سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أحزاب الأغلبية تطلق النار على الحكومة وتصيب عباس الفاسي الاتحاد اعتبر مطلب الإصلاحات الدستورية ورقته الرابحة بينما اعتبر الاستقلاليون ذلك نوعا من الابتزاز
قضية التعديل الدستوري ليست أول خلاف داخل الأغلبية الحكومية. ففي يناير الماضي أظهرت الأحزاب المشاركة في الحكومة عجزها عن تشكيل جبهة موحدة أمام المعارضة، ولم يتمكن بنقدور من الفوز في الجولة الثانية إلا بدعم من الفريق الاستقلالي له، بعد انسحاب محمد الأنصاري من السباق، بينما اختار الاتحاد الاشتراكي السير بمفرده وتقديم مرشحة باسمه إلى رئاسة المجلس، كإشارة إلى عدم رضاه عن موقعه في الحكومة. منذ عدة أشهر ومؤشرات تمزق الصف الحكومي تتزايد باستمرار لكي تقنع أي مراقب سياسي بأن الأغلبية التي يقودها عباس الفاسي وحزب الاستقلال ليست في حالة جيدة. البعض ذهب إلى حد وصف الوضع الحالي للحكومة بالموت الإكلنيكي، بالنظر إلى حالة الشتات وعدم الانسجام والحروب الداخلية الصغيرة بين مختلف الفرقاء والضربات المتوالية من تحت الطاولة التي وصلت أخبارها إلى الصحافة ولم تعد سرا، خصوصا بين حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال، قطبي الأغلبية الحكومية والكتلة الديمقراطية التي لم تعد موجودة إلا على الورق. آخر تلك الخلافات، التي فجرت التعايش بين الحزبين العتيدين وباتت تهدد بانفراط عقد الأغلبية، ما حصل حول مطلب الإصلاحات الدستورية الذي وضعه الاتحاد الاشتراكي، وجعل منه الورقة السياسية الرابحة للضغط على الدولة وعلى رفاقه في التحالف الحكومي قبيل موعد الانتخابات الجماعية، البلدية والقروية، المزمع إجراؤها يوم 12 يونيو المقبل. فالاتحاديون لم يبتلعوا هزيمة 7 شتنبر 2007، التي منحتهم موقعا رأوا أنه لا يناسب حجمهم، وقرروا المرور إلى السرعة القصوى بطرح قضية التعديلات الدستورية وإقناع حلفائهم في الكتلة بالسير وراءهم، وهو ما رأى فيه الاستقلاليون نوعا من الابتزاز يريد الاتحاديون ممارسته، مستندين إلى مشروعية الكتلة الديمقراطية، التي كانت قد توحدت في بداية التسعينيات وراء نفس المطلب إلى الملك الراحل الحسن الثاني، الذي أخذ جزءا من مقترحات عريضة الأحزاب الخمسة في الدستور المعدل لعام 1996. ويعتبر الاستقلاليون، حسب ما أسر به مسؤول بحزب عباس الفاسي ل«المساء»، أن توقيت طرح مبادرة عام 1992 تختلف كثيرا عن مبادرة اليوم، لأن بداية التسعينيات كانت بهدف التحضير لتناوب سياسي توافقي على قاعدة شعبية، بينما التوقيت الحالي مغاير تماما، من دون أن يشرح دواعي هذا الاختلاف، علاوة على أن عريضة المطالبة بتعديل دستوري في تلك الفترة كانت مبادرة مشتركة لجميع مكونات الكتلة الديمقراطية، التي كانت وقتها حدثا جديدا ومثيرا ذكّر بالكتلة الوطنية في الخمسينيات، بينما مبادرة اليوم قام بها الاتحاد الاشتراكي بشكل منفرد لتحسين مكانته في الانتخابات وإعادة التفاوض حول موقعه داخل الأغلبية الحكومية، كما أن الكتلة الديمقراطية نفسها فقدت بريقها ولم تعد تصلح كمنصة لإطلاق المطالبة بإصلاحات دستورية ذات تأثير شعبي، مثلما حصل في الماضي. ويبدو أن عباس الفاسي فهم جيدا أن الاتحاديين يريدون جره إلى لعبة اختاروا توقيتها بأنفسهم، بعيدا عن حلفائهم، فأعلن سد الباب أمام أي احتمال لطرح مطلب التعديل الدستوري قبل موعد الانتخابات، كما هي رغبة الاتحاد الاشتراكي، وفي نهاية الأسبوع ما قبل الماضي، لدى اجتماع المجلس الوطني لحزبه في دورة استثنائية، قال الفاسي إن حزبه يربط الإصلاح الدستوري دائما بما تقتضيه المصلحة العامة للبلاد وحاجتها إلى دعم وترسيخ المكتسبات الديمقراطية، بعيدا عن الجدال الذي لا طائل من ورائه، وإن «حزب الاستقلال يمثل مختبرا حقيقيا للأفكار الهادفة إلى تطوير البلاد بعيدا عن أي مزايدة»، وكان واضحا أن الكلمة الأخيرة موجهة إلى رفاق عبد الواحد الراضي الذي تقول المعلومات إنه غير راض عن هذا الموقف، ولكنه يجد نفسه مضطرا إلى مسايرة صقور المكتب السياسي لحزبه. غير أن الخلاف حول قضية التعديل الدستوري ليست أول الخلافات داخل الأغلبية الحكومية. ففي يناير الماضي فاز المعطي بنقدور، من حزب التجمع الوطني للأحرار، برئاسة الغرفة الثانية للبرلمان، بعد كثير من الشد والجذب بين أقطاب الحكومة التي كان كل حزب فيها يريد الدفع بمرشح له إلى رئاسة مجلس المستشارين وقطع الطريق على حزب الحصان الذي يرأس سلفا الغرفة الأولى، في شخص مصطفى المنصوري رئيس الحزب. وقد أظهرت الأحزاب المشاركة في الحكومة عجزها عن تشكيل جبهة موحدة أمام المعارضة، التي قدمت مرشحا لها، ممثلا في محمد فضيلي من الحركة الشعبية، الذي جاء في رتبة غير بعيدة عن مرشح التجمع في الجولة الأولى، ولم يتمكن بنقدور من الفوز في الجولة الثانية إلا بدعم من الفريق الاستقلالي له، بعد انسحاب محمد الأنصاري من السباق، بينما اختار الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية السير بمفرده وتقديم مرشحة باسمه إلى رئاسة المجلس، كإشارة إلى عدم رضاه عن موقعه في الحكومة، رغم علمه سلفا بأن حظوظ مرشحته ضئيلة، بل معدومة. وزاد الطين بلة موضوع الاقتطاع من أجور المضربين في شهر فبراير الماضي، الذي قررته حكومة عباس الفاسي، ثم خرج الاتحاد الاشتراكي مبرئا ساحته من ذلك القرار ومبعدا نفسه عن الغالبية الحكومية. وعلى الرغم من تراجع الوزير الأول لاحقا عن قرار الإضراب فإن بعض القطاعات مثل التعليم والفلاحة شهدت اقتطاعات من رواتب الموظفين المضربين، الأمر الذي أظهر أن الأغلبية ليست في وضع جيد وأن بعض مكوناتها لديها رغبة في توجيه ضربات إلى عباس الفاسي من تحت الحزام. وجاء المسمار الأخير في نعش الأغلبية إثر تصريحات عمدة فاس الاستقلالي حميد شباط، التي وصف فيها الزعيم اليساري المهدي بنبركة بالقاتل، واتهمه بالوقوف وراء التصفيات التي وقعت في مرحلة ما بعد حصول المغرب على استقلاله، وهي التصريحات التي أثارت غضبا اتحاديا واحتجاجا صريحا من كاتبه الأول عبد الواحد الراضي في لقاء جمعه بعباس الفاسي، الذي أبقى على مسافة بينه وبين تلك التصريحات، معتبرا أن للحزب ناطقا رسميا له هو أمينه العام نفسه، وأن تصريحات شباط تلزمه شخصيا ولا تلزم الحزب. لقد أظهرت تلك التصريحات عمق الخلافات بين الاتحاديين والاستقلاليين، لأن الأمر وصل إلى حد تسديد ضربة إلى أكبر رمز لحزب الوردة، ممثلا في بنبركة، مما يعني التشكيك في مشروعيته التاريخية أصلا، وذلك من خلال ضرب مشروعية بنبركة نفسه، الذي حوله الاتحاديون إلى أسطورة أصبح من الصعب المساس بها. كل هذه المؤشرات باتت تنذر بتفكك التحالف الحكومي الحالي، وتلعب لصالح تعديل حكومي، حسب العديد من المراقبين، فقد أظهرت هشاشة الحكومة الحالية وحجم الحسابات السياسية بداخلها، حسابات جعلت الوزير الأول عباس الفاسي يتلقى، وحيدا، ضربات حلفائه.