نشرت مجلة ''شؤون خارجية'' في عددها الأخير مقالة مهمة لأحد عمالقة علوم السياسة الأمريكيين، الأستاذ لاري دياموند الزميل في مؤسسة هوفر وأستاذ العلوم السياسية وعلم الاجتماع في جامعة ستانفورد، والمعروف بمشاركته في تحرير مجلة الديمقراطية ذائعة الصيت والتي تأسست سنة .1990 المقالة تتناول بالتحليل الثورات العربية والمد الديمقراطي في العالم العربي، وفي الوقت ذاته تحدد أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، وتقترح جملة من النصائح لصناع القرار السياسي الأمريكي وللمجتمع الدولي لدعم وتعزيز الصحوة الديمقراطية في الوطن العربي. ولأن مقالته التحليلية، ساقت الحالة المغربية، وقدمت توصيفا نقديا واستشرافيا لها، فسنحاول في هذا المقال أن نناقشها مع التركيز أكثر على ملاحظاته الخاصة بالملكية في المغرب ومستقبل الإصلاحات الديمقراطية به. في الخطوط العامة يعتبر لاري دياموند أن الثورات العربية التي اندلعت منذ يناير من هذا العام في كل من تونس ومصر والحراك الشعبي الديمقراطي فيما يسمى بالربيع العربي، يمثل موجة رابعة من الديمقراطية. ففي نظره، انطلقت تجارب الانتقال الديمقراطي في ثلاث موجات سابقة بدأت بتجربة الانتقال الديمقراطي في كل من البرتغال، إسبانيا، اليونان، مع سنة ,1970 ثم تلتها العديد من دول أمريكا اللاتينية بوقت قصير، ثم التحقت كوريا والتايوان، وعرفت الفيليبين الانفتاح السياسي مع سنة ,1986 ثم بدأت موجة من التغيير في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في عام ,1990 ممثلة في ذلك جزءا من الموجة الثالثة في الانتقال نحو الديمقراطية، لتنطلق بعد ذلك الموجة الرابعة مع شهر مارس الماضي. بيد أن عالم السياسية لاري دياموند الخبير في دراسة تجارب التحول الديمقراطي في العالم، يخص التجربة العربية بملاحظتين اثنتين: ü وتيرتها السريعة بالمقارنة مع التحولات الديمقراطية التي جرت في أوربا الشرقية. ü جمود في مآل التجربة الديمقراطية. وفي تحليله، لهذا الجمود، يعتبر لاري دياموند أن السبب يرجع في ذلك إلى ثلاث عوامل محددة: 1 سطوة الأنظمة الاستبدادية. 2 انقسامات المعارضة. 3 الاختلافات بين توجهات التيارات الوطنية. وبرؤية واقعية يصنف تجارب الصحوة الديمقراطية الأخيرة في العالم العربي وفق التصنيف الآتي: 1 التجربة التونسية، حيث يعتبر أنها تجربة مشوبة بالتفاؤل والحذر في الوقت ذاته. 2 التجربة المصرية: ويعتبر أنها تجربة تثير قلقا يرجعه إلى السلوك السياسي للمؤسسة العسكرية من جهة، والقوة السياسية التي يمثلها تيار الإخوان المسلمين. 3 التجربة الأردنية والمغربية: ويعتبر أن الملكيتان يمكن أن يستمرا في الحكم وإدارة شؤون البلاد إن هما استثمرتا ما تبقى من شرعيتها السياسية في الانخراط في مسار الإصلاح الديمقراطي. 4 سوريا وليبيا واليمن والسودان، ويعتبر أن الأنظمة الاستبدادية فيها ستؤول إلى السقوط، وأنها إن استطاعت أن تنجو من الثورات، فستعيش فترة مؤقتة وستستنفذ تماما ليتم الإطاحة بها ، إن لم يكن اليوم، ففي السنوات القليلة القادمة. ويؤكد لاري دياموند في خلاصة تحليله أن الربيع العربي حتى ولو جاء بشكل متقطع وغير منتظم، فإنه سيأتي بالتغيير السياسي الأساسي. لكن، إذا كانت الديمقراطية هي النتيجة النهائية، فإن ذلك يتوقف على كيف ستتطور الأحداث وكيف ستتعامل الأنظمة والفاعلين الدوليين مع قوى المعارضة السياسية. أما بخصوص الدور الأممي والأمريكي في التعاطي مع الربيع العربي، فيمكن أن نلخص أفكار لاري دياموند في فكرتين أساسيتين: üü الفكرة الأولى: دعوة الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى الوعي بالفرص التي توفرها اللحظة السياسية التي يعيشها العالم العربي، وكذلك بالتحديات التي تطرحها: الفرص التي تتمثل في الآفاق الحقيقية للتنمية الديمقراطية ، والتحديات التي تتمثل في وجود مخاطر حقيقية (الصعود الإسلامي، الفوضى السياسية، و احتمال حدوث كارثة إنسانية). وفي هذا السياق يقترح عالم السياسية لاري دياموند على صناع القرار السياسي الأمريكي الوعي بطبيعة الاختلافات بين السياقات العربية واختلاف البنى السياسية والشروط الاجتماعية وعدم نهج سياسة استراتيجية واحدة مع كل هذه البلدان. لكن مع التزام عدد من المبادئ الأساسية لخصها في: الاستمرار في شجب القمع العنيف للاحتجاج سلمي. تعزيز مصداقية هذه الكلمات عبر ربطها بالنتائج. الامتناع عن تزويد الأنظمة العربية بالسلاح الذي يستعمل لقمع الاحتجاجات السلمية. الضغط على الأممالمتحدة من أجل تجميد أرصدة المسؤولين العرب المتورطين في قمع الاحتجاجات السلمية وحظر السفر عليهم وعلى أفراد أسرهم، وإحالتهم على محكمة الجنايات الدولية بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. تشجيع الأممالمتحدة للتوسط من أجل فك النزاعات والتسوية بين الحكام والمعارضة ومساعدة الحكومات على تمهيد الطريق لإجراء انتخابات ذات مصداقية. üü الفكرة الثانية: وتتعلق بالدعم المالي والبرنامجي للقوى الديمقراطية والمجتمع المدني في الدول العربية، واستثمار الفرصة غير العادية التي يمثلها الربيع العربي لانضمام السفراء الأمريكيين إلى ممثلي الديمقراطيات الأخرى للضغط على الحكام المستبدين ومساعدة الديمقراطيين العرب . أما بخصوص الاستشرافات والتحديات، فقد انتهى إلى أن الربيع الديمقراطي العربي قدر حتمي على كل الدول العربية، وأن الذي تيسر له النجاة اليوم لن يكون بمنجاة من التغيير في السنوات القليلة القادمة. ففي نظره، لن تكون هذه المرحلة من التغيير في العالم العربي قصيرة ولا محدودة. ولن يكون هناك ذوبان مستمر ولا جمود.، وأن العالم العربي سيعرف السنوات القادمة دورات من الصعود والهبوط في صراع طويل لتحديد المستقبل السياسي للعالم العربي، وأن المخاطر بالنسبة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية كبيرة جدا. والحاجة إلى مبادئ ثابتة، وفهم واضح وتفكير استراتيجي على المدى الطويل أصبح اليوم أكثر إلحاحا. وضمن التحديات، وقف طويلا على التجربة المصرية بالنظر إلى وزنها الديموغرافي الهائل وتأثيرها السياسي على العالم العربي معتبرا أن مشاركة مصر يمكن أن يعطي حيوية لأية إستراتيجية واسعة لإحداث التغيير الديمقراطي في العالم العربي. وفي هذا الصدد يرى لاري دياموند أنه، إلى جانب الدعم والمراقبة اليقظة للعملية السياسية، على الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تبعث رسالة واضحة للمؤسسة العسكرية المصرية بأن أمريكا لا يمكن أن تدعم ارتدادا متعمدا عن المسار الديمقراطي في مصر، وأن العودة للنظام الاستبدادي يمكن أن يكون له نتائج وخيمة على العلاقات الثنائية الأمريكية المصرية، بما في ذلك مسألة الدعم العسكري ألأمريكي، وأن الولاياتالمتحدة لا يمكن أن تسمح للجيش المصري أن يلعب اللعبة المزدوجة الساخرة كما لعبها من قبل الجيش الباكستاني، والتي تتمثل من جهة التخفي وراء الواجهة الديمقراطية لحكم البلاد ، والتحالف مع أصدقاء أمريكا ومع أعدائها في وقت واحد مشيرا في ذلك إلى الإسلاميين الراديكاليين داخل مصر الإخوان المسلمون - وخارجها - حماس. توصيف لاري دياموند للحالة المغربية يناقش لاري ديموند الحالة المغربية مرتبطة بالحالة الأردنية في نفس مقارن، ويعتبر في خلاصاته العامة أن الأردن والمغرب لم يصلا بعد إلى الأزمة، لكن يمكن أن يصلا إليها قريبا. ويعتبر أن البلدين معا يواجهان نفس الشروط التي عاشتها كل من تونس ومصر وقادت إلى إسقاط بن علي ومبارك، تلك الشروط التي تتمثل في: الإحباط المتزايد، الفساد والبطالة والظلم الاجتماعي، وانغلاق النظم السياسية. ويرى أن المغرب والأردن معا لم يواجها لحد الآن احتجاجات قوية. ويقارن بين عبد الله ملك الأردن والعاهل المغربي محمد السادس، ويعتبر أن الأول يوجد في موقع يساعده على قيادة عملية الإصلاح الديمقراطي وذلك من خلال مراجعة القوانين الانتخابية، ومحاربة الفساد ومنع حرية أكبر للأردنيين، وأن هناك مؤشرات قليلة تشير بأن لديه رؤية سياسية أو له الثقة بالنفس لتحديث بلاده والمضي بها في هذا السبيل. أما بالنسبة إلى ملك المغرب، فيرى دياموند أنه لا يزال يحظى بتقدير كبير محليا ومن قبل المجتمع الدولي، ولا يزال ينظر إليه كرجل إصلاح، لكنه يعتبر أنه يوجد في موقع أضعف من الملك عبد الله، بحكم عدم قدرته على كبح جماح مصالح المرتشين في محيطه، وعلى تخفيف تركيز الثروة وملكية الأعمال التجربة في يد دائرة ضيقة من أصدقائه من القلة المقربين إلى محيطه، ولا يزال معزولا من قبل هذه النخبة في ظل تفاقم العاصفة السياسية التي تتجمع تحت السطح بهدوء. ويتلمس داموند العناصر المشتركة في منهجية تعاطي الملكيتين مع الحراك الشعبي، ويرى أنهما يسبحان في نفس المياه المألوفة: يعلنان إنشاء لجان لدراسة الإصلاح السياسي لكن لا يتحركان في اتجاه تغيير سياسي حقيقي. لكن مع هذه الملاحظات، يتوقع دياموند أن تستمر الملكية في الأردن والمغرب لكن بشرط القدرة على استثمار ما تبقى من شرعيتهما السياسية في اتجاه الإصلاح الديمقراطي. ملاحظات نقدية لتوصيف لاري دياموند للحالة المغربية عمليا، يمكن أن نميز بين ثلاث ملاحظات وردت في المقال، يمكن أن نتفق على اثنتين الأولى والثالثة، مع إيراد العديد من المؤشرات والأسئلة النقدية حول الملاحظة الثانية. أما الملاحظتان اللتان يمكن الاتفاق عليهما، وهي كون المغرب والأردن معا لم يصلا بعد إلى الأزمة، وأن فيهما المؤشرات المشابهة للمؤشرات التي أدت إلى اندلاع الثورة في كل من تونس ومصر: الإحباط المتزايد، الفساد والبطالة والظلم الاجتماعي، كما يمكن أن نتفق ضمن نفس الملاحظة على كون الوضع يمكن أن يتطور سلبا ويصل إلى مستوى غير متحكم فيه بحكم الأزمة الاقتصادية وعدم قدرة الحكومة في البلدين على تقديم الإجابات الضرورية لامتصاص التحديات التي يطرحها ارتفاع الأسعار وتهاوي الطبقات الوسطى وتنامي البطالة واستشراء الفساد. ويمكن أن نتفق أيضا على ملاحظته الثالثة التي يرى فيها أن الملكيتين يستطيعان الاستمرار بشرط استثمار ما تبقى من رصيدهما في اتجاه الإصلاح السياسي، بحكم أنه لم يعد ممكنا تأمين الوضع السياسي الراهن بنفس شروطه السابقة من غير انخراط فعلي للملكية في الإصلاح. بيد أن الملاحظة الثانية التي قارن فيها لاري ديموند بين الملك عبد الله والملك محمد السادس ووسم الأخير بجملة من الأوصاف تثير في الحقيقة الدهشة والاستغراب وتسمح بإنتاج العديد من الأسئلة. صحيح أنه حاول أن يذكر بعض المؤشرات المرتبطة بعد القدرة على كبح جماح مصالح الفاسدين في محيطه وعزله من قبل هذه النخبة. لكنه في المقابل، لم يشر في حالة الملك عبد الله إلى مؤشرات مقابلة من نفس المستوى، والتي تتعلق بالإجراءات التي قام بها الملك عبد الله لمواجهة الفساد الذي يعتبر اليوم العنوان الأكبر في خطاب الأحزاب السياسية في الأردن. أما المؤشرات التي ساقها لاري دياموند بالنسبة إلى الأردن مما يتعلق بقوانين إصلاح الانتخابات وإعطاء حرية أكبر للشعب الأردني، فيبدو أن مثيلاتها في الحالة المغربية، تبدو أكثر أهمية، وهو ما تم إغفاله بالكامل. ففي الحالة المغربية أعلن الملك محمد السادس في خطاب 9 مارس عن الإصلاحات الدستورية الجوهرية، وهو الأمر الذي لم ترق المبادرات الإصلاحية في الأردن إلى النزر اليسير منه، فالذي تحصل من مخرجات لجنة الحوار الوطني لا يتجاوز إصلاحات شكلية في الدستور لم ترق إلى حجم مطالب وانتظارات الشعب الأردني، وهو ما يفسر مبادرة تشكيل جبهة أردنية للإصلاح من مختلف الطيف السياسي الأردني - ثمانية أحزاب - تطالب بتعديلات دستورية وتطالب بمحاربة الفساد. وما يؤكد أن ضعف المؤشرات التي بنى عليها لاري دياموند تحليله المقارن بين الحالة المغربية والحالة الأردنية، أن مخرجات لجنة الحوار الوطني في الأردن فيما يتعلق بإصلاح القوانين الانتخابية وقانون الأحزاب لم تحظ بقبول أو تأييد مجمل الأحزاب السياسية في الأردن، حيث رفضت أحزاب المعارضة السبعة قانون الانتخابات النيابية المقترح من قبل لجنة الحوار الوطني؛ وعللت رفضها بكونه لا يلبي طموح وتطلعات الشعب وقواه الحية، أما فيما يخص الحالة المغربية، فإنه لحد الآن لم يصدر من الأحزاب السياسية ما يشير إلى تعثر الإصلاح، فمسودة الدستور ستعرض على الأحزاب، ويبدو أن هناك نفسا إيجابيا يغمر الأحزاب السياسية بعد لقائها مع مستشار الملك الذي أطلعهم على الخطوط العامة لمسودة الدستور. صحيح أنه لحد الساعة لم تصدر مؤشرات كافية تؤكد وجود إرادة سياسية لفتح ورش الإصلاح السياسي والانتخابي، لكن على الأقل، لا يوجد المغرب في الوضع الذي يوجد فيه الأردن اليوم بعد رفض الأحزاب السياسية لقانون الانتخاب والأحزاب، وبعد خيبة ألأمل التي تملكت النخب الفكرية والسياسية من مخرجات لجنة الحوار الوطني التي شكلها الملك عبد الله. أما فيما يخص مؤشر القدرة على مواجهة الفساد، وانخراط الملكية في ترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص، وتعزيز مبدأ الشفافية والتنافسية الشريفة، فلا يعرف السبب الذي دفع لاري دياموند إلى استبعاد أو تغييب مؤشر هام يتعلق بمجلس المنافسة وتأكيد الملك محمد السادس على دوره ''في مراقبة التركزات الاقتصادية وتوفير المناخ الملائم للمنافسة الشريفة ولحرية المبادرة، وتكافؤ الفرص ومكافحة اقتصاد الريع ومختلف أشكال الاحتكار والامتيازات غير المشروعة''. قد يرد اعتراض على هذا المؤشر بسؤال: إلى أي حد يكن أن يكون هذا الإجراء فعالا؟ لكن هذا الاعتراض لم يوجهه الباحث نفسه حينما كان يورد مؤشرات تخص الحالة الأردنية تتعلق بمجرد تشكيل لجان بأهداف معلنة دون متابعة مآلها. وعلى العموم، تبقى الملاحظات الأولى والثالثة ذات أهمية كبرى، بحكم أنها تجمع بين تحليل الواقع والاستشراف، وتضع الملكية في البلدين أمام مسؤولياتها التاريخية في استثمار ما تمتلكه من شرعية سياسية للانخراط في الإصلاح ولعب دور مركزي في تحقيق الانتقال الديمقراطي وتجنيب كل من المغرب والأردن إمكانية تعرضهما لاهتزاز سياسي واجتماعي عاصف. في استكمال مهام النقد لا ينبغي أن تشغلنا الحالة المغربية عن تسجيل جملة من الملاحظات أذالأخرى التي تتعلق بمنهج الباحث في التعاطي مع الثورات العربية، وبشكل مجمل يمكن أن نورد خمس ملاحظات مفصلية: 1 الملاحظة الأولى: استبعاد العامل الخارجي ودوره في تعقيد مهمة الانتقال الديمقراطي في العالم العربي، إذ لم يتتبع الباحث الدور الأمريكي المتردد في كل من مصر وتونس، والدور الذي لا تزال تلعبه في ترتيب المنطقة وإعاقة التحول الديمقراطي في كل بلدان أخرى عل رأسها اليمن، كما لم يذكر أي كلمة عن الدور الأمريكي الداعم للبحرين في مواجهتها القمعي للاحتجاجات السلمية للبحرين والاعتبارات الاستراتيجية التي تحكم أمريكا في تعطيل التحول الديمقراطي في دول الخليج. 2 الملاحظة الثانية: الإغفال المطلق لدول الخليج واستثناؤها من عملية التحول الديمقراطي في التحليل، فباستثناء الإشارة إلى البحرين، لم يتحدث الباحث، إلا بسطر واحد وضعه بين قوسين عن المملكة العربية السعودية، ولم يشر بكلمة واحدة إلى مستقبل الأنظمة في دول الخليج. 3 الملاحظة الثالثة: وتتعلق بنظرة الباحث للإسلاميين، ففي الوقت التي يراهن فيه كثيرا على دور العرب الديمقراطيين في إنجاز التحول الديمقراطي في العالم العربي، يورد الإسلاميين أو الصعود الإسلامي ليس كمؤشر على التحول الديمقراطي وعلى كونهم يشكلون فاعلا أساسيا فيه، ولكن يوردهم ضمن خانة التحديات، (حالة مصر مصر). 4 الملاحظة الرابعة: وتتعلق بالدور الأمريكي، وخاصة ما يتعلق بالتمويل والدعم السياسي الذي يمكن أن يقدمه السفراء للعرب للديمقراطيين العرب ، إذ لم يشر الباحث إلى الاعتبار الاستراتيجي في الموضوع، وما طبيعة الديمقراطيين الذين سيتم دعمهم، وأي تحول ديمقراطي يمكن أن تدعمه الولاياتالمتحدةالأمريكية؟ التحول الذي يقوده الإسلاميون أو على الأقل تكون مشاركتهم فيه وازنة، أم التحول الديمقراطي الذي لا يطرح تحدي صعود الإسلاميين، كما لم يأخذ بعين الاعتبار موقف القوى الديمقراطية نفسها وشعورها ومزاجها من الدور الأمريكي في المنطقة. صحيح أنه حذر من تداعيات التمويل الأمريكي للكثيف للنخب الديمقراطية، والأخطار التي يمكن أن تنجم عن ذلك فقدان هذه النخب لمصداقيتها لكن النقاش العميق لهذه الاعتبارات التي سقناها كانت غائبة تماما عن المقال. 5 الملاحظة الخامسة: وتتعلق بمآل الثورات وتقييم حصيلتها، فعلى الرغم من أن لاري دياموند انتهى في تقييمه للثورتين المصرية والتونسية إلى نتيجة سلبية، ما دام أنه اعتبر أن الحالة التونسية توسم بالتفاؤل والحذر، والحالة المصرية توسم بالقلق المثير، إلا أنه خلص إلى أن التحول الديمقراطي حتمي في العالم العربي. من الناحية الاستشرافية يصعب الحكم على صحة هذه التقديرات، لكن بمقارنة ما يجري على الأرض حالة تونس ومصر وليبيا واليمن وأخذا بعين الاعتبار للتقديرات الاستراتيجية في المنطقة الحاجة إلى استقرر دول الخليج تشكيل محور مواجه لإيران أمن إسرائيل فإن الحديث عن التحولات السياسية في المنطقة لا يتوقف فقط على إرادة الشعوب وحجم الإحباط الذي تعيشه، ولكن يرتبط بدرجة ما بالتفاعل بين الاعتبار السياسي والاستراتيجي. ولعل إشارة لاري دياموند في خاتمة مقاله إلى مؤشر كيفية تطور الأحداث وشكل تعاطي الأنظمة والفاعلين الدوليين مع قوى المعارضة السياسية، يبقى أكثر أهمية من النتائج القدرية التي انتهى إليها.