الجدير بالذكر أن المخابرات الاستعمارية الفرنسية سعت إلى اختراق الطريقة التجانية ذات الامتداد الواسع والنفوذ القوي في الجزائر عبر استعمال سلاح المرأة، الذي أثبت نجاحه ونجاعته في كل قصص المخابرات والجوسسة عبر التاريخ. واستطاعت الحكومة الفرنسية تزويج فتاة فرنسية تدعى «أوريلي بيكار»((Aurélie Picard من الشيخ أحمد بن محمد التجاني، حيث نجحت هذه العميلة الفرنسية في السيطرة على الطريقة التجانية طيلة ستين سنة قضتها متنقلة بين فرنسا وعين ماضي مقر الزاوية، وربطت مصير التجانيين بالوجود الاستعماري الفرنسي بالجزائر. وقام الشيوخ الذين تعاقبوا على مشيخة الطريقة التجانية بخدمات جليلة في سبيل في توطيد الاستعمار الفرنسي، وفي تسهيل مهمة الاحتلال على الفرنسيين. في هذا السياق، يشير محمد عبد الكبير، شيخ الطريقة التجانية، في خطبة ألقاها أمام بعثة من الضباط الفرنسيين بقيادة الكولونيل «سيكوني» ومريدي الطريقة بعين ماضي «حتى الأرذال الأوباش أعداء فرنسا الذين ينكرون الجميل، ولا يعترفون لفاضل بفضل، قد اعترفوا لفرنسا بالمدنية والاستعمار، وبأنها حملت عنا ما كان يثقل كواهلنا من أعباء الملك والسيادة، وحملت الأمن والثروة والرخاء والسعادة والهناء». وأطنب الشيخ التجاني في الثناء على فرنسا، وفي ذكر الخدمات التي أسدتها الطريقة التجانية للاحتلال الفرنسي من قبيل عرقلة المقاومة الجزائرية بقيادة الأمير عبد القادر الجزائري ومساعدة الاحتلال على التوغل في الجنوب الصحراوي وبلاد الهكار. تجاوز حجم دعم الطريقة التجانية للاحتلال الفرنسي الحدود الجزائرية إلى المغرب الأقصى، حيث أكد الشيخ التجاني على توجيه رسائل إلى زعماء المغرب الأقصى وأعيانه «وأكثرهم تجانيون من أحباب طريقتنا نبشرهم بالاستعمار الفرنسي، ونأمرهم بأن يتقبلوه بالسمع والطاعة والاستسلام والخضوع التام، وأن يحملوا الأمة على ذلك، وأن يسهلوا على جيوش فرنسا تلك البلاد»، وتفيد بعض المعلومات أن المقيم العام الجنرال «ليوطي» قد أوعز للشيخ علي التجاني سنة 1916 بكتابة «مائة وثلاث عشرة رسالة توصية، وأرسلها إلى الزعماء الكبار وأعيان المغاربة يأمرهم بإعانة فرنسا في تحصيل مرغوبها وتوسيع نفوذها وذلك بواسطة نفوذهم الديني». وأثناء اندلاع حرب الريف مارست الزاوية التجانية دعاية مغرضة ضد محمد بن عبد الكريم الخطابي وساندت فرنسا في حربها الريفية سنة 1925، حيث جاء على لسان الشيخ محمد الكبير بن البشير التجاني «إن فرنسا تكافأ على الخدمات التي تقدم لها… وفرنسا قد انتصرت مؤخرا على واحد من أعظم دول أوربا، وأقواها، ألا ينصر الله سبحانه وتعالى ويمنح من عباده ما يشاء». وفي السياق نفسه، نشرت جريدة «السعادة» رسالة الشيخ مالك بن عثمان مالك شيخ الطريقة التجانية بالسنيغال موجهة إلى المريدين «التجانيين وغيرهم من كل من أراد الانتفاع من المسلمين»، يوصيهم من خلالها «بتقوى الله العظيم في السر والعلانية وعدم التفرق» ويباركوا إنجازات «الدولة الفرنساوية لأن الله تبارك وتعالى خصهم بنصر وفضل ومزية، وجعلهم سببا في صون دمائنا وأموالنا، لذا وجب علينا أن نتأدب معهم وأن لا يسمعوا منا إلا ما يسرهم لأن قبل دخولهم علينا كنا بين أسر وقتل ونهب»، ودعا إلى عدم الاكتراث بقول الذين «يقولون لكم قد قرب انقطاع الدولة الفرنساوية لخيالات فاسدة وذلك علم موكول إلى الله لا غير». يتقاطع مضمون رسالة الشيخ مالك بن عثمان مالك مع فحوى رسالة الشيخ محمود التيجاني في أمور عدة، منها أن ما حل بالمسلمين من انحطاط وقتل وسلب ونهب وفرقة مرده تخليهم عن مقاصد الشريعة الإسلامية، والإجماع على الإشادة بفرنسا باعتبارها دولة تمدن وحضارة وتسامح ودعوة المريدين التجانيين إلى مهادنة الفرنسيين والتعايش معهم، مما يدل على مدى تناغم وانسجام مواقف شيوخ الطريقة التجانية في الجزائر وإفريقيا الغربية المساندة والداعمة للاحتلال الفرنسي، حيث سبق لجريدة السعادة أن علقت بنوع من الإطرائية على مواقف الشيخ مالك بن عثمان مالك وغيره من الشيوخ التجانيين في قولها: «لا غروة أن مبادئ الطريقة التجانية تدل على حكمة الشيخ إمامها وسلامة مبادئه. وقد سمعنا من مثل هذه النصائح في العام الغابر حين تجوال سيادة الشيخ بهذه الأصقاع فنحن ندون للإمام وأتباعه على صفحات التاريخ هذه المآثر الجليلة». ومن هذه المآثر الجليلة التي أرادت «السعادة» أن تدونها على صفحات التاريخ، دعوة الشيخ مالك بن عثمان مالك أتباعه إلى اتباع نصيحته: «ولا نقل جورا مما يأخذونه منكم [ يعني المحتلين الفرنسيين] لأن ذلك عند من استعمل العلل إعانة لا غرامة، واحذروا من الغرامة التي يسميها الناس اليوم الهدايا لأن شيخنا وسيلتنا إلى ربنا أحمد بن محمد التيجاني رضي الله عنه نهانا عن ذلك إلا ما خابت به النفوس». إن المعلومات التي تضمنتها رسالة الشيخ مالك بن عثمان مالك لها من الدلالات القوية ما يفيد أن الهدف من دعوة هذا الشيخ هو إضفاء طابع الشرعية على الاستغلال الاستعماري الفرنسي بمستعمراته الإفريقية، سواء في شقه الجبائي أو في ضرب المقومات المادية للطرق الصوفية المجاهدة والمقاومة للمد الاستعماري، باعتبار أن السند المادي أحد الركائز التي يتوقف عليها وجودها واستمراريتها، وهو خيار راهنت السياسة الاستعمارية على تحقيقه لوضع حد للقوة المادية للطرق الصوفية، والحيلولة دون توظيفها ضد المصالح الاستعمارية.