب التي تحترم نفسها أن تستفيد وتستخلص العبر مما حدث. أحمد الصبار إن ما حدث في تونس ومصر، سيكون له انعكاس على الحياة السياسية, طبعا ليس هناك وجه المقارنة بين تجربة المغرب وتلك التجارب, غير أننا نلاحظ و ننبه أنه منذ خمس سنوات تم تسجيل بوادر تراجع، وأضحى هذا التراجع العنوان البارز للحياة العامة. وبخصوص الأسباب التي أدت الى انفجار الأوضاع في تونس ومصر. قال الصبار، لقد كممت تونس الأفواه، ومارست التضييق على المعارضة، وأصبحت تونس بذلك »جمهورية الصمت«، كما أن اجهزة المخابرات هناك لم تتمكن من جمع المعلومات الحقيقية، ذلك أن مصدر معلوماتها كان هو الحزب الحاكم ومحيطه. وبالتالي كان ما حدث مفاجأة لهذه الأجهزة، أما في مصر فهي تعرف اليوم حركة اجتماعية بدون رأس, ومنذ حكم السادات تم قطع الصلة مع الجماهير والمعارضة.