بالنسبة إلى من يعرفه من المغاربة، لا يعدو سيدي أحمد التجاني أن يكون وليا مثل الآخرين، يزورون ضريحه قصد الصلاة والتبرك. لكن بالنسبة إلى مئات الملايين من الأفارقة المسلمين (التجانيين)، يمثل ضريحه الذي يوجد بالمدينة العتيقة لفاس، ثاني مكان مقدس لديهم بعد البيت الحرام. ولذلك دأبوا منذ عقود على التعريج عليه في طريق ذهابهم أو إيابهم من الحج، إذ يعتبرون زيارة هذا المقام والتبرك بدفينه أقرب إلى الواجب الديني. وبالنظر إلى الحجم الكبير لأتباع التجانية عبر العالم، البالغ 350 مليون مريد بحسب بعض التجانيين، فقد وجدت الزاوية نفسها خلال السنين الأخيرة في معمعان جدال سياسي بلا آخر، بين كل من المغرب الذي تؤوي أرضه ضريح الشيخ المؤسس، والجزائر التي ينحدر منها وتوجد بها حتى اليوم زاويته الأصل في عين ماضي (الأغواط).. في ما يلي «زوم» على زاوية لا تشبه الأخريات. مصطفى واعراب ليست الزاوية التجانية روما، لكن جميع الطرق تقريبا في فاس العتيقة تقود إليها، حيث مقرها في حومة البليدة بمنطقة واد الزحون. فغير بعيد عن الضريح الإدريسي وجامع القرويين، يقع المسجد/الضريح الذي يحوي الزاوية التجانية الأم وقد نفض عنه تعب السنين الذي تراكم عليه منذ تشييده أواخر القرن الثامن عشر؛ بعد الإصلاحات التي خضع عليها بأمر من الملك، فأصبح مقر التجانية بفضلها أكثر جمالا ونظافة. وأنت تلج إليه تجده مثل جميع بيوت الله يجلل فضاءه المقدس صمت جنائزي لا يكسر خشوعه سوى الأذان للصلاة. الزوار لا ينقطعون عن التوافد، وداخل قاعة الصلاة تفرق الخاشعون في أرجائها النظيفة فرادى.أغلبهم تعلو سحنتهم سمرة تشي بانتماء أفريقي لا يخطئ. البعض كان مستغرقا في صلاة خاشعة حتى بدا كأنه لا يتنفس، بينما استند البعض الآخر إلى سارية أو جدار وأبحر في عوالم روحية عميقة متحررا من حدود الزمان والمكان. وجلس آخرون القرفصاء على بعد خطوات من القبر المصقول من المرمر الأبيض، فضاعت نظراتهم في تفاصيل المقام المشع بياضا. بدا عليهم أنهم غير مصدقين بكونهم قد بلغوا أخيرا غاية المنى في أسمى تجلياتها: «الزيارة التجانية» ! «هل أنت تجاني؟» ومن أجل مجاورة الزاوية التجانية يختار مئات الطلبة الأفارقة متابعة دراساتهم العليا في مؤسسات التعليم العام والخاص بمدينة فاس. وللسبب نفسه اختار مئات وربما ألوف آخرون من المهاجرين الأفارقة «غير الشرعيين» مغادرة الدارالبيضاءوالرباطووجدة وتطوان والمجيء إلى فاس، فالتسكع في شوارع مدينة يأوي ترابها قدس من الأقداس الأفريقية يعد أكثر مدعاة للطمأنينة في رأي كثير منهم. وتلك حقيقة تكشف عنها دراسة أشارت إلى أن 84,6% من المهاجرين المتواجدين في فاس ينحدرون من بلدان غرب أفريقيا (المسلمة). إن كثيرا من الأفارقة المنحدرين من بلدان جنوب الصحراء يعتبرون ضريح التجاني بمثابة ناد أو ملاذ يتجمعون فيه للتلاقي والتعارف والتآزر.والمدهش أنك تجد بين الزوار أفريقيين من ديانة مسيحية كذلك أتوا للتبرك. وذلك حال (سالي) الحلاقة الإيفوارية التي قدمت من الدارالبيضاء مع صديقة أفريقية لها لزيارة « سيدي التيجان[هكذا ينطقونه] من باب الفضول، ليس إلا» كما قالت. لكن (مامادو) الشاب المالي الدائم التردد على الضريح، يكشف بأن الضريح يستقبل جميع زواره من الأفارقة دون تمييز. يقول: «الحراس الذين يتناوبون على الضريح يمنعون من الولوج فقط الزوار ذوي السحنة الأوروبية عندما يصرحون بأنهم غير مسلمين، أما بالنسبة للأفارقة فلا يسألونهم عن عقيدتهم.»، ويمضي موضحا بأنه سبق أن رافق أصدقاء أفارقة غير مسلمين لزيارة الضريح، وأنهم يكتفون بالدعاء وتوسل بركة الولي داخل الضريح دون أداء الصلوات. من جانبه، يرفض المشرف على الزاوية الفكرة النمطية التي تختزل صورة التجاني في الرجل الأسود، ويؤكد بأن بين التجانيين كذلك أشخاصا من كل الأعراق والقارات. لكن الواقع يفند ذلك الرأي إذ يشير تاريخ الطريقة التجانية أنها لم تخترق كتلة بشرية بالزخم نفسه الذي حصل مع شعوب أفريقيا جنوب الصحراء، من السودان شرقا إلى الكوت ديفوار غربا، مرورا بالتشاد، والنيجر، ومالي، ونيجيريا، وبوركينا فاسو، والسنغال، وموريتانيا. وبين هذه الشعوب تجد عائلات كثيرة تتقاسم الرأسمال الرمزي للشيخ أحمد التجاني، ما يؤهلها لأن تتموقع ضمن النخب السياسية والثقافية المؤثرة جدا في بلدانها؛ ويكفي دليلا على ذلك القول إن نصف الشعب السنغالي تجاني الهوى، أي أن ذلك البلد الأفريقي لوحده يضم نحو 7 ملايين تجاني. داخل الضريح دائما التقيت (دجيبريل) الشاب النيجيري [حسب تصريحه]. وبعد حديث قصير عن سنه وأصله وسبب تواجده في المغرب، سألني باسما: «هل أنتَ أيضا تجاني؟» أجبت بالنفي، فعلت وجهه دهشة عظيمة إذ لم يفهم معنى لوجودي بالضريح ، ومنعه أدبه أن يسألني عن السبب. نظر إلى القبر الرخامي بشرود استغرق ثوان ثم سألني:«لقد سمعت بأن في المغرب مليونَيْ تجاني، هل هذا صحيح؟» لم يتلق تأكيدا ولا نفيا على سؤاله، فانصرف عن الحديث إلى دعاء خاشع مغمض العينين وقد وضع كفيه على الصدر وصد اتجاه قبر شيخه الأعظم. كرامات تسكن المتخيل الأفريقي ومن قداسة الشيخ التجاني لدى الشعوب الأفريقية المسلمة أنهم يعتبرونه خاتم الأولياء، مثلما كان النبي محمد (ص) خاتم الأنبياء. وتبعا لذلك يحظى ضريحه في فاس بقداسة كبرى تجعل زيارته تحقق للمريد كرامات الشفاء والنجاح وغيرها. عند باب الضريح، تدافع الواقفون فجأة كي يفسحوا الطريق أمام زائرة أفريقية وافدة من بعيد. عجزت قدماها عن حمل جسمها الممتلئ فحملها بغل يجره شاب، وحين همت بالنزول فهم الحاضرون بأنها تعاني من إعاقة حركية تعجزها عن المشي. وطأت المرأة الأرض مسنودة على أذرع كثيرة تطوعت لحملها، فنبه حارس الباب مرافقة لها إلى أنه يمنع دخول النساء الحاسرات إلى الزاوية، فسارعت النسوة إلى تغطية رؤوسهن بما حضر لديهن، قبل أن يسمح لهن بالتوجه نحو جناح النساء. لم يسمح المجال بالحديث إلى الزائرة وامتنعت مرافقة لها عن الكلام، فيما ناب صاحب البغل عن الزائرة المريضة ومرافقتيها وشرح في كلمات سريعة بأنها نيجيرية تعيش في فرنسا، وأنها أصيبت بشلل مفاجئ لم يفهم له الطب سببا ولا علاجا فأشار عليها الأهل والمعارف بزيارة سيدي التجاني، فغيرها شفي من حالات مرض أكثر تعقيدا من حالتها بفضل بركته. إن حديث الزوار الأفارقة عن بركة وكرامات «أحمد التيجان»[كما ينطقونها] لا تنتهي. في باحة الضريح حيث الركن المخصص للوضوء التقيت شابا سنغاليا في منتصف عقد عمره الثالث. كانت أطرافه مبللة بماء الوضوء وقد علق في عنقه سبحة تجانية يفخر بأن شيخا من زاوية دكار منحه إياها قبل سنين. يقبلها ثم يتلو البسملة بالنطق الأفريقي المعروف قبل أن يجيب: «ثق بي ياصديقي، بركة هذا الرجل عظيمة. آتي إلى هنا على الأقل مرة في الأسبوع كي أصلي وأقرأ القرآن و»الورد التجاني» ثم أدعو الله أن يستجيب لدعائي ببركة هذا الرجل العظيم.. لا أفكر في أهلي ولا في عملي ولا في أي شيء آخر.. فقط التعبد والدعاء والخشوع.إنه إحساس فريد ». ثم يحكي عن شخص قال إنه يعرفه، كانت حياته تسير من فشل إلى فشل في الأسرة والعمل وفي كل شيء. قال له البعض بأن ما يعانيه من عمل السحر، ونصحه البعض الآخر بأن يأتي إلى هنا. جرب كل شيء وعندما لاذ بجوار قبر الشيخ التجاني (يضيف محدثي) نال البركة فأصبح إنسانا آخر، ناجحا وأكثر إيمانا ببركة صاحب المقام. «عندما تأتي إلى هنا، يشرح شاب أفريقي آخر من زوار الضريح، عليك أن تكون صادقا في إيمانك. ف»النية» هي كل شيء..تصلي بخشوع وتتوسل البركة بنية. وعندما تغادر، تضع يدك في يد الرجل الذي يجلس على الجانب الآخر [عند باب الضريح يقصد] وتدس له فيها 5 دراهم، فيدعو لك بدوره. وحين تمضي إلى حال سبيلك تأمل أن يتحقق رجاؤك ببركة سيدي التيجان.» هكذا تجري الأمور هنا.. «حجة و زيارة» من المعروف أن زيارة ضريح الشيخ التجاني بفاس تمنح الأفارقة وجاهة اجتماعية عظيمة في مجتمعاتهم، إذ يكاد الضريح يضاهي في قداسته البيت الحرام في عقائدهم. ولهذا السبب أصبحت»الزيارة التجانية» ظاهرة اجتماعية وتجارية لافتة في كل من السنغالومالي على الخصوص، حيث تتنافس وكالات الأسفار على الظفر بالراغبين في القيام بها. وفي يومية ملايين الأفارقة عبر العالم، ثمة مواعد رئيسية قارة تصلح أفضل من باقي الأيام الأخرى لاستقطاب «بَرَكة» سيدي أحمد التيجاني، كما يقولون. ولذلك يكثرون من زيارة ضريحه خصوصا بمناسبة ليلة القدر، وفي طريق الذهاب أو الإياب من الحج إلى بيت الله الحرام. وقد انطلق العمل بهذه «الزيارة التجانية» منذ أكثر من قرن، إذ تيسر في أواخر القرن 19 للسنغاليين السفر إلى بيت الله الحرام بحرا لأول مرة عبر بواخر وضعتها رهن إشارتهم الإدارة الاستعمارية الفرنسية. فبدأت تلك البواخر تعرج في طريقها إلى الحج على الدارالبيضاء، ما كان يسمح لهم بالنزول والسفر برا إلى فاس لزيارة الضريح التجاني والتبرك به قبل مواصلة طريقهم إلى البيت الحرام. وفي 1956، شرع في نقل الحجاج الأفارقة عبر جسر جوي حيث بلغ عددهم في تلك السنة 1000.حاج وكانت تلك الرحلات تتوقف في مطار الدارالبيضاء حيث ينتقل الراغبون من هناك إلى فاس لزيارة ضريحهم المقدس. ثم لاحقا شرعت وكالات الأسفار في تنظيم ما تسميه «زيارة تجانية»، وهي رحلات جماعية من بلدان غرب أفريقيا إلى الدارالبيضاء، حيث يزور الحجاج مسجد الحسن الثاني، ثم ينقلون إلى الرباط ليزوروا ضريح سيدي العربي بن السايح (وهو من مشاهير «مقدمي» الزاوية التجانية)، ثم ينقلون بعد ذلك إلى مربط الفرس في فاس. وخلال المناسبات المذكورة،تمتلئ ساحة باب واد الزحون بفاس بأعداد كبيرة من حافلات نقل السياح، وتعج دروب المدينة العتيقة بمئات الزوار الأفارقة من الجنسين بلباسهم التجاني المميز. ويفسر ذلك سبب إطلاق أسماء مدن وعواصم غرب أفريقية أو أسماء لها حمولة دينية تجانية على المحال التجارية والسياحية القريبة من الساحة المذكورة. وإذا كان التقليد يقضي بأن يعرج التجانيون الأفارقة على زاويتهم بفاس في طريق ذهابهم إلى الحج أو عودتهم منه، فإن الإقبال يشتد على الخصوص بعد أداء تلك الفريضة الإسلامية. فيغتنم الحجاج مناسبة زيارة ضريح شيخهم بالمغرب لاقتناء سلع يعيدون بيعها في بلادهم أضعاف أسعار شرائها، سيما منها تلك التي يشترونها من جوار الضريح في فاس إذ تكون محملة ببركة الولي، وفق تصورهم. وهي سلع متنوعة منها التقليدية والعصرية. لكن الشيوخ في الزاوية الأم في فاس يرفضون الاعتراف بكون عادة زيارة ضريح التجاني في طريق الحج إلى بيت الله الحرام جزءا من الطقوس التجانية. ويوضحون بأن تلك العادة التي دأب عليها المريدون التجانيون الأفارقة إنما ترسخت لديهم بسبب وجود الضريح في فاس على الطريق بين بلدانهم ومكة. ومن أبرز السلع التقليدية التي يقبلون على اقتنائها: «البلاغي»، والجلابيب، والأثواب، وأغطية الرأس. أما العصرية فتشمل على الخصوص: الساعات، والمجوهرات، والحواسيب، وأقراص الحواسيب الصلبة، والكاميرات، والهواتف الذكية، والألواح الالكترونية، وغيرها مما خف وزنه وغلا سعره.
أحمد التجاني..من عين ماضي إلى فاس ولد الشيخ أحمد بن محمد التجاني في العام الهجري 1150 [1737 م] بقرية عين ماضي على تخوم الصحراء الجزائرية مقر أسلافه المتأخرين. إذ انتقل جده الرابع، محمد بن سالم مع أسرته [بحسب مصادر التجانية بفاس] من أحواز مدينة أسفي بالمغرب إلى بني توجين أو تيجانه بالجزائر، وتزوج من هناك فصار أولاده وأحفاده يعرفون بالتجانيين. وتعود أصوله البعيدة إلى الإمام علي بن أبي طالب، بحسب ما يقولون. حفظ سيدي أحمد التجاني القرآن وهو ابن سبع سنين، بحسب الرواية التجانية، وتلقى علوم الشرع والدين مبكرا ما أهله لخلافة والده في رئاسة الزاوية التجانية بإجماع سكان عين ماضي، وذلك رغم صغر سنه الذي لم يزد حينها عن ست عشرة سنة. فمارس بها تدريس القرآن والسنة وعلوما إسلامية أخرى. وفي سنة 1758م، كان الشيخ في بداية عقده الثالث عندما شد الرحال لأول مرة إلى مدينة فاس ذات الأهمية العلمية والقداسة والرمز التاريخي والشحنة الروحية القوية في نفسه. فحضر مجالس العلم وحاور وساجل كبار علمائها. غير أن اهتمامه كان منصبا على الجانب الروحي أكثر، ما حدا به إلى مغادرة فاس للقاء أعلام الصوفية المشهورين لذلك العهد، ومنهم الشيخ «الطيب» القائم آنذاك بأمور الزاوية الوزانية، والشيخ «الوانجلي» بجبل الزبيب، والشيخ أحمد الطواش التازي، وغيرهم. في 1772م، سافر الشيخ التجاني إلى بيت الله الحرام في رحلة دامت سنينا، والتقى خلالها في طريقه وفي البيت الحرام كثيرا من الصوفية وأهل العلم. ثم عاد في 1777 إلى فاس مرة أخرى عبر تلمسان. ومنها رحل إلى واحة أبي سمغون [الجزائر]، التي حصل له فيها «الفتح الأكبر» عام 1781، حين رأى الرسول (ص) في رؤيا فأذن له بتربية الخلق على العموم والإطلاق بعد أن كان فارا منهم. وعين له الورد الذي يلقنه لأتباعه، وهو مائة من الاستغفار ومائة من الصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم، بحسب الرواية التجانية دائما. ويقال إن مضايقات السلطات العثمانية التي كانت الجزائر ترزح تحت حكمها هي التي دفعت الشيخ التجاني إلى الانتقال من أبى سمغون, من بلاد الصحراء جنوبالجزائر إلى فاس في 1798، ليستقر بها نهائيا. وقد لقي ترحيبا من السلطان العلوي سليمان الذي ضمه إلى مجلس علمائه وأحاطه برعايته فأهدى إليه الأرض التي أقام عليها زاويته وحبس له راتبا من بيت المال حتى وفاته في العام 1815. فدفن في زاويته وحضر جنازته خلق كثير من نخبة العلماء وفقراء الزاوية [مريدوها].
التجانية في معترك السياسة والدبلوماسية على مدى قرنين من عمرها، لعبت الزاوية التجانية أدوارا لربط أواصر المودة بين بلدان شمال وجنوب الصحراء الافريقية الكبرى. فرغم أن الزاوية ليست معروفة كثيرا بما يكفي في المغرب حيث لا يتبع طريقتها سوى نخبة محدودة العدد في صفوف البورجوازية والنخبة المتعلمة، إلا أنها على النقيض جد منتشرة بين كل الفئات الإجتماعية في بلدان غرب أفريقيا المسلمة؛ سيما في السنغال حيث نصف الشعب تجاني المذهب. والواضح أن التجانية تحظى هناك بثقل سياسي يوازي حضورها الجماهيري،بدليل أن الأسر التجانية المرموقة دائمة الحضور في مواقع السلطة الرئيسية، ما يتيح للمغرب رصا للاستفادة سياسيا ودبلوماسيا من سلطته الروحية التي يتيحها تواجد الزاوية الأم للتجانيين في فاس. ولذلك السبب يرتبط ضريح أحمد التجاني في المغرب بالقصر لا بوزارة الأوقاف، كما هو حال باقي الأضرحة والمزارات الإسلامية الأخرى. ولم تكن هذه السلطة الروحية التي للمغرب لتمر دون أن تثير غضبا في الجزائر التي تعتبر الشيخ التجاني جزائريا ما تزال زاويته «الحقيقية» في الأغواط. ولم تنفك بالتالي عن اتهام المغرب وملكه بأنه سطا على إرث يخصها. بينما يرد أحفاد الشيخ التجاني في المغرب بأن جدهم الأكبر يعتبر مغربيا لأن عين ماضي التي ولد ونشأ فيها كانت في ذلك العهد تابعة للمغرب. وبالنتيجة يخضع الإرث التجاني لمنافسة معلنة بين كل من المغرب والجزائر، وهكذا بينما تحتفل الزاوية الأم في فاس بملتقى عالمي لشيوخ التجانية، ترد الزاوية الأصل في الأغواط بالجزائر بملتقى مضاد. ويحرج هذا التنافس القائم على خلفية النزاع السياسي بين البلدين كبار منتسبي الزاوية عبر العالم. وفي هذا الصدد يذكر أن الرئيس السنغالي ماكي سال كان دشن العام الجاري بزيارة زاوية عين ماضي، ثم استغل مناسبة حضوره للمغرب ثلاثة شهور بعد ذلك، ليزور الزاوية التجانية بفاس؛ حتى يقيم ربما توازنا فلا يؤاخذه هذا الطرف أو ذاك. ورغم حمى المنافسة المغربية الجزائرية حول إرث الشيخ التجاني فإن للزاوية التجانية مع ذلك حضورا وازنا يسجل لها أفريقيا، سواء تعلق الأمر بقبائل الطوارق، أو ببعض أطراف النزاع في مالي، أو في دارفور، وغيرها. ومن مشاهير المنتسبين إلى الزاوية التجانية يوجد كثير من السود الأمريكيين أبرزهم الملاكم العالمي الأسبق محمد علي كلاي، وعدد كبير من مسؤولي بلدان غرب أفريقيا المرموقين وفنانيها الكبار ورياضييها الشهيرين.