وصل ملف تجزئة «الحدادة» إلى القضاء، بعد 7 سنوات تقريبا من الانتظار، كانت خلالها أصوات العديد من الهيئات الحقوقية والنقابية والسياسية، لا تكل ولا تمل، مطالبة بفتح تحقيق شامل في الكيفية التي استفادت منها شخصيات تشغل مناصب حساسة جدا، بينها عمال أقاليم وأمنيون برتب مختلفة وقضاة، إضافة إلى أشخاص تحملوا مسؤوليات في أجهزة حكومية مختلفة. فاستنادا إلى مصادر موثوقة، فإن النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بمدينة القنيطرة، قررت فتح تحقيق في الشكاية التي تقدم بها عزيز رباح، وزير التجهيز والنقل، الذي يرأس مجلس المدينة، بشأن الخروقات والتجاوزات الفظيعة التي شابت طريقة تدبير عملية توزيع بقع هذه التجزئة السكنية، التي تقع في موقع استراتيجي على الطريق المؤدية إلى شاطئ »المهدية« والمحمية الدولية »سيدي بوغابة«، وهو ما أسال لعاب لوبيات العقار والمتنفذين في مختلف قطاعات الدولة والمهووسين بصنع ثرواتهم من الريع وسخاء المسؤولين الفاسدين الذين خانوا الأمانة. وكشفت مصادر «المساء» أن وكيل الملك لدى المحكمة نفسها، شرع، بحر الأسبوع المنصرم، في النظر في شكاية رباح، والمرفقة بلوائح المستفيدين، التي ضمت أسماء مسؤولين كبار في جهاز القضاء والأمن ورجال السلطة من مختلف الأسلاك، إضافة إلى منتخبين وصحفيين وعدد من أعيان المدينة وأسماء معروفة بنفوذها المالي والاقتصادي والاجتماعي، حيث استفاد أغلبهم من بقع الفيلات والعمارات في ظروف روعي فيها إرضاء كبار القوم، مع أنهم يملكون عقارات وشققا فخمة في أعرق أحياء القنيطرة وخارجها. وأفادت المصادر نفسها بأن ممثل الحق العام، استدعى، الخميس الماضي، رشيد بلمقيصية، بصفته رئيس المجلس الجماعي للقنيطرة بالتفويض، للاستماع إلى شهادته بخصوص ملف هذه التجزئة. هذه التجزئة أثارت لوائح المستفيدين منها احتجاجات عارمة، لعدة تنظيمات سياسية وحقوقية ونقابية، يتقدمها الفرع المحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان وحزب العدالة والتنمية والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الذين سبق وأن طالبوا جميعهم، في بيانات صادرة عنهم، بفتح تحقيق عاجل للكشف عن المعايير التي اعتمدتها البلدية، خلال الولاية السابقة، في عملية توزيع بقع »الحدادة«. ووفق المصادر ذاتها، فإن دائرة التحقيقات في هذا الملف، ستتسع لتشمل أيضا كلا من محمد تالموست، الرئيس السابق لجماعة القنيطرة، المدان بعقوبة حبسية مدتها 6 أشهر حبسا نافذا لتورطه في الفساد الانتخابي الذي عرفته عملية تجديد ثلثي مجلس المستشارين، التي جرت شهر شتنبر 2006، ونائبه عبد الله الوارثي، الكاتب الجهوي لحزب الاستقلال، الذي شغل منصب مدير ديوان عباس الفاسي حينما كان هذا الأخير يتولى حقيبة وزارة التشغيل والتكوين المهني، إضافة إلى عمر بومقس، المنتمي إلى حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي تولى تدبير شؤون مجلس القنيطرة بعد اعتقال الرئيس تالموست ووضعه بالسجن المحلي لقضاء العقوبة الصادرة ضده، وأشرف على المرحلة الثانية من عملية التوزيع، التي تحكم فيها، حسب منتقديها، منطق المحسوبية والزبونية وغياب الشفافية ومعايير الاستحقاق الموضوعي، مما أدى إلى حرمان الكثير من المواطنين، الذين هم في الواقع في حاجة ماسة إلى سكن. وتنطلق هذه التحريات، بعدما أشار المجلس الأعلى للحسابات في تقرير سابق له، إلى أن مفتشيه، وأثناء تدقيقهم في ملفات عديدة ببلدية القنيطرة، لم يعثروا على أي وثيقة تثبت طريقة وظروف توزيع بقع تجزئة »الحدادة«، كما أكد عدم قيام لجنة التسويق بتحديد المعايير التي اعتمدتها في تعيين البقع بالنسبة لكل مستفيد، سواء بالنسبة للشطر الأول أو الأشطر اللاحقة، خاصة أن أغلب المستفيدين يملكون عقارات في مناطق أخرى. وسجل قضاة جطو في نفس التقرير، أن محضر التوزيع لم يتضمن أي معيار لانتقاء الطلبات التي لم تكن تخضع لأي ترتيب حسب تاريخ وساعة إيداع طلبات الاستفادة، كما أنها لم تخضع للتنقيح من أجل إبعاد المتكررة منها أو الموسومة بطابع التنافي.