هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هرمومو..حكاية مدينة تتعرض لعقاب جماعي
تغير اسمها إلى رباط الخير لكنها مازالت تعاني من تبعات انقلاب 1971
نشر في المساء يوم 13 - 09 - 2014

انتظر سكان هرمومو أن يأتيهم الخير مع الاسم الجديد الذي أصبحت تحمله مباشرة بعد انقلاب الصخيرات في صيف يوليوز من سنة 1971 «رباط الخير»، دون أن تتحقق لها هذه الأمنية.
وعلى الرغم من أن المسافة بين الصخيرات، التي عاشت الانقلاب العسكري ضد الملك الحسن الثاني، وقرية هرمومو، هي بعشرات الكيلومترات، إلا أنها أدت ولا تزال تؤدي ثمن جرم لم تقترفه حينما غيرت اسمها مكرهة، وضربت عليها الدولة حصارها، ومنعت كل سبل التنمية لكي لا تصل إلى هذه المنطقة الجبلية التي حلم سكانها، ولا يزالون، بموعد يصلهم فيه قطار التغيير الذي استفادت منه مدن مجاورة، ويرفع فيه هذا الحصار، الذي لا يخفي الكثيرون أنه عقاب جماعي لمنطقة كل ذنبها هو أنها ضمت بين ظهرانيها ، في زمن ماض، مدرسة عسكرية كان مديرها هو من خطط للانقلاب على الملك الراحل رفقة تلاميذ مدرسته. بين 1971، تاريخ الانقلاب الدموي على الحسن الثاني في الصخيرات، واليوم تكون قد مرت أكثر من أربعين سنة. لكن هرمومو أو رباط الخير لا تزال على حالها لم تتغير، وكأني بها تحافظ على نفس هدوئها يوم كانت تحتضن المدرسة العسكرية التي اختارت لها السلطات الفرنسية أن تكون في وسط القرية على مساحة تصل إلى 22 هكتارا.
في الطريق إلى هرمومو، تشعر وكأنك تعيد كتابة تاريخ الانقلابات على الحسن الثاني. فانقلاب الصخيرات هو الذي دشن بعد ذلك سلسلة الانقلابات التي تعرض لها الملك الراحل، والتي خرج منها سالما بفضل البركة، كما ظل يقول، بعد تلك التي قيل إنه تعرض لها وهو لا يزال وليا للعهد. فلهذا الاسم جاذبيته، التي تحيل على ذلك الحدث الذي هز مغرب الملك الراحل، على الرغم من أن الاسم مشتق من كملة فرنسية هي «أرمومون» لم يكن سكان المنطقة البربرية يحسنون نطقها، فحولوها إلى هرمومو.
هنا لا يمكن للعين أن تخطئ المدرسة العسكرية، التي خطط بها اعبابو للانقلاب،. إنها «القشلة» كما يسميها السكان. وهي قشلة كانت تضم قبل سنوات السبعينيات تلاميذ ربطوا علاقات محبة مع الساكنة. ولم يكن يدور بخلذهم أنهم سيشاركون في انقلاب عسكري ضد ملك البلاد، لا يعرفون عنه أية تفاصيل، كما اعترف بذلك جل أؤلائك الذين اعتقلوا قبل أن تبرئهم المحكمة بعد ذلك.
وغير بعيد عن القشلة، تتراءى الدور الواطئة، والدروب السفلى حيث لا تبليط ولا مجاري لمياه الصرف الصحي، وتشعر، كما قال لنا عدد من شباب المنطقة، وكأن لعنة الصخيرات لا تزال تطارد هرمومو رغم كل هذه السنوات. أما لتفسير هذا الأمر، فلا يتردد الكثيرون، بمن في ذلك مسؤولون من المنطقة، في السؤال عن سر الإبقاء على هذه المدرسة التي تجثم على صدر المدينة على مساحة كبيرة. ألم يكن من الأجدر أن يتم هدمها والاستفادة من وعائها العقاري، بدلا من أن تظل عنوانا على هذا العقاب الجماعي الذي نعيشه، يقول شاب من المنطقة.
جغرافية هرمومو وتاريخها
تقع هرمومو بالقرب من جبل «بويبلان» بأعلى قمة بالأطلس المتوسط على علو 3190 مترا، وهو الجبل الذي تكسوه الثلوج إلى حدود شهر يونيو، مما يجعل المنطقة مكانا لعدد من عيون المياه العذبة والمعدنية كعين الروح، وعين الجوع، ومياه عين تيبخباخين، خصوصا وأنها مصدر منابع نهر سبو. لذلك ظلت ساكنة المنطقة، ولا تزال، تمني النفس بجعل المنطقة قبلة سياحية بامتياز، وهي التي تتوفر على كل مؤهلات ذلك.
غير أن العقاب الجماعي، الذي لا يزال جاثما على صدرها، جعل منها منطقة خارج التاريخ وخارج اهتمامات المسؤولين.
وتظهر علامات الإقصاء والتهميش، الذي لا تزال تعاني منه هرمومو بسبب حكاية انقلاب طلبة مدرستها العسكرية، من خلال مشروع سد «أزغار» على وادي القرية، أحد روافد سبو، الذي لا يزال مجهضا، وهو الذي كان من شأن إحداثه أن يسقي مئات الهكتارات بإقليم صفرو.
«رباط الخير» اليوم لا تزال نفسها هي تلك المدينة، أو القرية المطلة على مرتفعات جبل بويبلان، والتي يبلغ عدد سكانها أزيد من 20 ألف نسمة. وهي التي لا تزال تعيش في فضاء تنعدم فيه جل المرافق العمومية. وتعيش في مجملها على دخل المتقاعدين من صفوف القوات المسلحة الملكية من أبناء المنطقة، والذين يتجاوز عددهم 2000 متقاعد، حسب آخر إحصاء عرفته المنطقة.
غير أن التهميش الذي طالها لعشرات السنين، لم تجد له الساكنة من تفسير غير أنها اللعنة التي لم تطل فقط الجنود والضباط الذين مروا من المدرسة التي حملت اسم المدينة، بل إنها طالت أيضا الفضاء برمته، فيما يشبه العقاب الجماعي لمواطنين ذنبهم الوحيد أنهم من أبناء هذا الفضاء.
لم يكن كل الذنب الذي ارتكبته مدينة هرمومو هناك في جبال الأطلس المتوسط، غير أنها ضمت مدرسة عسكرية عرفت باسمها، وهي نفس المدرسة التي سيقود مديرها محمد اعبابو انقلابا على الملك الحسن الثاني بواسطة 1400 من طلبته.
لقد عين اعبابو في 1968 مديرا لهذه المدرسة. وفي 1971، أي ثلاث سنوات بعد التعيين، سيقود انقلابا ضد الملك الراحل الحسن الثاني، الذي أصبح اسم هرمومو يخيفه. لذلك سيقرر إغلاق هذه المدرسة، وتوزيع كل طلبتها على بعض القطاعات، خصوصا ذات الطابع الاجتماعي، بعيدا عن سلك الجندية، بعد أن أصبحوا مشاريع انقلابيين.
أما المدينة، فقد تقرر أن يتغير اسمها لتصبح بعد العملية الانقلابية «رباط الخير».
سيكون هذا التغيير المثير بداية للحصار الذي ضرب على المدينة والمنطقة. وأصبحت كل مجالات التنمية اقتصاديا واجتماعيا تقفز على هرمومو، حيث كادت الساكنة تنسى هذا الاسم، وتتعود مكرهة على الاسم الجديد الذي حمل اسم الخير، دون أن يأتيها هذا الخير.
[[{"type":"media","view_mode":"media_large","fid":"12461","attributes":{"alt":"","class":"media-image","height":"215","typeof":"foaf:Image","width":"480"}}]]
هرمومو غير معنية بجبر الضرر
حينما حملت هيئة الإنصاف والمصالحة مشاريعها للقطع مع ممارسات الماضي وتعويض ضحايا سنوات الرصاص، بمن فيهم أولائك الذين اعتقلوا بعد انقلاب الصخيرات، ومنهم تلاميذ كل ذنبهم هو أنهم كانوا في مدرسة هرمومو العسكرية، اعتقد الكثيرون أن الخير سيعم هذه المنطقة التي ظلت تعيش التهميش والإقصاء على أكثر من مستوى.
غير أن هذه الهيئة لم تتحرك في اتجاه طريق صفرو للوصول إلى هرمومو. فهل كان الأمر يتعلق بتعليمات من جهات عليا، يتساءل أحد أبناء المنطقة استنكاريا؟ أم أن الرنة التي يتركها اسم هرمومو في الآذان، هي التي ساهمت في هذا الاقصاء.
إلى اليوم، يشرح مصدرنا، لم تستفد المنطقة من أي عملية للاعتراف بما تعرضت له المنطقة، ماديا ولا معنويا. وعلى الرغم من أن بعض الهيئات الحقوقية زارت المنطقة في إطار تلك القوافل التي كانت تنظمها لإثارة الانتباه، إلا أن الوضع ظل على حاله. وعادت هرمومو إلى رتابة وقتها مباشرة بعد أن عادت القافلة الحقوقية إلى الرباط.
بل إن جبر الضرر الذي استفادت منه العديد من المناطق التي عانت على عهد سنوات الرصاص، لا يزال حلما يراود سكان هرمومو، الذين اعتقدوا أن الخير، الذي أصبح جزءا من اسم مدينتهم، سيعم عليهم كثيرا. لذلك ذهبت كل المبادرات التي قادها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وهيئة الإنصاف والمصالحة أدراج الرياح. لقد ظل المسؤولون يرون في هذا الفضاء مصدر إزعاج، على الرغم من أن هرمومو مسحت من دفاتر الحالة المدنية للمنطقة وحل محلها رباط الخير، وإن لم تمح هرمومو من ذاكرة الساكنة التي استيقظت ذات صباح على خبر تغيير الاسم، وكأن المدينة هي التي قادت انقلاب الصخيرات.
شبح الانقلاب يخيم
على هرمومو
نحن الآن في 2014، وقد مرت ثلاث وأربعون سنة على انقلاب الصخيرات، الذي نفذه العقيد محمد اعبابو بمساعدة تلاميذ مدرسة هرمومو التي كان يديرها. لكن شبح الصخيرات لا يزال جاثما على صدر أهل المنطقة الذين انتقل إليهم الداء من الآباء إلى الأبناء. لذلك فالحديث عن التنمية يكاد يصبح مجرد حلم، أو لنقل هو كابوس، والتوصيف لأحد أبناء المنطقة الذي يكاد يجزم أن النظام قتل المنطقة منذ غير اسمها بسبب جرم لم تقترفه. وزاد كل الذين تعاقبوا على تسييرها، سواء أكانوا «منتخبين» أو رجال سلطة، في اجتهادهم وأحكموا قبضتهم عليها.
لقد اعتبرها الملك الراحل قلعة للانقلابيين، لذلك أمر أن يغير اسمها بعد أن أغلقت المدرسة العسكرية أبوابها. أما قطار التنمية فلا يزال السكان ينتظرون متى يدخل محطة رباط الخير. قطار يقول أكثر من مسؤول إنه يمكن أن ينطلق من الاستفادة من هذا الوعاء العقاري الذي تحتله «القشلة» التي أضحت بدون مهمة غير تذكيرنا بتاريخ دموي سقط فيه قتلى أبرياء، واقتيد فيه جنود إلى المعتقلات بدون جريمة.
نحلم، يقول أحد مسؤولي المدينة، بتحويل هرمومو، أو رباط الخير، إلى قبلة سياحية تضاهي مدن إفران وإيموزار كندر، خاصة أنها تتوفر على مؤهلات سياحية مغرية تؤهلها للعب هذا الدور. فهي توجد تحت جبل «بويبلان» الذي يعتبر أعلى قمة بالأطلس المتوسط ب3190 مترا. وهو الذي تظل قممه مكسوة بالثلوج إلى غاية شهر يونيو من السنة. كما تتميز رباط الخير، يضيف مصدرنا وكأني به يكرر على مسامعنا ما الذي تنتظره المنطقة، بوجود عدد من العيون المائية المعدنية كعين الروح، وعين الجوع، ومياه عين تيبخباخين، التي تشبه في طعمها مياه أولماس، وهي التي لا تبعد عن المدينة إلا بحوالي 12 كيلومترا. كما توصف هرمومو بصهريج الغرب المائي، حيث منابع نهر سبو التي تبعد عنها بحوالي 15 كيلومترا فقط.
أما أكبر المشاريع والتي انتظرتها المنطقة لسنوات، فهي سد «أزغار» على واد القرية، أحد روافد سبو، والذي كان السكان يحلمون بأن يسقوا بمياهه مئات الهكتارات بإقليم صفرو. ولم يكن مبرر هذا الإجهاض غير الحديث عن تأثير ذلك المحتمل على صبيب سد علال الفاسي. وهو مبرر يقول السكان إنه صيغة للهروب إلى الأمام، ومحاولة لكي لا يفسر ذلك بأنه فصل من فصول العقاب الجماعي الذي لا تزال المنطقة تعاني منه.
بالأرقام، ظلت رباط الخير جماعة قروية إلى حدود التقسيم الجماعي لسنة 1992. لقد كانت تضم جماعة «إغزران» مما جعلها تستفيد من مداخيل مهمة هي عائدات الثروة الغابوية الموجودة في المنطقة.
أما حينما أضحت جماعية حضرية بعد 1992 دون أن تتوفر على مواصفات ذلك، فلم تعد مساحتها تتجاوز ثمانية كيلومترات مربعة، بميزانية لا تتجاوز 700 مليون سنتيم، هي عائدات كراء السوق الأسبوعي بما قيمته السنوية 56 مليون سنتيم، ومداخيل كراء بعض المنازل والدكاكين.
ما يشبه الخلاصة
بين حقول صفرو وأشجار زيتونها، وبين دروب هرمومو وبيوتها الواطئة، ثمة مسافة بين مغربين لا بد أن تكتشفها وأنت تعبر الطريق المؤدية إلى معقل الإنقلابيين، كما وصفها الحسن الثاني.
هنا في رباط الخير، التي لم تنس الساكنة أن اسمها الحقيقي هو هرمومو، لاشيء تغير.
ومن الأجداد إلى الآباء إلى الأبناء والأحفاد، يحكي أهل المنطقة نفس الحكاية التي جعلتهم على هذه الحالة لقرابة خمسين سنة.
من هنا خرج العقيد محمد اعبابو متجها صوب قصر الصخيرات ليصفي الحسن الثاني، مرفوقا بتلاميذ مدرسته العسكرية. المدرسة التي أضحت تحمل اليوم اسم «القشلة» بعد أن أصبحت مجرد أطلال، لكنها تستفيد مع ذلك من حراسة مشددة. وكأني بهؤلاء الذين خططوا للإبقاء عليها وحراستها، يريدون أن يذكروا السكان بالذي مضى، لكي لا يحلموا غدا بالتغيير.
أين الإنصاف والمصالحة؟
أين سياسة جبر الضرر؟
إنها الأسئلة التي يطرحها شباب المنطقة، التي ترفض أن تؤدي ثمن جرم لم تقترفه. «جرم» أنها احتضنت منذ 1953 مخزنا للأسلحة، أصبح بعد ذلك مدرسة عسكرية، هي التي أعد بها اعبابو محاولة الانقلاب على الملك الراحل في يوم عيد ميلاده من سنة 1971.
لقد اعتقدت المنطقة أن تغيير اسم هرمومو إلى رباط الخير، سيحمل إليها الخير كله. للأسف لم يأتها الخير بعد كل هذه السنوات. أما سياسة العقاب الجماعي، فلا تزال مطبقة بالكثير من الاجتهاد.
فلاش باك
لم يكن اختيار الحماية الفرنسية سنة 1953 لهذه القرية كموقع استراتيجي يقع في مكان مرتفع، لتشيد بها مخزنا للأسلحة، إلا لمعرفتها بطبيعة المنطقة وساكنتها البربرية البسيطة، التي ظلت تدين بالولاء للمستعمر خوفا من بطشه.
كان الفرنسيون يطلقون على مخزن الأسلحة هذا «ماكازان دارمومون» باللغة الفرنسية. وهي التسمية التي سيشتق منها اسم قرية هرمومو قبل أن تحمل بعد ذلك صفة المدينة، دون أن تغير شيئا من ملامحها القروية.
أما بعد الاستقلال، فقد تحولت هذه الثكنة إلى مدرسة عسكرية لتخريج ضباط الجيش. مدرسة ستفقد الكثير من ملامحها مباشرة بعد انقلاب سنة 1971. لذلك لا تسميها الساكنة اليوم بغير «القشلة»، بعد أن أضحت مكانا مهجورا يحيط به سياج حديدي، وتنتصب فيه أشجار البلوط، دون أن تغيب عن أعين بعض الجنود الذين لا زالوا يحرسون المكان.
حينما هممنا بالاقتراب منها طمعا في النبش في بعض من ماضيها البعيد، لم نجد غير باب حديدي كبير لا يزال يحافظ على شعار المملكة. فيما كان
شجر «التنوب» الشامخ، الذي قيل لنا إن محمد أعبابو هو من جلبه من الغابة المجاورة، وقرر غرسه في باحة المدرسة، إلى درجة أن سكان المنطقة يطلقون عليه اسم «تيدن أعبابو»، لا يزال واقفا.
تمتد المدرسة العسكرية التي أغلقت أبوابها مباشرة بعد انقلاب الصخيرات سنة 1971 على مساحة 32 هكتارا، ومازالت تخضع إلى اليوم، لرقابة شديدة من طرف بعض الجنود المعززين بكاميرات لرصد كل التحركات المحيطة بهذه المؤسسة العسكرية. فحينما عين الكوموندو محمد اعبابو على رأس هذه المدرسة قادما إليها من مركز لتدريب الجنود بمدينة الحاجب، لم تكن مدرسة هرمومو تحظى بنفس الاهتمام والعناية التي ستكسبها وهي تحت قيادته. لقد فرض فيها انضباطا وجدية غير مسبوقين، لدرجة أطلق عليه تلاميذ المدرسة الذين ذاقوا صرامته، لقب «نابليون الصغير»، بالنظر إلى قصر قامته. بالإضافة إلى ما وفره هذا المدير من تجهيزات عصرية ولوجيستيك متطور بالمقارنة مع ما كان عليه الأمر في غيرها من مدارس الجيش. إلى جانب عدد من المرافق التي أشرف على إحداثها داخل المدرسة. اليوم، حينما تغادر المكان، لا بد أن تشعر بشيء من الغبن كيف تحولت هذه المعلمة العسكرية الشامخة، إلى خراب، وهي التي كانت قد جمعت على عهد اعبابو بين كل المتناقضات حيث المجد والانضباط، والخيانة والانقلاب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.