في الوقت الذي يعبر فيه ممثلون عن كل من أحزاب التقدم والاشتراكية وجبهة القوى الديمقراطية والحزب العمالي عن أن الأمور تسير في اتجاه وضع اللبنات الأولى لتحالف يساري يضم هذه المكونات الاشتراكية مع إبقاء الباب مفتوحا أمام كل القوى التقدمية، يعجز هؤلاء عن تقديم جواب كاف عن الأسباب الكامنة وراء تردد الرفاق بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عن الالتحاق بهذا التحالف الثلاثي، الذي اجتمع قياديوه خلال لقاءات معدودة جعلتهم يبدون من التفاؤل أكثر من التخوف على مستقبل اليسار إذا ما تم إنشاء قطب موحد. ويقلل الكاتب الوطني لجبهة القوى الديمقراطية، التهامي الخياري، مما أثير مؤخرا حول وجود تقارب بين الحزب العمالي والاتحاد الاشتراكي، على ضوء لقاء جمع كلا من عبد الكريم بنعتيق، الأمين العام للحزب العمالي المنشق عن حزب الوردة قبل سنوات، بأعضاء من المكتب السياسي لهذا الأخير، معتبرا أن من شأن مثل هذه اللقاءات أن تخدم «المشروع السياسي» الذي تسعى إليه كل مكونات اليسار، والذي يبقى مفتوحا أمام كل القوى الديمقراطية بالبلاد. وفي رأي الخياري، الذي كان يتحدث إلى «المساء»، فإن اللقاءات بين الجبهة وكل من حزب التقدم والاشتراكية والعمالي ما تزال مستمرة وستستأنف في الوقت المناسب عندما يتفق القياديون على ذلك، معتبرا أن اللقاء الذي جمع أعضاء من الجبهة وآخرين من حزب القوات الشعبية قبل ما يزيد عن شهر يدخل هو الآخر في إطار العمل على تقريب وجهات النظر والبحث عن السبل القمينة بإيجاد صيغة لتوحيد الجهود في أفق قطب يساري يضم كل الفعاليات والقوى الديمقراطية والحداثية، خاصة منها تلك التي فضلت أن تنأى بعيدا عن الساحة الوطنية، والعمل على استقطابها من جديد إلى الصف الديمقراطي التقدمي. وباشرت منذ مدة مكونات يسارية، من بينها أحزاب التقدم والاشتراكية وجبهة القوى الديمقراطية والحزب العمالي، ينضم إليها الاتحاد الاشتراكي أحيانا، بإجراء اتصالات على شكل ندوات من أجل التوصل إلى «أرضية للنقاش» في أفق التأسيس لقطب يساري موحد يجمع كل هذه الأحزاب التي فرقت فيما بينها، في أوقات سابقة، نزاعات تنظيمية وأخرى شخصية، كما يرى ذلك متتبعون للشأن السياسي ببلادنا، ولينضاف إلى مشكل الانقسامات مشكل آخر يتعلق بما خلفته مشاركة كل من حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية فيما سمي بالانتقال الديمقراطي، عندما التحق الحزبان بحكومة التناوب سنة 1998، وهي المشاركة التي أدى فيها أبرز مكون يساري، وهو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الثمن عندما احتل مراتب متأخرة في الانتخابات التشريعية لسنة 2007، مراتب جعلت اتحاديين أيضا يصفونها بكونها كانت «عقابا» لمرشحي الوردة. وبالنسبة للاتحاد الاشتراكي، فإن أي تنسيق بين مكونات اليسار ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار وضعية كل من حزب الوردة والكتاب اللذين يشاركان في الحكومة، يقول مصدر من الاتحاد الاشتراكي، فضل عدم الكشف عن هويته، معتبرا أن الإخوان بباقي مكونات اليسار يجب أن يراجعوا العديد من الأفكار، ومنها بالخصوص موضوع المشاركة في الحكومة، الذي يمثل وحده سؤالا عريضا تختلف الإجابات بشأنه، ما بين الدعوة إلى عودة كل من الاتحاد والتقدم والاشتراكية إلى صفوف المعارضة، وبين البقاء في الحكومة الذي تمثله أصوات ضئيلة يصعب عليها إقناع الطرف الآخر، وهو ما يعكس تردد الاتحاد الاشتراكي بالخصوص في الاندفاع والمغامرة، يصف مصدر «المساء»، عبر الانتماء للتحالف أو القطب اليساري المنتظر. إلا أن انتماء أو عدم انتماء طرف أو أكثر إلى الحكومة لا يمكنه أن يؤثر على تأسيس تحالف اشتراكي موحد، كما رأى ذلك الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، إسماعيل العلوي، في تصريح سابق ل«المساء»، عندما أشار أيضا إلى أنه تفاديا ل«الارتجالية والتسرع والانفرادية» في اتخاذ القرارات من طرف زعماء الأحزاب الثلاثة (بالإضافة إلى حزب الكتاب وحزب جبهة القوى الديمقراطية والعمالي)، فإنهم سيحرصون في التحالف اليساري الجديد على أن يكون النقاش معمقا في السبل الكفيلة بالوصول إلى قطب يساري متماسك وقوي، مضيفا كذلك أن انتماء حزبه للكتلة الوطنية لا يتعارض مع تحالفه الجديد بقدر ما يعتبر هذا الأخير تقوية للأول، ومؤكدا في السياق ذاته، في جوابه عن سؤال حول موقفه من بعض الأصوات الحزبية المنادية بعدم التحالف مع الحزبين السالفين، أن المؤتمر القادم لحزبه سيُحدد القرار النهائي بهذا الخصوص، وهو سيد نفسه، يقول العلوي، الذي خلص إلى أن التحالف الثلاثي يجب أن يتعدى العمل البرلماني إلى مجالات أوسع.