توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار الإقليمي    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    لقاء بوزنيقة الأخير أثبت نجاحه.. الإرادة الليبية أقوى من كل العراقيل    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    التوافق المغربي الموريتاني ضربة مُعلمَين في مسار الشراكة الإقليمية    من الرباط... رئيس الوزراء الإسباني يدعو للاعتراف بفلسطين وإنهاء الاحتلال    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    ألمانيا تفتح التحقيق مع "مسلم سابق"    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    الحوثيون يفضحون منظومة الدفاع الإسرائيلية ويقصفون تل أبيب    أميركا تلغي مكافأة اعتقال الجولاني    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    "فيفا" يعلن حصول "نتفليكس" على حقوق بث كأس العالم 2027 و2031 للسيدات        مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة        اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



‎عبد اللطيف أعمو يمثل البرلمان المغربي في أشغال المؤتمر الخامس للمنظمة العالمية للبرلمانيين ضد الفساد
نشر في بيان اليوم يوم 03 - 02 - 2013


الجزء الأول
في المائة من رؤساء المقاولات بالمغرب يرون أن الرشوة ظاهرة معمول بها بصفة منتظمة على المستوى الرسمي تحتضن العاصمة الفلبينية مانيلا، حاليا، فعاليات المؤتمر الدولي الخامس للمنظمة العالمية للبرلمانيين ضد الفساد.
المؤتمر الدولي الذي بدأ أشغاله في 30 يناير المنصرم ويختتمها يومه السبت 2 فبراير، يستهدف تقاسم التجارب والتعرف على مكامن القوة والضعف في كيفية تعامل وتجاوب المؤسسات التشريعية بمختلف برلمانات العالم مع مكافحة الفساد وتحديدا مع ظاهرة الرشوة، وكذا التدابير المتخذة لأجرأة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
المغرب حاضر في أشغال المؤتمر من خلال تمثيلية مجلس المستشارين في شخص الأستاذ عبد اللطيف أعمو، عضو فريق التحالف الاشتراكي بالغرفة الثانية والذي يلقي في هذا المنتدى الدولي عرضا نورد الجزء الأول فيما يلي:
الرشوة ظاهرة كونية تهدد استقرار المجتمعات، لما ينجم عنها من فقدان الثقة في المؤسسات وفي سيادة القانون، وما تؤدي إليه من إفراغ كل مخططات الإصلاح والتنمية من محتواها.
وهي ظاهرة تتخذ أبعادا كثيرة، فمنها ما هو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي. وتكون نتيجة لاحتكار السلطة أو الافتقار للشفافية أو ضعف آليات وأدوات المساءلة.
ولقد ظل مطلب محاربة الرشوة والفساد بالمغرب ملحا منذ بداية الاستقلال إلى يومنا هذا. ورغم مصادقة المغرب على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في 9 ماي 2007 ودخولها حيز التنفيذ في 30 نونبر 2007، إلى جانب إحداث هيئة مركزية لمحاربة الرشوة في دجنبر 2008 ووضع القوانين التي تهم الوقاية والتجريم والكشف والانخراط في عدة مجالات للتعاون الدولي لمحاربة جرائم التهريب وتبييض الأموال وكل أنواع الجرائم المنظمة، ووضع قانون لمحاربة تبييض الأموال 2007 وخلق وحدة معالجة المعلومات المالية 2008 وتوسيع نطاق مصادر المعلومات وتعقب المجرمين...
رغم هذا كله، فإن بوادر الإصلاح وقوة مواجهة الظاهرة ظلت محدودة.
وبعد أن رفعت الحركات الاحتجاجية المواكبة للربيع العربي مطلب الإصلاح والكرامة بداية سنة 2011، جاء الدستور الجديد في يوليوز 2011 لينص في المادة 36 من الباب الثاني عشر المتعلق بالحكامة الجيدة على الأمر بوضع قوانين تعاقب المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح وعلى التسريبات المخلة بالتنافس النزيه وكل مخالفة ذات طابع مالي، وأمر السلطات العمومية بتفعيل دور الوقاية طبقا للقانون من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها والزجر على هذه المخالفات، وكذلك زجر الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخلة بمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية.
كما حدد الدستور بمقتضى الفصل167مهام الهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة ومحاربتها بإعطائها صلاحيات المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع سياسات محاربة الرشوة، حيث نص على إحداث الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، والتي تتولى، على الخصوص، “مهام المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وثقافة المرفق العام، وقيم المواطنة المسؤولة".
فجاءت الحكومة الجديدة رافعة شعار الحكامة الجيدة ومحاربة الفساد. ولمواجهة الرشوة جاء في التصريح الحكومي بأن الحكومة تعتزم اتخاذ عدة إجراءات تتمثل في تحيين وتأهيل التشريع المرتبط بحماية المال العام ومكافحة الإثراء غير المشروع ووضع ميثاق وطني لمكافحة الفساد وتطوير التشريع المتعلق بالتصريح بالممتلكات وإرساء “الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة" المنصوص عليها في الدستور.
وتشمل هذه الإجراءات، أيضا، اعتماد برنامج وطني للنزاهة وسياسات لمكافحة الفساد على مستوى القطاعات الحكومية في إطار خطة وطنية مندمجة وتشجيع مشاركة عموم المواطنين في مجهود مكافحة الفساد وإقامة شراكات وطنية بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، وبين القطاع العام والخاص ومنظمات المجتمع المدني.
ورغم أن المغرب يضم أكثر من خمس مؤسسات للمراقبة والتوعية ضد الفساد والرشوة، إضافة إلى ترسانة قانونية مهمة، ورغم انخراطه في مسلسل آلية استعراض تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، فإن تصنيفه العالمي ما زال في تراجع في هذا المجال.
وقد تزامن تكوين الحكومة المغربية الجديدة في سنة 2011 مع صدور تقرير دولي يضع المغرب، بناء على مؤشر الرشوة، في الرتبة 80 من أصل 183 دولة. فيما منحت منظمة الشفافية الدولية المغرب 3.4 نقطة من 10 نقاط. وهو المعدل ذاته الذي حصل عليه سنة 2010. مما يؤكد أن البلاد سقطت في دائرة توجد ما بين 3.2 و 3.5 نقطة خلال السنوات التسع الأخيرة، وبالتالي فإن الإصلاحات والجهود التي تم القيام بها في هذا الإطار لا ترقى إلى مستوى الإجراءات الفعالة التي ينبغي القيام بها من طرف الدولة.
ومن جانب إدراك ظاهرة الرشوة، يشير تقرير حول «مؤشر الدول المصدرة للرشوة»، قدمته جمعية ترانسبارنسي/ المغرب، أن 55 في المائة من رؤساء المقاولات بالمغرب يرون أن الرشوة ظاهرة معمول بها بصفة منتظمة على المستوى الرسمي.
ورتب التقرير الذي اعتمد على آخر بحث ميداني حول الرشوة شمل 100 مقاولة مغربية من ضمن أزيد من 3000 مقاولة أجنبية، أن المغرب يحتل «مستوى عال في سلم الترتيب بين الدول التي تتفشى فيها الرشوة».
وحسب هذا التقرير، فالمغرب جاء في مرتبة لا يحسد عليها مقارنة مع بلدان كمصر التي لا يتعدى متوسط تفشي الرشوة بها 2.1 وسنغافورة 1.6 على سلم الترتيب من 1 إلى 5.
وعن سؤال وجه لرؤساء المقاولات المستجوبين حول سوء أو حسن استعمال الأموال العمومية، أجاب 49 في المائة منهم أنهم يعتبرون أن الموارد العمومية بالمغرب تستعمل بشكل سيئ من قبل المسؤولين الكبار في الدولة.
واعتبر التقرير أن المغرب يحتل موقعا مقلقا مقارنة مع دول أخرى فيما يخص التعامل غير الأخلاقي مع ظاهرة الرشوة (41 في المائة)، والتداخل بين الرشوة والإفلات من العقاب.
وأكدت الشبكة المغربية لحماية المال العام من جهتها، على أن اختلاس وتبديد و نهب المال العام هو من صلب الجرائم الاقتصادية التي أدت إلى حرمان المغاربة من استغلال ثرواتهم، الأمر الذي كرس الفقر والهشاشة لدى فئة واسعة من المغاربة، رغم مصادقة الحكومة المغربية على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد دون دمج مقتضياتها في التشريعات الوطنية. وطالبت الشبكة بإحداث هيئة مستقلة للحقيقة وإرجاع الأموال المنهوبة، إلى جانب تكريس الفصل الحقيقي للسلط وتمكين السلطة القضائية من القيام بدورها بكل ما يلزم من نزاهة واستقلالية وإحداث مؤسسات قوية للمراقبة المالية.
كما كشفت دراسة أخرى همت الأسر المغربية، أن 65 في المائة من المغاربة يرون أن مجهودات الحكومة في محاربة الظاهرة غير ذات فعالية، مقابل 17 في المائة منهم يرون أنها فعالة.
ويتصدر قطاع الوظيفة العمومية والقضاء والعقار قائمة القطاعات التي تعرف انتشارا واسعا لظاهرة الرشوة بالمغرب، حسب الدراسة، بحصولهم على 3.5 نقطة في مؤشر الرشوة، يليهم مباشرة قطاع الأمن. وتحتل الأحزاب السياسية والبرلمان وقطاع التربية والتكوين وسط القائمة، بينما تأتي قطاعات الإعلام والجمعيات غير الحكومية والمنظمات الدينية والجيش في أسفل القائمة بحصولها على ما بين 1.4 و1 نقطة في مؤشر الرشوة.
وتعتبر الرشوة من المعيقات الأساسية للاستثمار بالمغرب، حيث احتل المغرب الصف 70 من أصل 144 بلدا في الترتيب السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي حول جاذبية الدول للاستثمارات. وفوق هذا كله، فالرشوة وانعكاساتها السلبية، تكلف البلاد خسائر فادحة على جميع المستويات تقدر بنحو 1.5 مليار دولار.
إحساس بأن الرشوة ملازمة للمغاربة في حياتهم اليومية
مع محدودية آثار المحاسبة وقلة فعالية الزجر في حق المتلاعبين بالمال العام، وعدم الاستجابة لمطلب اتخاذ إجراءات عملية تقود من يعتبرون “رموزا للفساد" إلى المحاكمة، وظهور مؤشرات توحي بكون الدولة غير جادة في محاربة الفساد.. أصبح المغاربة يشُكٌون في فعالية آليات محاربة الرشوة، وهناك العشرات، بل المئات، من الأمثلة اليومية في المغرب عن هذه الظاهرة التي تتغذى على مختلف صنوف الفساد وغياب قرارات زجرية حقيقية، تكاد لا تخلو جريدة يومية منها، مما يوحي للمواطن بأنه أمام وحش خرافي يتضاعف حجمه كلما حاولنا محاصرته، أو أمام قدر حتمي لا مهرب منه، يجعل قريحة الإبداع تزدهر في اكتشاف وسائل ارتشاء جديدة كل يوم.
إن الرشوة أصبح ينظر إليها كأنها أمر عادي وملازم للحياة اليومية للمواطنين- وهذا في حد ذاته أمر خطير- لدرجة اعتبارها “هيكلية ومزمنة"، فتفنن المغاربة في تصنيفها، واستحضار تجليات عديدة للظاهرة، فمنهم من يصنفها من الصغيرة إلى الكبيرة، ومنهم من يرى أنها تتخذ أشكالا عديدة، من ضمنها:
1) الرشوة الاستباقية
وهي نوع من الرشوة عن طريق تقديم هدايا لأشخاص في مواقع المسؤولية، ليس مقابل خدمة معينة، ولكن ابتغاء كسب مودتهم أو اتقاء شرهم. ويجني الراشي من هذا الوضع ضمان مودة المسؤول، الذي يحرص على عدم الإضرار بالراشي وبمصالحه.
وهذا النوع من الرشوة يتنامى عندما يطول الأمد بالشخص في نفس المهام بشكل يقع فيه الخلط والمزج بين الشخص ومسؤولياته فيصعب حينها التفريق بين الهدية والرشوة.
ويمكن محاربة هذا النوع من الرشوة بتغيير المسؤولين دوريا في مناصب حساسة، وضمان التداول على كراسي المسؤولية.
2) الرشوة من أجل تحقيق هدف غير مشروع
في هذه الحالة فالراشي يعرف أن هدفه غير قانوني وأن المرتشي بيده قرار منحه ما يريد. ومقابل مغامرة “المسؤول" بتقديم خدمة غير مستحقة، يعوضه المستفيد من الخدمة غير المستحقة بمنحه رشوة مقابل ذلك بهدف ترجيح كفته.
ومحاربة هذا النوع من الرشوة يكمن في تشديد العقوبات على المرتشي.
3) الرشوة من أجل تسريع الحصول على خدمة مشروعة
ويرجى من هذه الرشوة ربح الوقت والتمتع بمعاملة خاصة في سبيل الحصول على خدمة مستحقة دون انتظار أو تضييع للوقت. وتبلغ هذه الرشوة أوجها حين يصبح ذوو النفوذ كذلك مجبرين على دفع رشوة لتسريع بلوغ هدفهم، فتصل المزايدة فيها ذروتها.
ويحارب هذا الشكل من الرشوة عبر اعتماد الطرق الحديثة وخصوصا الأنترنت في التعاملات الإدارية والمعاملات التجارية، وذلك بتقليص فرص اللقاء المباشر بين طالب الحق والمسؤول عن تلبية الطلب.
4) الرشوة من أجل بلوغ هدف مشروع
ويعتبر هذا النوع من أقبح أشكال الرشوة، إذ يصبح المواطن ملزما بدفع الرشوة مقابل حق مشروع قانونا، ويستثنى من هذا الحق إذا لم يؤدي مقابلا ماديا للحصول عليه.
ولكي يتفادى المجتمع بلوغ هذا الحد المتفشي من الرشوة، لا بد من محاربة الأنواع الثلاثة السابقة قبل أن تؤدي إلى الشكل الرابع والذي يصعب كثيرا الشفاء منه.
احتواء ظاهرة الرشوة، أولوية وطنية
ترى الحكومة المغربية من جهتها أنها حققت تقدما ملموسا في مجال محاربة الفساد. فوزارة تحديث القطاعات العامة اعتبرت أن نتائج التقرير “دليل على فعالية البرامج والتدابير التي اتخذها المغرب في نطاق الإستراتيجية الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة وتخليق الحياة العامة، والتي تمت أجرأتها في برنامج عمل الحكومة للوقاية من الرشوة ومحاربتها".
فقبل الربيع العربي سنة 2011، قطع المغرب أشواطا مهمة على مستوى القوانين والمؤسسات في مجال محاربة الرشوة. ووقع على الاتفاقية الدولية لمحاربة الفساد وأحدث تبعا لذلك الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة ومجلس المنافسة. كما أصدرت الحكومة قانونا للتصريح بالممتلكات وقانونا لحماية الشهود والمبلغين عن الرشوة. إضافة إلى أن المجلس الأعلى للحسابات (محكمة مالية) يصدر سنويا تقارير تضم ملاحظاته على التدبير المالي للمؤسسات العمومية، إضافة إلى المجهود الكبير الذي بذله المغرب في مجال محاربة التهريب وتبييض الأموال واسترجاع الودائع المختلسة وانخراطه الكلي في دعم كل مشاريع التعاون الدولي وتطوير آلياته بالاعتماد على المساعدة التقنية.
كما بادرت الحكومة مؤخرا في شخص وزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة المغربي، إلى إطلاق حملة للتوعية تحت عنوان “ويَّاكم والرشوة"، تتضمن حملة إعلانية بجانب مركز للتبليغ عن الرشوة، وتم إدراجها في إطار استراتيجية متكاملة لمحاربة هذه الظاهرة سيتم تطبيقها على مدى ثلاث سنوات، وتمتد إلى غاية 2016.
وتتضمن الإستراتيجية، إلى جانب التوعية، إجراءات قانونية، أهمها إعداد قانون يوفر الحماية القانونية للشهود المبلغين عن الرشوة. و تقوية الإطار المؤسساتي لهيئات الحكامة المعنية بهذا المجال، وفي مقدمتها الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، التي تأسست في 13 مارس 2007، وتطوير المنظومة القانونية، وتعزيز الشفافية في التدبير العام ودعم مساءلة المسؤولين، إضافة إلى التربية والتوعية بخطورة الظاهرة وإشراك المجتمع في محاربتها.
وتشتمل الإستراتيجية كذلك على إجراءات تواصلية تهم إحداث بوابة الكترونية للوظيفة العمومية يعلن فيها عن جميع مباريات التوظيف المتاحة وتنشر فيها نتائجها الكاملة، إضافة إلى بوابة أخرى خاصة بالصفقات العمومية تنشر التفاصيل الكاملة للمناقصات العمومية من إيداع الطلبات إلى الإعلان عن اسم الشركة الفائزة بها.
خطاب متقدم وممارسة ضعيفة
التزمت الحكومة في برنامجها الانتخابي بالارتقاء بالمغرب إلى المرتبة 40 عالميا على صعيد مؤشر إدراك الرشوة، بعد أن كان في الرتبة 80. كما اعتمدت الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة من جهتها مقاربة ترتكز على ثلاثة أبعاد.
1- البعد الشمولي: الذي يعتمد على المؤشرات المختلفة التي تسمح بملامسة تفشي هذه الظاهرة وتحديد القطاعات الأكثر عرضة للفساد ويبرز انعكاساته على الحكامة والتنافسية والتنمية البشرية.
2- البعد القطاعي: الذي يسمح بتشخيص اختلالات الحكامة بالقطاعين العام والخاص وبالحياة السياسية.
3- البعد الجهوي، الذي يسمح برصد تجليات الفساد على مستوى ممارسة الشأن المحلي خاصة في ما يتعلق بالجماعات الترابية.
لكن صدور آخر تقرير عالمي َبوّأ المغرب الرتبة ال 90 عالميا حول المؤشر العالمي للحرية الاقتصادية لعام 2013، حيث يمتلك رصيد 59.6 نقط، بمعدل ينقص 0.6 نقطة عن السنة الماضية، بعد ما كان يحتل الرتبة ال 87، من أصل 185 دولة، متخلفا بثلاث درجات عن السنة الماضية، ليوضع بذلك في رتبة “اقتصاد غير حرّ في الغالب"، حسب مؤشرات التقرير، وسط دول كأزربذجان والدومينكان وبوركينا فاصو ولبنان وغامبيا وزامبيا.
وهو ما يفيد أن تصنيف هذه السنة أسوأ من عام 2012، حسب التقرير السنوي الذي نشرته “هيريتايج فاوندايشن" (مؤسسة التراث التي تعد المؤسسة الفكرية الأولى بواشنطن) بشراكة مع صحيفة “وول ستريت جورنال" الأمريكيتين.
واستنادا إلى وثيقة التقرير السنوي، فإن مؤشر الحرية الاقتصادية انخفض بالمغرب، للرتبة ال9 ضمن 15 دولة من شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بسبب الانخفاض الكبير في السيطرة على النفقات العمومية وانخفاض هامش حرية التجارة التي تفوق حرية الاستثمار والعمل، وذلك بسبب تفشي الفساد وارتفاع النفقات العمومية، إضافة إلى استمرار العجز الحاصل في الميزانية.
وأكد التقرير أن الجهود المبذولة حاليا لمكافحة الفساد لا تزال محدودة الفعالية، إضافة إلى كون القضاء المغربي “عرضة للنفوذ والتأثير السياسي".
من جهة أخرى، قال التقرير بأن الحكومة المغربية اتخذت خطوات لإدماج اقتصادها في السوق العالمية، في حين أصبحت الإجراءات الاستثمارية مبسطة، وأن الاستثمار الأجنبي موضع ترحيب في العديد من القطاعات، “على الرغم من أن نظام الاستثمار لا زال في حاجة إلى مزيد من الشفافية لتحفيز النمو".
إن تحسين مختلف المؤشرات التي تسمح بمحاصرة الفساد، وبالتحديد ظاهرة الرشوة ، وبالتالي تحسين مؤشرات الحكامة والتنافسية والتنمية البشرية يقتضي إجراءات وتدابير على عدة مستويات:


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.