كثر الحديث في الأوساط الحكومية و في البرلمان عن الرشوة، وبدأت وسائل الإعلام السمعية البصرية الحكومية ، تشرح آفة الرشوة و مخاطرها. لكن هل الحكومة صادقة في محاربة الرشوة .؟ أم أنها تسعى فقط إلى تمرير شعار الرشوة في إطار الاستهلاك السياسي الذي عودتنا عليه هذه الحكومة و الحكومات السابقة ؟ هل الحكومة بدأت بمعالجة أسباب ظاهرة الرشوة في مجتمعنا المغربي؟ أم أنها تريد محاربة الرشوة دون تحديد تلك الأسباب؟ إن تجاهل الأسباب التي وراء انتشار ظاهرة الرشوة لن يودي إطلاقا إلى الحد منها بل إلى التشجيع على ممارستها. لماذا إذن؟ لأن الرشوة هي نتيجة غياب ديمقراطية حقيقية تمكن الشعب من مراقبة و محاسبة المسئولين عبر مؤسسات منتخبة انتخابا حرا و نزيها، و هي أيضا نتيجة سوء توزيع الثروات الطبيعية التي تزخر بها البلاد ، وهي نتيجة عدم عدالة النظام الضريبي . كما أنها نتيجة إفلاس النظام التعليمي و المؤسسات التربوية عبر جميع الأسلاك. إن الرشوة في بلادنا تشكل أزمة أخلاق و أزمة قيم ، لأن غياب الأخلاق يعني موت القيم ، ومن هنا نتعش المحسوبية و تتفشى ظاهرة الرشوة لتجاوز القوانين من طرف الأقوياء حتى تصبح تلك القوانين ملزمة للضعفاء فقط و تصبح الرشوة هي السبيل للإفلات من العقاب و من المتابعة .فحينما ترفع الحكومة و بعض هيئات المجتمع المدني شعار محاربة الرشوة ، فإنه سيظل مثل شعار دولة الحق و القانون التي لا تزال لم ترى النور منذ عقدين من الزمن. لأن محاربة الرشوة يجب أن تبدأ من القضاء على البيروقراطية وعلى تعدد الشبابيك للحصول على وثيقة وعلى ظاهرة الوسطاء في المحاكم و في الإدارات بل حتى في الانتخابات. كما يجب الفصل بين السلطات و الاختصاصات حتى تتم المحاسبة و المسائلة. أما في الوضع الحالي الذي يتحكم فيه الطابع المخزني بكل أبعاده الأيديولوجية و السياسية وتستمر فيه سلطة المقدم و الشيخ و سلطة المال التي أصبحت فوق كل الاعتبارات الأخلاقية و الإنسانية ، فإن الرشوة ستستمر و بفنية جديدة متطورة ،لأن الحكومة ليست قادرة و لن تكون قادرة على تغيير الهياكل التقليدية للإدارة ذات المنظور التقليدي المبني على المقاربة الأمنية و على الهيبة و السلطة و الولاء ،بل ستكتفي بالندوات و بالعروض الأكاديمية ونهب المال العام في هذا الاتجاه . فالرشوة ستظل و ستستمر ما لم يكن هناك تغيير جدري للهياكل السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية في أفق عدالة اجتماعية حقيقية. البدالي صافي الدين قلعة السراغنة