لتفادي مزيد من الاحتقان الاجتماعي، يدعو العديد من الفاعلين الاجتماعيين إلى الكف عن إفراغ الحياة السياسية والنقابية من محتواها، لأن ضعف النقابات والأحزاب وتراجع دورها التأطيري للمواطنين، معناه أن الشارع سيكون، لا محالة والحالة هذه، ساحة لمواجهة المسؤولين عن الأزمة، وأحيانا تتم هذه المواجهة بطرق مدمرة يصعب التحكم فيها عبر المقاربة الأمنية. إذا كان السلم الاجتماعي هو ثمرة تعاقد اجتماعي، بين مختلف الفرقاء داخل الوطن، فإن هذا السلم يصبح في كف عفريت، عندما تصبح الفئات العريضة من المجتمع مهددة في الحد الأدنى من شروط العيش الكريم. فهل يتجه السلم الاجتماعي في المغرب إلى الانهيار بعد هذا الاحتقان الاجتماعي الذي لم يعد معه المواطن المغربي قادرا على تحمل تكاليف الحاجيات الضرورية في السكن والتطبيب والتمدرس والتنقل وغيرها من متطلبات المعيشة؟ عبد العالي بنعمور، الرئيس السابق لجمعية بدائل، يقول في جوابه عن هذا السؤال إن حكومة عباس الفاسي في ورطة حقيقية لأنها تفتقر إلى سياسة اقتصادية محددة من شأنها أن تضع البلاد على سكة الإقلاع الاقتصادي المطلوب. وحسب بنعمور، فتلبية مطالب الشغيلة المغربية أمر مشروع، لكنه خيار قد تكون له انعكاسات سلبية على السلم الاجتماعي نفسه، لأن هذا الخيار، بالنظر إلى إنتاجية الاقتصاد المغربي، لا يسمح بالاستجابة إلى هذه المطالب لأنه سيحدث اختلالات في الميزانية العمومية، وهي الاختلالات التي ستؤدي بدورها إلى نسبة تضخم عالية تنعكس سلبا على كل مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية. ويقترح بنعمور، لتفادي انهيار السلم الاجتماعي، أن تتحلى حكومة عباس الفاسي بالشجاعة السياسية في وضع مخطط إنقاذ تطلب فيه من الطبقات الفقيرة المزيد من الصبر والتقشف، لكن في الوقت نفسه تلتزم فيه بأن تخرجهم من النفق في جدول زمني محدد. «إلا أن الحكومة، يقول بنعمور، غير معنية بالتزاماتها تجاه الطبقات الكادحة لإخراجها من نفق الاحتقان الاجتماعي، لأن ما يهمها فقط هو مزيد من تضحيات هذه الطبقات المسحوقة». وتزداد خطورة تردي الوضع الاجتماعي في المغرب، خصوصا بعد مرور مدة زمنية كافية بالنسبة إلى الحكومة كي تبرهن على استعدادها لتصحيح الاختلالات داخل المجتمع. أكثر من هذا، هناك من يشكك في مصداقية ومدى جدية الحكومة في محاربة الامتيازات وتطويق مظاهر الأزمة، خاصة مشكل البطالة والرفع من نسبة الأجور بشكل يسمح للمواطن بالولوج إلى مختلف الخدمات الأساسية في العيش. ويرى العديد من المهتمين أن استمرار الوضع على ما هو عليه حاليا قد ينذر بتفجير أزمة اجتماعية يصعب التحكم في تداعياتها، خاصة أن الفئات الاجتماعية من ذوي الدخل المحدود تحمل أحقادا لا تنتظر سوى الشعلة أو الشرارة الأولى، على شاكلة ما وقع في أحداث صفرو قبل بضعة أشهر. من جهة أخرى، يحذر البعض من غياب طبقة وسطى في المغرب كطبقة ضرورية لإنتاجية الاقتصاد الوطني، وغياب هذه الطبقة معناه الدخول في صراع مكشوف بين طبقة تملك كل شيء، وهي قلة قليلة عدديا، وطبقة لا تملك أي شيء وهي الأغلبية الساحقة من المغاربة. فمن هو المستفيد من انهيار السلم الاجتماعي في المغرب؟ «لا أحد يستفيد من انهيار السلم سوى أعداء الديمقراطية وأعداء الإصلاح»، يقول محمد يتيم، الكاتب العام لنقابة الاتحاد الوطني للشغل، قبل أن يضيف: «إن انهيار السلم معناه العودة إلى دولة قمع الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان وخنق حرية التعبير». ويقترح يتيم لتفادي أي احتقان اجتماعي بناء تعاقدات اجتماعية جديدة يراعي فيها الحد الأدنى من شروط العيش الكريم للفئات الاجتماعية، خاصة الفئات الضعيفة والمعدمة، بدل ترك هذه الفئات تؤدي فاتورة تقلبات الأسعار الدولية والمحلية. وحسب يتيم، فأرباب المقاولات هم بدورهم مطالبون بالتنازل عن جزء من امتيازاتهم لتفادي إنتاج شروط الانفجار الاجتماعي التي ستظل قائمة ما لم تقدم هذه التنازلات. المغاربة عموما متسامحون وأحيانا يتنازلون عن كثير من حقوقهم السياسية والمدنية، ولكن حينما يصل هذا التنازل إلى كسرة الخبز فإن شروط الانفجار تبقى ممكنة في أية لحظة، وهو الأمر الذي لا يستبعده يتيم عندما يؤكد أن المغرب عاش انفلاتات اجتماعية في محطات من تاريخه، كأحداث 1981 بعد أن أصبح مهددا في قوته اليومي. ولتفادي مزيد من الاحتقان الاجتماعي، يدعو العديد من الفاعلين الاجتماعيين إلى الكف عن إفراغ الحياة السياسية والنقابية من محتواها، لأن ضعف النقابات والأحزاب وتراجع دورها التأطيري للمواطنين، معناه أن الشارع سيكون، لا محالة والحالة هذه، ساحة لمواجهة المسؤولين عن الأزمة، وأحيانا تتم هذه المواجهة بطرق مدمرة يصعب التحكم فيها عبر المقاربة الأمنية، بمبرر «أن المغاربة لم يصلوا بعد إلى مستوى من النضج للاحتجاج بشكل متحضر وبالتالي لا بد من تكسير عظامهم في الشارع العام لحفظ الأمن»، لكن ما لا ينبغي تجاهله، حسب البعض، هو أن خيار المقاربة الأمنية مكلف وله ثمن من صورة المغرب في الداخل والخارح معا. محمد بنحمو، عضو المكتب المركزي للفيدرالية الديمقراطية للشغل الجناح النقابي للاتحاد الاشتراكي، يقول في هذا السياق إن السلم الاجتماعي ليست مسؤولية الشركاء الاجتماعيين فقط، وإنما هو مسؤولية الحكومة أيضا. وحسب بنحمو فإن المطالب التي ترفعها النقابات ليست مطالب تعجيزية، بل هي مطالب قابلة للحل والمعالجة لضمان هذا السلم، مؤكدا أن أول خطوة في توفير شروط السلم الاجتماعي هي مراجعة منظومة الأجور التي لم تعد تحفظ كرامة المواطن وتلبي حاجياته الأساسية. وقال بنحمو، بهذا الخصوص: «السلم الاجتماعي يفرض بالضرورة ردم الهوة بين الأجور العالية جدا والأجور المتدنية جدا»، قبل أن يضيف أن نقابته تعتبر أن الوضع الاجتماعي في المغرب وصل إلى مستوى خطير بفعل التردي الكبير لوضعية عموم الشغيلة المغربية، وهو ما يستلزم، في نظره، التسريع بالحلول المناسبة قبل فوات الأوان.