لأول مرة يعرض سعد الدين العثماني، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، روايته الخاصة لما جرى خلال فترة “البلوكاج” السياسي الذي أدى إلى إزاحة عبدالإله بنكيران وتشكيل حكومة من ستة أحزاب سياسية، من بينها الاتحاد الاشتراكي. العثماني قال، بحسب أكثر من مصدر، إن “جميع القرارات كانت جماعية”، بمعنى أنها بموافقة الأمانة العامة للحزب ولم تأت نتيجة التزامات سابقة له مع مستشاري الملك عقب تعيينه يوم الجمعة 17 مارس 2017. بما في ذلك إشراك حزب الاتحاد الاشتراكي في الحكومة، الذي كان موضوع خلاف داخل الأمانة العامة، ومحل رفض من بنكيران الذي أصرّ على إبعاده. وبحسب مصادر حزبية، فإن “الرواية الرسمية” أظهرت أن الأغلبية الحكومية الحالية صنعت وفق مسلسل أحداث بدأ ب”الاعتراض على حزب الاستقلال لكي يكون في الحكومة، ثم الضغط من أجل إبعاده على خلفية تصريحات أمينه العام حميد شباط حول موريتانيا”، ثم “فرض الحبيب المالكي رئيسا لمجلس النواب”، وهو من قيادة حزب الاتحاد الاشتراكي الذي رفض بنكيران إشراكه في الحكومة، ثم “إعادة هيكلة حزب التجمع الوطني للأحرار”، وأخيرا “إزاحة بنكيران” بسبب أنه اعترض على هذا المسلسل، وأصرّ على تشكيل حكومة بدون الاتحاد الاشتراكي ومن الأحزاب نفسها التي كانت في حكومته السابقة. لكن لا يبدو أن هذه الرواية تحظى بإجماع داخل حزب العدالة والتنمية، فالعثماني الذي عُيّن رئيسا للحكومة يوم 17 مارس 2017 “لم يخبر المجلس الوطني في دورته الاستثنائية يوم 18 مارس”، كما أنه “لم يخبر الأمانة العامة للحزب يوم الأحد 19 مارس”، وبحسب عضو في الأمانة العامة للحزب “الاتحاد الاشتراكي أُملي علينا، ومكانش فراسنا”. وأضاف “خلال اجتماع الأمانة العامة الذي انعقد في اليوم الموالي لدورة المجلس الوطني، أخبرنا العثماني أنه سيُجري مشاورات مع جميع الأحزاب مجددا. فقلت له بما أنه عندك مهلة قصيرة لا تتعدى 15 يوما، عليك أن تستشير عزيز أخنوش أولا، وإذا عبّر عن تشبثه بالاتحاد الاشتراكي يجب أن تعيد لهم المفاتيح بدون تردد. لكن العثماني أجابني بما مفاده أنه قدم التزاما بأن العدالة والتنمية لن يخرج إلى المعارضة، وهكذا لم نعرف أن الاتحاد الاشتراكي جزء من الأغلبية إلا يوم الثلاثاء، حيث أخبرنا العثماني رسميا في اجتماع الأمانة العامة”. الحلقة المفرغة هنا أن العثماني كان قد أخبر بنكيران بالتزامه مع مستشاري الملك بإشراك الاتحاد الاشتراكي في حكومته، وكان ينتظر من بنكيران أن يبلغ بذلك أعضاء المجلس الوطني للحزب، لكن الأخير لم يفعل لأنه كان يعترض على الاتحاد الاشتراكي في الحكومة، وإذا أخبر المجلس الوطني كان ملزما بأن يقول موقفه الرافض، وفي حال فعل ذلك ربما أفشل مهمة العثماني كاملة. وهكذا ترك بنكيران للعثماني مهمة إخبار المجلس الوطني لكنه لم يفعل، إلى أن فاجأ الجميع يوم الثلاثاء 21 مارس في الأمانة العامة بقرار مسبق يقضي بإشراك الاتحاد داخل الحكومة، وهو ما عكسته الصورة الشهيرة لاحقا في مقر الحزب. الخلاف بين الروايتين تدور أساسا حول إشراك الاتحاد الاشتراكي وليس حول تشكيلة الأغلبية، بنكيران رفض وأدى ثمن رفضه بإعفائه، في حين وافق العثماني على الشرط. وبينما يصر العثماني والوزراء معه على أن “اللي داروه كان هو الممكن”، وأن وجود الاتحاد الاشتراكي في الأغلبية الحكومية “ليس مشكلة في النهاية”، يصر أنصار بنكيران على أن بعض قادة الحزب “تخلوا عن بنكيران في لحظات معينة” وكان الثمن هو رأسه. عبدالعزيز أفتاتي، عضو الأمانة العامة، قال ل”أخبار اليوم” إن “الأهم هو الأحداث الكبرى، بدءا بإبعاد الاستقلال حتى فرض إزاحة بنكيران، وليس التفاصيل الصغيرة التي تختلف من شخص إلى آخر”، وأضاف أن الأولية الآن هي “الإجابة عن سؤال ما العمل؟. علينا إسراع الخطى من أجل بلورة إجابة عن الأسئلة المطروحة، وإنتاج وثيقة تتضمن خارطة طريق للمستقبل”. أما عبدالعلي حامي الدين، كاتب جهوي في الحزب وعضو لجنة الحوار الداخلي، فقد دعا إلى “طي الصفحة كاملة دون قراءتها، وإذا كان بعض الإخوة يصرون على قراءة الصفحة، فيجب أن تكون قراءة بنكيران حاضرة، وفي غيابه يجب طي الصفحة فقط، وإلا فإن أي قراءة كيفما كانت ستكون مضيعة للوقت فقط، خصوصا وأنها لن تحظى بموافقته”.