بعد أكثر من خمسة شهور من البلوكاج لتشكيل الحكومة، جاء إعفاء بنكيران من طرف صاحب الجلالة و تعويضه بالعثماني الذي نجح - بسرعة فائقة- في تجاوز هذا البلوكاج الذي كان نتيجة تشبث أخنوش بمشاركة الاتحاد الاشتراكي في الحكومة وتشبث بنكيران برفض هذه المشاركة دون أن نعرف إلى حد اليوم لماذا تشبث أخنوش بحزب الاتحاد الاشتراكي ولماذا تشبث بنكيران برفضه' مما جعل من مشاركة الاتحاد الاشتراكي في حكومة بنكيران او عدمها العائق الأول- الظاهر على الأقل- للبلوكاج الحكومي. وكان طبيعيا – منذ إعفاء بنكيران وتكليف العثماني بتشكيل الحكومة – أن تتجه كل الأنظار نحو موقف العثماني من الاتحاد الاشتراكي هل سيقبله في الحكومة أم أنه سيرفضه على أساس بلاغلات الأمانة العامة لحزبه، لكن المفاجأة كانت هي قبول العثماني مشاركة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الحكومة مما مثل زلزالا سياسيا قويا داخل أجهزة حزب العدالة والتنمية التي لم تكد تهضم إعفاء بنكيران حتى نزلت عليهم الصاعقة الثانية هي قبول العثماني مشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي مما أدخل الحزب البيجيدي إلى وضعية دقيقة مفادها أن حزب العدالة والتنمية ما قبل 25 مارس 2017 لن يكون هو نفس الحزب ما بعد 25 مارس يوم إعلان العثماني تشكيلة الحكومة بضم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الأمر الذي يجعل مصير حكومة العثماني ومصير حزب العدالة والتنمية مفتوحا على كل الاحتمالات في ظل العملية القيصرية التي ولدت بها حكومة العثماني، والسياق الدقيق الذي تتشكل فيه. 1-العثماني وتشكيل الحكومة انتصار بطعم الهزيمة استطاع العثماني النجاح في تشكيل الحكومة في أسبوع، في حين فشل بنكيران بتشكيلها بعد 5 شهور، وهذه مفارقة غريبة لا يمكن أن تقع إلا بالمغرب، فالعثماني الذي رافق بنكيران في كل المشاورات والمفاوضات لتشكيل الحكومة يدرك –جيدا- أن سقف تنازلات بنكيران هو تشكيل الحكومة من أحزاب الأغلبية السابقة بالإضافة للاتحاد الدستوري، وبعد تعيينه كان يدرك – أيضا- أنه مفروض عليه تجاوز سقف بنكيران بقبول الاتحاد الاشتراكي في تشكيلة حكومة العثماني ليفهم أن سبب البلوكاج الحكومي هو تعنت بنكيران، وليس شروط أخنوش.الأمر الذي خلق صدمة وردود فعل عند المتعاطفين مع بنكيران الذي يمكن أن نقول عنه إنه انتهى سياسيا لكنه تقوى تنظيميا على حساب العثماني الذي انتصر في تشكيل الحكومة لكن بطعم الهزيمة. 2- إعفاء بنكيران ضريبة تعنته لتشكيل حكومة 2017 بمنطق تشكيل حكومة 2011 لا حظ الكل احترام صاحب الجلالة المنهجية الديمقراطية في التعيين وفي الإعفاء، فمن أخطاء بنكيران الكبرى في تدبير ملف تشكيل الحكومة منذ تعيينه 10 اكتوبر 2016 في تشكيل الحكومة هو عدم إدراكه للمتغيرات العميقة التي عرفها المغرب والمحيط الإقليمي والنظام الدولي، حيث بقي سجينا لتشكيل حكومة 2017 بنفس طريقة تشكيله حكومة 2011 واستمراره في إنتاج نفس الخطاب التواصلي التصاعدي مع الدولة والأحزاب مما أدى به إلى الفشل في تشكيل الحكومة رغم مرور 5 اشهر على تعيينه الأمر الذي دفع صاحب الجلالة إلى إعفائه انسجاما مع منطوق الفصل 42 وتعويضه بالعثماني الذي توفرت له كل الشروط الموضوعية والذاتية لتشكيل الحكومة في زمن قياسي بفضل قوة الإرادة الملكية، وليس وفق إرادة الأحزاب التي أكدت اليوم بسلوكها وبخطابها عجزها الشامل في مواكبة الإصلاحات والبرامج ولمشاريع العميقة التي يقودها ملك البلاد. 3- بنكيران بين الموت السياسي واستمرار التحكم في هياكل الحزب شكل الإعفاء الملكي لبنكيران من تشكيل الحكومة صدمة لم تكن متوقعة، لذلك اعتبر هذا الإعفاء بمثابة إعلان لموته السياسي وليس نهاية لتحكمه في هياكل الحزب لكون بنكيران ما زال أمينا عاما للحزب ولديه عدة أوراق للعب بها أهمها : ا- قدرته تطويق الأزمة الحزبية التي سببها قبول العثماني الاتحاد الاشتراكي عبر دعم خطوات العثماني ومساندته لأن بنكيران ازدادت شعبيته داخل الحزب بعد إعفائه وفرض الاتحاد الاشتراكي على العثماني الذي يدرك –جيدا- قوة بنكيران التنظيمية والتواصلية. ب- تكوين معارضة حزبية قوية داخل حزب العدالة والتنمية لتحكمه في الفريق البرلماني . ج- تقديم الاستقالة في المؤتمر المقبل للحزب والاعتزال عن السياسة كما فعل اليوسفي سنة 2002 . د- نهج سياسة الصمت وواللامبالاة اتجاه العثماني وحكومته مما قد يؤدي الى ظهور حركات تصحيحية خصوصا إذا كان العثماني يرغب في الجمع بين رئاسة الحكومة ورئاسة الأمانة العامة للحزب وهي مهمة صعبة التحقق دون دعم من بنكيران قبل وأثناء عقد المؤتمر الذي من الأكيد أن حزب العدالة والتنمية قبل إعفاء بنكيران لن يكون هو نفس الحزب بعد إعفائه، وأن حزب البيجيدي بنكيران لن يكون هو نفس البيجيدي العثماني الذي سيواجه عدة مواجهات أثناء تشكيل حكومته وعدة صعوبات اثناء رئاستها. 4- العثماني وتشكيل الحكومة وتعدد المواجهات مخاض صعب وشاق سيمر به تشكيل حكومة العثماني، مخاض يميزه سياق مأزوم سيجعل مآل تشكيل الحكومة وانسجامها واستمرارها مفتوحا على كل الاحتمالات. أكثر من مؤشر يدل على أن العثماني سيحارب على عدة جبهات : أولا- الجبهة الداخلية وتتمثل في مواجهات مع أعضاء وأجهزة حزبه خصوصا مع صقور الأمانة العامة ومعارضيه داخل الفريق البرلماني وتجلى ذلك في تشبث الأمانة العامة بالرفض المطلق لاستوزار إدريس لشكر ورسائل غياب بنكيران عن آخر اجتماع للأمانة. ثانيا - مواجهات مع أحزاب أغلبيته الحكومية التي تعرف صراعات داخلية قوية حول الاستوزار خصوصا تلك الأحزاب التي ستعقد مؤتمراتها الوطنية سنة 2017 الأمر الذي سيجعل العثماني رهينة عند مجموعة أخنوش وأقصد أحزاب الاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية والتجمع الوطني التي يمكن أن تسقط العثماني من رئاسة الحكومة في أي لحظة إذا لم يساير العثماني أجندتها السياسية بدل اتباعه أجندة الأمانة العامة لحزب البيجيدي عبر التصرف كعضو الأمانة العامة للبيجيدي وليس رئيس حكومة.على كل حال تعيين العثماني يعني طي مرحلة بنكيران وجعل مستقبل الحزب مفتوحا على كل الاحتمالات . 5- تشكيل حكومة العثماني وتداعياته على مستقبل حزب البيجيدي من المؤكد أن حزب البيجيدي قبل تشكيل حكومة العثماني بمشاركة الاتحاد الاشتراكي وقبل إعفاء بنكيران لن يبق هو نفس حزب البيجيدي بعد تشكيل حكومة العثماني لان الحزب عرف وسيعرف زلزالا سياسيا مدويا وستتراجع قوته الانتخابية والشعبية قبل واثناء وبعد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وأعتقد أن أخطر محطة سيعرفها الحزب في تاريخه هي محطة المؤتمر الوطني المقبل أواخر سنة 2017 الذي من المنتظر أن يعرف تطاحنات قوية قد تؤدي لظهور تيارات ستهدد تماسك وحدته الداخلية خصوصا بين أتباع بنكيران وأتباع العثماني وأتباع الرباح وأتباع الرميد . الأكيد ، أن بعض أعضاء الأمانة والعامة وكثيرا من أعضاء المجلس الوطني قبلوا على مضض إعفاء بنكيران وتعيين العثماني وفرض مشاركة الاتحاد الاشتراكي للمشاركة في الحكومة التي اعتبرها الكثير من المحللين مخطط لبلقنة حزب العدالة والتنمية الذي يتميز عن باقي الأحزاب المغرب بقوة التنظيم والانضباط والتدبير المؤسساتي، وبقوة كارزمية أمينه العام بنكيران الذي من المنتظر أن يعرف الحزب هزات عنيفة وتراجعات انتخابية وشعبية دالة بعد رحيله على قيادة الحزب لوضع حد لاتساع شعبية بنكيران ولقوة حزبه الانتخابية التي بدأت تقلق بعض الجهات في الدولة وفي الأحزاب السياسية خصوصا بعد استمرار بنكيران في تجاوزاته السياسية والتواصلية للخطوط الحمراء نتيجة عدم وعيه أن وضعية الدولة وأجهزتها سنة 2011 ليست هي نفس وضعية الدولة وأجهزتها سنة 2017 نتيجة مجموعة من المتغيرات السياسية التي عرفها المغرب ومحيطه الإقليمي والقاري والدولي. والأسئلة المحرقة التي تفرض نفسها هي: ما مآل حزب العدالة والتنمية بعد هزات إعفاء بنكيران وقبول العثماني مشاركة الاتحاد في الحكومة؟ هل ما يعرفه الحزب اليوم هو بداية البلقنة من الداخل أم تصحيح مساره نحو الواقعية والمنطق الذي يفرضه واقع 2017؟ هل تغيير الأشخاص يعني تغيير منهجية المؤسسات؟ وإلى أي حد سيصمد الحزب للضغوطات الممارسة عليه من قوى متعددة؟ على كل حال قد تتعدد الأجوبة وتختلف لكن الكل يتفق بأن حزب العدالة والتنمية يمر اليوم من وضعية صعبة، ويخوض حروبا على جبهات متعددة مع وعي أجهزته بكلفة ذلك قبل سنة 2021 والتي ستكون بداية التراجع العكسي للبيجيدي مما سيعرضه للتصدع والانشطار خصوصا بعد طي صفحة بنكيران الظاهرة السياسية والتواصلية التي لن تكرر في الزمن السياسي المغربي القريب بالرغم من كل أخطائه. *أستاذ التعليم العالي جامعة محمد الخامس