ظهر اختلاف بين الدارسين و الباحثين حول تسمية الحراك السياسي التي تمر به المنطقة العربية ، فهناك من نعته بالربيع العربي و هناك من نعته بالربيع الديمقراطي ، لكن الشيء الذي لا يمكن الاختلاف حوله أو حتي المجادلة فيه كون المنطقة العربية تمر بمرحلة من التغيرات والتحولات الديمقراطية والذي تمثلت في نجاح كل من الثورة الشبابية التونسية و المصرية والليبية و اليمنية ، ويبدو أن الأوضاع في سوريا تتجه إلى مثل ما انتهت إليه الثورات الشبابية العربية سالفة الذكر . و الملاحظ أن الظاهرة عرفت انتشارا بشكل سريع إلى درجة سماها البعض نظرية العدوى ، فنجاح الشباب في تونس في ثورة الإصلاح و الديمقراطية حفز الشباب في مصر وبقية الدول العربية للتحرك وفق نفس الاتجاه في دولهم حيث أعطتهم الثقة في الذات بإمكانية قيادة الحراك .و الحال أن انتشار الحراك مرده إلى تشابه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين مختلف البلدان العربية بما يوفر مناخاً ملائماً لانتشار ظاهرة الحراك الشبابي. 1- الأوضاع الاقتصادية: المتسمة بارتفاع مهول لنسبة البطالة في صفوف الشباب نسبة 40% من القادرين على العمل ، و ارتفاع معدل الفقر أكثر من 50% في جل هذه الدول. 2- توزيع غير عادل للثروة أقل ، حيث يسيطر 5 % من السكان على أكثر من 80% من الناتج القومي الإجمالي. طغيان ظاهرة الريع الاقتصادي و الاعتماد على المساعدات الخارجية أكثر من اعتمادها على الفائض في الميزان التجاري . 3- قمع الحريات الأساسية و مقايضتها بالريع والمساعدات مقابل استقرار أنظمتها السلطوية .حيث أن الحريات الأساسية مرهونة بشخصية الحاكم، و السلطة متركزة في يد هذا الفرد الواحد. 4- انتشار الفساد في جل بنى الدولة ، حيث تتصدر الدول العربية الفساد في العالم . إن الشعوب العربية مدعوة للتحرك من اجل تدشين مسار نحو التحول الديمقراطي و إحداث التغيير، عبر إعطاء انطلاقة لعملية التحوّل كي لا تكون ضحيّتها. من خلال ضمان قسط من الأمن والاستقرار خلال عملية الانتقال، إلا أنه قد يعرِّض عملية الدمقرطة نفسها إلى الخطر. هنا سأحاول عرض النماذج الدولية و المداخل التي أخذتها عملية التحول، على أن أتطرق في هذا المقال للمداخل التي يمكن أن تعتمدها ليبيا الجديدة في تدشين عملية التحول الديمقراطي المطلب الأول: التحديات الداخلية ومسار التحول الديمقراطي. المدخل المؤسساتي. إن النظام السابق عمل على إدارة ليبيا وفق منطلق الحكم الفردي، و ضيع على ليبيا فرصة تحقيق بناء مؤسساتي يسهل عملية التحول الديمقراطي ، لهذا فليبيا بعد ثورة 17 فبراير مدعوة لتدشين مرحلة انتقالية محددة الأجل من اجل بناء آليات التواصل على أساس تلبية مطالب الشعب الليبي . عبر صياغة دستور ليبي و تطوير مؤسسات المجتمع المدني و احترام حقوق و الإنسان و إطلاق الحريات العامة و محاربة الفساد في مؤسسات الدولة و تحقيق الاستقرار . و هنا يمكن الاستئناس بالتجربة الروسية إبان حكم "فلاديمير بوتين "، عبر توضيح الصلاحيات في إطار فصل السلطات بين المجلس الوطني الانتقالي و الحكومة المؤقتة و تحديد فترة انتقالية محددة المدة و بناء حوار مع الثوار بغية إدماجهم في جيش نظامي و تحييدهم عن المجال السياسي و التأسيس لمرحلة تنظيم انتخابات حرة ونزيهة . المدخل الانتخابي إن المتربصين بليبيا ما بعد الثورة قصد الوصول للسلطة من اجل مصالح شخصية أو فئوية أو قبلية أو إيديولوجية ، ليس باستطاعتهم الفوز في انتخابات حرة و نزيهة ، و لكن قد يقدرون على استعمال العنف لبسط نفوذهم على مؤسسات و إمكانيات الشعب الليبي في أجواء مشحونة بالتوتر .عبر تبني نظام انتخابي يقوم على أساس القضاء على المركزية ،عبر اعتماد نظام لامركزية تتفادى الاحتقان الذي قد يتولد لدى مناطق طالما تضررت من التهميش و الإقصاء و التي قد تتطور إلى المطالبة بالفيدرالية أو الانقسام و هنا أعود لأذكر بان ليبيا إبان عهد العثمانيين قسمت لثلاث مناطق و هي طرابلس،برقة، و فزان وحدود هذه المناطق لم يتم تحديدها بشكل واضح من قبل الملكية السنوسية و التي عرفت العديد من التغيرات ابتدءا من سنة 1951 كما عمل نظام القدافي على تقسيم ليبيا إلى 22 منطقة و ليس إلى ثلاث مناطق ، الأمر الذي يعقد الأمر. والدخول في نظام الجهوية لتقوية المناطق اقتصاديا واجتماعيا وتأهيلها للديمقراطية بشكل نهائي. المدخل الاقتصادي: مقارنة بتونس و مصر و اليمن ، فان ليبيا الجديدة ورثت أوضاعا اقتصادية ليست سيئة ، و التي وجب أن توظف في إطار تقوية شرعية الجهة الحاكمة عبر حشد دعم الشعب الليبي باستجابة لمطالب المتظاهرين في الميادين في العديد من المناطق الليبية من خلال ممارسة الشفافية و نهج سياسة إستباقية، فقوة المجلس الانتقالي و الحكومة المؤقتة تكمن في الدعم الشعبي لهذا وجب المحافظة على هذا الدعم باستمرار و الحيلولة دون أن تقوم شخصيات عسكرية باتخاذ قرار الانقلاب على مؤسسات الحكم . فالتحول الديمقراطي يقتضي ضمان الاستقرار و هذا الأمر يقتضي بناء اقتصاد وطني مستقر و عدم تركه عرضة للتقلبات الدولية من خلال الاعتماد على نهج يوازن بين التصدير إلى الخارج و الاستهلاك الداخلي . فنهج سياسة شراء سندات الحكومة الأمريكية و الأوروبية يؤدي إلى الانغماس في المالية المحفوفة بالمخاطر .هدا النهج يقتضي اتخاذ خطوات ضرورية تقوم على أساس: - تصحيح في المناهج التعليمية و تدريب اليد العاملة. - الاعتماد على اليد العاملة الوطنية و تقليص العمالة الأجنبية الغير عربية. - رفع الأجور قصد تحقيق العدالة الاجتماعية. إن هذه الخطوات تستدعي إحياء المغرب الكبير عبر إنهاء نقط الخلاف بين المغرب و الجزائر، ووضع مثل للاتحاد الذي يمكن أن يلعب قنطرة هامة من اجل ضمان التحول الديمقراطي في كل من تونس و ليبيا و هنا استحضر تجربة الدول التي كانت منضوية تحت المنظومة الشيوعية التي اندمجت في الاتحاد الأوربي و حققت تحولا نحو الديمقراطية ، عبر إقرار التعددية ذي الطبيعة الليبرالية . التجربة الليبية تعترضها صعوبة في الانتقال من اقتصاد التخطيط إلى اقتصاد يعتمد السوق الحرة و التنافسية. يخلق صعوبات داخلية متمثلة في ضرورة تكييف مؤسسات الإنتاج مع النظام الرأسمالي، و الذي يخلق صعوبات على المستوى الخارجي في العلاقة مع الاقتصاديات الدولية. و هنا ينبغي الإسراع بإدخال مسلسل الإصلاحات قصد توحيد الاقتصاد المغاربي، الأمر الذي سيدفع دول المنطقة مجتمعة إلى تحول ديمقراطي يقوم على أساس تأهيل الرأسمال البشري و إصلاح التعليم و التعاطي مع الأوضاع الداخلية والخارجية. قياديين ذوي الشرعية المزدوجة وتعبيد الطريق للديمقراطية . هناك أعضاء من حركة الضباط الوحدويون الأحرار ممن هم أعضاء في المجلس الانتقالي أو لديهم نفوذ على ارض الواقع و على التعاون مع المجلس ، حيث شاركوا في انقلاب 1969 ولهم شرعية ثورة 17 فبراير من الممكن أن تلعب دورا في التحول الديمقراطي، و هنا نشير للمسار الذي اتجهت له التجربة البرتغالية و الذي استدعى تضافر جهود المسؤولين العسكريين والفاعلين السياسيين والمدنيين، بخلقهم لثقافة سياسية ودستور ملائم وتكوين مجتمع مدني قوي و طبقة سياسية لها مصداقية ونهج اقتصادي حر. من خلال بناء سياسة جديدة لم تواكب الضغط الداخلي ولم تساير التطور بأوربا، الأمر الذي عجل ببروز مشاريع مجتمعية تتصارع داخل المجتمع البرتغالي وانفجار الحركة الرئيسية في انهيار النظام الديكتاتوري (حركة الضباط) لعدم وجود مشروع متماسك لديها. إن مسار التحول الديمقراطي معقد وشاق. و هنا فان ليبيا في حاجة لتضافر جهود المسؤولين العسكريين ذو الشرعية المزدوجة والفاعلين السياسيين والمدنيين بخلقهم لثقافة سياسية ودستور ملائم وتكوين مجتمع مدني قوي طبقة سياسية لها مصداقية ونهج اقتصادي حر. هاته الشخصيات من الممكن أن تلعب دورا ايجابيا، لكون مسار التحول يتطلب آليات وتعاقدات حقيقية بين جميع الأطراف عبر توفير ضمانات من خلال ميثاق تعاقدي ، يشجع على المشاركة لجميع الأطراف كمدخل أساسي يؤسس لتوافق وطني وبداية لمسار التحول نحو الديمقراطية .. تنتهي بمناظرة تضع حد للصراعات بين الأطراف السياسية من خلال بلورة مشروع يقوم على التوافق بين الحركات الإسلامية و العلمانية على أسس تقوية الحريات ومن ضمنها حرية الصحافة. وضمان سياسة الاعتدال و نبذ التطرف و التداول على السلطة. المصالحة الوطنية . العمل في الوقت نفسه على تصفية الماضي السياسي والاقتصادي والاجتماعي، هذا الوضع نتج عنه وجود حالة من الانتظارية ترتب عنها ظاهرة الاحتجاجات الاجتماعية (المجالس المحلية و تجمعات الثوار، احتجاجات الحقوقيين...).داخل هذا المناخ سوف يتم الإعلان عن انتخابات 27 شتنبر 2002 وهي الانتخابات المباشرة الأولى بعد انتقال الملكية، وقد قدمها الفاعلون السياسيون بكونها انتخابات إنقاذ سياسي، إذ اختزلت فيها جل انتظارات المواطنين، بالموازاة مع ذلك باشرت الأحزاب السياسية بنقد الانتخابات السابقة وقدمت نفسها كضحية لعمليات التزوير، وكأنها تود بذلك أن تبين أن الإشكالية الأساسية التي تعوق التطور في النظام السياسي المغربي هي عدم مصداقية الانتخابات. المطلب الثاني: التحديات الخارجية للتأسيس لانطلاق مرحلة التحول الديمقراطي التحديات الإقليمية ( المحيط العربي). إن التطور العربي خاصة في الدول التي عرفت انتفاضات نحو تدشين تحول ديمقراطي كامل و سليم خاصة في مصر و تونس سيؤثر ايجابيا على التحول الديمقراطي في ليبيا و سيحول دون انزلاق التحول نحو حرب أهلية. و هنا فالمجلس الوطني الانتقالي مدعو لمواجهة هذه التحديات قصد الخروج بليبيا الجديدة من مفترق الطرق و تدشين عملية للسيطرة على كل ليبيا و كسب مصداقية الشعب الليبي للمحافظة على الدعم الشعبي لقيادة مرحلة التحول و تقوية مشروعيته ، و بدون هذا الأساس لن تكون هناك أي مشروعية للمجلس الانتقالي و ستدخل ليبيا نفقا مظلما . تحديات المحيط الدولي. لقد نجح المحيط الدولي خاصة الولاياتالمتحدة في ألمانيا واليابان في تحويل مجتمعات الدولتين إلى مجتمعات مستقرة ومعتدلة تتمتع شعوبها بالديمقراطية. لكن في المقابل فشلت في إحداث تحول في كل من الصومال وفي هاييتي وبنسبة اقل في البوسنة والهرسك. إن التجربة الليبية هي تجربة مختلفة عن النماذج السابقة ، فالثقافة الليبية قد تكون المحفز الحقيقي للتغيير، والتحدي الأكبر هو إعادة البناء في ليبيا التي وجب أن تؤسس بمراعاة مصر على اعتبار أن مصر الدولة المجاورة و لها علاقات متشابكة في جميع المجالات بالإضافة لوجود نحو مليون مصري في ليبيا منذ عقود طويلة. إن المحيط الدولي يدرك ضرورة التحول الديمقراطي في ليبيا من اجل مواجهة الإرهاب و تجاوز نظرته الاقتصادية الضيقة المتمثلة في مصالحه النفطية. فهل ستقود المصالح النفطية ليبيا إلى التقسيم وإقامة قواعد عسكرية لمواجهة النفوذ الصيني والهندي في إفريقيا؟ إن إقامة نظام ديمقراطي في ليبيا يتطلب ، إضافة إلى توفير الأمن والاستقرار، عددا من المقومات الضرورية التي ستحتاج إلى الكثير من الجهد والوقت مثل إقامة مؤسسات للإعلام الحر، وتوفير عناصر نشطة في نطاق مؤسسات المجتمع المدني، وتدريب الأطر السياسية على تنظيم صفوفها وفقا للانتماءات القبلية، بالإضافة إلى جماعات المصالح الأخرى التي ترغب في المشاركة في العملية السياسية من خلال مأسسة الاختلاف بأسس ديمقراطية . إن التحول الديمقراطي في ليبيا يحتاج إلي صياغة دستور جديد للبلاد ونظام سياسي يوفر المساءلة والتوازن بين السلطات وتوفير ضمانات تحُول دون أن تؤدي الممارسة الديمقراطية إلى ضمان حقوق الأقلية ، خاصة في مجتمع يتسم بالقبلية و من تم فهناك حاجة ملحة لإحياء تكتل مغاربي لدعم علاقات التعاون والمشاركة بجهد أكبر في بناء ليبيا الجديدة وخاصة أن هناك ترحيبا أوروبيا وأمريكيا . باحث جامعي