حتى وإن كُنّي البعض بأسماء أمهاتهم، أمثال ولد عويشة، ولد حادة، ولد خربوشة... حتى وإن اختار البعض أسماء مستعارة، فإن النظام الأبوي، أو الأبيسي -كما يسميه علماء الأنثروبولوجيا- يبقى هو القانون الذي يحكم فعل التسمية، أي أن الأب، باستثناء بعض الحالات، هو الذي يسمي الابن أو البنت، وليس الأم. وقد عرفت جينيالوجيا الأسماء الأولية أو الشخصية العربية طفرة حقيقية، أدت إلى انبثاق أسماء جديدة وغير مألوفة. عندنا في المغرب، وبفعل محاكاة المسلسلات الشرقية، بزغت أسماء فيها الكثير من الحلاوة والتفركيس مثل سندس، سوسن، سيرين، هيفاء، سوزانا، هاني، إسكندر، نزار... إلخ، لتهزم أسماء «حرشة» مثل الغضفة، بوزكري، الغزواني، العونية، المعطي، الضاوية... إلخ. يبقى أننا لا نعرف ما هو الاسم الشخصي الأكثر انتشارا في بلدنا، كما لم تأت إحصائيات لإنارتنا في الموضوع. في المهجر، لم تتأثر الأسماء العربية كثيرا بهذه الظاهرة، حتى وإن تسربت أسماء مخضرمة، مثل يانيس وكينزو، إلى سجل الأسماء. بيد أنه ثمة فرصا، بفضل الإحصائيات الموسمية أو السنوية، تتيح لنا التعرف على الأسماء الأكثر تداولا في البلدان الأوربية. وتعالج الموضوعَ دراساتٌ وكتبٌ مثل «الأسماء الأولية العربية» لفتيحة الديب، أو كتاب «المصادر العجيبة للأسماء الشخصية العربية» لجنة تامر... كما توجد معاجم خاصة بالأسماء الأولية، يقتنيها الأبوان لاختيار اسم الوليد. وتنشط مواقع إلكترونية تعرض وتفسر دلالة الأسماء. ويتربع اسم محمد، بلا منازع، على قائمة الأسماء العربية في أكثر من دولة أوربية. في فرنسا ومن باب التصغير والتحبيب وتسهيل النطق («يتعكل» الفرنسيون في نطق حرف الحاء والقاف والعين)، يطلقون على حاملي اسم محمد كنية مومو، ميد... النظير الإفريقي لمحمد هو مامادو أو محمدو. في تركيا Mehmet... إلخ. أما الإعلام، فلا يزال يستعمل اسم Mahomet للحديث عن الرسول، وفي التسمية نفحة صليبية قادحة. وهكذا وبالرغم من أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، على الرغم من العنصرية والإسلاموفوبيا، لم يفقد اسم محمد شيئا من أحقيته وأفضليته، حتى وإن كان هذا الاسم، منذ قرون، رديفا في المخيل الغربي لشخص ملتح، يرغب في نشر دينه بحد السيف! والرسوم الكاريكاتورية الأخيرة أفضل عربون على ذلك. وحسب «ملف الأسماء الأولية» الذي أعده المعهد الوطني الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية، فإن اسم محمد يحتل، منذ عام 1999، المرتبة الأولى للأسماء الأولية في مقاطعة السين-سان دوني، بضواحي باريس، يتقدم أسماء يانيس، إينزو، لوكاس، توما، ألكسندر. في ميلانو، بإيطاليا، يأتي محمد أيضا على رأس قائمة الأسماء، يليه اسم عمر. في روما، أربعة أطفال من بين عشرة يحملون أسماء محمد، أحمد، محمود وحميد. في بروكسيل، يأتي محمد أيضا على رأس القائمة. وفي بريطانيا، يبقى محمد الاسم الأكثر انتشارا. في الأسبوع الماضي، كشفت صحيفة «لابروفانس» الفرنسية عن إحصاء ترتيبي للأسماء في مدينة مارسيليا. من بين أسماء البنات، جاء اسم ليا على رأس القائمة. أما ضمن أسماء الأطفال من الذكور، فاحتل اسم محمد المرتبة الأولى. ويكاد هذا الإحصاء يكون جوابا غير مباشر عن تصريحات جان-كلود غودان، عمدة مارسيليا والمحسوب على حزب ساركوزي، الذي أرخى شدقيه في الخامس عشر من هذا الشهر، خلال تجمع حول الهوية الوطنية، بحضور إيريك بيسون، وزير الهجرة والهوية الوطنية، ليقول «إن المسلمين في المدينة اجتاحوا «لاكانوبيار»،La canebière، (الشارع الرئيسي للمدينة والذي يبلغ طوله ألف متر) بعد فوز الفريق الجزائري على نظيره المصري، لحمل الأعلام الجزائرية، وهذا لا يفرحنا البتة كفرنسيين». على إثر هذه الخرجة، غادر جزء من الحضور القاعة. وليس من المستبعد أن يكون أغلبهم يحمل اسم محمد. ولربما يجهل عمدة مارسيليا أن كلمة كانوبيار، مشتقة من العربية، وتعني القنب!