في قلب الساحة الرئيسية القديمة لمركز بلدة "كرامة" بإقليم ميدلت، والتي كانت في عهد الاستعمار روضة غناء، تفوح من زهورها وشتائلها روائح زكية، وأضحت، في وقتنا الراهن، مكانا رسميا يحتضن السوق الأسبوعي، وتتجمع فيه مختلف أنواع النفايات والقاذورات، في هذا المكان تقبع محكمة آيلة للسقوط في كل وقت وحين. المحكمة بناها المستعمر الفرنسي منذ عشرينيات القرن الماضي واستعملت من أجل البث في القضايا والنزاعات، ومحاكمة الوطنيين والمقاومين الأشاوس، الذين صدعت حناجرهم كما بنادقهم في وجه قوات الاستعمار وسطرت أروع البطولات في مواجهتها. والآن، وبعد بزوغ فجر الاستقلال، ورغم تعاقب الحكومات والمسؤولين على تدبير شؤون قطاع العدل، بقيت هذه البناية المهترئة تئن تحت وطأة التجاهل واللامبالاة، فلا هي أُصلحت ورُممت لتعطي للعدالة تلك الصورة الناصعة التي يرومها كل مواطن، ولا هي أزيلت من الوجود حماية للسكان عامة، وللمارة على وجه التحديد من خطر انهيارها، ووقاية لجدرانها من أوساخ وفضلات المتسوقين والباعة المتجولين . وعلق أحد الغيورين من أبناء المنطقة على الوضع المزري ل"المحكمة" بالقول: "إن هذه البناية تستحق كل ما لحق بها من عفن، لأنها شهدت في عهد الحماية أبشع فصول الظلم والاستبداد، سواء من قبل المستعمر أو أزلامه "، حسب تعبيره. في المقابل، يُزاول موظفو وأطر وزارة العدل والحريات مهامهم حاليا بالمقر القديم لقيادة "كرامة"، في ظروف تُوصف بأنها "غير لائقة". وبالنسبة لأبناء هذه البلدة الكائنة في "العمق المغربي"، فإن هذه المحكمة "معلمة تاريخية" وجب إصلاحها وصيانتها، لأنها مرآة كما تعكس قبح وجه الاستعمار في استغلال خيرات البلاد وقمعه لأبناء المنطقة من الوطنيين والمقاومين، فإنها تُبرهن على وجود طينة خاصة من أبناء هذا الوطن الذين ضحوا بالغالي والنفيس في سبيل الانعتاق من أغلال الاستعمار واسترجاع حرية وكرامة الوطن. ويرى غيورون وجمعويون أن على الجهات المسؤولة أن تُحول هذه البناية الآيلة للسقوط إلى "متحف" يربط الأجيال المتعاقبة بالرعيل الأول من الوطنين الحقيقيين والمواطنين الإيجابيين، بدل أن تتركها هكذا تتفتت بعوامل الزمن وإساءة يد البشر.