رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مجلس الأمن.. بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    زاكورة تحتضن الدورة الثامنة لملتقى درعة للمسرح    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك        بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    "التقدم والاشتراكية": الحكومة تسعى لترسيخ التطبيع مع تضارب المصالح والفضاء الانتخابي خاضع لسلطة المال    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استشراء ظاهرة الرشوة بالإدارات المغربية
نشر في خريبكة أون لاين يوم 24 - 04 - 2012

إن المتتبع للشأن العام المحلي والوطني يلاحظ بأم أعينه، أو يسمع عن استشراء ظاهرة الرشوة بالإدارات المغربية على اختلاف وظائفها واختصاصاتها ولاسيما في السنوات الأخيرة، وخصوصا إبان ظهور الأزمة الاقتصادية العالمية التي تلوح في الأفق، فأصبح الجميع يعاني تفاقم مشكلة الفساد الإداري خاصة ظاهرة الرشوة التي تنخر جسم الإدارة بل وأصبحت وسيلة للاغتناء السريع وتحقيق المصالح المحرمة واللاقانونية، ومما يستدعي للاستغراب هنا هو كون أن الإحصائيات الأخيرة التي تهم جسم القضاء والمحاكم المغربية بينت على كون أن مدينة الدار البيضاء جاءت في المرتبة الأولى من حيث انتشار الرشوة متبوعة بمدينة خريبكة وتلتها في المرتبة الثالثة مدينة أكادير. وهنا وجب طرح العديد من الأسئلة العريضة عن المسؤولين المحليين وعن المحلفين الذين يتقاضون أموالا ضخمة من دافعي الضرائب مع معرفة الأسباب الحقيقية والموضوعية والذاتية التي ساهمت بشكل أو بآخر في انتشار هذه العدوى التي تنخر جيوب المواطنين والمرتفقين والمستثمرين المغاربة والأجانب ويمكن القول الفصل أن ماقيل عن جسم القضاء ينطبق على قطاعات أخرى كالأمن والدرك والسجون والصحة والتعليم والتجهيز والنقل والهندسة والوكالة الحضرية والمحافظة العقارية والمالية ومصالح العمالة والبلدية والصفقات العمومية وحفظ السلامة وغيرها،
وفي ما يتعلق بالترسانة القانونية التي أوجدها القانون لمعاقبة المرتشين، إن المشرع المغربي تعرض لجريمة الرشوة من خلال الفصول 248 و246 من القانون الجنائي في الباب المتعلق بالجرائم والجنايات والجنح التي يرتكبها الموظفون.
تم أن الفصل 248 نص في إطار ردع جريمة الرشوة على أنه "يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة مالية من ألفين وخمسمائة درهم، إلى خمسة آلاف درهم، من طلب أو قبل عرضا أو وعدا أو تسلم هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى من أجل القيام بعمل من أعمال وظيفته بصفته مثلا قاضيا أو موظفا عموميا أو متوليا مركزا نيابيا".
تم أن الترسانة القانونية، التي أعدها المشرع كافية لزجر وردع جرائم الرشوة، بيد أنه رغم ذلك، "وجب الرفع من مقدار هذه العقوبة حتى تكون رادعة أكثر، إلى جانب تفعيل العقوبات الأخرى الموازية التي تفرضها السلطات الإدارية التي ينتمي إليها الموظف المرتشي، نظرا لخطورة الظاهرة وما تشكله من تهديد لأمن واستقرار السلم الاجتماعي وحتى للمصالح الإدارية بكافة أشكالها".
وإن الإشكال الوحيد الذي يعيق تطبيق هذه الفصول ومحاربة جريمة الرشوة، يكمن في صعوبة الإجراءات العملية والمسطرية التي من شأنها أن تؤدي إلى التثبت من وقوع الجريمة وضبطها ورصدها.و انتفاء حالة التلبس التي يصعب إثباتها في ضبط جريمة الرشوة، مثلا بسبب صعوبة إجراءات استعمال أدوات التصنت على الهواتف التي تبقى بيد النيابة العامة، وتظل إجراءاتها جد معقدة نوعا ما، وكذا تخوف المواطنين من إحالة وإثارة القضايا بالمحاكم، على اعتبار أن العقوبة تسري على الراشي كما تسري على المرتشي لكونه مشاركا في الجريمة، إلى غير ذلك من التعقيدات التي تحول دون إثارة هذه القضايا أمام المحاكم"المغربية" مع العلم أنه صدر قانون خاص بحماية الشهود الذين يقومون بعملية التبليغ عن عمليات الرشوة والارتشاء.
وفي ظل إحالة الملفات على المحاكم، بقيت جرائم الارشاء والارتشاء واختلاس المال العام تتناسل على القضاء، علما أنه يفترض أن إحالة القضايا على المحاكم هي جزء لا يتجزأ من عملية تطهير واصلاح الإدارة من الفساد.
إن القول بأن المقياس الوحيد لتحديد معايير الرشوة، وتصنيف المغرب عالميا في مراتب التدحرج العالمية للرشوة، هو اعتماد الملفات المحالة على المحاكم دون التقارير الدولية والوطنية، أمر مجانب للصواب، ولا ينسجم مع المنطق، والواقع، الذي يشهد أن جملة من هذه التقارير لها مصداقيتها، بل أن الحكومة تتغنى ببعضها، ويحتفي بها الإعلام الرسمي.
والرشوة في المغرب واقع متعارف عليه منذ أمد طويل، وربما تضحك ملء شدقيها من كل هذه الإجراءات العبثية من أجل محاربتها، ما دامت أنها راسخة القدم في البلاد، وتعتبر نفسها من السكان الأصليين للمغرب، وربما أقدم «مهنة» في البلاد.
وتتحدث مصادر تاريخية عن أن الرشوة في المغرب كانت تكتسب طابعا قريبا من الشرعية. ففي القرون الماضية كان المسؤولون المغاربة يصلون إلى مناصبهم عن طريق دفع الرشوة للمسؤولين الأعلى منهم مركزا. وحين يتحملون المسؤولية فإن أول ما يبدأون به هو ابتزاز الناس العاديين، لكي يسترجعوا من خلالهم المبالغ التي دفعوها لحصولهم على المنصب. وعادة ما يفعل هؤلاء ذلك بكثير من السرعة والعجلة، قبل أن يأتي أشخاص آخرون ويزيحوهم عن مناصبهم بعد أن يدفعوا مبالغ أعلى لمن يعينون ويعزلون. وهكذا حدث في البلاد ما يشبه التطبيع التاريخي بين المواطن العادي والرشوة. ومما زاد في استفحال هذه الظاهرة ارتفاع نسبة الأمية وخوف المواطن العادي من المسؤولين لأسباب كثيرة.
وعلى هذا الأساس فإن الحديث عن ظاهرة الرشوة طبعا يستدعي التذكير والتعريف بهذه العدوى المحرمة منذ نزول الوحي وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، حيث أن الرشوة لغة بفتح الراء أوضمها أوكسرها ، هي الجعل وشرعا هي كل ما يعطي لإبطال حق أو لإحقاق باطل وحكمها التحريم بكتاب الله وسنة رسوله وإجماع علماء المسلمين قديما وحديثا و الرشوة في الشريعة ينظر إليها بكونها مال حرام لايحل كسبه ولا أكله وهي محرمة على الآخذ والمعطي والوسيط الذي بينهما وتعمل على تغيير الأوضاع وقلب الحقائق، و جاء في سورة البقرة الآية 187 ” ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون“ وقال تعالى في سورة المائدة أيضا” سماعون للكذب بالإثم أكالون للسحت, فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم إن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا إن حكمت فاحكم بالقسط إن الله يحب المقسطين ”.
وفي حديث شريف ” لعن الله الراشي والمرتشي والرائش“وفي حديث آخر : كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه .وقد عرف القانون المغربي الرشوة بأنها" مكافأة شخص أو موظف بعمل أو الامتناع عن القيام بعمل يوجد في دائرة اختصاصه أو تسهيل مهمة القيام به أو حتى إمكانية القيام به.
أما في قاموسنا الشعبي المغربي لدينا نوعان من الرشوة : أولا الرشوة الكبرى، ثانيا الرشوة الصغرى وهما يدخلان ضمن ما يسمى بالحلاوة , التدويرة , الدهنة , القهوة , الكميلة , البقشيش, التحليقة, العرابي, دهن السير يسير....
وتعتبر ظاهرة الرشوة عامل مشوش في الادارات بمختلف أنحاء المعمور, لكون أن جل المجتمعات الدولية تحتوي على قدر كبير من الفساد بمختلف تمضهراته وتمفصلاته. الرشوة و الفساد ، أخطبوط أنهك ولا يزال ينهك قوة العديد من البلدان و أدى أيضا إلى الإطاحة برؤساء دول وكذا بأنظمة سياسية بأكملها كما حصل في إيطاليا التي انتقلت من مرحلة الجمهورية الأولى إلى مرحلة الجمهورية الثانية نتيجة للفراغ السياسي الذي خلقته عملية "الأيادي النظيفة"، هذا "المرض المستعصي" يكاد لا يستثني أية إدارة أو دولة في العالم سواء كان حكامها يساريين أو يمينيين، عسكريين أو مدنيين...
وإذا كانت قوى المجتمع المدني خصوصا في الغرب قد استطاعت تحقيق نتائج لا يستهان بها في مجال محاربة الفساد والتوقيع مبكرا على إتفاقية الأمم المتحدة ضد الرشوة المعتمدة من لدن الجمعية العامة للأمم المتحدة فإن دول العالم الثالث وشعوبها المغلوبة على أمرها لم تتمكن من تغيير واقع الفساد المر الذي تعيش فيه نظرا لطبيعة الأنظمة السياسية القائمة بها ولرواسب الاستعمار و كذا لحالة التخلف المتفشية داخل هذه المجتمعات.
المغرب يعد من البلدان التي أوصلها الفساد إلى حافة الخطر، فالرشوة التي تغلغلت في جسم الإدارة المغربية على امتداد عشرات السنين أصبحت بمثابة عرف لا يمكن المساس به.
وارتبط دخول موضوع الرشوة إلى مجال التداول العمومي بمنعطف التوافق السياسي الذي انطلق في المغرب في منتصف العقد الأخير من القرن الماضي، عندما خرجت العديد من الملفات من دائرة المحذور و"التابو" في سياق الانفراج العام والسعي إلى فتح صفحة جديدة لنقل الخلاف حول الشأن العمومي من منطق الصراع والإقصاء إلى دائرة التدبير الديموقراطي. ومن هذه الزاوية تكون المكاشفة حول الرشوة تندرج في مشروع بناء دولة القانون , ولعل إقصاء هذا الموضوع من الخطاب الرسمي، على نفس المستوى مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، في وسائل الإعلام كما في تصريحات المسؤولين، على امتداد العقود الماضية يعطي قدرا من المصداقية لأطروحة رفعت الرشوة إلى مستوى نظام للحكامة باعتبارها متجذرة في التشكيلة الثقافية والسوسيو اقتصادية بالمغرب، كما يُفهم الحظر العملي الذي ظل يلازم المسألة في الخطاب الرسمي ضمن آليات الصراع على السلطة، ومن خلفها على الثروة والمصالح، حيث تكون الرشوة في هذه الحالة، على المستوى السياسي، وسيلة لضبط العلاقات والتحكم في حركية النخب.
وليس من باب الصدفة أن يحفل القاموس الشعبي بإحالات بليغة على الرشوة من خلال تسميات كثيرة مثل "الحلاوة والتدويرة والدهنة والقهوة والكميلة"، بل إن المغاربة القدامى سبقوا أحفادهم إلى القول في الرشوة بواسطة النظم، كالبيت الزجلي المشهور المنسوب إلى رباعيات الشيخ عبد الرحمان المجذوب: "ادهن السير يسير وبه تسقام الخرازة ياك النقبة تجيب الطير من سوس حتى لباب تازة" ، أما باب تازة فقد تكون البلدة الحاملة لهذا الاسم حاليا قرب تطوان، أو هي مدينة تازة في المضيق (الباب) بين سلسلتي جبال الريف والأطلس.
وليس غريبا أن تلبس الرشوة هذه الصورة الشعرية خلال مرحلة مضطربة من تاريخ المغرب تميزت بمخاض وفوضى في نهاية عصر الدولة المرينية، قبل بداية دولة السعديين، إذ استولى أعيان بني وطاس، وهم من خدم المرينيين على شؤون الحكم في ما تبقى من مملكة فاس في شمال المغرب من خلال منح الامتيازات لزعماء القبائل وكبار تجار المدن وللعلماء وشيوخ الزوايا وزعماء القبائل. إلا أن "الحالة" المغربية، قديما وحديثا، لا تشكل استثناء في العالم العربي، ذلك أن الكثير من الباحثين ربطوا السلطة في الدولة الإسلامية بنظام الامتيازات والعطايا والهدايا. حتى أن الحاكم ظل دائما مضطرا لشراء الهدنة مع منافسيه الفعليين أو الافتراضيين بواسطة المصالح، كما يجعل النظام نفسه خدام السلطة ملزمين بالتنافس للحفاظ على الامتيازات.
وفي المغرب، وإلى حدود بداية القرن العشرين، ظل أعوان المخرن، من ولاة وعمال وشيوخ وأمناء، يعملون بمرتب رسمي، ويتقاضون أجور خدماتهم من السكان في شكل "السخرة" التي تنص عليها الرسائل السلطانية الموجهة إلى خدام الدولة كأسلوب معمول به في العلاقة بين السلطة والمجتمع.وفي عهد الحماية اكتفت السلطات الفرنسية بخلق آليات حديثة لاستغلال موارد البلاد لفائدة المعمرين، بينما أبقت على العلاقات والبنيات التقليدية في علاقة المغاربة بالسلطة، وهذا ما سهر عليه منذ البداية المارشال ليوطي، مؤسس نظام الحماية بالمغرب، حتى إذا استعاد البلد استقلاله وشرع في بناء الدولة الحديثة وجد نفسه عند نقطة نهاية القرن التاسع عشر على مستوى البنيات الفكرية، وذلك بالرغم من الحماس الكبير الذي رافق بداية الاستقلال لخلق مغرب جديد.
وفي خضم الصراع على السلطة على مدى ثلاثة عقود تكرس استخدام المال كوسيلة لكسب المواقع وحماية المصالح، بما جعل الرشوة، في مختلف مستوياتها، حاضرة بقوة الواقع في التعامل بين الإدارة والمواطن، ومغيبة وفي ظل ضعف ثقافة المواطنة أفرزت هذه العلاقات منظومة سوسيو ثقافية تقبل بالرشوة كوسيلة لقضاء الأغراض وتحقيق الترقي الاجتماعي، وتجلى ذلك سياسيا في توظيف المال في الانتخابات من طرف الإدارة ومرشحي الأحزاب السياسية على السواء، مع استثناءات محدودة. كان الوعي بضغط موضوع الرشوة على مشروع الإصلاح وإنجاز التنمية حاضرا في اهتمام حكومة "التناوب التوافقي" التي شكلت نقلة في التاريخ السياسي الحديث للمغرب، فرفعت شعار "تخليق الحياة العامة"، وبصرف النظر عن تواضع النتائج المحققة أدت جهود الأعوام الأخيرة إلى تبلور وعي بأن الرشوة ليست مرضا جينيا في الجسم المغربي، بقدر ما هي ظاهرة سوسيو اقتصادية قابلة للتشخيص، كواحد من أعراض أزمة دولة القانون، حيث يفترض أن تلغي الشفافية الاقتصادية والمنافسة الشريفة واقتصاد الريع، ويتولى القضاء النزيه والمستقل تطبيق القانون، وتيسير العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة على قاعدة التكافل في إطار ثقافة المواطنة الديموقراطية.
في تقرير ترانسبرانسي الدولية السنوي احتل المغرب المرتبة 79 من بين 163دولة أي بمعدل 3.2 على 10 في سلم الشفافية، وهي الرتبة نفسها التي تحتلها بوركينافاصو ولوصوتو ومولدوفيا وترينيداد مواصلا بذلك تراجعه حيث كان قد احتل السنة الماضية المرتبة 78. فيما حصل في السنة التي قبلها على المرتبة 77. وقد حصلت 7 دول على نقط تتجاوز 9 على عشرة منها فيلندا (9.6) وإسلاندا (9.6) والسويد (4.9). وقد تم الاعتماد بالنسبة للمغرب على نتائج ستة استطلاعات مختلفة تم إنجازها من طرف هيئات مستقلة لدى أوساط رجال أعمال ودبلوماسيين وجامعيين ومحللين في مجال مؤشر الرشوة. ولعل تراجع مرتبة المغرب في مؤشر إدراك الرشوة اعتبرته ترانسبرانسي المغرب «تدهورا مقلقا» حيث جاء في بلاغ للجمعية أنها «تثير مرة أخرى انتباه السلطات العمومية وكل الفاعلين المعنيين، للأخذ بعين الاعتبار خطورة الوضعية وآثارها السلبية على الاقتصاد والمجتمع والولوج إلى الخدمات العمومية وكذلك مدى تأثير هذا التصنيف والنقطة المحصلة على صورة المغرب ومؤسساته». وأضاف بلاغا للجمعية أن «تنامي الرشوة يشكل عوائق خطيرة أمام طموحات ومحاولات الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي. كما تعتبر أن هذا الوضع المقلق هو في جوهره تعبير عن ضعف مؤسسات المراقبة والتنفيذ وعن غياب المعايير الموضوعية والحصرية في اتخاذ القرارات وعدم فعالية بعض النصوص التشريعية أو التحايل عليها وهو يعكس كذلك غياب القضاء المستقل». وترى ترانسبرانسي المغرب أن «البديل لهذا التقهقر يتطلب وبشكل استعجالي إرادة حقيقية من طرف السلطات العمومية لإعمال خطة عمل لمحاربة الرشوة بصفة تشاركية والمصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمحاربة الرشوة. ».
والأكيد أن مجموعة من الأسباب الاقتصادية وغير الاقتصادية( هيكلية على الخصوص) تقف وراء انتشار هذه الآفة التي أضحت تجلياتها تلمس في غالبيتها مجالات الحياة العامة منها زيادة ثقافة الخوف والعلاقات الاجتماعية المتخلفة و هشاشة التنشئة الاجتماعية و شيوع الأمية والجهل وثقل الثقافة الشعبية وتقاعس الإعلام في أداء وظيفته التنويرية والتنموية في هذا المجال مع غياب التربية على المواطنة في المقررات التعليمية وغياب الشفافية داخل الإدارة المغربية و ضعف الأجور و عدم انخراط الدولة بشكل جدي في محاربة هذه الآفة ناهيك عن عدم قيام الأحزاب السياسية بوظيفتها الطبيعية المخولة لها وفق الدستور في التعبئة والتأطير.
أما فيما يخص مضاعفات الرشوة فتتمثل في عرقلة التنمية الاقتصادية من خلال: تنشيط القطاع غير المهيكل الذي يضر بالتنمية الوطنية مع عدم تكافؤ الفرص بين الفاعلين الاقتصاديين لغياب المنافسة الشريفة و عرقلة توسيع المقاولات المتوسطة والصغيرة مع هروب الرساميل على اعتبار أن الفاعل الاقتصادي لا يطيق الانتظارية القاتلة زد على ذلك تقوية نفوذ "اللوبيات" المتمركزة داخل المجتمع وكونها تعمق الفوارق الاجتماعية من خلال الإثراء غير المشروع في مقابل اتساع دائرة التهميش والفقر والإقصاء الاجتماعي.
والرشوة في المغرب تشبه وحشا خرافيا يزداد ضخامة كلما كثرت المحاولات من أجل قتله أو تحجيمه. ومنذ الاستقلال قبل أزيد من 50 عاما، استهلك المغرب الكثير من الوقت في محاربة الرشوة، في الوقت الذي ازدادت فيه ضخامة وتوحشا.
وأصبحت الرشوة في المغرب واقعا يوميا في الإدارات العمومية والخاصة، كما أصبحت واقعا متعارفا عليه في الصفقات الكبرى. ولا يعترف المسئولون الحكوميون المغاربة بوجود الرشوة فقط، بل إنهم يفرقون بينها، ويتحدثون عن الرشوة الصغرى والكبرى.
وفي الأيام القليلة الماضية تحدث وزراء مغاربة عن تفاؤل بخصوص تقدم ملموس في تحجيم الرشوة الكبرى، التي تعني العمولات الكبيرة التي يحصل عليها أشخاص نافذون، أو تأخذ أشكال كثيرة أخرى لا يمكن في كثير من الأحيان ضبطها.
وتحاول جمعية ترانسبارنسي حشد الجهود من أجل محاربة الرشوة وظواهر الفساد الإداري، غير أن مجهوداتها أصبحت تشبه محاربة طواحين الهواء، في وقت تكتسب الرشوة كل يوم مواقع جديدة، وهي تلوح بإشارات النصر وترسم ابتسامتها الخبيثة.
وهناك العشرات، بل المئات، من الأمثلة اليومية في المغرب عن هذه الظاهرة التي تتغذى على مختلف صنوف الفساد وغياب قرارات زجرية حقيقية، مما يجعل قريحة الإبداع تزدهر في اكتشاف وسائل ارتشاء جديدة كل يوم.
وفي السنوات الماضية اشتكى كثير من موظفي القطاع العمومي في البلاد من أنهم اضطروا إلى تقديم رشاوى وصلت إلى مبالغ كبيرة مقابل الموافقة على المغادرة الطوعية لوظائفهم.
غير أن الرشوة في المغرب كائن بلا ملامح. وابتداء من الرشاوى اليومية الصغيرة، التي تبدأ بما يعادل درهم أو درهمين أو دولارا أو دولارين، سواء داخل الإدارات أو في الطرقات، فإن هناك الرشاوى الكبرى التي تصل إلى ملايين الدولارات، وأغلبها تمر مباشرة إلى الحسابات البنكية للمرتشين في مصارف خارج البلاد، في الوقت الذي تقول وزارة العدل، إنها في طريق القضاء عليها.
وباستثناء محاكمات قليلة وسريعة لمسئولون يعدون على رؤوس أصابع اليد الواحدة، أشهرها تلك المحاكمة التي جرت بداية عقد السبعينات من القرن الماضي لوزراء ومسؤولين، فإن المغرب لم يعرف محاكمات حقيقية لمرتشين، وفي كثير من الأحيان تكون عقوبتهم هي تنقيلهم من منصب إلى آخر، يكون أفضل أحيانا من سابقيه، لكي يتم طي الملف، وهذا الإجراء الروتيني واحد مما أصبح يعرف ب«الخصوصية المغربية». ويمكن القول أنه تثور أمامنا مشكلة الإثبات والاختصاص وتكييف المقابل لكون أن الجريمة تتم في سرية تامة بحيث يحاول كل طرف كتمانها. ولا ننسى تقرير منظمة ترانسبرنسي الدولية التي تفضح فيه وضع القطاع الصحي بالمغرب حيث اعتبر التقرير الصادر في برلين، والمعنون ب ''نهب الملايين من مخصصات الرعاية الصحية الملائمة بفعل مظاهر الفساد المتفشية من السرقة والرشوة والابتزاز'' أن القطاع الصحي في المغرب يعرف إشكالات متنوعة من الفساد، فمن بين ألف أسرة شملهم التقرير السنوي ، اعترف 40% أنهم قدموا رشوة من أجل الحصول على خدمات طبية يفترض أنها مجانية, في حين قال 59% إنهم فعلوا ذلك فقط لإجراء فحوصات طبية, بينما قدم 26% رشوة للحصول على العلاج.
وأشار تقرير المنظمة إلى عوامل الفساد المتغلغلة في أنظمة الرعاية الصحية، منها هدر المسؤولين غير الشرفاء لميزانية الصحة، بإخضاعها لمصالحهم الخاصة، ثم مطالبة بعض العاملين في القطاع رسوم مقابل أدائهم لبعض الخدمات الطبية، كما ذكر التقرير ببعض الانحرافات المسجلة في سوق الأدوية وبيع العقاقير.
وقد أعربت ''ترانسبرنسي'' عن قلقها من وضع قطاع الصحة العمومية بالمغرب، وأبرزت في تقريرها من خلال تحليل وضعية الصحة العمومية في 45 بلد من بينها المغرب، أن مظاهر عدة من الفساد تنتشر وسط قطاع الصحة بالمغرب، منها الرشوة وصعوبة الولوج إلى المرافق الصحية، ثم ضعف التغطية الصحية.
وأشار التقرير أن الفقراء والطبقات المهمشة هم أكبر المتضررين من انتشار ظواهر الفساد في هذا القطاع الحيوي، وذلك من خلال عملية الابتزاز التي يمارسها بعض العاملين في القطاع، وعدم قبول ''شهادة الضعف'' في مقابل التفاوض مع المرضى لأداء ''رسوم'' قد تصل إلى 140 درهم وهو مبلغ لا قدرة للمرضى الفقراء على دفعه في كل زيارة للمستشفى، مما يؤدي في الغالب إلى تفاقم مشكلاتهم الصحية ونتمنى أن تتغير الأوضاع بالمستشفيات مع انطلاق البدء بعملية بطاقة رميد الجديدة والقطع مع الممارسات السابقة.
إن الرشوة تؤثر تأثيرا سلبيا و خطيرا على سير الإدارة و المجتمع من خلال إقرار عدم المساواة بين المواطنين في الحقوق و الواجبات و خلخلة العلاقات ما بين الموظفين و المرتفقين.
إضافة إلى أن رداءة نظام الاستقبالات حول كل المعلومات إلى موضوع سري، فضلا عن غياب المراقبة و الزجر، فالرشوة تتغذى بالوعود و التهديدات و تحتمي بالصمت المطبق حولها كما أنها تحول إلى ممارسة طبيعية كلما فشلت الإدارة في توفير الوسائل الضرورية للمستخدمين.
وإن التصدي لظاهرة الرشوة يقع على عاتق الدولة و أفراد المجتمع، فمسؤولية الأولى تكمن في توفير إرادة سياسية حقيقية للقضاء على الاقتصاد غير المهيكل و إعادة النظر في منظومة الأجور و نظام الصفقات العمومية... أما مسؤولية المجتمع فتكمن في التجاوب الفاعل و الفعال لأفراده مع طلب التصدي لهذه الظاهرة. و هذا لن يتأتى إلا بتضحية و تقوية مناعته الاجتماعية عبر التأطير و التوعية و التربية على ثقافة المواطنة... و هذه مسؤولية تنخرط فيها الإدارة والأسرة و المدرسة و وسائل الإعلام و الحزب و المعمل و النقابة و المسجد و المجتمع المدني. كما أن محاربة الرشوة تحتم على الإدارة أن تعترض بوجودها أولا و أن تعلن عن رغبتها في الحد منها عن طريق وضع آليات احتياطية و عقابية و تشجيع السلوك القويم.
إذن على ضوء ما تقدم كيف يمكن للإدارة أن تندد بهذه الآفة و هي غير قادرة على توفير الإمكانيات الضرورية و مكتوفة الأيدي أمام كل من يعتبر نفسه فوق القانون كيف يمكن للموظفين أن يعدلوا عن الارتشاء الذي يوفر لهم أجرا إضافيا و يخفف عنهم الإحباط الذي يحسون به نتيجة عدم الاعتراف بدورهم؟
لهذا فإن محاربة ظاهرة الرشوة تقتضي إصلاح الإدارة و تفعيل القانون المجرم للرشوة. و أن محاربتها باللفظ قد يزيح الستار الذي تختفي خلفه. وتفعيل دور الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة و المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. إن هذه الإصلاحات تشكل مرحلة أساسية من مراحل القضاء على الفساد الإداري الذي يعيق تطور الإدارة العمومية المغربية بما في ذلك ظاهرة الرشوة.
كما يجب ألا نغفل الدور الكبير الذي قامت و تقوم به الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة ترانسبرانسي المغرب في هذا المجال و يتضح ذلك من خلال ما تقوم به من عروض و أيام دراسية في ميادين تعج بوسائل و فضائح الرشوة. بحيث قدمت مجموعة من الاقتراحات والإجراءات الأولية لمحاربة الرشوة تعتمد على ثلاثة محاور أساسية هي: الإصلاحات المؤسساتية و القضائية ثم الوصول إلى المعلومة و الشفافية في تدبير الشأن العام و التربية والتحسيس.
ففيما يخص الإصلاحات المؤسساتية و القضائية: فإن محاربة الرشوة تتم عبر تبني إصلاحات بنيوية في مختلف المجالات، وفي هذا الاتجاه فإنه من أجل: ضمان استقلال القضاء عن الجهاز التنفيذي بشكل خاص و تحسين سيره وجب سد الفراغ الموجود في القواعد الجنائية المرتبطة بالرشوة والوصول إلى المعلومة و الشفافية في تدبير الشأن العام ولعل دستور المملكة الجديد نص على حق الولوج إلى المعلومة، تم أن عدم احترام الإدارات العمومية لحق المواطنين في الإخبار يشكل عائقا رئيسيا لمحاربة الرشوة مع العلم أنه صدر قاون حماية الشهود، و بالإمكان تحسين الشفافية في تدبير الشأن العام بشكل ملموس عن طريق إشعاع ثقافة التواصل و ذلك بتبني إجراءات منها:إقرار قانون متعلق بالحق في الإخبار يحدد شروط الوصول إلى المعلومة و التعجيل بإرساء الحكومة الإلكترونية مع إلزام المسؤولين بالخدمات العامة بالاستجابة لنتائج التحقيقات و الرقابة و الإفتحاص المتعلقة بهم، و وضع خطط عملية دقيقة من شأنها تلافي النقائص التي تمت معها مع وضع رهن إشارة المواطنين الوسائل الضرورية ( هاتف أخضر، مجيب آلي، موقع إلكتروني...) لتجميع شكاياتهم و الإجابة عن أسئلتهم حول الإجراءات و المساطر الإدارية مع تفعيل القانون رقم 03.01 المتعلق بتعليل القرارات الإدارية و تكليف المجلس الأعلى للحسابات بوضع و نشر تقرير سنوي حول حالات الرشوة واختلاس المال العام.
- مراجعة القوانين التنظيمية المتعلقة بإبرام و تنفيذ الصفقات العمومية للحد من سلطة الإدارة التقديرية و إقرار نظام سريع و فعال للطعن و التقيد بنشر المعلومات منذ الإعلان عن طلبات العروض إلى تنفيذ الصفقة و كذا دعم و توجيه مراقبة الملائمة و المشروعية و نشر النتائج ناهيك عن إصدار قانون خاص بتفويض تدبير المرافق العمومية على أساس مبدأ المنافسة و إقرار مسطرة للتعيين في مناصب المسؤولية في الوظيفة العمومية و المؤسسات العامة تقوم على مبدأ الاستحقاق و تمنع التفضيلية و الزبونية مع التركيز على التربية و التحسيس بمخاطر آفة الرشوة التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني والتي تتطلب الدعم بالوسائل العمومية . أما على مستوى التربية و التكوين، فإن الإجراءات المستعجلة التي يجب الأخذ بها يجب أن تكون موجهة أساسا لفئات الشباب, و كإجراء عام يهم مختلف القطاعات، فإنه من الضروري وضع مرونات للأخلاقيات في الإدارات العمومية و مؤسسات القطاع الخاص و ذلك بتشاور و تعاون مع النقابات و ممثلي المستخدمين. إضافة إلى ما تقدم ينبغي تشديد إجراءات الرقابة و ذلك بضبط الممارسات الفاسدة.
وأخيرا يبقى أن نشير إلى أنه رغم هذه الإصلاحات و المنجزات فإن الطريق لا زال طويلا في درب القضاء على ظاهرة الرشوة و يحتاج إلى نفس طويل و إلى مضاعفة الجهود من أجل احتواء هذا السرطان و محاصرته و بالتالي القضاء عليه.ويمكن القول الفصل أن الرشوة تطرح من موقعها على خارطة الواقع المغربي أكثر من سؤال لا سيما وأن المغرب يتطلع إلى مكانه وموقعه على خارطة الألفية الثالثة وهو موقع يلتقي في تقاطعاته مع المنظمة العالمية للتجارة والعولمة والأسواق المفتوحة والأسواق الحرة مع الدول الأخرى القريبة والبعيدة التي تشاركه الأهداف والتطلعات . فكيف يتأتى ذلك، وغول الرشوة مازال يعلن عن جوعه ونهبه وجبروته؟
إن الحكومة الجديدة وبموازاة مع الإجراءات والتدابير التي تعتزم اتخاذها في المجالات الضريبة والإدارية وفي مجال الضمان الاجتماعي عليها أن تتخذ عدة إجراءات وتدابير مصاحبة لمحاربة الفساد والمحسوبية والرشوة ولن يتأتى ذلك دون نشر تربية جديدة توجهها ثقافة النزاهة عبر الدوريات ووسائل الإعلام العمومية, حتى تصبح العلاقة بين الإدارة والمواطنين علاقة لا مكان فيها للرشوة والارتشاء.ولن يتأتى ذلك، إلا بالتراجع عن سياسة الفوارق والامتيازات في توزيع الوظائف والمناصب, وفسح المجال للمراقبة الشعبية لما يجري في الإدارات والمؤسسات العمومية وتحسين أحوال الفئات الصغرى من العاملين والمسؤولين, وإشاعة ثقافة القانون وتحصين مسؤوليات الدولة من التجاوزات والانتهاكات المختلفة, وإصلاح القضاء باعتباره فاصلا في المظالم، والنزاعات بين المواطنين والمسؤولين وذلك دون الإصلاح السياسي المتعلق بالمؤسسات الدستورية في البلاد بدعم ومراقبة للهيئة العليا للحد من الرشوة والذي لا يمكن التقدم في تطهير البلاد من مرض الرشوة إلا في كنف مؤسسات نزيهة وقوية, ومخلصة للاضطلاع بهذه الأدوار.
ولكن مع ذلك مازالت تتبادر إلى ذهننا مجموعة من الأسئلة التي لا نملك أي جواب عنها، هل أصبح المغرب مؤهلا لطرد شبح الرشوة من إدارته ومقاولاته وحياته ؟ متى يبدأ...؟ وكيف سيبدأ حملته التطهيرية الحقيقية ضد هذا الشبح المخيف؟
سنترك هذه الأسئلة معلقة على جدارية واقع الرشوة إلى أن يستيقظ القرار.أويستيقظ ضميره.
سعيد العيدي
صحفي و باحث جامعي في العلوم القانونية
والسياسية والمالية والعلاقات الدولية
[email protected]
[email protected]
GSM: 0666074262


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.