ظل الاستقلالي امحمد الدويري، أب الوزير السابق عادل الدويري، «البطل» الرئيسي لاجتماع مجلس جهة فاس بولمان المنعقد في مقر الولاية بفاس طيلة يوم أول أمس الخميس. فقد ظل طوال الوقت بالرغم من تقدمه في السن، لا ينهي مداخلة إلا ليبدأ أخرى، وفي كل مرة ليقدم التوضيحات ويهدئ من روع بعض «الغاضبين» وليحمس آخرين للمزيد «من النضال والكفاح» لتحقيق ما يصبو إليه هذا المجلس لفائدة الجهة كلها. وكان بجانبه الوالي محمد غرابي يراقب ويتدخل ويوضح ويثير نقاشات صاخبة في بعض الأحيان بين أعضاء مجلس الجهة. فيما ظل عاملا مولاي يعقوب وصفرو يتابعان من على المنصة أطوار النقاش دون أن ينبسا ببنت شفة. وكان الوالي غرابي، بين الفينة والأخرى، ينادي المندوبين الجهويين لوزارات بعينها لتقديم توضيحات حول بعض القطاعات والمشاريع. وكان كل من أحس «بالغبن» من الأعضاء خلال المناقشة يسارع إلى توجيه خطابه إلى «السيد الوالي» ويختم نداءه بقوله: «أنا رهن الإشارة لتقديم مزيد من التوضيحات حول هذه القضية، السيد الوالي». ويظهر أن للوالي سلطة كبيرة على هؤلاء المستشارين. فلا أحد منهم، طيلة أشغال الدورة 13 للجهة، تدخل لمناقشة كلامه أو التعليق عليه أو انتقاد أي مبادرة من مبادراته. وكلما أحس بأن الدويري، الرجل المسن في «ورطة»، تدخل لإنقاذه بتقديم تفاصيل دقيقة حول طرق تدبير الشأن الجماعي وتقنيات إعداد المشاريع وإمكانيات تنفيذها. ومن الملاحظ أن مجلس الجهة لا وجود فيه لمعارضة وأغلبية كما هو الشأن عادة في كل المجالس المحلية المنتخبة، فلا عضوا العدالة والتنمية يعارضان ولا أعضاء الاتحاد الاشتراكي هم في المعارضة، وكل القضايا والنقط التي أثيرت تم التصويت عليها بالإجماع. وحتى طريقة التصويت تبدو في بعض الأحيان مثيرة، فالطريقة التي اعتمدت هي تقديم النقطة المرغوب في التصويت عليها من قبل امحمد الدويري وبعده المقرر وعرضها على التصويت. يرفع بعض المصوتين أيديهم للتصويت ب«نعم» على النقطة، ثم يسأل المقرر عن المعارضين فتسكت القاعة، ثم يسأل عن الممتنعين فلا يجد أي أحد، ثم يسارع إلى القول، بارتياح وهدوء، إن التصويت على النقطة الفلانية تم بالإجماع. وبالرغم من أن بعض المستشارين القليلين كانوا يرفعون عقيرتهم لكي يسمع كلامهم ويرون أكثر بالعين المجردة، فإن طابع الشكلية هو الذي طغى على النقاش. وصار من المألوف أن تسمع عشرات المرات عبارات «السيد الرئيس» و«السيد الوالي» تتردد من قبل العضو الواحد، حتى ليخال إليك أن العضو تدخل لمجرد ترديد هذه العبارة وكفى. أما الصحافيون المترددون على قاعة الاجتماع فلم يكونوا كثرا، وقد وقع خصام بين «صحفيين» خارج القاعة كاد يؤدي إلى تدخل القوات العمومية المرابطة في عين المكان، لولا تدخل بعض الحاضرين لفك هذا النزاع. والغريب أن العراك نشب بسبب دعوات سابقة، اتهم «صحفي» صيدلي باحتكارها. وجاء هذا الاتهام من «صحفي» خياط يدير جريدة محلية. وتبادل «الإعلاميان» اتهامات كثيرة، وطلب واحد من الآخر الابتعاد عن الصحافة بدعوى أنه لا تربطه بها أي صلة. في حين لم يحضر إلا مواطنان «عاديان» لمتابعة أشغال مجلس الجهة، أحدهما قال إنه ينتمي إلى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. ويظهر هذا الغياب وجود تباعد بين المواطن ومجالسه المنتخبة. والبعض أرجع الغياب الكبير للمواطنين إلى عدم وجود هياكل للتواصل بين المجلس الجهوي والساكنة. أما امحمد الدويري، رئيس الجهة، فقد ظل هادئا في غالب مداخلاته الكثيرة، واستطاع، في كل مرة، أن يهدئ من روع بعض المتدخلين «الغاضبين» من تهميش القطاع الذي يمثلونه في الجهة، كما حدث مع ممثل لقطاع الصناعة التقليدية ظل، طيلة الأشغال، يكيل الاتهامات لمندوب الصناعة التقليدية ويردد، موجها كلامه إلى الوالي، أنه يتوفر على كل المعطيات حول الموضوع، وأنه رهن إشارة «السيد الوالي». ودافع الدويري بشدة عن «مكتسبات» الجهة، وقال إنها تحققت «بفضل الصمود والنضال». ودعا إلى مواصلة «الكفاح» من أجل المزيد من المكتسبات. وقال إن السنة والنصف، المدة المتبقية من عمر الولاية، يجب أن تخصص لتنفيذ كل المشاريع التي لا زالت تنتظر. ويخال لكل من يسمع المداخلات الطويلة للدويري أن الجهة تتوفر على اختصاصات كبيرة وهي التي تتدخل في تدبير الشأن المحلي بشكل أساسي وأن جهة فاس بولمان ستتحول، بقدرة قادر، في أفق انتهاء ولاية المجلس الجهوي الحالي إلى جنة وسط المغرب. لكن الواقع يؤكد عكس كل ذلك، فكل الفرقاء يقرون بأن المجالس الجهوية مجرد واجهة لا سلطة لها. والميزانيات التي ترصد لها جد ضعيفة ولا يمكنها أن تتدخل في الشأن الجهوي، لأن من يتدخل هو الجماعات القروية والبلدية وبقيادة وزارة الداخلية. وركزت النقط التي أثيرت على أربعة قطاعات أهمها قطاع الصناعة التقليدية والسياحة والنقل والسير والجولان. وعرض امحمد الدويري بالأرقام ما يمكن أن تساهم به الجهة في المشاريع «الكبرى» التي انطلقت في مجموع ٍ«ربوع» الجهة. وجل هذه المشاريع تتم بالطريقة التشاركية بين الوزارات المعنية والمجلس الجماعي لفاس ومجلس الجهة، إضافة إلى دول «صديقة» مثل «الماريكان» وفقا لتعبير امحمد الدويري وفرنسا. أما المجالس القروية، فقد قال عنها الوالي محمد غرابي إنها فقيرة وليست لديها الإمكانيات الضرورية للمساهمة في مثل هذه المشاريع. ويبقى أن أغرب مطلب تقدم به مجلس الجهة هو ذلك الذي يلتمس من وزير التربية الوطنية إعادة النظر في الحروف العربية التي تعتمد لكتابة المقررات المدرسية، ويطالب المجلس بضرورة «تشكيلها». الطلب، حسب الدويري، لم يلق اهتمام الوزارة، لكن ذلك لا يعني أن الجهة ستتنازل عنه. الدويري هدأ من روع «مناضليه» في المجلس، موضحا لهم أنه سيراسل من جديد الوزارة ليلح على نفس المطلب. وقد آخذه بعد ذلك أحد الأعضاء على كتابة بعض التعابير باللغة الفرنسية في الكلمة الرسمية التي وزعها على المجلس، فما كان من الدويري إلا أن اعترف بالخطأ الذي أرجعه إلى محررين يعملون بجنبه في الجهة، قائلا إنه لا ذنب له في هذا الخطأ وإنه بدوره لا يعرف قراءة هذه الحروف التي تعبر عن ملخصات لبعض التعابير المركبة. ذ