تراجع المغرب ب44 رتبة في مؤشر قياس مدى انتشار الرشوة والفساد في العالم خلال عشر سنوات، من المرتبة 45 عام 1999 إلى 89 في العام الجاري، في تقهقر واضح نحو الأسفل بالرغم من انتشار خطاب تخليق الحياة العامة وإنشاء ديوان المظالم والهيئة المركزية للوقاية من الرشوة. هذا ما بينه التقرير الأخير الصادر عن الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة «ترانسبرانسي المغرب»، حول المنظومة الوطنية للنزاهة الذي دأبت المنظمة على إصداره سنويا لرصد الاختلالات الحاصلة في دولة معينة وتقييم الإجراءات المتخذة في أفق الحد من انتشار الرشوة والفساد، وتحديد القطاعات التي تحتاج إلى بذل مجهود أكبر للتقليص من هذه الظاهرة. ونوه التقرير بتبني المخطط الحكومي لمحاربة الرشوة سنة 2006 واعتماد أجهزة جديدة من قبيل المحاكم المالية والهيأة المركزية للوقاية من الرشوة وديوان المظالم ومجلس المنافسة، إلى جانب التزام المجتمع المدني والقطاع الخاص بتتبع قضايا الرشوة والفساد، واليقظة المستمرة لوسائل الإعلام في محاربة الظاهرة. لكن التقرير سجل من جانب آخر عجز النظام الوطني للنزاهة في المغرب عن لعب دور حاسم في محاربة الرشوة، وعجز القضاء عن القيام بمهامه بشكل صحيح، وعدم الاعتراف بالحق في الوصول إلى المعلومة. وذكر التقرير بنتائج الباروميتر العالمي للرشوة المنجز قبل أشهر، والذي أكدت فيه الجمعية، بناء على استطلاع للرأي وسط المواطنين، أن القضاء هو القطاع الأكثر عرضة للرشوة والفساد في المغرب، متبوعا بالأمن والأحزاب السياسية والصحة. وقال التقرير إن الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، المحدثة في غشت من السنة الماضية، لا تتوفر على صلاحيات حقيقية في فتح تحقيق في القضايا المتعلقة باختصاصها، كما لا يمكنها مباشرة الإجراءات القضائية في شأن تلك القضايا أو إصدار عقوبات، حيث إن دورها يقتصر على التنسيق مع مصالح الوزارة الأولى والوزارات الأخرى. واعتبر أن القضاء في المغرب يظل تابعا للسلطة التنفيذية للحكومة وغير مستقل بشكل فعلي، وهو ما يجعله يعاني من عجز يفاقم منه افتقاره إلى الوسائل المادية، وغياب التكوين لفائدة أطره الإدارية والخصاص الذي يعاني منه بالنسبة لعدد القضاة، وغياب التكوين المستمر لهم وعدم القدرة على الولوج إلى المعلومة. وانتقد التقرير عدم تفعيل قانون التصريح بالممتلكات، الذي صدر في السنة الماضية، حيث أوضح أن القانون المشار إليه لم ينشر للعموم لكي يتم الاطلاع عليه، وقال: إذا كانت الحكومة المغربية ترفع شعارات التخليق ومحاربة الرشوة فإن أي خطوة في اتجاه تنفيذ تلك الالتزامات لم تتم حتى الآن، مضيفا بأنه بالرغم من مصادقة المغرب على اتفاقية الأممالمتحدة لمحاربة الرشوة، فإن الحكومة لم تقم بأي مبادرة لأجرأة الاتفاقية. ووجه التقرير انتقادا قويا للحكومة، وقال إن القانون لا يميز بين وظيفة الوزراء العمومية وأنشطتهم الخاصة، بحيث لا يمنع الوزراء من تلقي الهبات والهدايا في إطار مزاولة مهامهم الحكومية، وقال إن الوزير خلال ممارسته لوظيفته يخول لمقربيه أو لنفسه صلاحيات تمكنه من الاستفادة منها بعد مغادرته لمنصبه، على حساب المصلحة العامة، بحيث يوفر فرص النجاح للمشاريع الخاصة المرتبطة بمجال اختصاص وزارته التي يكون قد عرف دواليبها، كما أنه ليست هناك أي مراقبة لأملاك الوزراء والمسؤولين الحكوميين والبرلمانيين سواء قبل أو بعد تقلدهم لوظائفهم.