مشوار فاضلة عمارة، واسمها الشخصي الحقيقي فتيحة، يتقاطع في الكثير من الوجوه والمناحي مع مسار رشيدة داتي: فقر الأصول، طموح الوصول ثم انطفاء البريق بعد إشعاع عابر. وفي كل مرة، كانت سياسة «التسركيز» (نسبة إلى ساركوزي) حصانهما، الرابح مرة والخاسر في أحايين كثيرة. كان والد فاضلة راعيا للغنم في مرتفعات الأوراس بالجزائر، قبل أن يصل في سن الثانية والعشرين، عام 1955، إلى مدينة كليرمون-فيران بوسط فرنسا. بعد أن حصل على شغل في أحد أوراش البناء، التحقت به زوجته عام 1960. في سنة 1964، رأت فاضلة النور في أحد أحياء القصدير المخصصة لعرب المدينة. بعد فاضلة، رزقت العائلة بما مجموعه ستة أطفال وأربع بنات. كانت حادثة السير التي أودت بحياة مالك، أحد إخوتها، بمثابة صدمة قوية غيرت نظرتها إلى عدالة فرنسا المزيفة، لما دافع رجال البوليس عن السائق الذي تسبب في وفاة أخيها. وهكذا، انخرطت في العمل الجمعوي لتخرج في أول مظاهرة وطنية لها بالمدينة للدعوة إلى تسجيل الشباب في اللوائح الانتخابية. لكن الوضع المزري للنساء المغاربيات، اللائي يعشن وضعية إقفال داخلي وخارجي، كان بمثابة دقة جرس دفعت بها إلى خلق جمعية للنساء أملا في مناهضة إعادة إنتاج الوضع البطريركي، الساري به العمل في البلاد، إلى فرنسا. بمجيء اليسار إلى الحكم، لعبت جمعية SOS Racisme دورا نشطا لتوفير شفافية سياسية لمطالب الأجانب، وبالأخص المغاربيين. أنشأت فاضلة عمارة داخل نفس المنظمة «لجنة النساء» والتي مكنتها من مقاربة المشاكل التي تتعرض لها الفتيات هذه المرة، مثل الزواج الطوعي، الاغتصاب، ارتداء الحجاب، إلخ... انتُخبت عام 2001 مستشارة في بلدية كليرومن-فيران في لائحة الحزب الاشتراكي. لما أحرقت الفتاة سوهان بنزيان من طرف فتى متيم بها عام 2002، نظمت فاضلة عمارة مسيرة احتجاج تحت اسم «مسيرة النساء ضد الغيتو ومن أجل المساواة». وفي عام 2003 ولمدة شهر كامل، (فبراير-مارس)، عبرت المسيرة ربوع فرنسا. وكانت هذه المسيرة البذرة الأولى لولادة جمعية «لا باغيات ولا خانعاتNi putes ni soumises». منذ ذلك التاريخ، تحولت الجمعية إلى حصان طروادة بالنسبة إلى فاضلة عمارة. لكن الأخيرة «دفعت البيدق» بعيدا لما سكبت خطابها وقناعتها في قالب إيديولوجي استئصالي لدعوة الفتيات المغاربيات، باسم علمانية عمياء، إلى القطع مع تربية الأسلاف والتصرف بأجسادهن كما يحلو لهن. من الفتيات، انتقلت عمارة إلى موضوع الهجرة لدعوة المهاجرين إلى أن يصبحوا مواطنين فرنسيين بالمعنى التام للكلمة: تعلم اللغة الفرنسية، التمكن من التاريخ الفرنسي وقواعد البلد المضيف. بكلمة واحدة، دعت فاضلة عمارة إلى اندماج شمولي، إلى حد الذوبان، في نسيج المجتمع الفرنسي. ويتوقف أحد شروط هذا الاندماج على محاربة ما أسمته ب«الفاشية الخضراء»، أي الإسلام! آخر محطة في هذا المشوار هي «تسركيز» فاضلة عمارة، بتبوئها في التاسع عشر من يونيو 2007 منصبَ سكرتيرة دولة مكلفة بسياسة المدينة. آش من مدينة؟ المدن التي كلفت بملفاتها، قدر المستطاع، ما هي إلا ضواحٍ إسمنتية تنتج البؤس، الغضب بل العنف. وبعد سنتين من المسؤولية، تبين أنه ليست بيدها حيلة لتغيير هذا الوضع، على اعتبار أن السلطات لا تعتزم تقديم حلول ناجعة لهذه المشاكل الهيكلية، بحكم أن الضواحي كانت وستبقى ورقة رابحة في المزايدات الانتخابية بين اليمين واليمين المتطرف.. وقد أمكنت معاينة هذا الواقع في زيارة ساركوزي الأسبوع الماضي لثلاث مدن في الضواحي، وكان محفوفا بكوكبة من الوزراء والمنتخبين، من دون أن يستدعي المعنية الأولى بالأمر، فاضلة عمارة، لإلقاء خطاب عضلي في موضوع محاربة الانفلات الأمني بتعميم كاميرات المراقبة، رفض التسوية الكاملة لوضعية المهاجرين السريين، ملاحقة المشاغبين، إلخ... شيدت فاضلة عمارة مشوارها الجمعوي والسياسي على مناهضة مثل هذا الخطاب، لكنها ما إن ذاقت نعيم السلطة حتى خلدت إلى الصمت، الراحة بلا تخمم.