على الرغم من أنها غيرت اسمها من هرمومو إلى رباط الخير بعد انقلاب الصخيرات ضد الملك الراحل الحسن الثاني في بداية السبعينيات، إلا أنها لم تقو على تجاوز تلك الصورة التي التصقت بها كمدينة كانت تحتضن الانقلابيين. ولذلك ظلت خارج كل مشاريع التنمية لتنضاف إلى لائحة المدن المهمشة والمنبوذة بسبب جرم لم ترتكبه. تقع هرمومو أو رباط الخير، كما سماها الحسن الثاني بعد انقلاب سنة 1971، بالقرب من جبل «بويبلان» بأعلى قمة بالأطلس المتوسط على علو3190 مترا، وهو الجبل الذي تكسوه الثلوج إلى حدود شهر يونيو مما يجعل المنطقة مكانا لعدد من عيون المياه العذبة والمعدنية كعين الروح، وعين الجوع، ومياه عين تيبخباخين، خصوصا وأنها مصدر منابع نهر سبو. لذلك ظلت ساكنة المنطقة، ولا تزال، تمني النفس بجعل المنطقة قبلة سياحية بامتياز وهي التي تتوفر على كل مؤهلات ذلك. غير أن العقاب الجماعي الذي لا يزال جاثما على صدرها، جعل منها منطقة خارج التاريخ وخارج اهتمامات المسؤولين. وتظهر علامات الإقصاء والتهميش، الذي لا تزال تعاني منه هرمومو بسبب حكاية انقلاب طلبة مدرستها العسكرية، من خلال مشروع سد «أزغار» على واد القرية، أحد روافد سبو، الذي لا يزال مجهضا، وهو الذي كان من شأن إحداثه أن يسقي مئات الهكتارات بإقليم صفرو. رباط الخير اليوم لا تزال نفسها هي تلك المدينة، أو القرية المطلة على مرتفعات جبل بويبلان، والتي يبلغ عدد ساكنتها أزيد من 20 ألف نسمة. وهي التي لا تزال تعيش في فضاء تنعدم فيه جل المرافق العمومية. وتعيش في مجملها على دخل المتقاعدين من صفوف القوات المسلحة الملكية من أبناء المنطقة والذين يتجاوز عددهم 2000 متقاعد، حسب آخر إحصاء عرفته المنطقة. غير أن التهميش الذي طالها لعشرات السنين، لم تجد له الساكنة من تفسير غير أنها اللعنة التي لم تطل فقط الجنود والضباط الذين مروا من المدرسة التي حملت اسم المدينة، بل إنها طالت أيضا الفضاء برمته فيما يشبه العقاب الجماعي لمواطنين ذنبهم الوحيد أنهم من أبناء هذا الفضاء. لم يكن كل الذنب التي ارتكبته مدينة هرمومو، هناك في جبال الأطلس المتوسط، غير أنها ضمت مدرسة عسكرية عرفت باسمها، وهي نفس المدرسة التي سيقود مديرها محمد اعبابو انقلابا على الملك الحسن الثاني بواسطة 1400 من طلبته. لقد عين اعبابو في 1968 مديرا لهذه المدرسة. وفي 1971، أي ثلاث سنوات بعد التعيين، سيقود انقلابا ضد الملك الراحل الحسن الثاني، الذي أصبح اسم هرمومو يخيفه. لذلك سيقرر إغلاق هذه المدرسة، وتوزيع كل طلبتها على بعض القطاعات خصوصا ذات الطابع الاجتماعي، بعيدا عن سلك الجندية، بعد أن أصبحوا مشاريع إنقلابيين. أما المدينة، فقد تقرر أن يتغير اسمها لتصبح بعد العملية الانقلابية «رباط الخير». سيكون هذا التغيير المثير بداية للحصار الذي ضرب على المدينة والمنطقة. وأصبحت كل مجالات التنمية اقتصاديا واجتماعيا تقفز على هرمومو، التي كادت الساكنة تنسى هذا الاسم، وتتعود مكرهة على الاسم الجديد الذي حمل اسم الخير، دون أن يأتيها هذا الخير. وحينما حملت هيئة الإنصاف والمصالحة مشاريعها للقطع مع ممارسات الماضي، وتعويض ضحايا سنوات الرصاص بمن فيهم أولائك الذين اعتقلوا بعد انقلاب الصخيرات، ومنهم تلاميذ كل ذنبهم أنهم كانوا في مدرسة هرمومو العسكرية، اعتقد الكثيرون أن الخير سيعم هذه المنطقة التي ظلت تعيش التهميش والإقصاء على أكثر من مستوى. غير أن هذه الهيئة لم تتحرك في اتجاه طريق صفرو للوصول إلى هرمومو. فهل كان الأمر يتعلق بتعليمات من جهات عليا، أم أن الرنة التي يتركها اسم هرمومو في الآذان، هي التي ساهمت في هذا الاقصاء. لم يكن اختيار الحماية الفرنسية سنة 1953 لهذه القرية كموقع استراتيجي يقع في مكان مرتفع، لتشيد بها مخزنا للأسلحة، إلا لمعرفتها بطبيعة المنطقة وساكنتها البربرية البسيطة، التي ظلت تدين بالولاء للمستعمر خوفا من بطشه. كان الفرنسيون يطلقون على مخزن الأسلحة هذا «ماكازان دارمومون» باللغة الفرنسية. وهي التسمية التي سيشتق منها اسم قرية هرمومو قبل أن تحمل بعد ذلك صفة المدينة، دون أن تغير شيئا من ملامحها القروية. أما بعد الاستقلال، فقد تحولت هذه الثكنة إلى مدرسة عسكرية لتخريج ضباط الجيش. مدرسة ستفقد الكثير من ملامحها مباشرة بعد انقلاب سنة 1971. لذلك لا تسميها الساكنة اليوم بغير «القشلة» بعد أن أضحت مكانا مهجورا يحيط به سياج حديدي، وتنتصب فيه أشجار البلوط، دون أن تغيب عن أعين بعض الجنود الذين لا زالوا يحرسون المكان. ثمة باب حديدي كبير لا يزال يحافظ على شعار المملكة. فيما كان شجر «التنوب» الشامخ، الذي يقال إن محمد أعبابو هو من جلبه من الغابة المجاورة، وقرر غرسه في باحة المدرسة، لدرجة يطلق عليه سكان المنطقة اسم «تيدن أعبابو»، لا يزال واقفا. تمتد المدرسة العسكرية التي أغلقت أبوابها مباشرة بعد انقلاب الصخيرات سنة 1971 على مساحة 32 هكتارا، ومازالت تخضع إلى اليوم، لرقابة شديدة من طرف بعض الجنود المعززين بكاميرات لرصد كل التحركات المحيطة بهذه المؤسسة العسكرية. فحينما عين الكوموندو محمد اعبابو على رأس هذه المدرسة قادما إليها من مركز لتدريب الجنود بمدينة الحاجب، لم تكن مدرسة هرمومو تحظى بنفس الاهتمام والعناية التي ستكسبها وهي تحت قيادته. لقد فرض فيها انضباطا وجدية غير مسبوقين، إلى درجة أطلق عليه تلاميذ المدرسة الذين ذاقوا من صرامته، لقب «نابليون الصغير»، بالنظر لقصر قامته. بالإضافة إلى ما وفره هذا المدير من تجهيزات عصرية ولوجيستيك متطور بالمقارنة مع ما كان عليه الأمر في غيرها من مدارس الجيش. إلى جانب عدد من المرافق التي أشرف على إحداثها بداخل المدرسة. هذه هي هرمومو أو رباط الخير، التي تنتظر كمثيلاتها من مدن المغرب غير النافع متى يأتيها الخير وتركب قطار التنمية، الذي تمر عرباته غير بعيد عنها.