«يحسب» لإدريس لشكر، قبل أن «ينتخب» كاتبا أول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إطلاق تسمية «الوافد الجديد» على حزب الأصالة والمعاصرة حينما كان لايزال يرتب بيته الداخلي، إلى درجة شبهه بجبهة الدفاع عن المؤسسات «الفديك»، التي كان مستشار الحسن الثاني وصديقه أحمد رضا اكديرة قد أسسها لمواجهة مد الاتحاد بعد أن اشتد الخلاف بينهما. أما عناصر الالتقاء بين «البام» و»الفديك» فكثيرة، ولعل أقواها هو أن يكون عراب «الفديك» هو صديق الحسن الثاني ومستشاره، ويكون عراب الأصالة والمعاصرة هو مستشار الملك وصديقه فؤاد عالي الهمة. كان لا بد أن يستحضر المتتبعون للشأن السياسي هذا التاريخ القريب وهم يتابعون كيف حصد جرار «البام» مقاعد الجهات ووصل اليوم إلى رئاسة مجلس المستشارين، وبذلك لم يعد مجرد وافد جديد، بل أضحى ورقة أساسية في المشهد السياسي المغربي أكبر من حزب الاستقلال، أب الأحزاب، ومن الاتحاد الاشتراكي ومن التجمع الوطني للأحرار، حزب الأعيان بامتياز، بل إنه اليوم أكبر من العدالة والتنمية الذي يترأس الحكومة؛ أما عن كيفية حدوث هذا الأمر، فالوصفة ليست سحرية كما يعتقد الكثيرون. «البام» هو حزب نجح في تجميع كل أطياف المجتمع السياسي المغربي.. فيه اليساريون، بمن فيهم القادمون من أقصى اليسار، وفيه اليمينيون، ومن أقصى اليمين أيضا، وفيه الأعيان؛ لذلك حينما تقدم مرشحه لمنصب رئاسة الغرفة الثانية للبرلمان المغربي، استطاع أن يجني صوتا من كل جهة. ولأن المشهد السياسي المغربي شبيه بعملية رياضية في اللوغاريتم، فإنه لم تعد هناك أغلبية ولا معارضة، وها هي الأرقام تقول كل شيء. التجمع الوطني للأحرار، المنتمي إلى صف الأغلبية الحكومية، يصوت لفائدة مرشح المعارضة فقط لأنه من الأصالة والمعاصرة؛ لذلك على كل الذين عاتبوا منصف بلخياط، الوزير الأسبق في حكومة عباس الفاسي، لأنه اختار التصويت لهذا الحزب في انتخابات مجلس جهة الدارالبيضاء بدلا من التصويت لمرشح الأغلبية الحكومية، أن يعتذروا إلى الرجل. لقد كان منضبطا لقرارات التجمع، ولو في سرية تامة، تماما كما صنعت الحركة الشعبية، الحزب الذي يقول علانية إنه ليس مستعدا ليكون خصم المخزن… هو حزب الإدارة بامتياز، ويعرف جيدا أن الاصطفاف خلف خصوم «البام» سيجر عليه الويلات مستقبلا؛ لذلك، لا غرابة أن نجد زعيم الحركة وزيرا للرياضة وللفلاحة وللداخلية، وقبلها للبريد، ووزيرا بدون حقيبة… ثم رئيس جهة. نتائج مجلس المستشارين تفرض، اليوم، على كل أساتذة العلوم السياسية، وكل المحللين و»المحرمين»، أن يعيدوا النظر في مقارباتهم. السياسة في مغرب اليوم، كما في مغرب الأمس، لا تحكمها البرامج ولا الخلفيات الفكرية أو العقائدية، وإنما يحكمها منطق الولاء للجهة التي تتحكم في أوراق اللعبة، أما الأمثلة فأمامنا شاخصة. هل يجب أن نذكر أن حكومة التناوب التي قادها الاتحاد الاشتراكي ضمت أحزابا ظل الاتحاد يصفها ب»الأحزاب الإدارية»؟! وهل يجب أن نحكي عن حكومة قادها رجل تقنوقراطي اسمه إدريس جطو في 2002، ضمت في صفوفها وزراء من اليمين ومن اليسار ومن غير المنتمين؟! وهي نفس الوصفة التي عشناها مع حكومة عباس الفاسي.. وزراء من كل قبيلة، بل إن من بينهم من كان ينتمي إلى حزب في المعارضة، فيما هو يحمل حقيبة وزارية ضمن الأغلبية. واليوم، يقود الحكومة حزب ذو مرجعية إسلامية، لكنه وضع يده في يد حزب ذي مرجعية شيوعية!! والفرق لا شك شاسع بين الإسلام والشيوعية!! لذلك كان طبيعيا أن تصوت الغرفة الثانية على مرشح من المعارضة، كسب المقعد بفضل أصوات الأغلبية الحكومية!! بقي فقط أن نتساءل عن موقع حزب الاستقلال اليوم، وتحديدا أمينه العام حميد شباط، في كل هذه الخريطة؟ لقد قال إنه سيستقيل، ثم عاد ليتراجع؛ وحينما خسر رهان الغرفة الثانية، عاد ليرمي الورد تحت أقدام «البيجيدي» الذي وصفه بالحزب الإصلاحي!! ما الذي يجب أن نصدقه الآن.. كون العدالة والتنمية حزبا يدعمه الموساد وداعش أم حزبا إصلاحيا، فقط لأنه منح أصواته لمرشح الاستقلال؟ هل هناك عبث أكبر وأبشع من هذا الذي يصنعه الساسة والسياسيون في مغرب اليوم؟!