بحث اليساريون الاشتراكيون المغاربة، ليلة الجمعة بالرباط، كيفية جمع شتاتهم، وتباينت الآراء حيال عملية التوحيد. وقال محمد بن يحيى، عضو المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي الذي كان يتحدث في ندوة مشتركة نظمتها مجلة « لم لا»، إن مدينة بني ملال مثلا كانت كلها شيوعية في الأربعينيات، بفعل تأثير النقابة العمالية، من خلال تجنيد الفلاحين، مما جعل محمد بن عمر لحرش، أحد قادة الحزب الشيوعي، يقوم بدور المنظر في الميدان، ويستقطب آخرين من مدينة خريبكة الغنية بالفوسفاط، حيث ذهب إلى الفيتنام وشارك في الحرب، وترقى إلى منصب جنرال. ولاحظ بن يحيى أن كل مدينة ظهر بها نوع معين من الفكر الاشتراكي الشيوعي، وأن الانشقاق الأول الذي حصل في بداية الستينيات والسبعينيات كانت جذوره متأتية من المشرق، إذ إن حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، المنشق عن الاستقلال، هو امتداد لحركة القوميين العرب، وحزب التقدم والاشتراكية هو امتداد لحركة 1968 بفرنسا، ومن هنا دخل الرفاق في صراعات تعبر عن واقع مغربي، لكن بآليات أجنبية. ولم يذكر بن يحيى أمثلة كثيرة حول دواعي الانشقاق في صفوف اليسار، والصراع الذاتي حول منصب الزعامة، والاختلاف حول كيفية إنزال النضال من أجل الديمقراطية، لكنه خلص من روايته إلى أن «التنظير الفارغ هو قضية الصراع بين الرفاق اليساريين»، دون أن يحدد من هم هؤلاء المنظرون. ومن جهته قال أحمد العراقي، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي إنه آن الأوان أن يتخلى الاشتراكيون عن الدوغمائيات، وأن يضعوا استراتيجية مستقبلية، وإذا لم يصلوا إلى قناعة، فإنهم بذلك يكونون قد ارتكبوا خطأ كبيرا، مضيفا أن الأحزاب السياسية لا تتوفر على مشروع اشتراكي ديمقراطي بل تتوفر فقط على خطاب حول الاشتراكية، واضعا 15 سؤالا لم تتم الإجابة عنها، حتى لا يقال عنه إنه متحيز لطرف أو منتقد لطرف آخر. وفي السياق نفسه، أكد محمد كرين، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، على أهمية توحيد قوى اليسار والخروج من شرنقة النقاش التاريخي حول دواعي الانشقاقات التي حصلت، موضحا أن المغرب في حاجة إلى 3 أحزاب اشتراكية، وليس إلى عشرة تضيع مجهوداتها في التنظير، مؤكدا أنه في الحملة الانتخابية وجد صعوبات في إقناع الناخبين، كونهم يقولون له بالحرف الواحد: «لقد مر أحد مرشحيكم المنتمين إلى الاشتراكيين، ونحن تعبنا من الاستماع إليكم، حيث كل واحد منكم يقول إنه اشتراكي ولديه مشاريع لإنقاذ البلاد». ودعا عبد القادر أزريع، نشيط جمعوي، اليساريين والاشتراكيين إلى قراءة نتائج الانتخابات الأخيرة للمهندسين، مبرزا أن 7 أحزاب اشتراكية زائد حزب الاستقلال، حصلت جميعها على نفس المقاعد التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية وجماعة العدل والإحسان، مؤكدا أن تأطير الأطر لا يبدأ قبيل الانتخابات، ولكن في الجامعات. ونبه عمر الحسني، عضو المكتب السياسي لحزب جبهة القوى الديمقراطية إلى عدم التأخر في وضع اللبنات الأساسية لتوحيد اليسار، وذلك من خلال قراءة نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، حيث أن ثلثي الناخبين الذين لم يذهبوا إلى صناديق الاقتراع كانوا يصوتون عادة للاشتراكيين، ويستوجب ذلك بدء مرحلة جديدة بدل مناقشة الأسباب التاريخية التي أدت إلى توسيع دائرة الانشقاق في صفوف الاشتراكيين. وعرف علي بوطوالة، قيادي من حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، مفهوم الاشتراكية ومرجعيتها، والدور الحقيقي الذي يجب أن يلعبه المناضل من أجل الدفاع عن الديمقراطية الحقيقية، مشيرا إلى ما وصفه بانتكاسة 7 شتنبر التي تستدعي ممارسة نقدية، وقراءة تاريخية موضوعية لوضع اليسار، من أجل تكوين جبهة اشتراكية واسعة، لكن لم يحدد كيف ومتى، ومع من. وهو نفس الموقف الذي سار عليه إبراهيم ياسين، قيادي من حزب الاشتراكي الموحد، الذي دعا إلى ممارسة النقد الذاتي القاسي مع طريقة اشتغال اليسار، واضعا مجموعة من الأسئلة الكبيرة، التي تربط بين ضرورة إجراء تعديل دستوري، من أجل ديمقراطية حقيقية، وتطور أحزاب اليسار، وذلك كمخرج، حتى لا يصبح موضع انتقادات من قبل المنتمين إلى حزبه، إن أعلن صراحة عن الأخطاء التي يرتكبها اليسار في حقه وفي حق المجتمع الغارق في مشاكل لا حد لها. وتحدث عبد السلام لعزيز، الأمين العام للمؤتمر الوطني الاتحادي، عن دور الاشتراكي في المغرب اليوم، الذي هو الانحياز لقيم الديمقراطية، ومكافحة العولمة المتوحشة، والدفاع عن القيم الإنسانية الكونية. وحضر اللقاء بعض من نشطاء «الحركة من أجل كل الديمقراطيين» حيث غادر بعضهم مكان اللقاء قبل الانتهاء من النقاش، ضمنهم من كان يساريا، لكنه أحس أن النقاش التنظيري بين أفراد العائلة الاشتراكية لن يخرج بأية نتيجة، خلافا للنقاش الذي يسود جمعيته التي وضعت برنامجا جهويا حول التنمية لإفادة المواطنين من خلال سبر حاجيات وتنفيذها على أرض الواقع، ووضع حاجيات جديدة لمساعدتهم على مسايرة العصر.