تثار بين الحين والآخر أحاديث عن وجود تصدعات داخل الفريق الحكومي، بقيادة الاستقلالي عباس الفاسي، على خلفية حسابات خفية ومستترة بين الفرقاء، خصوصا بين حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، اللذين يتواصل الخلاف بينهما داخل ما يسمى بالكتلة الديمقراطية أيضا. تصدعات يقول المراقبون إنها تعكس هشاشة حكومة عباس الفاسي وعدم الانسجام بين مكوناتها. وقد أظهرت مختلف محطات الانتخابات المحلية، التي اختتمت يوم الجمعة الماضي بإعادة انتخاب ثلث الغرفة الثانية للبرلمان، مدى الخلافات بين الأحزاب المشكلة للحكومة وغياب تماسك التحالف الحكومي. لم تكد تهدأ تداعيات المسلسل الانتخابي المحلي، التي توجت الجمعة الماضي بانتخابات تجديد ثلث الغرفة الثانية للبرلمان، حتى تفجر الخلاف داخل الأغلبية الحكومية، خاصة بين قطبيها الرئيسيين، حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وبدأت تلوح إرهاصات التصدع، على خلفية الحديث عن تعديل حكومي جديد قد يعصف ببعض الوزراء ويؤثث الحكومة بوجوه جديدة. التراشق بين الاتحاد والاستقلال وبدأت أولى إشارات التوتر والخلاف بين حزبي عباس الفاسي وعبد الواحد الراضي إثر نشر مقال بيومية حزب الوردة اكتسى لهجة هجومية حادة ضد وزارة الصحة التي تقودها الاستقلالية ياسمينة بادو، التي كان عباس الفاسي نفسه وراء تزكية تعيينها في حكومته، إذ تحدثت الجريدة عن اختفاء تجهيزات طبية من أحد المستشفيات بالدار البيضاء، مباشرة بعد تدشينه من طرف الملك محمد السادس. وجاء المقال الصحافي متضمنا انتقادا قويا فهمه الاستقلاليون على أنه ذو طابع توريطي، إذ أشارت الجريدة إلى أن هناك من يخذل الملك، بعدها نشرت يومية «الأحداث المغربية» مقالا أكدت فيه أن وزيرة الصحة فوتت لنجل الوزير الأول عباس الفاسي، فهر الفاسي، حملة التوعية بمخاطر داء أنفلونزا الخنازير، وهو الأمر الذي دفع بيومية «العلم»، اللسان الناطق باسم حزب الاستقلال، إلى شن هجوم مضاد على «صحافة الاتحاد الاشتراكي المباشرة وغير المباشرة»، متهمة إياها بشن «حملة شرسة جدا ضد أعضاء كثر من الحكومة المغربية باستثناء طبعا الوزراء الاتحاديين». ولم يقتصر الأمر على المراشقات بين الاتحاديين والاستقلاليين على صفحات جريدتيهم، بل تواصل مسلسل التراشق ليبدأ حزب الاتحاد الاشتراكي في إطلاق النار على التجمع الوطني للأحرار، في شخص وزير الاقتصاد والمالية صلاح الدين مزوار، الذي يقود في الوقت الحالي حربا مفتوحة ضد مصطفى المنصوري، رئيس حزب الحمامة، لإبعاده عن دفة التسيير، في خطوة يقول المراقبون إن وراءها الرغبة في إحياء مشروع حزب الأصالة والمعاصرة الأول الذي كان يلح على تكوين جبهة بين الحزبين، بعد إقصاء المنصوري الذي كان ضد الورقة التي وضعتها حركة لكل الديمقراطيين ووقع عليها بعض التجمعيين، من بينهم مزوار نفسه. قد هاجم أحمد الزيدي، رئيس الفريق الاتحادي بالغرفة الأولى للبرلمان، وزير المالية واتهمه بتهميش الأغلبية الحكومية لدى مناقشة مشروع قانون المالية للعام 2010 وتفضيله مناقشته مع الباطرونا. وجمع الزيدي في هجومه كلا من مزوار وعباس الفاسي، حينما اتهم هذا الأخير بالقيام بالمثل في الحوار الاجتماعي، حيث همش النقابات وفضل التفاوض مع أرباب الشركات حول مجموع القضايا التي تهم الحوار مثل قضية الضرائب والزيادة في الأجور. وطيلة اليومين اللاحقين لتصريحات الزيدي، استمر انتقاد يومية «الاتحاد الاشتراكي» لمزوار على أعمدة صفحاتها، وأمام هذه الحروب الداخلية الصغيرة، التي تخفي وراءها استحقاقات سياسية واسعة، فضل خالد الناصري، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، التدخل لتوضيح موقف الحكومة من الموضوع، حيث صرح خلال الأسبوع الماضي بأن إعداد مشروع القانون المالي يمر في ظروف عادية جدا، محاولا إمساك العصا من الوسط في الحرب الضروس بين قطبي الحكومة. وتقول مصادر مطلعة من حزب الاستقلال إن الهدف من حملة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على حكومة عباس الفاسي، التي ولدت وفي قدميها الكثير من الوحل، هو استباق أي تعديل حكومي وشيك وضمان موقع مريح داخل الحكومة، مضيفا بأن الاتحاديين لا يتوقفون في نفس الوقت عن لعب ورقة التهديد بالخروج من الحكومة، كورقة ضغط لكسب مقاعد تليق بموقعهم في الخارطة الحزبية، بينما يقول عبد الصمد بلكبير، عضو الكتابة الوطنية للاتحاد الاشتراكي، إن الحكومة الحالية استنفدت أغراضها ولم يعد لها من مبرر للاستمرار، مضيفا بأنها كانت «حكومة انتقالية» انتهت الحاجة منها. حسابات الأيام القادمة لكن هذا الصراع الذي انفجر بين الاتحاديين والاستقلاليين يخفي وراءه حسابات سياسية أكبر. فالاتحاديون لم يغفروا لعباس الفاسي محاولاته وضع العصا في العجلة خلال حكومة عبد الرحمان اليوسفي، والمحاولات المتكررة التي قام بها الحزب الاستقلالي بلعبه دور المعارضة من داخل الفريق الحكومي نفسه، كما أنهم ربما لم يهضموا أن يكون تعيين الوزير الأول من حزب الاستقلال، فيما يعتبر الاستقلاليون أن الاتحاديين يريدون أن يجعلوا مهمتهم على رأس الحكومة صعبة، من خلال اختيار مبدأ «المساندة النقدية» إزاء حكومة عباس الفاسي، وهي تسمية لموقف الوسط بين المعارضة والموالاة. وقد ظهرت هذه المناوشات بشكل أكبر أثناء إثارة موضوع مدونة السير على الطرقات التي تعدها وزارة الاستقلالي كريم غلاب، والإضراب الذي شنه مهنيو النقل في شهر أبريل الماضي وكاد يشل الحركة في البلاد قبل أن يتدخل القصر لفض الاشتباك ويقدم عباس الفاسي ضمانات للمهنيين بتجاوز المدونة الحالية وفتح نقاش مع الجميع. وتكرر نفس السيناريو مع انطلاق مسلسل الحوار الاجتماعي، حيث ظلت الفيدرالية الديمقراطية للشغل، الجناح النقابي للاتحاد الاشتراكي، تطالب بضرورة الحسم في موضوع الزيادة في الحد الأدنى للأجور وعدم تأخيره، كما يريد الوزير الأول، الذي اعتبر أن الاتحاد الاشتراكي يريد أن يصفي حساباته معه عبر جناحه النقابي.