يكثر الحديث عنها في وسائل الإعلام كلما قدمت أحد تقاريرها عن المغرب وتتعالى أصوات الجهات الرسمية المنتقدة لأرقامها حول الرشوة والشفافية في المغرب في عدة مجالات، إنها «ترانسبرانسي -المغرب»، الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، التي تشتغل في المغرب منذ أكثر من 14 سنة. بمناسبة اليوم العالمي للرشوة، الذي يصادف يوم أمس، انتقلت «المساء» إلى مكتبها لتُعرِّف القراء أكثر على كيفية اشتغالها. « ألو، صباح الخير، مْعاكوم تْرانسبرني».. بهذه الكلمة، تستقبل نبيلة أوحند، عادةً، شكايات المواطنين، التي ترِد على مركز الدعم القانوني ضد الرشوة، التابع للجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، «ترانسبرانسي -المغرب». يوميا، تجيب هذه المستشارة القانونية للمركز على اتصالات المواطنين، الذين يهاتفون المركز لتقديم شكاوى عبر الهاتف في الغالب، تتعلق مجملها بالخدمات العمومية، خصوصا العلاقة بين المواطن والسلطات المحلية، التابعة لوزارة الداخلية، مثل الجماعات والقيادات والمقاطعات، والتي تهم الحقوق الأساسية للمواطن، مثل الصحة، حيث تسجل عدة شكايات بخصوص الرشوة في المستشفيات والقضاء والشرطة والدرك. 859 هو عدد الشكايات التي استقبلها المركز منذ فاتح يناير 2009 إلى غاية ثاني دجنبر 2010، كما أكدت ل»المساء» نبيلة أوحند. لكن هذه الشكايات لا تتم معالجتها كلها، فوحدها 44 شكاية من مجموع الشكايات التي وردت على المنظمة تم فتحها، في حين تم حفظ ما تبقى، لأنها لا تدخل ضمن اختصاصات المركز، الذي أسسته «ترانسبرانسي -المغرب» في يناير 2009، تضيف المستشارة القانونية. انفرجت أسارير وجهها وهي تقول: «في بعض الحالات الواردة على المركز، يطلب منا مواطنون إلقاء القبض على المرتشين»، « كيْقول ليك شد هاذا راه طْلب مني الرشوة»!... مواطنون يشتكون من مدونة غلاب في أغلبية الشكايات التي وردت على المركز، والتي يتم تصنيفها حسب تاريخ ورودها، يشتكي المواطنون من مدونة السير «عدد كبير من الشكايات يهم مدونة السير، خاصة في المناطق شبه الحضرية والقروية»، تقول المستشارة القانونية للمركز، الذي يقوم باستقبال المواطنين ودراسة مطالبهم، بغية تمكينهم -عبر التوجيه والاستشارة القانونيين- من الدعم اللازم لمواجهة المشاكل المرتبطة بالرشوة. ويتمتع مركز الدعم القانوني ضد الرشوة بدعم من «ترانسبارانسي» الدولية، والتي تعتبر رائدة في هذا المجال، حيث ساهمت في تأسيس ما يناهز 50 مركزا مشابها عبر العالم. يضع مركز المغرب رهن إشارة المستفيدين فريقا من المتخصصين لاستقبالهم والإنصات إليهم ومعالجة مطالبهم وتمكينهم من توجيهات قانونية، بصفة شخصية، مجانا مع ضمان سرية المعاملة. ويمكن اللجوء إلى المركز بالتوجه إلى مقره أو بالاتصال عبر الرقم الاقتصادي الذي وضعته «ترانسبارنسي» رهن إشارتهم، أو ببعث رسالة عبر البريد العادي أو الفاكس أو البريد الإلكتروني. وتتم دراسة المطالب، بعد ذلك، من طرف فريق من المهنيين، الذين يبلورون رأيا بصدد محتواها ويقدمون النصائح لأصحابها بخصوص ما يجب عليهم فعله. ومن الممكن ضمان متابعة هذه المطالب. لكن ومع ذلك، «فالمركز لا يحل محل الجهات المعنية بالأمر في ما يتعلق بالخطوات التي يجب إتباعها من طرف المستفيدين أو في ما يخص بحثهم عن العدالة»، تقول نبيلة أوحند. تتبع يومي لمقالات الصحافة في مكتب آخر، جلست مجموعة من الشابات وهن منهمكات في تصفح الجرائد ضمن عمل يومي يرتكز على اختيار جميع المقالات التي تتحدث عن الرشوة والفساد وقصها وجمعها في أرشيف، قبل أن يقمن بتحويلها إلى نسخة إلكترونية ووضعها في قاعدة بيانات المرصد. تتكلف فاطمة بوعزيز، المحررة الرئيسية، بمتابعة العمل اليومي لفريق عملها، يتم إرسال قراءة أسبوعية في الصحف إلى الصحافيين، كما يتم وضعها على الموقع الإلكتروني للجمعية. تدخل هذه الأعمال، التي تقوم بها محررات «ترانسبرنسي»، ضمن نطاق عمل مرصد الرشوة والنهوض بالشفافية، الذي أسس سنة 2007، بدعم من السفارة الهولندية، حيث تتمحور مهامه في جمع وتطوير نشر معلومة نوعية حول الرشوة والحكامة، عن طريق تركيب المعطيات ومعالجتها». تعتمد الجمعية على هذه المقالات التي يتم وضعها رهن إشارة الصحافيين، في التوفر على قاعدة معلومات بخصوص وضعية الفساد في المغرب، أيضا خلال إعدادها تقاريرها الدورية»، تضيف فاطمة بوعزيز. وقال علي صدقي، نائب الكاتب العام للمنظمة، إن «عملية التوثيق يتم إنجازها في إطار المشاريع التي تشتغل عليها الجمعية لإعداد تقاريرنا والاعتماد عليها، أيضا، في عمليات الترافع التي تقوم بها الجمعية». وإضافة إلى ثلاثة رؤساء مشاريع وخمسة أطر عليا، ومسؤولي الجمعية تلجأ «ترانسبرنسي» إلى خدمات مستشارين لإنجاز دراسات وأبحاث بشكل مستمر أو مؤقت. تتعرض تقارير الجمعية، في بعض الأحيان، لانتقادات من طرف الجهات الرسمية، لكن علي الصدقي يعتبر أن الأمر طبيعي «لأنه من المؤكد ألا يكون هناك رضى تام من طرف من يرفض أن يرى الأشياء بعين الواقع ويرغب في القول إن هناك عملا هاما يتم القيام به لمحاربة هذا الداء، الذي ينخر المجتمع المغربي، فتقارير الجمعية أو البيانات التي تصدرها يؤكدها الواقع، وما تنشره الصحافة الوطنية، وتزكيها، أيضا، الدراسات والأبحاث أو التحقيقات التي تقوم بها الجمعية». وتابع صدقي قائلا: «هناك إجماع وطني على أن وضعية الرشوة في المغرب جد مقلقة». الحق في المعلومة لتحسين الشفافية قرب مكتب كل من مركز الدعم القانوني ضد الرشوة ومرصد الرشوة والنهوض بالشفافية، خصصت المنظمة مكتبا للنهوض بالحق في الوصول إلى المعلومة، التي ترافع «ترانسبرانسي» من أجلها، فحسب «ترانسبرنسي»، فإن الولوج إلى المعلومة يشكل حقا أساسيا لتحسين الشفافية والوقاية من الرشوة وتقوية النظام الوطني للنزاهة. وتسعى «ترانسبرنسي» إلى صياغة نهائية لاقتراحات حول الإصلاح والمرافعة حول هذه المسألة، حيث قامت الجمعية بتنظيم مجموعة من الورشات حول الموضوع مع جميع الأطراف المعنية، من مهنيين وبرلمانيين وحقوقيين. لوحات فنية عُلِّقت على جدران تلك الشقة من المدخل إلى غاية قاعة الاجتماعات، تهم كلها محاربة الرشوة، لتذكر الوالج لمقر «ترانسبرانسي» بأنها مستمرة في محاربة الرشوة. ففي وقت كان يصعب الحديث عن الرشوة، اجتمع مجموعة من المواطنين لمواجهة الوضعية المقلقة للرشوة ونقص الشفافية والأخلاق والحكامة الجيدة تحت شعار «جميعا ضد الرشوة» وأسسوا «ترانسبرانسي -المغرب»، بتاريخ 6 يناير 1996: «نحن جمعية تمثل قطاعاً واسعاً من المجتمع المدني المغربي، وتعمل في إطار النسيج الجمعوي من أجل اليوم الوطني الثالث لمحاربة الرشوة (6 يناير 1999)، اقتناعا منا بأن قيم النزاهة والاستقامة داخل مجتمعنا شرط ضروري لكي يتمتع شعبنا، بشكل عادل، بمستوى التنمية والاطمئنان الذي يستحقه»، يقول المنظمون في ميثاق تأسيس الجمعية. يتذكر على صدقي تأسيس الجمعية وهو يقول: «تم تأسيس جمعية «ترانسبرنسي» في أجواء تتسم بمعاداة السلطات العمومية وسيادة طابو يعوق أي نقاش حول الرشوة»، لكن الجمعية انتظرت 10 سنوات، كي تحصل على صفة المنفعة العامة. وحسب مؤسسيها، فهي منظمة غير حكومية تتبنى المبادئ المتضمنة في ميثاق منظمة «ترانسبرانسي» -الدولية، التي حددت محاربة الرشوة عالميا كهدف لها. ومنذ نشأتها، أدرجت «ترانسبرانسي -المغرب» عملها المتعلق بمحاربة الرشوة في إطار الحركة الديمقراطية التي تعمل من أجل الحكامة الجيدة وتنمية المواطنة والنهوض بدولة القانون وإقامة نظام وطني للنزاهة. كما أنها تضع على عاتقها، أيضا، أن تكون وسيطا للمبادرات والأعمال المشترَكة التي تتطور في هذا المجال، وخصوصا تلك التي تأتي من الأوساط السياسية ومن القطاع الخاص ومن الحكومة. إحداث جائزة النزاهة من لدن «ترانسبرنسي -المغرب» في إطار جهودها المبذولة من أجل محاربة الرشوة، أحدثت «ترانسبرانسي -المغرب» جائزة النزاهة، تقديرا للجهود المبذولة من طرف أشخاص أو مؤسسات قاموا بعمل بارز في مجال محاربة الرشوة في المغرب، لذلك تتطلع الجمعية، عن طريق هذه المبادرة، إلى المساهمة في التعريف بالأشخاص الذين يواجهونها بطريقة نموذجية، لأن محاربة الرشوة عمل شاق يتطلب كفاحا طويلا وكثيرا من الشجاعة والابتكار. وسيتم الإعلان عن الفائزين، الذين تم تلقي آخر ترشيحاتهم في 30 شتنبر 2010، وتتوجيهم بالجائرة، حيث تكفلت لجنة مكونة من أشخاص معروفين بنزاهتهم باختيار الفائزين. وسيتم الإعلان عن النتيجة في نطاق احتفال الجمعية باليوم العالمي لمحاربة الرشوة.
المغرب من الدول التي تعرف رشوة دائمة ومزمنة - تشتغل الجمعية في إطار عملها على عدة ميادين، حسب اعتقادك، ما هي أكثرها فسادا؟ في حقيقة الأمر، فإن تفشي الرشوة في المغرب لم يعد مقتصرا على قطاع أو قطاعات دون أخرى، بل أصبحت هذه الظاهرة متميزة باختراقها كلَّ مرافق الإدارة ومناحي الحياة الاقتصادية، خصوصا بالنسبة إلى القطاعات التي يُلقى على عاتقها القيام بدور حيوي في تدبير مصالح المواطنين، كالعدل والصحة والخدمات العمومية والشرطة، وهو ما تؤكده نتائج تحقيقات الباروميتر العام، الذي يقوم بقياس حجم الرشوة والطريقة التي تؤثر بها على الحياة العادية للناس، والذي يجرى في مجموعة من الدول من ضمنها المغرب. - كيف تقيمون الوضع الحالي في المغرب بخصوص انتشار الرشوة؟ تؤكد النتائج المخيبة، التي تم تسجيلها على مستوى مجموعة من المؤشرات الدولية التي تخص مجال الرشوة والشفافية المالية والحكامة، خطورة الوضعية والطبيعة البنيوية للرشوة في بلادنا، فاحتلال المغرب في مؤشر إدراك الرشوة لسنة 2010 المرتبة 85 ضمن 178 دولة، بمعدل 3.4 يظهر، مرة أخرى، تواجده في دائرة الدول التي تعرف رشوة دائمة ومزمنة. إن تكاثر حالات الرشوة المعلن عنها والأمثلة العديدة عن تبذير واختلاس الممتلكات العمومية التي يتم نشرها في الصحافة، والتي لم يتخذ بشأنها أي إجراء، وابتذال هذه الحالات وتنامي ظاهرة الإفلات من العقاب.. كل هذا أصبح بمثابة عائق في وجه التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتمتع بحقوق المواطنة المتأصلة، وتظل مختلف مشاريع محاربة الرشوة محدودة الفعالية في غياب إرادة سياسية حقيقية وتعبئة صارمة لكل الفاعلين في هذا المجال وفي ظل عدم بلورة إستراتيجية فعلية وفعالة للوقوف في وجه هذا «الاجتياح»، الذي يتمثل في الرشوة والفساد الإداري، والذي يهدد مختلف دواليب وأجهزة الدولة والاقتصاد والمجتمع. - ما هي العراقيل التي تواجه الجمعية في إطار محاربتها للرشوة؟ تشتغل جمعيتنا كمنظمة غير حكومية في مجال عمل صعب ألا وهو مجال محاربة الرشوة، وهو عمل متعدد الأوجه، يستلزم أنواعا عديدة من بنيات التسيير والإمكانيات البشرية والمادية والخبرات. كما أن كثافة وصعوبة الأنشطة التي تقوم بها الجمعية تقتضي تنظيما ملحا أكثر فأكثر، خاصة أنها أصبحت مرجعا في كل ما يرتبط بقضية الرشوة والشفافية والحكامة، فالطلبات عديدة إلى درجة أن وسائلنا البشرية المحدودة لا تمكننا من الاستجابة لها بكاملها، فإلى جانب الهيآت المنتخَبة لتدبير وإدارة الجمعية، هناك طاقم مداوم وعرضي متخصص يتسع عدده شيئا فشيئا، ويساهم في إنجاز الأنشطة المختلفة. إلا أن حجم العمل المتطلب إنجازه وكذا الفرص المتاحة لكي تتمكن الجمعية من بسط إشعاعها يقتضي المرور من نمط التسيير المرتكز أساسا على الالتزام التطوعي والطوعي لمسؤولي الجمعية وأعضائها الأكثر نشاطا إلى بنيات دائمة تستند في التدبير اليومي على موارد مهنية ملائمة. - ما هي أبرز الاقتراحات وتوصيات الجمعية منذ إقامتها؟ قبل الكلام عن أهم اقتراحات وتوصيات الجمعية منذ تأسيسها، لا بد من الإشارة إلى أن «ترانسبرنسي -المغرب» منظمة غير حكومية وأحد مكونات المجتمع المدني المغربي، وبالتالي فعملنا يرتكز بالأساس على التوعية والتكوين والقيام بالدراسات والترافع. وقد تمكنت الجمعية، طيلة هذه السنوات، من تحقيق مجموعة من الإنجازات في إطار هذه الركائز التي نستند عليها في أنشطتنا، مما مكننا من بلوره مجموعة من الإجراءات التي نعتبرها كفيلة بمحاربة هذه الظاهرة وإقرار قيم الشفافية والنزاهة، لخّصناها في 16 إجراء تهم ثلاثة محاور أساسية وهي: -الإصلاحات المؤسساتية والقانونية الوصول إلى المعلومة والشفافية في تدبير الشأن العام والتربية والتحسيس. كما أن المطالبة بالمساواة أمام القانون ووضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب وحماية الشهود والمنددين بالرشوة كانت دائما حاضرة في العملية الترافعية التي تقوم بها الجمعية. - سبق أن قمتم بمراقبة الانتخابات، ما هي طريقة اشتغالكم عليها؟ عرفت عملية ملاحظة ومراقبة الانتخابات من طرف «ترانسبرنسي -المغرب» انطلاقتها سنة 2002، في إطار النسيج الجمعوي لملاحظة الانتخابات، وتابعت بعد ذلك عملها وتعاونها، في إطار الملاحظة النوعية مع منظمة غير حكومية متخصصة هي المنظمة الدولية لنشر التقارير حول الديمقراطية، وذلك لاقتناع «ترانسبرنسي -المغرب» بأن الانتخابات الشفافة والنزيهة تمثل قيمة كبرى للنهوض بأسس الشفافية وقيم الحكامة ومحاربة الرشوة. وقد انصبت المساهمة على تحليل الإطار والمسلسل الانتخابي لسنة 2006، ثم على تقيم نوعي للانتخابات التشريعية لشتنبر 2007، وقد مكنت هذه التجربة من القيام بتحليلات دقيقة لوضعية النصوص الانتخابية وتقديم توصيات محددة ومفيدة للنهوض بالديمقراطية والشفافية في الانتخابات والمساهمة في النقاش العمومي حول هذه القضايا. نائب الكاتب العام ل«ترانسبرنسي -المغرب» علي صدقي