لم يعد خافيا على أحد وجود صراع خفي يظهر بين الفينة والأخرى بين مكونات الأغلبية الحكومية، خاصة بين الاتحاد الاشتراكي والاستقلال، حتى أن بعض الأعضاء داخل الاتحاد الاشتراكي يطالبون وزراءهم وقيادتهم بمغادرة الحكومة، كلما أتيحت لهم فرصة التعبير عما بأنفسهم، فيما يقلل القادة من تلك الصيحات، ويعتبرون أن الداعين لها تنقصهم التجربة السياسية، التي جعلت من أهم قوى المعارضة، تسير دفة الحكم في ظرف سياسي دولي متقلب، سنة 1998، وتستمر في تدبير الشأن العام في حكومة إدريس جطو سنة 2002، رغم أن الدولة لم تحترم المنهجية الديمقراطية في تنصيب الوزير الأول من الحزب المحتل المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، وتداركته بعد انتخابات 2007 بتنصيب عباس الفاسي، أمين عام حزب الاستقلال، وزيرا أول. ومهما يكن من نقاش داخلي في صفوف الاتحاد الاشتراكي، الذي تعود مناضلوها، على النقاش الصاخب حينا والهادئ أحيانا، في حسم أمورهم بأنفسهم، إلى درجة صياغة مفاهيم جديدة، وتقرير سياسي مركب يجد فيه الجميع ضالتهم، فإن الاجتماع المقبل للمجلس الوطني سيحسم في أمر البقاء في الحكومة، من عدمه، علما أن نفس المجلس الوطني هو من صوت في السابق، في ظل أزمة سياسية عاشها الاتحاديون، بأغلبية الأصوات على المشاركة في حكومة ليلة القدر، التي نسج خيوطها المهندس عبد العزيز مزيان بلفقيه. وإذا كانت أصوات من داخل الدولة تتطلع إلى حدوث تعديل وشيك في الحكومة، حيث استغلت سحب الأصالة والمعاصرة مساندته لها، للحديث عن حكومة أقلية، وبروز تضارب في صفوف التجمع الوطني للأحرار، أججه تدخل صقور الأصالة والمعاصرة في شؤون حزب الحمامة، فإن ذلك، حسب المتتبعين، لن يخرج عن نطاق الكلام الذي ساد على عهد حكومتي عبد الرحمان اليوسفي وإدريس جطو، حيث تم في جنح الظلام الإعلان عن تعديلات حكومية خيالية، منحت لبعض الصحف سيناريوهات، قصد النشر، بل تم تنصيب وزراء أولين في أكثر من مناسبة، بدعوى عدم الامتثال لتعليمات جهات ما، وهي سيناريوهات تصنع في صالونات العاصمة الرباط، ومقبولة شكلا حسب فقهاء القانون، من محامين وقضاة، ولكنها غير مقبولة من حيث الموضوع، لأن أي تغيير حكومي يطيح بوزير أول، ستكون له انعكاسات سلبية على الاقتصاد المغربي الهش في زمن العولمة، قبل أن ينعكس على أمور السياسة، لذلك تمت دعوة حزب الحركة الشعبية إلى المشاركة في حكومة الفاسي لإنقاذ ماء الوجه، وإن كانت المشاركة رمزية، لا تعبر عن طموحات هذا الحزب التقليدي، الذي ساهم في لعب دور التوازن منذ نصف قرن، على غرار ما فعل حزب التجمع الوطني للأحرار طيلة ثلاثة عقود. وفي هذا السياق، قال امحند العنصر، أمين عام حزب الحركة الشعبية، ل«المساء» إن عباس الفاسي لم يفاتحه في أمر احتمال إجراء تعديل حكومي، يسمح بتوسيع مشاركة حزب الحركة الشعبية، مؤكدا أن أي تعديل هو بيد الملك محمد السادس. وأكد العنصر أنه حينما ستناقش معه فكرة إجراء تعديل حكومي، سيستشير الحزب في أمرها، والتفاوض بشأن الحقائب المقترحة عليه، في إشارة يستفاد منها أن التعديل الحكومي المرتقب سيكون جزئيا، وتقنيا وليس سياسيا، أي غير ناتج عن صراع بين مكونات الأغلبية الحكومية. وكان العنصر قد أعلن في أكثر من مناسبة أن الفاسي وعده بتوسيع مشاركة الحركة الشعبية في الحكومة، بعد افتتاح البرلمان، وانتهاء جميع الاستحقاقات الانتخابية، آخرها انتخاب تجديد ثلث مجلس المستشارين، أي نهاية شهر أكتوبر الجاري. وإذا كان البعض يراهن على تصدع حكومة الفاسي، من خلال حدوث تغيير في الخريطة الحزبية لمؤسسة البرلمان، لتوجيه تنبيه للحكومة، خاصة في مجلس المستشارين، أو التلويح بتقديم ملتمس رقابة، أو الدعوة إلى إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، أو الضغط في اتجاه تشتيت صفوف التجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية، أو استغلال صراع الاتحاديين والاستقلاليين في اتجاه التصعيد، حسب ما يروج بحدة في الصالونات السياسية بالعاصمة الرباط، فإن البعض الآخر أكد على دور مجلس النواب في الدفاع عن تماسك الأغلبية الحكومية، من خلال المناورات السياسية التي يتفنن الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية نسجها، إذ قد يتحالفون برلمانيا مع حزب العدالة والتنمية كي يغير موقفه من المعارضة إلى المساندة النقدية، طيلة ما تبقى لحكومة الفاسي، أي الثلاث سنوات الأخيرة، كما فعل نفس الحزب مع حكومة اليوسفي، خلال السنتين الأوليين لتنصيبها، وربما جر باقي مكونات اليسار لتغيير موقفها من أجل المساندة.