البطولة: نهضة بركان يواصل نتائجه الإيجابية بالانتصار على شباب المحمدية المكسور    كتاب "التشادي 'مبعوث داعش' إلى المغرب يطلب الصفح" في ضيافة النقابة الوطنية للصحافة المغربية    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    نجاة 32 شخصا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان    الاتحاد الاشتراكي يعلن اعتزازه بالمسار الذي اتخذه ورش مراجعة مدونة الأسرة بما يليق بمغرب الألفية الثالثة    "سرقة البطولة" من الجيش تثير مواجهة مفتوحة بين رئيسي الوداد البيضاوي والرجاء البيضاوي    أخبار الساحة    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024        حافلة "ألزا" تدهس شابًا وتُنهي حياته بطنجة    رئيس الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء: الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    حماس وإسرائيل تتبادلان الاتهامات بتعطيل اتفاق الهدنة وإطلاق سراح الرهائن    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    الحصيلة السنوية للأمن الوطني: أرقام حول الرعاية الاجتماعية والصحية لأسرة الأمن الوطني    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية            مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    الوداد يطرح تذاكر مباراته أمام المغرب الفاسي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    قياس استهلاك الأجهزة المنزلية يتيح خفض فاتورة الكهرباء    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    إمزورن..لقاء تشاركي مع جمعيات المجتمع المدني نحو إعداد برنامج عمل جماعة    "ما قدهم الفيل زيدهوم الفيلة".. هارون الرشيد والسلطان الحسن الأول    الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث        ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلامة الجليل سيدي عبد الله كنون الحسني..المثقف المقاوم والعالم السياسي
نشر في التجديد يوم 07 - 10 - 2003

علم مغربي من أعلام الإسلام والعربية، جاهد في واجهات متعددة ثقافية وسياسية من أجل هوية المغرب الإسلامية، امتدت شهرته إلى المشرق، ووصل صيته أوروبا.
يمثل الشيخ عبد الله كنون الحسني رحمه الله فردا من رجال الحركة الإصلاحية بالمغرب الحديث دعوة وتعليما وجهادا ممن جعلوا الإصلاح وتأصيل العقيدة في القلوب جزء من رسالتهم في الحياة.وقد جعل بيته مدرسة وخزانته منبعا لطلاب العلم وأوقفها للإسلام وطلاب العلم، ولم تعرف رابطة علماء المغرب أزهى فترات ازدهارها إلا في فترة قيادته لها حيث أصدرت بيانات وبلاغات في قضايا حساسة وطنية وقومية حضارية. ولو قدر أن عاش شيخنا بمصر أو بإحدى دول المشرق لأنجز له فيلم وثائقي يؤرخ لجهاده مثل طه حسين وغيره، في هذه المقالة نقف على محطات من فكر فقيد المغاربة حتى يستلهم الجيل المغربي مساهمة العلماء في تسيير الشأن الوطني وجهادهم في ذلك في جميع الميادين.
نشأة الشيخ عبد الله كنون
ولد الشيخ عبد الله كنون بمدينة فاس سنة 1326 ه موافق 1908 م، وهي السنة التي عرفت ازدياد بعض أصدقائه من المقاومين أمثال: علال الفاسي، عبد الخالق الطريس، ثم انتقل وأسرته إلى طنجة للاستقرار فيها إبان الحماية، وفيها تعلم وتفتحت مواهبه، وتعاطى للكتابة والشعر وهو في سن جد مبكرة.
وبعد إتمام دراسته بجامعة القرويين، عاد إلى طنجة ليعمل في حقل التعليم، فأسس بها أول مدرسة مغربية حرة، تخرج منها كثير من أهالي طنجة.
كما عمل في الحركة الوطنية، وناضل بقلمه في العديد من الصحف والمجلات العربية.
وقد تقلب في كثير من الوظائف المهمة منها توليه لوزارة العدل بتطوان سنة 1954م، وإدارة معهد مولاي الحسن بنفس المدينة، ثم عين بعد الاستقلال على رأس العمالة بمدينة طنجة، فكان بذلك أول عامل يتولى هذا المنصب في إقليم طنجة، كما أسندت إليه بعد ذلك رئاسة المجلس العلمي بنفس المدينة، والأمانة العامة لرابطة علماء المغرب، إلى جانب عضويته في الأكاديمية المغربية، بل في جميع أكاديميات البلدان العربية.
وكان من كبار علماء المغرب، ألف العديد من الكتب في مختلف العلوم، وبالأخص في العلوم الدينية والأدبية والسياسية.
وتوفي رحمه الله في يوليوز1989 قبل أن يتسلم وسام الاستحقاق الثقافي الذي كان جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله يود تسليمه له بمناسبة عيد الشباب.
عبد الله كنون المقاوم الوطني
في مقال كتبه عبد المجيد بن جلون رحمه الله باللغة الفرنسية تحت عنوان(الوطني: le patriote) نشر بمجلة النيابة في عددها الخامس والعشرين لسنة 1990 يلفت بن جلون فيه إلى محطات سياسية هامة من حياة الشيخ كنون ونضاله في المقاومة من فترة نشأتها حتى الاستقلال من خلال حركة المقاومة المغربية استقاها كاتب في الطفولة من خلال سلسلة من الاستجوابات التي أجريت مع الشيخ كنون في الجرائد(الحرية، والعلم، منبر الشعب التي كان يرأسها المكي الناصري، والكرمل...) ومن النشرة الإخبارية لأرشيف الحماية الفرنسية بالرباط.
في تنظيم المقاومة
انخرط كنون إلى جنب كبار المقاومين المغاربة خاصة المقاوم محمد بن عبد الكريم الخطابي في أول تنظيم سمي ب:العصبة المغربية وهو الاسم المستعار لمجموعة أنصار الحقيقة والتي تأسست عقب صدور الظهير البربري والتي عملت على السهر على أنشطة المقاومة، ثم أصبح ممثلا لجمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا، وستتابع أنشطته السياسية ضمنلجنة الحركة المغربيةحتى حصول الانشقاق الحزبي سنة1937 بين أتباع علال الفاسي ومحمد حسن الوزاني، وبقي الشيخ محايدا في الصراع بين الطرفين أو الانتساب لأي منهما، وإن كان عبد المجيد بن جلون يرجح اختيار الشيخ كنون لحزب فاس من خلال تصريح لنشرة خبرية تقول:إن عيون عبد الله كنون كانت تميل لفاس أكبر من اتجاه تطوان.
وفي سنة1940 سينضم كنون إلىالحزب الوطني لتحقيق برنامج الإصلاحات الذي كان من زعمائه علال الفاسي، وسيكون ممثله بطنجة بمعية محمد حسن الوزاني والمكي الناصري وعبد الخالق الطريس، إذ سيعارض التدخلات الإسبانية في الأربعينات من القرن الماضي، وكتب مقالا نشر بجريدة الحرية يثبت فيه مغربية مدينة طنجة اختار له عنوانأسد علي وفي الحرب نعامة، كناية على موقع إسبانيا خلال الحرب العالمية الثانية، وتضمنت الجريدة نفسها مقالا للشيخ محمد داود بتاريخ28يوليوز,1940 والذي أكد فيه أن:طنجة ستبقى مغربية حتى نهاية العالم، كما سيسعى مع الحاج أحمد بلا فريج وعبد الخالق الطريس والمكي الناصري لطلب الحكومة الألمانية بهدف المساعدة من أجل تحرير البلاد، وأرسل برقية إلى الجنرال ديغول يدعوه إلى عدم نسيان المغرب في إشارة إلى إطلاق سراح علال الفاسي المنفي ببرازافيل بالكونغو.
وتبادل الرسائل مع زعماء المقاومة سواء في منطقة الحماية الفرنسية والمنطقة الخليفية بالشمال وبمنطقة طنجة الدولية.
في المجال العلمي والتسيير
أولى المقاوم كنون أهمية خاصة للتعليم الحر، وبالنسبة لهذا الرجل تعتبر اللغة العربية في سلم أولوية هذه المؤسسات التعليمية تيسر بث القيم الوطنية، وعلى هذا سعى إلى تأسيس مدرسة حرة سنة1936 والتي اعتبرها بن جلون مدرسةالوطنيين. وبعد ذلك أنشأ المعهد الديني والذي ترأسه لمدة طويلة، وعند عودة عبد الخالق الطريس من دراسته الجامعية سيِؤسس رفقة كنون ومحمد داوداتحاد كتاب المغرب. وبعد ذلك وارتباطا بالإيمان بجدوائيةالعمل المؤسسي سيشغل المقاوم كنون مديرا لمعهد الأبحاث الحسن الثاني بتطوان من سنة1953 حتى بداية سنة.1955
وفي هذه الفترة سيفضل الشيخ كنون الانخراط في مسؤولية إدارة الشأن العام في المنطقة الخليفية، بقبوله التعيين وزيرا للعدل الذي عرضه عليه في 14 يناير,1955 بعدما رفض التعليمات العمومية في بداية سنة1940 خوفا من أن يحسب على الفكر الفرنكاوي، في حين سيكلف المقاوم عبد الخالق الطريس بالرعاية الاجتماعية، ويوضح عبد المجيد بن جلون قبول الشيخ كنون بهذه الحقيبة الوزارية >ليس وساما ولكنها مسؤولية ورسالة للسير بالأمور نحو الأحسن<، وستمكنه هذه الحقيبة الوزارية من إنجاء المقاوم خالد الريسوني من التهم الملفقة إليه، وستمنحه القدرة على مد المقاومين بالعتاد الحربي والمبالغ المالية لدعم المقاومة وتبليغ الرسائل بين المقاومين بالداخل والخارج.
ويختم صاحب كتابفي الطفولة تتبع المحطات السياسية من حياة شيخنا بالتأكيد على مقدرات عبد الله كنون الدينية والأدبية والشعرية والتاريخية والثقافية.
في المجال الدعوي والإصلاحي
تصدى شيخنا للإصلاح والدعوة سواء من خلال مقالاته المنشورة بمجلة دعوة الحق التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أو من خلال تآليفه المتنوعة الأبواب من تفسير وفقه وتحقيق، وفي مقال له بالعدد الأول من السنة الثانية والعشرون من سنة1981 في موضوع:دورعلماء المغرب في الدعوة إلى الله قديما وحديثا بعدما قدم التأطير الشرعي والتاريخي لواجب الدعاة في تغيير البدع والمنكرات يورد أسماء علماء تحملوا عبء الدعوة خلال القرن التاسع عشر ومنهم: الشيخ عبد الله السنوسي وأبو شعيب الدكالي ومحمد بن العربي العلوي، ويميز الشيخ كنون طبيعة هذه الدعوة بأنها سلفية ربطت بين التوحيد والعمل بالسنة والجهاد والإصلاح من أجل العزة والكرامةعلى ما كان عليه الأمر أيام السلف الذين أعلى الله بهم منار الإسلام، وجعل المسلمين يدا على من سواهمص:,51 وذكر الشيخ كنون من هؤلا ء: علال الفاسي ومحمد الغازي ومحمد المكي الناصري ومحمد الطنجي وإبراهيم الكتاني والدكتور محمد تقي الدين الهلالي، رحمهم الله تعالى جميعا، وبين جهود التنسيق مع عبد الحميد بن باديس وأخدانه من أعضاء جمعية علماء المسلمين بالجزائر مشيرا إلى دور جامعة القرويين وعلمائها
في التصدي للتيارات الإلحادية ودعاة التنصير، فأمام العلماء ميادين مفتوحة للعمل والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله ونصرة دينه.
و يعتبرالشيخ عبد الله كنون فراغ المساجد ناتجا عن تفريط العلماء:فإن المساجد الفارغة من حلقات العلم حجة على تقصير العلماء وتقاعسهم عن القيام بمهمتهم الأولى التي تنقذ العوام من الجهل بضروريات دينهم...فما ظهر الانحلال الخلقي في المسلمين وتفشى الالحاد بين شبابهم إلا بهجرة المساجد التي تجمع القلوب على الله وعلى دينه القويمص,52 ويضيف إلى زمرة العلماء القضاة أيضا:والقضاة فيما سبق كانوا أسبق إلى عمارة المساجد بالخطابة وحلقات العلمص.53
ولم يكتف الشيخ كنون بالتنبيه فقط، بل قام وألف، ومن تفاسيرهشرح المفصل من القرآن الكريم إذ ربط في هذا الكتاب التفسير بالواقع الحديث للمسلمين ومتطلبات البحث العلمي المعاصر، بأسلوب مبسط، وحدد مقاصده في ثلاثة عناصر:
تصحيح عقيدة التوحيد وتطهيرها من الشوائب.
تزكية النفوس بالأخلاق الفاضلة والقيم العليا.
إعداد المسلمين لقيادة الانسانية إلى ما فيه صلاح معاشها ومعادها.
عبد الله كنون الديمقراطي
لم يكن الأستاذ عبد الله كنون فقيها مجلببا يحسن استظهار الأحكام الجاهزة ، ولكنه جند طاقته العلمية لإزالة الغموض بخصوص بعض القضايا المعاصرة وخاصة تلك التي تحاول الانتقاص من نظام الحكم الإسلامي.
ففي موضوع الإسلام والديمقراطية، يقدم الأمين العام السابق لرابطة علماء المغرب نظرات دقيقة تكشف زيفها واغترار بعض المسلمين بها ومحاولة مواءمتها للبيئة الإسلامية بتقريبها لمبدأ الشورى.
فالديمقراطية مذهب سياسي لا أقل ولا أكثر، وهي أخف المذاهب المستوردة ضررا، ولكنها في جانب منهالا تقيم ميزان العدل ولا تخطط لسعادة المجتمع وإن زعمت أنها شعبية ديمقراطية تستمد سلطتها من المواطنين الذين تحكمهم، فهي تستخدم هذه السلطة في تدعيم نفوذ الأحزاب التي تحكم بإسمها.
ويوضح كنون مفارقتها لنظام التشريع الإسلامي في كونها تقرر أن الشعب هو مصدر السلطات بجميع أنواعها التشريعية والقضائية والتنفيذية:وأول ما يصطدم هذا المبدأ بما تقرر في الشرع الإسلامي من أنه لا حكم إلا لله، فالمشرع في جميع الأحوال هو الله عز وجل على لسان رسوله المبلغ عنه كما في الآية القرآنية:(إن الحكم إلا لله). ويزيد شارحا ومبينا هذه المفارقة أن القرآن والسنة اشتملا على أصول الأحكام وقواعد التشريع، وما لم يذكر في النص يؤخذ بطريق القياس، كما أن هذا المبدأ لا يعني الأغلبية الشعبية، بل والقول للأستاذ كنون،معوض بأكثرية نوعية إذا أمكن اتفاقهم ولا سيما في قضية الحكم والسياسة... ولما صار أمر الأمة إلى الغوغاء من عامة الشعب أصبح الجهال الانتهازيون يصرفون شؤون الشعب ويشرفون على مقدرات الأمة فلم تزل تنزل من درك إلى درك حتى صارت إلى ما هي عليه الان.
تردي الأوضاع سببه إبعاد العلماء
يرى الشيخ عبد الله رحمه الله تعالى أن سبب وصول الأمة إلى درك التخلف والتبعية للأجنبي مرده إبعاد العلماء:إن من أعظم سبب في اضطراب الأحوال السياسية في بلاد المسلمين هو إبعاد علماء الإسلام من حوزة الحكم ممارسة ومشورة، فمن ذلك صارت سياسة الحكومات الإسلامية تابعة لسياسة الأجانب ودخلت الربويات وما إليها اقتصاد المسلمين وانهار المجتمع الإسلامي تربويا وأخلاقيا، وظهر التمرد على الشعائر والانتهاك للمحرمات في سلوك الجيل الجديد من أبناء المسلمين وتصرفاته.
وبعدما يذكر تناقضات الدول المدعية للديمقراطية في تعاملها مع الشعوب المستضعفة مثل أمريكا، لأن هذه الديمقراطية تسخر لمصالح أصحابها على حساب الشعوب الضعيفة، يقول عبد الله كنون مخاطبا المثقفين والمفكرين إن هذا يعد إهانة للإسلام بذكر ما فيه من مظاهر الديمقراطية، لأن الإسلام كل لا يتجزأ:وكذلك نظام الحكم في الإسلام يجب على كتابنا ألا يهينوه بمحاولة تنظيره بهذه الديمقراطية الكاذبة، هذه البطن المنهومة التي لا يكسر جوعتها حلال ولا حرام، هذه المحكمة التي لا ضمير لها إلا الرشوة والتزوير ولا قانون إلا الميز والمحاباة، فأين هي المساوة التي جاء بها الإسلام في قوله تعالى:( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا).(أنظر لمزيد تفصيل مقال الأستاذ عبد الصمد العشاب بمجلة الفرقان المغربية عدد37 لسنة1996 في موضوع:الإسلام والديمقراطية في فكر عبد الله كنون).
وهذه النصوص التي أخذناها دليل على اهتمام الشيخ والفقيه بالأفكار الجديدة وانشغاله بأمر الحكم والسياسة ببلاه وببلاد المسلمين عامة، وهي تنضاف إلى مواقفه التي صدرت في بلاغات وبيانات رابطة علماء المغرب سواء تعلق الشأن بالأحداث الوطنية أو القومية الحضارية.
المكتبة وقف لله تعالى
كان رحمه الله يملك خزانة ضخمة، تضم آلاف المجلدات في شتى العلوم، ومئات المخطوطات النادرة، وكان يدرك أهمية العلم والبحث العلمي، حيث كان دائما يعمل على نشر التعليم بين الناس، ويشجع على القراءة والاستفادة، لذلك أهدى قبل مماته كل مكتبته إلى مدينة طنجة، وأمر بوقفها وجعلها حبسا على مثقفيها وطلابها، ومن خلالهم على كل الباحثين بالمغرب.
وبالفعل، فقد تم افتتاح هذه المكتبة رسميا يوم 28 فبراير من سنة ,1985 في بناية تقع في وسط شارع باستور، وأسندت إدارتها إلى السيد عبد الصمد العشاب أحد أقاربه.
وتضم المكتبة أكثر من 14000 مطبوع، منها 2600 من الجرائد والمجلات، و 1200 من المخطوطات، وحوالي 10200 من الكتب المطبوعة.
كما تشتمل المكتبة على أقسام أهمها:
قسم المخطوطات والمصورات والمطبوعات الحجرية: إذ يتميز هذا القسم بجملة وافرة من الكتب المخطوطة والأخرى المصورة أو المنقولة على شريط، وكذا المطبوعة على الحجر بفاس. وتتناول هذه الكتب مختلف جوانب الإنتاج العلمي والأدبي والتراث المغربي.
قسم الكتب المطبوعة: وتشتمل المصاحف بأحجام مختلفة، وكتب التفسير والدراسات القرآنية، وكتب الحديث والفقه، وكتب السيرة، وكتب التاريخ العام، والأدب، والدواوين الشعرية، والمعاجم في مختلف اللغات، وغيرها...
قسم المجلات والجرائد والوثائق: يشتمل هذا القسم على أمهات الصحف والمجلات الإسلامية والعلمية والأدبية الصادرة في معظم الوطن العربي، إلى جانب وثائق تتناول موضوعات هامة، وصور تمثل ذخيرة من الذكريات الوطنية والعربية.
مؤلفاته رحمه الله تعالى
لايذكر عبد الله كنون إلا ويستحضر السامع شخصية مفكر وضع قضية اللغة العربية والأدب المغربي قضية حياة، ويقف كتابه المشهور النبوغ المغربي الذي يعتبر بحق أفضل مرجع في موضوع الأدب المغربي. وهذا الكتاب اعتبرته السلطات الفرنسية إبان الحماية بالمنطقة الجنوبية خطرا على وجودها بالمغرب، ولكن السلطات الإسبانية في المنطقة الشمالية لم تشاركها هذا الرأي، فعمدت إلى ترجمته إلى اللغة الإسبانية، بل قامت بمنح صاحبه بمدريد شهادة الدكتوراة الفخرية تقديرا له على هذا العمل الكبير، إلى جانب ذلك فقد حصل على العديد من الجوائز والأوسمة من مختلف المحافل الثقافية.
ومن مؤلفاته أيضا: التعاشيب، أدب الفقهاء، واحة الفكر، عصف الريحان، خل وبقل، مفاهيم إسلامية، الإسلام هو الأهدى، أحاديث عن الأدب المغربي الحديث، على درب الإسلام، ومن قصصه:قصة تاريخية بعنوانحارس الكنبسة، ومن دواوينه الشعرية:لوحات شعرية بالإضافة إلى عدة دراسات وبحوث عن الأدب الأندلسي في المجلات المغربية والعالمية.
شهادة فخرية
يؤكد البحاثة المغربي محمد المنوني رحمه الله في مقال حول الرجلعبد الله كنون:أديبا ناقدا ومؤرخا ومحققا المخطوطات وناشرا في مجلة النيابة العدد25 لسنة1990وأول ميزة يتحلى بها الفقيد الكبير الشأن تبدو بارزة في مقدرته الكتابية، فينتقي تعابيره عربية صحيحة فصيحة ويهذبها من كل دخيل قديم أو محدث، ثم يصوغها في أسلوب رفيع ومساق بديع، يذكر بما يعرفبالسهل الممتنع فجاءت طريقته هذه تضفي على إنتاجه مزيدا من الرونق والبهجة، واستوى في ذلك مؤلفاته ومقالاته ورسائله الأدبية وأجوبته الإخوانية...فالمنوه به ناقد أدبي من طراز كبار الناقدين...، وبعدما يورد المنوني رحمهما الله الكتب التي حققها الفقيد عبد الله كنون أو أشرف على نشرها يستعير قصة ابن رشد مع كتبه عند موته، والتي دارت تفاصيلها بين محي الدين بن عربي وابن جبير والتي يدل عليها البيت الشعري:
هذا الإمام وهذه أعماله
يا ليت شعري هل أتت أعماله
يقول المنوني رحمه الله:فهل يقال نظيرها في فقيدنا اعتبارا بمجموع تراثه.
وخلاصة القول، إن ما سبق يمثل أنموذجا من محطات سياسية تاريخية وثقافية ودينية لحياة علم واحد من أعلام الأمة المغربية لم يحتف به بما يليق بعد، ممن ساهموا في بناء نهضة المغرب حري بنا أن نقف عندها حتى نبني حاضرنا ومستقبلنا على هدى من الإسلام، ونتعرف على تاريخ كان فيه العالم الفقيه موجها وقائدا في كل الميادين وليس فقط في أحكام العبادات.
مراجع الدراسة:
مجلة الفرقان المغربية: العدد ,37 سنة1996 .
مجلة دار النيابة: السنة السابعة، العدد 25 لسنة.1990
مجلة دعوة الحق: الأعداد:العدد الأول، السنة 22 لمارس,1981 والعدد :672 لشتنبر1989 والعدد 365 السنة الثالثة والأربعون لمارس.2002
موقع:TANGER.الاكتروني.
عبد المجيد بنجلون: عبد الله كَنون.. الوطني.
إعداد ع.خلافة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.