التكليف تكريم للإنسان ورفع لمكانته بين المخلوقات الأخرى، ولعل هذا سبب أمر الملائكة أن تسجد لآدم عليه السلام؛ لأنها ستكون رسل ربها في حمل الرسائل الإلهية التكليفية إلى الإنسان المستخلف في الأرض، وحامل الرسالة يحملها لمن هو مكلف أن يعمل بها، فتكريمه بالسجود له لأنه إنسان مكلف من الله تعالى، بالجمع بين الإيمان بالحقوق والإيمان بالواجبات. فتكون غاية الاستخلاف أن تصنع إنسان التكليف، الذي يقوم بواجباته بنفسه، بما أهل له القيام به بمفرده ونحو مجتمعه، فيكون إنسان الحق وإنسان الواجب معاً، يؤدي ما عليه من واجبات نحو ربه ونحو الناس، ليس فقط على أساس أنه واجب عليه أداؤه، وإنما أيضاً على أنه حق لله وحق للناس عليه أدائه بقناعة ورضا. إن شريعة الإسلام "قد أدارت المجتمعات بطريقة توازنية رائعة، فعلى قدر أداء كل فرد الواجبات التي عليه، تكون الحقوق التي يحصل عليها، فإذا اشتكت المجتمعات الإسلامية من ظلم وقع على البعض منهم انتقص من حقوقهم، فما ذلك إلا لخلل حدث في أرجائها من تقصير هذا البعض في أداء الواجبات التي عليه، كما فرضها الله في تشريعه الحكيم، وأقام بها موازين العدل الإلهي"[1]. هذا، "وحق الغير الذي تجب مراعاته إبان تصرف الفرد بحقوقه، أعم من أن يكون راجعاً إلى الأفراد على الاستقلال، أو المجتمع أو الأمة بعامة، ولا ريب أن مراعاة هذا الأخير مفروضة على وجه أشد وآكد، لشمول النفع وعظم الخطر.. فتبين بجلاء، أن التشريع الإسلامي قد ضمن الحق الفردي معنى جديداً لم يكن معروفاً في الشرائع من قبل، هو عنصر "الواجب" بالنسبة إلى حق الغير من الفرد أو المجتمع أو الأمة بعامة، بل ولا في الشرائع الوضعية الحديثة إلا منذ عهد قريب، وعلة نحو ضيق ومبهم، فضلاً عن اعتراف الإسلام بحق الفرد، وبحق المجتمع معاً على سواء، دون تطرف بإلغاء أي منهما على حساب الآخر"[2]. —————————————————————————– 1. انظر: موسوعة حقوق الإنسان، خديجة النبراوي، ص: 11. 2. دراسات وبحوث في الفكر الإسلامي المعاصر، الدكتور فتحي الدريني، مصدر سابق، 1/53.