إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذه أبرز اختلالات تنزيل القانون التنظيمي للجماعات
نشر في المساء يوم 31 - 12 - 2015

نظمت مقاطعة سيدي البرنوصي بالدار البيضاء، مؤخرا، يوما دراسيا موضوعاتيا حاول الإجابة على سؤال إشكالي من أسئلة المغرب الراهن هو: «القانون التنظيمي للجماعات: أية رهانات؟»… تناوب في مقاربة هذه الإشكالية عدد من الأساتذة، حاولوا تناولها من جوانب متعددة، تبعا لتعدد مظاهر هذه الإشكالية التي تتداخل فيها الجوانب القانونية والتنظيمية والتدبيرية والمالية والتعميرية، وقد أفضى اليوم إلى استنتاج خلاصات هامة، تستشف من مضمون مداخلات الأساتذة على النحو الذي تقدمه «المساء» في هذه الورقة…
يكاد يجمع مختلف المتدخلين الذين حفل بهم اليوم الدراسي لمقاطعة سيدي البرنوصي، على أن القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات، يعد خطوة أخرى تنضاف في مسار التجربة المغربية على مستوى التدبير الجماعي، إلا أن هناك العديد من الاختلالات التي ما تزال تعوق تطبيقه، فضلا عن جملة من الملاحظات والانتقادات التي تطال هذا المنتوج القانوني وتطرح السؤال حول كيفية تجويده.
قانون يقوم على فلسفة توزيع السلطة
يرى الدكتور «نجيب الحجيوي»- أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بسطات- بأن القانون التنظيمي للجماعات الجديد، يحمل العديد من المستجدات الكمية والكيفية بالمقارنة مع الميثاق الجماعي القديم، إن على مستوى كيفية انتخاب المجالس الجماعية، أو على مستوى كيفية تدبير الجماعة لشؤونها، فيما يتعلق بشروط تنفيذ مداولاتها، على مستوى التمييز بين الاختصاصات الذاتية والمشتركة والمنقولة والمبادئ المعيارية التي على أساسها نميز بين هذه الاختصاصات، سواء على مستوى النظام المالي ومصادر مواردها المالية، أو على مستوى ممارسة آليات الديمقراطية التشاركية، أو على مستوى قواعد الحكامة المتعلقة بالتدبير والتتبع والمحاسبة … لكن هذه المستجدات المهمة – في نظر المتدخل- يجب أن لا تعفي الباحث من إعادة قراءة هذا القانون التنظيمي وفق رؤى ومناهج وقناعات وزوايا نقدية، لأن من مهام الباحث أن لا يساير الخطاب القانوني أو السياسي الذي تنتجه الدولة ومختلف الفاعلين حول ذواتهم، بل لابد من تفكيك هذا الخطاب وتبيان خلفياته وتناقضاته والكشف عن المصالح المدفونة في روح القاعدة القانونية وذلك حتى نتمكن من تقديم قراءة موضوعية وواضحة للعموم. وعليه، فإن إعادة قراءة هذا القانون، وفق منهج نقدي وموضوعي – في نظر الحجيوي- لا يمكن أن تتم دون الاستعانة بفلسفة وسوسيولوجية القانون، وهما حقلان يؤكدان دائماً على ضرورة عدم افتراض البراءة في القاعدة القانونية، خصوصا حينما تكون هذه القاعدة تحمل رهانات توزيع واقتسام السلطة، وهذا القانون الذي نحن بصدده – يؤكد الحجيوي-، يقوم على فلسفة توزيع السلطة والاختصاصات بين الدولة والجماعات، وبدون أدنى شك، فإن الكشف عن الخطاب الحقيقي الذي يحمله، يتطلب من الباحث توظيف مناهج أكثر قدرة على رصد وتحليل وتفكيك هذه العلاقة المركبة بين الدولة والجماعات الترابية بصفة عامة. وعليه، فرغم حمل هذا القانون للعديد من المساحات والمستجدات النوعية سواء بالنظر إلى الميثاق الجماعي السابق، أو بالنظر إلى السياق العام الذي فرض هذا التعديل، فإنه لم يقدم – حسب المتدخل دائما- إجابات واضحة ومقنعة حول عدد من القضايا التي ظلت عالقة وبدون حسم واضح، منها مثلا السؤال حول: ما الجدوى من التنصيص على مبادئ جوهرية لكنها لا تناسب واقع الدولة المغربية البسيطة (مبدأ التفريع، مبدأ التدبير الحر، مبدأ التدرج…) ؟ ما هو مبدأ التفريع، شروطه وفلسفته ؟ وهل ينسجم ويتعايش مع منطق الرقابة والوصاية؟ كيف يمكن التوفيق بين هذه المبادئ ونظام الوصاية (الرقابة الإدارية) ؟ كيف يمكن حل التناقض بين آليات الديمقراطية التمثيلية وآليات الديمقراطية التشاركية؟ هل هذا القانون حسم بشكل واضح بينهما؟ أم أدخلهما في تناقضات قاتلة؟
نجاح التجربة رهين بالجانب المالي
«إن المال هو عصب الحياة، والموارد المالية هي حجر الزاوية في نجاح التجربة الجماعية، وهو رهين بما تتوفر عليه الجماعات، وباقي الجماعات الترابية الأخرى من موارد مالية قارة ومستقلة لتمويل تدخلاتها». تلخص هذه العبارة، مضمون المداخلة التي ألقاها «د. أحمد حضراني»- الأستاذ بكلية الحقوق بمكناس ورئيس مركز الدراسات في الحكامة والتنمية الترابية- تحت عنوان: «التنظيم المالي والجبائي للجماعات ومبادئ الحكامة الجيدة»، حيث ذكر بأن الجماعات الترابية وإن كانت تستفيد من ميزانيات أصلية وأخرى ملحقة، ومن حسابات خصوصية تمول بموارد جبائية وغير جبائية لتغطية النفقات بشقيها التسييري والتجهيزي، فإن القوانين التنظيمية للجماعات الترابية الصادرة هاته السنة، قد أقرت إصلاحات مالية، همت اعتماد ميزانية استراتيجية، من خلال الربط بين الميزانية والمخطط والبرمجة متعددة السنوات، والغاية- في نظر المتدخل – هو أن لا تبقى الميزانية حبيسة الوظيفة التقليدية، ومجرد أداة لتوقع وتقدير حجم المداخيل والنفقات اللازمة لتأمين سير المرافق خلال سنة مالية واحدة، وإنما يجب أن تكون كذلك آلية للتدخل الاقتصادي والاجتماعي في الأمد المتوسط، وربطها بالتخطيط والبرمجة التنموية. التعديل الآخر، يضيف د حضراني، قد طال من جهة أخرى، بنية الميزانية ذاتها، بالانتقال من التبويب الكلاسيكي ذي البعد الإداري (ميزانية الوسائل)، إلى التبويب الجديد ذي البعد الوظيفي (ميزانية النتائج)، ودون إغفال اعتماد المبادئ الدستورية (التوازن)، فالميزانية تشتمل على جزأين (عمليات التسيير وعمليات التجهيز)، ويجب أن تكون متوازنة في جزئيها الأول والثاني، وتدرج توازنات الميزانية والميزانيات الملحقة والحسابات الخصوصية في بيان مجمع وفق كيفيات تحدد بمرسوم. وفي تطابق مع مقتضيات القانون التنظيمي رقم 13-130 لقانون المالية، يؤكد المتدخل، على أن ميزانية الجماعة تقدم بشكل صادق بمجموع مواردها وتكاليفها، ويتم تقييم صدقية هذه الموارد والتكاليف بناء على المعطيات المتوفرة أثناء إعدادها والتوقعات التي يمكن أن تنتج عنها، وهذا ما يتطلب تأهيلا بشريا مختصا وذا كفاءة، فالظل لا يستقيم إذا كان العود أعوج كما يقال، كما أن الأمر يستدعي إصلاحا جبائيا يطال مكونات الجماعات الترابية، بما يوفق بين العدالة الضريبية وتجنب الضغط على العائلة الجبائية ذاتها، ودون إغفال ميثاق للملزم.
إشكاليات التعمير غير منحصرة في نص القانون
استهل د «أحمد مالكي» – أستاذ القانون العام، كلية الحقوق بمراكش- مداخلته بطرح السؤال حول: «أي مكانة للجماعات والمقاطعات ضمن مستجدات التعمير العملياتي بالمغرب في ظل هذه الإكراهات المطروحة؟ « وكجواب منه على هذا السؤال، ذكر المتدخل، أنه، وعلاوة على مرسوم الضابط العام للبناء الذي خرج إلى النور استثناء من كل قوانين التعمير الأخرى، فإن القوانين التنظيمية الجديدة جاءت هي الأخرى متضمنة للعديد من المقتضيات التي يمكن تصنيفها في خانة القواعد المنظمة لتدخل الجماعات الترابية في مجال التعمير.
وعليه، أكد المتدخل، بأن هذا الضابط جاء مكونا من ستة أبواب و46 مادة، فضلا على 8 ملحقات، تتوزع بين الغرض ونطاق التطبيق ومذكرة المعلومات التعميرية وتسليم الإذن بالتجزيء وإحداث المجموعات السكنية وتقسيم العقارات وتسليم رخص البناء والسكن وشهادة المطابقة ومساطر التدبير اللامادي للملفات، فضلا عن تنصيصه على ثلاث مقتضيات هامة، أولها إسناده للشباك الوحيد وللجان الإقليمية مهمة تحديد كيفية مسطرة البت في ملفات طلبات الترخيص ودراسة ملفات طلبات الرخص؛ ثانيها تنصيصه على ضرورة تسليم وصل الإيداع وترقيمه وتأريخه واعتباره بمثابة شهادة تسلم الملف، سواء تعلق الأمر بمكتب ضبط الجماعة أو مكتب ضبط الشباك الوحيد؛ أما ثالث هذه المقتضيات، فتتجلى، حسب الباحث، في تأكيد المرسوم على ضرورة اختيار أشخاص أكفاء ومؤهلين لإبداء الرأي خلال دراسة ملفات طلبات الرخص. أما على مستوى اختصاص الجماعات الترابية، فقد اعتبر د المالكي، أن تأطير هذا الاختصاص بالقانون التنظيمي للجماعات والمقاطعات الذي خصص 11 مادة كليا أو جزئيا لهذا المجال، يعد إشارة إلى التموقع الجديد للفاعل اللامركزي الترابي في تدبير الشأن المحلي، لكن هذه التطورات الإيجابية، لم تمنع الباحث من تسليط سهام نقده على السياسة التعميرية المتبعة بشكل عام وفي المجال الحضري على وجه الخصوص، حيث أسهب في ذكر العديد من الاختلالات منها: عدم كفاية الجزاءات لردع المخالفين والتصدي لظاهرة الزحف العشوائي للإسمنت؛ غياب منهج إجرائي صارم وفعال للتدخل في إعادة هيكلة التجزئات غير القانونية؛ سكوت المشرع عن الجهة التي تعود لها صلاحية رخصة البناء إذا ما كان العقار المراد بناؤه يوجد في جماعتين أو عدة جماعات؛ التطبيع مع بعض السلوكات غير القانونية من قبيل لجوء بعض رؤساء المجالس الجماعية مثلا إلى تسليم شواهد «إدارية»غير قانونية تثبت أن عملية التقسيم المرجوة لا تخضع لنطاق تطبيق قانون 25.90. مما نتج عنه تناسل مساحات صغيرة جدا لا تسمح بالبناء؛…ليخلص في الأخير إلى أنه: «من الاختزالية والسطحية والتعميم اعتبار القاعدة القانونية جوهر الإشكاليات التي يثيرها التعمير بالمغرب، بل الحاجة تدعو إلى سن سياسة تشريعية محكمة تتجاوز إطار ردود الأفعال ومنطق الحلول المؤقتة».
تدبير الصفقات العمومية ومصداقية الفعل العمومي
في مداخلته حول «الصفقات العمومية والتنمية المحلية» أكد د. حفيظ يونسي – أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بسطات- بأن صفقات الجماعات الترابية تعد آلية من آليات تنزيل السياسات العامة وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وطنيا، وكذا على المستوى المحلي، وهي ترجمة فعلية لبرامج ومشاريع أشخاص القانون العام، فالتحولات العميقة التي يشهدها العالم – يقول المتحدث- جعلت غالبية دول العالم، تقتنع أن دور الدولة التدخلي ومركزة القرارات والفعل العموميين، أمر مستحيل التحقق في ظل تزايد وتنوع حاجيات السكان، مما جعل من المجال المحلي، الحيز الترابي الذي تناقش في إطاره الإشكالات الحقيقية المتعلقة بالتنمية في مختلف مستوياتها، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وبالتالي، فإن تحقيق التنمية في وقتنا الحالي يتطلب، في نظر د يونسي، تعبئة الموارد التي أصبحت تتميز بالندرة، أما التدبير السليم لهذه الموارد فيتطلب القيام بأمرين: أولهما اعتماد آليات تدبيرية حديثة وفعالة، لأن سوء التدبير يحول دون الوصول إلى الأهداف المتوخاة، وثانيها العمل على حماية المال العام وتعبئته لخدمة المصلحة العامة، وهذا الأمر، يضيف المتحدث، هو الذي جعل دستور المملكة المغربية ليوليوز 2011، يتحدث، ولأول مرة منذ أول دستور، عن الصفقات العمومية، إذ ورد في الفصل 36 منه ما يلي: «…على السلطات العمومية الوقاية طبقا للقانون، من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، باستعمال الأموال العمومية الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات. يعاقب القانون على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية…».من ثم، يرى د يونسي، أن منطوق هذا الفصل واضح في إبراز الاختلالات التي تعرفها الصفقات العمومية، ويعكس أهمية حسن تدبير الصفقات العمومية، في إعطاء مصداقية للفعل العمومي وتحقيق التنمية، ومن تم تحقيق حالة الرضا لدى المواطن.
وعليه، فمن المؤكد أن المستجدات الدستورية والقانونية (القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات، ومرسوم مارس 2013) سيكون لها تأثير على تدبير الصفقات العمومية، خصوصا على المستوى المحلي، من خلال مختلف المؤسسات المتدخلة والفاعلة في مراحل الصفقة، من مرحلة تحديد الحاجيات ومرورا بمسطرة الإبرام وانتهاء بالتسلم.
المقاطعات.. ملحقات إدارية لتصريف شؤون الجوار
أفرد «د.رشيد لبكر» – أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بسلا- مداخلته للحديث عن موضوع: «المقاطعات وإدارة القرب»، حيث أوضح أن القانون الجديد الخاص بالجماعات (ظهير 07 يوليوز 2015 المتعلق بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 113.14) لم يضف في حقيقته مستجدات كبيرة على مستوى نظام المقاطعات، وهو ما يفيد بأن المشرع قد انتصر لهذا النظام، وحسم في كل النقاش الذي كان دائرا بخصوص جدوى هذه الوحدات الترابية والتي دفعت إلى حد المطالبة بإلغائها، لا سيما أنه نظام قام على أنقاض السلبيات المتعددة التي أبان عنها نظام المجموعة الحضرية المحدث بمقتضى الميثاق الجماعي لسنة 1976 ومنها: تضارب الاختصاصات بين المجموعة الحضرية والجماعات المكونة لها، افتقاد المدن لرؤية واحدة، التضحية بالمشاريع الكبرى لفائدة الصغرى… أكثر من ذلك، يرى المتدخل أن المقتضيات الجديدة الخاصة بنظام المقاطعات لا تعدو أن تكون صيغة جديدة ومنقحة لظهير 03 أكتوبر 2002 المتعلق بتنفيذ القانون 78.00، باعتباره أول قانون ثبت ما يعرف بنظام وحدة المدينة، إذ لم تخرج في جوهرها عن روح هذا الظهير، الذي ركز كل الصلاحيات في المجلس الجماعي ولم يمتع مجالس المقاطعات إلا ببعض الاختصاصات ذات الصلة بعامل القرب… لكن ما يعاب على هذا القانون – يقول المتدخل- هو إبقاؤه على المقتضى «الغريب» الذي جاء به ظهير 2009 ( قانون 17.08 المغير لقانون 78.00) والذي حدد المدن المشمولة بنظام المقاطعات (على سبيل الحصر) وهي: طنجة وفاس وسلا والرباط ومراكش والدار البيضاء، في حين كان المنطق الطبيعي يفترض الإبقاء على معيار التعداد السكني لتمكين مدن أخرى من هذا النظام، وفق ما كان منصوصا عليه بمقتضى ظهير 2002 (أي 500 ألف نسمة)، وبالتالي، يرى المتدخل، أن حصر لائحة المدن المشمولة به في ست مدن أمر لا معنى له، إذ كأنه ينبني على افتراض أن المدن المغربية جامدة ولن تشهد أي تطور في عدد السكان ولا في المساحة المعمرة. وعلى مستوى الاختصاص، يؤكد د. لبكر، أن المهام الجديدة التي أنيطت بنظام المقاطعات تماشيا مع الإمكانات المالية التي أضحت موضوعة رهن إشارتها، لا تعدو أن تكون وظائف استشارية في عمومها، بدليل الاستعمال المكثف لنص القانون، لعبارات «يبدي رأيه» و»يقترح»، بما يفيد أن الصلاحيات الفعلية ظلت لصالح المجلس الجماعي، فكأن المقاطعات عبارة عن ملحقات إدارية لتصريف شؤون الجوار والقرب. في الأخير، دعا المتدخل، إلى ضرورة تفعيل «ندوة رؤساء مجالس المقاطعات» التي أهمل تفعليها في التجارب السابقة رغم أهميتها البالغة، كما طالب، بضرورة الإسراع بإخراج كل النصوص التنظيمية التي مازالت لم تصدر بعد، وإجراء تقنين عام لكل القوانين المتعلقة بالتسيير الجماعي، حتى لا تبقى مشتة، وبالتالي يسهل الاطلاع على مقتضياتها وتسهيل مواكبتها
غياب مقتضيات قانونية يعيق تدبير الميزانية
خصص القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات والمقاطعات العديد من مقتضياته للمسألة المالية، وذلك يؤشر حسب «د. عبد الله لوزاد» – الأستاذ المحاضر ورئيس قسم الحسابات بمقاطعة سيدي البرنوصي – في مداخلته التي عنونها ب : «مخصصات المقاطعة: أي رهانات؟»، على تطور ملحوظ في نظرة المشرع إلى هذا النوع من الجماعات الترابية، وثمن في هذا الإطار، قرار الرفع من المخصصات المالية المقررة للمقاطعات تنفيذا لمنطوق المادة 245 من القانون التنظيمي، الذي ألزم المجلس الجماعي بتمويلها بمخصص مالي إجمالي باعتباره نفقة إجبارية، توزع وفق شروط منصوص عليها في المادة 246، لكن شريطة، وهذا هو المستجد المهم – في نظر المتدخل – ألا تقل نسبة المخصصات الإجمالية الممنوحة للمقاطعات عن 10 في المائة من ميزانية الجماعة، وهو المقتضى الذي سيساهم في الرفع من ميزانية هذه المقاطعات، ومن تم يطرح السؤال حول الكيفية التي سيتم بواسطتها تدبير هذه المخصصات وتبويبها وتنفيذها وتتبع طرق تنفيذها في ظل غياب العديد من المراسيم والقوانين المصاحبة، التي مازالت لم تصدر لحد الآن، وبالتالي يطرح غيابها العديد من الإشكاليات لا سيما على مستوى التبويب الجديد المقرر لميزانية المقاطعة. وفي هذا الإطار، عدد «د. لوزاد» عددا هذه المقتضيات القانونية المنتظر صدورها، في حوالي 16 نصا قانونيا، موزعة ما بين قانونين هما: النظام الأساسي الخاص بالموارد البشرية العاملة بإدارة الجماعة الترابية ومؤسسات التعاون بين الجماعات ومجموعات الجماعات الترابية (الذي تنص عليه المادة 129)، ثم نظام الأملاك العقارية للجماعة والقواعد المطبقة عليها ( 209)، و6 مراسيم هي: مرسوم لائحة الجماعات التي يمكنها التوفر على مديرية عامة للمصالح (المادة 126)، ومرسوم كيفيات إدراج توازنات الميزانية والميزانيات الملحقة والحسابات الخصوصية في بيان مجمع (المادة 154)، ومرسوم مضمون البرمجة الممتدة على ثلاث سنوات وكيفيات إعدادها (المادة 183)، ومرسوم الوثائق المرافقة للميزانية (المادة 185)، ومرسوم كيفيات تحضير القوائم المحاسبية المالية (المادة 190)، ومرسوم شروط وكيفيات القيام بتحويلات للاعتمادات (المادة 201)، ومرسوم كيفيات وشروط حصر النتيجة العامة للميزانية (المادة 203)، وأخيرا قرار مشترك واحد وهو المتعلق بتحديد صلاحيات هيئة التدقيق (المادة 214).
هذا، وقد شدد المتدخل على أنه سيصبح من قبيل «اللامعنى» الحديث عن كل التطورات التي شهدها الجانب المالي المتعلق بنظام المقاطعات في ارتباطه بالمجلس الجماعي، في ظل استمرار غياب هذه المقتضيات القانونية، الشيء الذي يؤدي راهنا إلى حالات من الارتباك وعدم الوضوح والتردد في تدبير الميزانيات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.